رأي

الشباب والهُوية الإسلامية

بقلم: د. محمد فاروق

يعاني الانتماء العقدي والفكري لدى الشباب المسلم – بصورة عامة وفي المجتمعات الغربية بصورة خاصة – ضعفًا قد يصل في بعض الحالات إلى الذوبان في الثقافات الأخرى ، بل والإحساس بالخجل والأسف من الانتماء للهوُية الإسلامية  ومحاولة التنصل من كل ما هو إسلامي سواء على المستوى الفكري وعلى المستوى السلوكي ؛ حتى يمكننا القول بأن الأزمة الحقيقة التي تعانيها الأمة الإسلامية اليوم : هي أزمة هُوية . فالهُوية هي حقيقة الشيء التي تُميزه عن غيره  وتصبغه بصبغة ذاتية ، تمده القوة والحيوية والقدرة على البقاء وهي بالنسبة لأمة ما مجموعة من : حقائق ، وأفكار ، وتاريخ ، وثقافة ، وحضارة وسلوكيات ، وعادات  وتقاليد ، وآداب ، وأخلاق ، مشتركة لتلك الأمة ، تختص بها وتميزها عن غيرها .

أمّا الهُوية الإسلامية : فهي الانتماء إلى الدين الإسلامي الصحيح والذي هو من عند الله تعالى ، وفق ما صح عن رسول الله – محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم – إلى البشرية جميعًا وإلى عقيدة التوحيد ، والتي هي أعظم فكرة حملها الإسلامُ للبشرية . وما يترتب على ذلك من اصطباغ الإنسان بصبغة الإسلام فكرًا وسلوكًا  في كآفة جوانب الحياة ، بداية من الإعتقاد وحتى الشكل الظاهر في الملبس والزي والهيئة ، وذلك من خلال أطر عامة تحكم الحياة ، مع ترك التفاصيل تُحدد وفقًا للواقع المتجدد المتغير ، بما يحقق مصالح الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة .

وربما يلتمسُ المرءُ العذرَ لشباب الأمة الإسلامية اليوم ، فهم جيل صَكت مسامعه منذ نعومة أظافره عبارت التشوية والتشنيع بالإسلام ، ومورست عليه مجموعة كبيرة من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية ، أضف إلى ذلك حالة الضعف والتخلف والترجع التي يعيشها المسلمون اليوم في كآفة المجالات – والمغلوب كما يقول ابن خلدون : مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده – وفقد الصلة بالتراث الفكري الإسلامي  وغياب القدوة ، وغياب تعاليم الدين ، والفراغ النفسي والمعنوي المسيطر على كثير من الشباب … كل ذلك وغيره أدى إلى ضعف هُوية الشباب ؛ فأنتج هذا الواقع الأليم ثلاثة أصناف من الشباب : صنف تطرف في أفكاره فأفسد أكثر مما أصلح وقدم لخَصمه سهمًا مسمومًا ليطعن به الإسلام . وصنف مُسخت هُويته تمامًا  فانسلخ من عقيدته ودينه ودفعه الانبهار بالغرب وحضارته ، مع شعوره بالدونية والإنكسار، إلى التحرر من قيمه وأخلاقه ودينه ، منتهجًا نهجًا إباحيًا مقيتًا . وصنف ثالث ظل مُتشبثًا بحبل النجاة الموصول بسفينة الإسلام الراسخة وقيمه السامقة  وتعاليمه النافعة ، ومنهجه القويم ، يستمد أفكاره من دستور الإسلام الدائم القرآن والسنة ، مُستصحبًا فهم الأوائل لتلك النصوص ، مُسترشدًا بعلماء الأمة الكرام فهُدي إلى صراط مستقيم .

ولعل أول وأنفع الوسائل لرد الشباب إلى هُويته الإسلامية أن يُدرك الشباب مدى أهمية ومكانة هذه الهُوية في الحفاظ على ذاته وشخصيته ، وأن الهُوية الإسلامية هي أكمل وأفضل الأطروحات الموجودة ؛ وذلك من خلال تصحيح المفاهيم الخاطئة التي ألصقها البعض بالإسلام – بقصد أو بدون قصد – فالإسلام دين العمل والنظام  والرحمة ، والمحبة ، والتعاون ، واحترام الآخر ، والتعايش معه ، بل هو يكرم الإنسان دون النظر إلى لونه أو جنسه ، فهو دين يضمن لمعتنقه السعادة في الدنيا والآخرة . كما يجب التفريق بين الفكر الإسلامي كفكر مجرد وبين المعتنقين له في أرض الواقع ، فلا يُحكم علي الإسلام من خلال أفراده ، بل يُحكم عليه من خلال محتواه الفكري المجرد بموضوعية مستقلة تمامًا عن معتنقيه ، فالفكرة شيء وتطبيقها من قبل أفراد معينين شيء آخر، فمن الظلم للإسلام أن يُحكم عليه من خلال أفراد ربما لا يحسنون فهمه ، أو لا يحسنون تطبيقه ، فتجد الإسلام مثلًا يدعوهم إلى العمل والجد ويعتبر من يسعى لتحصيل الرزق كالمجاهد في سبيل الله ثم تراهم في ذيل الأمم حضارةً وتقدمًا . ثم يأتي دور المؤسسات الاجتماعية : الأسرة ، المدرسة ، المسجد ، الجامعة ، الإعلام  ، والتي يجب عليها ترسيخ الهُوية الإسلامية ، والإعتزاز بها وبلغتها العربية ، من خلال بيان محاسنها  وأهميتها  وغرس مبادئها الاعتقادية والإيمانية والأخلاقية في نفوس الأطفال الصغار ، ليشبوا متشبعين بأفكارها مستظلين بظلها .

الحفاظ على الهُوية الذاتية للإنسان ، يحمل في طيأته رسالة سلام وأمان للآخر الذي يصبح لدية صورة واضحة لك ، يمكنه أن يرسمها من خلال  أفكارك وعقائدك ؛ ومن ثم يصبح التعامل أكثر سهولة ونفعًا ، بدلًا من الغموض الذي يؤدي حتمًا إلى اضطراب وتخوف وحذر في التعاملات ، خاصة وأن الإسلام قد رسم صورةً جليةً للتعامل مع الآخر ،  باعتباره إنسانًا له كل ما للمسلم من حقوق ، وقدم له كل الضمانات – من خلال نصوص قطعية الثبوت والدَلالة – التي تجعله يعيش في أمان وسلام حقيقي مع المسلمين . كما أنّ الحفاظ على الهُوية ، لا يعني أبدًا الإنغلاق والعُزلة والتقوقع في داخل شرنقة الذاتية ، بل على العكس تمامًا فصاحب الهُوية الواضحة يتعامل مع كل الأفكار وكل الأطياف دون خوف أو تردد ؛ لأنه ببساطة واثق في هُويته  مؤمن بعقيدته.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى