رأي

البرجماتية في أجلي معانيها

دكتور حسن عبد ربه المصري *

لابد انكم معشر القراء الكرام قد لا حظتم معي مدي قناعة الغرب بمفهوم البرجماتية في أجلي صوره خلال الأسابيع الستة الماضية .. علي الاقل في صورتين ذواتي صلة مباشرة بدول الشرق الأوسط ..

الأولي .. تفضيل الرئيس الأمريكي الإبقاء علي مصالح واشنطن الإستراتيجية بكل مشتملاتها مع الرياض ، في مقابل عدم قناعته ” التامة القاطعة ” بما جاء في تقارير اجهزته الأمريكية حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي فهو يميل للتصديق بنسبة 50 % وللتكذيب بنفس النسبة ” .. لأن أمريكا لا تستطيع – كما صرح أكثر من مرة – الإستغناء علي شبكة مصالحها مع المملكة العربية السعودية بدءاً من توفيرالنفط في السوق العالمية بسعر مناسب ، وانتهاءا بموقفها المتين تجاه محاربة الإرهاب بكل صوره خاصة ما تمثله الجمهورية الإسلامية الإيرانية ..

ليس الهدف هنا كيل الإتهام للسعودية في هذه القضية ، فهذا أمر لا نسعي إليه .. ولكن لإبراز مدي مصداقية سياسة البيت الابيض ” المعلنة والخفية ” للحفاظ علي مستويات المصالح شديدة الارتباط بالاستقرار في داخل المملكة وفي محيطها العربي والإسلامي ، برغم إختلاف وجهات نظر الطرفين حول بعض الملفات ذات الصلة المباشرة بالمنطقة وبالذات فيما يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني ..

والثاني .. ترحيب حكومة تريزا ماي بالعفو الرئاسي الذي حظي به الباحث البريطاني ماثيو هيدجز المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة ، بعد أن صدر عليه حكم بالسجن المؤبد بتهمة التجسس لصالح اجهزة بلاده الأمنية ..

لست في صدد مناقشة أبعاد القضية .. ولكن لإظهار مدي تصالح وسائل الاعلام البريطانية مع نفسها !! عندما نددت بالحكم الذي اصدرته احدي محاكم ” دولة الإمارات التى لا تراعي حقوق الانسان ” كما جاء في تقارير صحفية ، واعترفت في نفس الوقت بحاجة المملكة المتحدة لدولة الإمارات التى يعمل بها ” آلآف المستشارين البريطانيين ، وتعد رابع دولة خارج السوق الأوربية في جدول المستوردين للمنتجات والمصنوعات والخدمات البريطانية ” ..

هذه البرجماتية ” المفضوحة ” كما وصفته اقلام تصر علي ” ضرورة قيام العلاقات السياسية والإستراتيحية علي منظوكة من الأخلاق ” .. تنكر تزاوج المصالح وتنافر الرؤية المحدودة لأن السياسة لا تعرف المبادئ ولا الأخلاق ..

الإدارة الامريكية والحكومة البريطانية لا تهتمان سوي بالمصالح الإستراتيجية العليا الدائمة لكل منهما .. سواء كان الحكم للديموقراطين او الجمهورين في واشنطن !! او للمحافظين او العمال في لندن ..

الحقوق الانسانية والنشاط السياسي والتفاعل مع قضايا الوطن ومناصرة الديموقراطية والقبول بالاصلاحات السياسية والاقتصادية ورعاية مصالح الاوطان .. الخ .. كلها اكلاشيهات تظهر وتختفي وفق منظومة ترتب المصالح وفق اللحظة القائمة .. المطالبة بمحاكمة كبار المسئولين عن مقتل الصحفي السعودي ورقة ، تظهر وتختفي وفق الحاجة .. قطع العلاقات مع دولة الامارات ” طق حنك ” لتنويع الوان الصورة ..

لكن الحقيقة التى لا مراء فيها هي ..

مصالح امريكا واحتياجاتها أولا والمملكة المتحدة كذلك ..

أما تلك الدول التي بادرت بوقف صفقت السلاح وطالبت بمواصلة الضغط هنا وهناك وتنادت بوقف الزيارة لهذه وتلك ، فليس لها التأثير الفعال الذي يمكن ان تحدثه واشنطن ولندن في المنطقة ..

لننظر بعمق لـ ..

برجماتية دول الغرب حيال التصادم الذي وقع مؤخراً بين اوكرانيا وروسيا حول المياه الإقليمية لكل منهما ، لقد قوبل بالشجب والإدانة .. وهو لن يخرج عن مستوي كلمات بيانات الإنكار الملتهبة .. لأن مصالح كل العواصم الغربية صانعة القرار – بلا إستثناء مرتبط  بموسكو اكثر بكثير من إرتباطه بكييف ..

نماذج البرجماتية كثيرة وشبه يومية ..

اقول .. دفعني للتذكير بالمثالين اللذين استعنت بهما لعرض وجهة نظري ، كان مصدره ، للأسف الشديد ، الغياب الكامل لهذا المفهوم علي مستوي الكثير من الدول العربية ..

[email protected]


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى