رأي

السياسة الأمريكية في عهد “ترامب”

مروان سمور

إن افتقار ترامب للخبرة السياسية الدولية، أو عدم امتلاكه لرؤية محددة لما يجب أن تكون عليه توجهات بلاده في المراحل المقبلة، والتناقض الواضح في رؤيته للفاعلين البارزين في العالم، مرده أنه لم يكن يومًا معنيًا بالشأن السياسي في السابق، عوضًا أن يكون قد مارسه أيضًا.

لقد تبنی ترامب مبدأ “أمريكا أولًا”، بمعنى: أنه لا يجب على أمريكا أن تؤمن مصالح غيرها أو تضعها في الاعتبار، أن كانت تتعارض مع المصالح الأمريكية، أو لا تخدم هذه المصالح أولًا. وأن أمريكا ليس عليها أن تتحمل عبء حماية أو دفاع عن دول أخرى دون ان تدفع تلك الدول عن ذلك مقابل .

ومن أجل ان نفهم سياسة وتوجهات ترامب من القضايا المختلفة وطريقة تعامله مع الدول، لا بد لنا أن نتعرف على أبرز مواقفه من معظم هذه التوجهات:

عقيدة ترامب ومفهوم الصفقة: ترتكز عقيدة ترامب على أن حجم انخراط أمريكا في قضايا العالم، سوف يرتبط بمقدار ما تحققه من منافع للولايات المتحدة، وامثلة على ذلك ” ما برز في تصريحاته في مراجعة التعاون مع حلف الناتو، واتفاقية نافتا والتبادل التجاري مع الصين وموقفه الرافض للعولمة “.

الخطر الاستراتيجي: جل ما فعله ترامب وما يزال مستمرًا فيه للآن هو توجيه بوصلة الأميركيين ومؤسساتهم نحو الأعداء الرئيسيين: روسيا والصين . وان مقارباته بان الصين هي أخطر بكثير من روسيا.

الحروب التجارية: شن ترامب الحروب التجارية على الجميع، وخالف قوانين منظمة التجارة العالمية، واستخدم القوانين المحلية لمعاقبة الشركات الأجنبية لممارسة الأعمال مع دولة معينة.

فقد شن ترامب حربا تجارية ضد أكبر شركاء بلاده التجاريين، سواء مع الصين أو الاتحاد الأوروبي، وانسحب من معاهدة باريس للمناخ، واتفاقية نافتا للتجارة الحرة مع المكسيك وكندا.

التدخل العسكري: تبنى ترامب هدف سحب قوات بلاده “من الحروب الأميركية التي لا تنتهي ولا طائل من ورائها”، وقد مثل هدف سحب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق وسوريا أحد أعمدة سياسته الخارجية.

الموقف من الهجرة إلى أمريكا: يقف ترامب مواقف معادية للهجرة إلى حد يصل الى منع فئات معينة من الانتقال إلى أمريكا، وخاصة من بعض بلدان الشرق الأوسط، ومنع إصدار تأشيرات دخول لمواطني عدد من الدول الإسلامية وهي (سوريا وايران والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن) .

العلاقة مع الإعلام الأمريكي: في عهد ترامب وقفت معظم وسائل الاعلام الامريكية الليبرالية مثل قناة “سي ان ان” وصحف “الواشنطن بوست” و”النيويورك تايمز” مواقف مضادة لسياساته وقراراته، ووقفت معه بالمقابل وسائل الاعلام اليمينية كالفوكس نيوز على سبيل المثال.

العلاقة مع الأوروبيين وحلف الناتو: يتبنى ترامب لهجة حادة باتجاه أوروبا ويطالبهم بأن يكون الإنفاق العسكري لأعضاء الناتو بنسبة 2% من ناتجهم القومي. ويطالبهم بشراء الغاز الصخري الأمريكي، وضرورة تامين احتياجاتهم من النفط بعيدًا عن الغاز الروسي.

الموقف من الإسلام والإسلام السياسي: ترامب يدين الاسلام السياسي بشدة، ويتهم أوباما أنه ساند وصول الإخوان المسلمين للسلطة في مصر وفي غيرها من الدول، وقد هاجم سياسته المثالية المؤيدة لتاييد الثورات، واتهم سياسته بأنها صنعت الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، عبر تعامله بواقعية مع نتائج الانتخابات الحرة.

التعامل مع الشرق الأوسط: أعطى الأولوية لتركيز الاتجاه نحو آسيا وبالذات لاحتواء الصين، في الوقت الذي توفرت بدائل للطاقة لأمريكا من خلال النفط الصخري الامريكي، فلذلك ضعف الاهتمام بالخليج العربي وبالشرق الاوسط كما السابق .

الموقف من القضية الفلسطينية: عمل ترامب على تقليص الدعم عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، واعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، ويعكف ترامب حاليًا على ترتيب الحلقات الأخيرة لمشروع «صفقة القرن».

العلاقة مع دول الخليج: يعتبر توجه ترامب نحو دول الخليج بخاصة السعودية أكثر ميلا من سلفه أوباما، والتي قدمت له الأخيرة أكثر من 480 مليار دولارعلى شكل صفقات أسلحة واستثمارات في الداخل الأمريكي.

 التعامل مع إيران: تبقى سياسة إدارة ترامب تجاه إيران عازمة في الغالب على الحد من نفوذ طهران الإقليمي، ومحاولة احتوائها واضعاف اجنحتها في المنطقة، والحد من قدرتها على تصنيع القنبلة النووية.

العلاقة مع النظام المصري: بعد فوز ترامب شهدت العلاقات بين مصر وأمريكا أعلى مستوى من التنسيق المشترك بينهما , وتجاهلت إدارة ترامب قضايا “حقوق الانسان وحرية التعبير” في مصر التي كانت تطرحها في السابق إدارة سلفه أوباما.

التعامل مع القضية السورية: أما سياسة ترامب فهي عدم التورط في النزاع السوري، وأن بلاده “لا تسعى إلى وجود لأجل غير مسمى في سوريا تحت أي ظرف من الظروف”، حيث اوقف كل اشكال الدعم عن المعارضة السورية المسلحة باستثناء الدعم المقدم لقوات سوريا الديمقراطية “قصد” ذات الاغلبية الكردية التي تحارب تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، واستراتيجيته هي الإنسحاب كليًا من الغرق في رمال الحرب السورية.

وكان ترامب قد حذر النظام السوري من استخدام الكيماوي ضد شعبه، وعندما قام الأسد باستخدامه، فكان الرد مباشرة بقصف أهداف داخل سوريا  بمشاركة كل من فرنسا وبريطانيا.

 وبالنهاية: فإن ترامب جاء من خارج المؤسسات والنخب التقليدية والسياسية الأميركية، ما يؤشر لصالح وجود احتمالية عالية لديه للمجازفة التي تصل إلى حدود التهور .

والخلاصة: أن سياسة ترامب لا تعتبر امتدادًا لسياسة جورج بوش الابن عبر القوة الخشنة، ولا هي استمرار لسياسة باراك أوباما عبر القوة الناعمة، وإنما هي مزيج بين الاثنين. وأن شعار “أمريكا اولًا” الذي تبناه ما هو – في بعض الأحيان – إلا مسعى لتحقيق المصالح الأمريكية القصيرة المدى على حساب المصالح الأمريكية الاستراتيجية بعيدة المدى. وإن شئنا أن نقول هو شعار أنه “لا ركوب معنا بعد الآن سيكون مجانًا”.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى