رأي

إلهان عمر.. الأمر لا يتعلق بالمال فقط

بقلم: راي حنانيا – ترجمة: مروة مقبول

لا تجد إلهان عمر, عضوة الكونجرس الأمريكي المنتخبة حديثًا، أي حرج في أن تُشمّر عن سواعدها وتواجه القضايا الشائكة دون أن تخشى شيئًا، مما جعلها تثير ردود أفعال عنيفة من جانب الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.

عضوة الكونجرس بولاية مينيسوتا، وهي واحدة من امرأتين مسلمتين في مجلس النواب الأمريكي، أثارت الجدل هذا الأسبوع عندما ردت على تغريدة للصحفي غلين غرينوالد.

ويعرف المؤسس المشارك لصحيفة ( Intercept) الإلكترونية بكتاباته عن ادوارد سنودن صاحب موقع التسريبات الشهير”ويكيليكس”.

كما انتقد غرينوالد عضو الكونجرس الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا، كيفين ماكارثي، الذي طالب زملاءه بفرض الرقابة على إلهان عمر ورشيدة طليب بسبب انتقاداتهما القوية لإسرائيل التي لا ننسى أنها دولة أجنبية.

وكتب غرينوالد قائلاً: “زعيم الحزب الجمهوري كيفن مكارثي يهدد بفرض عقوبات على إلهان عمر ورشيدة طليب بسبب انتقاداتهما لإسرائيل.. كم يعد مذهلاً ذلك الوقت الذي يقضيه الزعماء السياسيون الأمريكيون في الدفاع عن دولة أجنبية، حتى لو كان ذلك يعني مهاجمة حقوق حرية التعبير التي يتمتع بها الأمريكيون”.

ودفعت تلك التغريدة إلهان عمر إلى الرد أيضًا على تويتر: “الأمر كله يتعلق بطفل البينجامينز”، في إشارة إلى المال الذي تنفقه كلا من إسرائيل واللوبي الإسرائيلي ومؤيدوها ببذخ على الموارد السياسية للمسئولين المنتخبين مثل مكارثي.

 وكلمة “بنجامين” هي كلمة عامية تشير إلى النقود فئة 100 دولار التي تحمل صورة لبنجامين فرانكلين.

وعلى الفور، بدأ مكارثي وغيره من المؤيدين لإسرائيل بإدانة إلهان عمر، زاعمين أن أي إشارة تربط “اليهود” و”المال” هي معادية للسامية. ولجعل الأمر أسوأ، نشرت وسائل الإعلام الأمريكية المتحيزة، مثل “سي إن إن” و”واشنطن بوست”، القصة من الجانب السلبي لمعاداة السامية، بدلاً من استكشاف حقيقة  تلك الأموال التي تدعم إسرائيل بها العديد من كبار رجال ونساء الكونجرس وأعضاء مجلس الشيوخ.

ووفقًا لموقع (Open Secrets) الذي يراقب ويتعقب الأموال داخل المسرح السياسي في الولايات المتحدة، فقد تلقى مكارثي في ​​العام الماضي وحده أكثر من 33 ألف دولار من التبرعات السياسية المواليّة لإسرائيل، كما حصل عضو الكونجرس في ولاية تكساس بيتو ورورك، المناهض للعرب، على أكثر من 690 ألف دولار من مؤيدي إسرائيل.

وفي عام 2016، تلقى مكارثي 59 ألف دولار من مجموعات مؤيدة لإسرائيل، في حين أن أكبر تبرع في تلك السنة ذهب إلى السناتور تامي داكويرث من إلينوي، والتي حصلت على 290 ألف دولار.

واحتفظ  زعيم الحزب الجمهوري بمكانته كتابع لإسرائيل من خلال تلقيه مبالغ بشكل منتظم، حيث حصل على مبلغ 47 ألف دولار في عام 2014، و23 ألف دولار في عام 2012 و15 ألف دولار في عام 2010.

لكنه لم يحصل على شيء في عام 2008 لأن هذه كانت فترته الرئاسية الأولى ولا ترغب جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في تقديم مبالغ نقدية كبيرة في صورة تبرعات دون أن تعرف مسبقا أن السياسي الأمريكي مستعد لتقديم تنازلات أخلاقية، وتقويض حكم القانون، وعدم الالتفات لحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن دولة أجنبية مثل إسرائيل.

فكل ما قيل هو أن السيد مكارثي قد تلقى أكثر من 175 ألف دولار أمريكي من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، وهو ما يعني حصوله على  الكثير من (البينجامينز).

ويقوم أعضاء جماعات الضغط والممولين الإسرائيليين بتوزيع ملايين الدولارات كل عام لمساعدة السياسيين الأمريكيين على البقاء في مناصبهم، طالما أنهم يطيعون الأوامر التي تتمثل في عدم توجيه النقد لإسرائيل، ومعارضة حركة BDS والتي تعني(مقاطعة، سحب الاستثمارات، العقوبات)، وغض الطرف عن قمع إسرائيل الوحشي للمدنيين الفلسطينيين، وتجاهل سرقة إسرائيل للأراضي المسيحية والإسلامية لبناء مستوطنات يهودية فقط.

وفي الواقع  يقوم زعيم الحزب الجمهوري مكارثي بعمل جيد في مقابل المبالغ التي يحصل عليها، فهو يتجاهل جميع المبادئ. فهو جمهوري، وقد يختلف مع الديمقراطيين الذين يعارضون إقامة الجدار العازل الذي اقترحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على طول الحدود المكسيكية.

 لكنه لا يمانع على الإطلاق في الانضمام إلى الديمقراطيين في الموافقة على إرسال أمريكا 4 مليارات دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين كل عام إلى إسرائيل، لمساعدتها في تغطية تكاليف جدارها الضخم الذي يسجن الفلسطينيين ويسرق المزيد من الأراضي والموارد الفلسطينية، وخاصة المياه.

إن انتقاد المسئولين المنتخبين لقبولهم أموالاً من أفراد للقيام بمناصرة بلد أجنبي ليس “معاداة للسامية” على الإطلاق. ومع ذلك، عند طرح هذه القضية تفشل جماعات الضغط الموالية لاسرائيل في طرح مناقشة صادقة و عقلانية، فانهم يلجئون إلى تشويه من ينتقدونهم. وبقيامهم بذلك، فإنهم يخففون من حدة التهديد الحقيقي الذي تشكله معاداة السامية، وهي العنصرية غير المقبولة على الإطلاق.

ويوضح تعليق إلهان عمر حقيقة أساسية تتعلق بالسياسيين الأمريكيين، وهو أن إسرائيل وأنصارها   وضعت الكونجرس الأمريكي ومجلس الشيوخ في مأزق سياسي. فإذا لم يقم أي سياسي بأداء فروض الطاعة، فسيتم استهدافه، وبدلاً من التبرع بالمال لصالح حملته، فإنهم ييمنحونها للمتنافسين والمعارضين.

وعندما يقوم أي شخص بتوزيع الملايين من الدولارات سنويًا لشراء النفوذ والدعم، فمن المؤكد أنه سيكون لديه الكثير من (المطيعين) داخل حكومة الولايات المتحدة لتنفيذ ما يريده بالضبط.

والحقيقة الأخرى التي يوضحها التعليق هي أن إيجاد ذريعة لإسرائيل لمواصلة ارتكابها لانتهاكات حقوق الإنسان وسرقة الأرض وجرائم الحرب، لم يكن مقصورًا فقط على ترامب والجمهوريين فحسب، وإنما أيضا على الكثير من الديمقراطيين.

فهناك سياسيون مثل هيلاري كلينتون يبتسمون في وجهك وهم يحثون على السلام، لكنهم يدعمون  سياسات تقوض حقوق الفلسطينيين، لأنهم ببساطة لا يريدون المخاطرة بحياتهم المهنية أو نصيبهم من (البينجامينز).

ومع ذلك، ربما تكون إلهان عمر مخطئة، فالأمر لا يتعلق بالمال فحسب، وإنما هو أبعد من ذلك بكثير. فحين يكون لدى حكومة إسرائيل، على سبيل المثال، إستراتيجية ضغط جيدة التمويل للحفاظ على أصدقاءها السياسيين تحت سيطرتها، فإن العرب، حرفياً، لا يفعلون شيئاً من هذا القبيل.

وهذا أمر مثير للسخرية، لأن العالم العربي غني بالثروات التي غالبا ما يهدرها على أشياء تتمثل في يخوت بملايين الدولارات، وقصور على شاطئ الريفييرا الفرنسية، وسيارات رياضية مغطاة بالماس، والقمار، وغيرها من وسائل الترفيه الغريبة.

ليس لدى العالم العربي ولا حتى الجالية العربية الأمريكية جماعة ضغط (لوبي) ، على الرغم من أن هذا ما يُفتَرض أن يهتم به السياسيون الديمقراطيون .

والأمر الذي يثير السخرية بدرجة أكبر، أو ربما يثير الإحباط و الحزن، هو أنه في الوقت الذي تنفق فيه إسرائيل الملايين سنويًا على استراتيجيات إعلام مهني قوي، لقلب الحقائق، وتصوير انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان على أنها “دفاع عن النفس ضد إرهابيين” أو “دفاع عن النفس”، لا ينفق العرب شيئًا في هذا الشأن.

في الواقع، ليس لدى العرب أي إستراتيجية “علاقات عامة” تستحق التقدير. ربما لا يعرف معظم العرب حتى كيف يكتبوا بيانًا صحفيًا يثير اهتمام الأمريكي العادي، وليس اهتمام عضو في الكونجرس أو مجلس الشيوخ الأمريكي، على الرغم من أن الحق إلى جانبهم: العدالة، حقوق الإنسان، قانون دولي، واتفاقية جنيف الرابعة، ومع ذلك فهم لا يستغلون أي شيء لصالحهم .

يستسلم العرب في المجال السياسي لإسرائيل، مثلما يخسر فريق كرة القدم ببساطة عن طريق عدم التنافس، وبالتالي يخسر المباراة. نحن -الدول العربية والمواطنون العرب الأميركيون على حد سواء- بحاجة إلى استحداث إستراتيجية دفاع نمولها بأموالنا و(البنجامينز) الخاصة بنا. وعندئذ فقط ربما سنلعب بتكافؤ، إذا استخدمنا مجازًا المقارنة بمباراة كرة القدم مرة أخرى.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ن

للاطلاع على الرابط الأصلي:

https://www.middleeastmonitor.com/20190212-it-isnt-just-about-the-benjamins-ihlan/?fbclid=IwAR3-sR3xU7Rcjcb5wqFSsG0wD3fuAGn9wJR2und9VIqN4KoVbwR8cqEFDDE#.XG9vjz9bsco.facebook


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى