رأي

“إعادة الإعمار”.. من أكبر العناوين المضللة

أحمد محارم / نيويورك *

“إعادة الإعمار”.. من أكبر العناوين المضللة

بعد إنتهاء الحروب في مناطق متعددة بمنطقة الشرق الأوسط، أطل علينا جهابذة السياسة الدولية بمصطلح جديد في علم السياسة لم يكن متعارف عليه على الأقل في حدود النطاق الجغرافي الذى نعيش فيه بمنطقة الشرق الأوسط.

والمقصدود بهذا المصطلح أن هناك خراباً أو دماراً قد وقع بسبب الحروب والمطلوب بعد أن تهدأ الأمور أن تتم عملية إعادة الإعمار. وهذا المصطلح – في رأيي – هو أكبر أكذوبة في علم السياسة، بل إنه يؤكد ما وصل إليه البعض من غلو في تعريف غير برئ لعلم السياسة بأنه “فن السفالة الأنيقة.

ولا يخفى علينا ما تعرضت له بلدان في الشرق الأوسط من حروب مدمرة قادتها للأسف الشديد دول كبرى تحت مسميات متنوعة في محاولة منها لإيجاد تبرير منطقي لما قامت به في –على سبيل المثال لا الحصر- العراق وسوريا وليبيا واليمن.

إنطلقت منذ أيام في العاصمة الكويتية أعمال “مؤتمر إعادة إعمار العراق”. والبداية هنا تحتاج لوقفة تجعلنا ننظر إلى الوراء ونعيد النظر فيما فعلناه بأنفسنا. فالعراق غزت الكويت بطموح او جموح من الرئيس العراقى صدام حسين تحت حجج وأسباب واهية وبتشجيع خبيث من السفيرة الأمريكية لدى بغداد في ذاك الوقت وتنصلت منه لاحقاً. فقد قالت لصدام: “نحن لاتربطنا إتفاقيات دفاع مشترك مع الكويت” مما جعل صدام يفسر ذلك على أنه يستطيع (بالبلدي) “إتفضل كلها براحتك”. وكان صدام من السذاجة لدرجة أنه إستُدرِجَ إلى هذا الفخ الذي نصبوه له مما اوصلنا جميعا إلى الوضع الراهن الذي نعيشه اليوم في أمتنا العربية.

وبداية معرفتنا بهذا المصطلح الخبيث – إعادة الإعمار – كان بالتزامن مع فكرة إعادة إعمار الكويت. ويدور الزمن لتتولى الكويت مشكورة التصدر في إطلاق مبادرة وحملة دولية لإعادة إعمار العراق التي دمرتها الحرب واعادتها إلى ما يشبه العصور الوسطى بعد أن كانت قبلة العلم والثقافة.

وعندما تم عقد المؤتمر، حضره وشارك فيه مسؤولو 2000 شركة عالمية أتت معظمها من أمريكا وإيران وألمانيا، وبحضور كبار المسؤولين الحكوميين للدول المشاركة والمهتمه، وكان الهدف المُعْلَن هو الحصول على مبلغ 88 مليار دولار تمثل التكلفة المُتَوَقَّعَة لإعادة إعمار الكويت. ولكن،  تمخض الجبل فلم يلد إلا فأراً. كان مجموع المبلغ الذي تم جمعة هو فقط 4 مليارات دولار وهي تمثل 5 % من المبلغ المطلوب جمعه. وللأسف، فإن الوضع على الأرض هو أن هناك مليونان ونصف من العراقيين قد هُجِّرُوا من بلادهم وأصبحوا لاجئين فى حاجة لدعم شامل.

وللأسف كذلك، كانت واشنطن أول من أدارت ظهرها ولم تُبدِ أي نية لمساهمة جادة في إعادة الإعمار الا من خلال شركات تستطيع ان تقوم باعمال ومهام نظير أخذ نصيبها من الكعكة. وعندما إستمتعت إلى قول الرئيس الامريكي دونالد ترامب أن بلاده قد أنفقت على مدى 17 عاماً ما يعادل 7 ترليونات من الدولارات على الحروب في منطقة الشرق الأوسط، قلت في نفسي ألم يكن من الأفضل الأوقع صرف كسور من هذه التريليونات في مناحي عديدة للحياة والإنماء بدلاً من صرفها في الحروب والدمار؟! هل إعادة الإعمار سوف تستطيع أن تعيد القيم والجماليات والأمن والحضارة والثقافة التي بناها البشر في هذه البلاد على مر العصور والأزمنة عبر التارخ؟! وإن كان لدينا أجيال قد ضاع منها الأمل وفقدت البوصلة، منهم من تشرد أو تيتم أو صار من مصابي الحروب، هل إعادة الإعمار يمكنها أن تعيد تأهيل المباني والحجر المُدَمَّر؟ وفوق كل ذلك، يأتي لسؤال الأهم وهو: هل تستطيع إعادة الإعمار مسح الأحزان وتجفيف الدموع وإعادة الأمل لملايين فقدوا كل شيء تقريباً؟!
* أحمد محارم، كاتب صحفي وإعلامي مهجري من نيويورك


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى