رأي

أُمّة على المحك.. مشكلة ضمير أم أزمة نخبة

بقلم: رياض الزواحي (*)

مخاضات التغيير في المنطقة العربية تسير بتسارع كبير، وتؤكدها المؤشرات والتطورات الجارية. ومن الواضح أن المخرج سعى ويسعى لجعل هذا التغير يصب في خانة خدمة مصالح إسرائيل ونهب ثروات المنطقة العربية، وبشكل واضح لا يحتاج إلى تأويل أو تحليل من خلال بناء أنظمة تساهم في دعم هذا المشروع على حساب شعوبها ومقدراتهم.

إلا أن راسمي خريطة الشرق الأوسط الجديد تفاجئوا وصدموا بلعبة التوازنات الإقليمية والدولية الجديدة، التي باتت اليوم تشكل حجر عثرة أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي تدعمه دول عربية تقدم التطبيع المجاني دون أن يكون المقابل حتى السلام والأمن للمنطقة العربية، ومن جهة أخرى تحارب أي مشروع للمقاومة العربية نيابة عن إسرائيل.

ولعل الغريب في هذه الزاوية والمؤسف أن تتحول بعض النخب السياسية والمثقفة في بعض البلدان العربية في خضم هذه التطورات الخطيرة إلى أبواق خبيثة لدعم هذا المشروع الخطير الذي يسير بالعالم العربي نحو الاحتلال السياسي والاقتصادي والثقافي أيضًا.

وفي الوقت الذي من المفترض أن تكون هذه النخب هي المدافعة في وجه هذا المشروع، إلا أن بعضها تحول إلى مسوق له دون أي خجل أو وازع.

والأدهى من هذا وذاك أن البعض بات يتناول قضايا المنطقة العربية من منظور طائفي ضيق يساهم في إشعال لهيب الصراعات الهامشية والعبثية على حساب قضايا الأمة العربية المشروعة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

بل وصل الحال بالبعض إلى تمجيد السياسات الأمريكية والإسرائيلية التي تعتبر النظام الإيراني هو العدو الأخطر للأمة العربية والمهدد لأمن المنطقة، بينما إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية هما المخلصان للأمة العربية من هذا الخطر.

وهذا المنطق كان سببًا في الصمت العربي تجاه اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وتوقيعه على قانون يعترف بالجولان كأراضي تابعة لإسرائيل، بالتواطؤ مع أنظمة عربية تشارك في مشروع صفقة القرن، دون أي خجل أو خوف من تبعاته.

لكن في اعتقادي كما قلت أن الغريب والمخزي أن يتحول بعض المثقفين والنخب المثقفة إلى مسوقين لهذا المشروع المخزي.

وبالرغم من أن الأمية والجهل مازالا يشكلان الخطر والتحدي الأول أمام الوطن العربي الكبير، ومن المفترض أن تكون في هذا الواقع المرير النخب الثقافية والمثقفين هم خط الدفاع الأول والأهم للتصدي لهذه المشاريع الظلامية، إلا أن الآية انقلبت وأصبح الرهان اليوم على المجتمعات العربية، التي تطالب اليوم بإنهاء مشاريع النفوذ الخارجي على الدول والمقدرات العربية.

بينما البعض من مثقفينا للأسف الشديد باتوا يترأسون وسائل إعلام كبيرة تمول من جهات خارجية، وهمهم الأول إضاعة القضايا العربية العادلة من ذهنية الإنسان العربي المسحوق، والتسويق لمشاريع مشبوهة تعيد الوطن العربي إلى دائرة النفوذ الخارجي.

هذا هو الأمر المؤسف الذي بات واضحًا اليوم أكثر من أي وقت مضى، مع التغافل المتعمد عن نتائجه الكارثية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة العربية، وتنذر بمستقبل تعيش فيه الأمة العربية وسط سراديب وصراعات طائفية مقيتة، لن تخرج منها بسهولة.

وستؤثر هذه النتائج على الأجيال القادمة بالتأكيد، في ظل غياب تأثير قادة الرأي، أو تخليهم عن واجباتهم الأخلاقية في التنوير، وتوجيه الرأي العام الاجتماعي العربي نحو الانتصار لقضاياه العادلة، وتوعيته بالمخططات التي تحاك من أجل نهب ثرواته، وتجريده من كل القيم النبيلة التي ظلت سياجًا حاميًا للأمة في وجهة كل المخططات والتحديات على مر العقود الماضية.

(*) كاتب صحفي، ومدير تحرير صحيفة الجمهورية اليمنية


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى