رأي

الوطن و استراتيجية الغضب

بقلم راي حنانيا

ترجمة مروة مقبول

يشعر العرب وخصوصا الفلسطينيين بالإحباط والغضب بسبب سياسات الحكومة الإسرائيلية التي لا تدمر فرص السلام فحسب، بل إنها تشجع المزيد من العنف والموت. و لكن لا يمكن بناء رد فعل الفلسطينيين والعالم العربي على الفظائع التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية ورفضها للسلام على أساس الإحباط أو الغضب أو المشاعربوجه عام ، بل يجب أن يستند إلى استراتيجية محددة.

يجب على الفلسطينيين أن يعملوا علي بناء تحالفات تقوم علي مواجهة التطرف المتنامي في الحكومة الإسرائيلية و ليس عن طريق عزل إسرائيل كدولة أو الإسرائيليين كشعب ، وقد اتخذ الجانب الفلسطيني في هذا الصدد خطوات جيدة حيث قام  المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بالتصويت على تعليق الاعتراف بإسرائيل كما حثوا على دعم المقاطعة (المقاطعة، سحب الاستثمارات، العقوبات). و لكن تلك الخطوات ليست كافية ، فالفلسطينيون يجب أن يحددوا استراتيجية واسعة النطاق لها اهداف واضحة يمكن تحقيقها. يجب عليهم بناء تحالفات في أوروبا للاعتراف بجرائم إسرائيل علي أرضهم ، لكنهم بحاجة أيضا إلى بناء علاقات مع جماعات إسرائيلية مؤيدة للسلام مثل “السلام الآن” ، ” جيه ستريت” ، “الصندوق الإسرائيلي الجديد” ، ” الصوت اليهودي من أجل السلام” ، والمقاتلين من أجل السلام  وجميع المنظمات التي حظرتها إسرائيل مؤخرا و التي يصل عددها الي 19 منظمة.

ومع ذلك، هذا لا يزال غير كاف.

يحتاج الفلسطينيون أيضا الى حملة للضغط على العالم العربى لانهاء جميع العلاقات مع اسرائيل حتى تعترف اسرائيل بقيام دولة فلسطين. يجب أن يسير الأمر علي هذا النحو ليقف العرب موقف واضح ضد سياسات اسرائيل المقاومة للسلام . وما دامت الدول العربية تواصل الدخول في علاقات مفتوحة أو مغلقة مع إسرائيل، وطالما أن الأردن ومصر هما الدولتان العربيتان اللتان وقعتا اتفاقات سلام مع إسرائيل و لا يزالان يحافظان على علاقاتهما مع الحكومة الإسرائيلية ، فأي مجهود تقوم به فلسطين في هذا الصدد لن يكون له الصدي المرجو.

تحتاج منظمة التحرير الفلسطينية أيضا إلى تولي قيادة حركة المقاطعة، و لكنها  تحتاج الي توحيد صفوفها في بداية الامر ، فبعض قادة المقاطعة يعارضون اقامة علاقات مع المستوطنات الإسرائيلية العنصرية وغير القانونية،  و البعض الاخر يطالبون بوقف أي علاقات مع إسرائيل أو الإسرائيليين. وهذه الأخيرة لها تأثير مدمر فهي بذلك تعطي القوة لحركة إسرائيل المتطرفة. فالمقاطعة واسعة النطاق لكل ما هو اسرائيلي يشجع حركة الاستيطان  وتدعم الحكومة اليمينية المناهضة للسلام.

وفي أعقاب هذه الاستراتيجيات، يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تعزز الصوت العربي داخل المجتمع الذي يناهض التمييز العنصري داخل إسرائيل. وبدلا من حث العرب على مقاطعة الانتخابات في إسرائيل، يجب أن يطالبوا بأن يصوتوا وأن يفعلوا ذلك كصوت وحيد للسلام. إن العرب داخل إسرائيل لا يفهمون إمكاناتهم الحقيقية لتغيير الدولة .

إن الحل القائم على وجود دولتين لا يكون مستحيلا إلا إذا آمن الفلسطينيون والعرب باستحالة تحقيقه. ولا يهم ما يفعله الجناح العنصري داخل إسرائيل لعرقلة السلام وتوسيع المستوطنات بل وانتهاك القوانين الدولية من أجل إعاقة تنفيذ هذا الحل . الفلسطينيون و الكثير من الإسرائيليين يعرفون جيدا ان حل وجود الدولتين هو البديل الوحيد لمستقبل مليء بالعنف و معاناة مستمرة من الجانبين.

يجب قيادة المقاطعة بطريقة أخلاقية لا تخلق أعداء من حلفاء محتملين داخل إسرائيل، و أن تعيد التركيز على المستوطنات ، وأن تعبر بوضوح عن أنها حركة تسعى إلى السلام ، و إن القيام بأعمال تجارية مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة وداخل القدس الشرقية هو جريمة حرب دولية.

لا يهم ما يقوله الرئيس ترامب عن القدس، و نقل الولايات المتحدة سفاراتها اليها ، هي  وبعض الأنظمة الفاسدة مثل حكومة غواتيمالا حيث يمكن عكس هذه الإجراءات إذا تم تنفيذ الحل القائم على وجود دولتين. ولكن لا يمكنك أن تهزم التطرف الإسرائيلي من خلال تبني سياسات متطرفة بالمثل. لا بد أن يقوم الفلسطينيون بالبحث عن افضل الطرق لمواجهة سياسات الحكومة الاسرائيلية و التصدي للتحديات الكبري مثل افتقار العالم العربي للوحدة والعمل لمواجهة الانتهاكات المستمرة للحكومة الاسرائيلية للقوانين الدولية وحقوق الإنسان .

يجب أن يتحول فكر الجميع الي تبني المبادئ التي يمكنها أن تقود استراتيجية ناجحة لمواجهة التطرف في حكومة إسرائيل. فالأمر يتطلب وضع خطة تواصل بسيطة يمكن من خلالها النجاح و الوصول الي قلوب وعقول الناس في العالم. و الأهم من ذلك، يجب على الفلسطينيين والعالم العربي أن يقوموا بتنفيذ ما يسمي باستراتيجية ” العلاقات العامة و الشؤون العامة”  للتأثير على الرأي العام الأمريكي وتغييره.

وتتأثر السلطة الإسرائيلية بعاملين هما ، تجاهل الحكومة الإسرائيلية التام لسيادة القانون الدولي  ودعم أمريكا التام. فهناك حاجة الي استراتيجية اتصالات قوية  لمواجهة أكاذيب وتشوهات ونفاق السياسيون الأمريكيون التي يضللون بها الشعب الأمريكي.

يتعاطف الأميركيون، ومعظمهم من المسيحيين، مع الفلسطينيين إذا فهموا بشكل أكثر وضوحا أن إسرائيل لا تنتهك فقط حقوق الفلسطينيين والعرب، ولكنها تنتهك أيضا حقوق المسيحيين علي الأرض المقدسة. إن إسرائيل تعرف جيدا مدى أهمية العرب المسيحيين للأميركيين، و لذلك يقوموا باستغلال كل الفرص المتاحة لتشويه الحقيقة و تؤكد دائما أن إسرائيل هي حامية المسيحية. و في المقابل لا يمكن القول إن العرب المسيحيين حصلوا على مزيد من الدعم من الشرق الأوسط الإسلامي أكثر من أي منطقة أخرى. و لذلك يجب على الفلسطينيين والعرب مواجهة دعاية إسرائيل المضللة في العلاقات العامة، خاصة في أمريكا. ولن يكون الأمر مكلفا كما قد يعتقد البعض. لا بأس أن نكون غاضبين ردا على استمرار فظائع الحكومة الإسرائيلية. فالإحباط والغضب والعاطفة له ما يبرره ،  ولكن إذا أراد الفلسطينيون والعرب إبطال التطرف الحكومي الإسرائيلي، فعليهم أن يعززوا صوتهم ليس داخل إسرائيل فحسب بل في أمريكا أيضا. وللتغلب على التطرف الإسرائيلي، يحتاج الفلسطينيون والعرب إلى تجاوز غضبهم وجعل السلام مع العدالة حقيقة واقعة.

راي حنانيا ، صحفي فلسطيني أميركي ، مؤلف و كاتب مقال في الموقع الاخباري Arab News

الموقع الرسمي للكاتب  :  http://www.thedailyhookah.com/

البريد الألكتروني [email protected]


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى