رأي

أميركا قِبلة المهاجرين وحلم اللاجئين 7

حواديت الجاليات العربية

أستكمل الحديث الذي بدأته على مدار ستة مقالات سابقة عن مشاهداتي ورحلتي للولايات المتحدة الأميركية، وفي هذا المقال الذي أختم به هذه الرحلة، يهمنى أن ألقي الضوء على نماذج ممن قابلتهم من رموز الجالية العربية، حيث قابلت نماذج مشرفة، بصحبة صديقتي ليلى الحسيني التي قامت مشكورة بالتنسيق لهذه المقابلات، وكنت أتمنى أن أقابل عددًا أكبر، ولكن قد أحقق ذلك في زيارة أخرى، وكنت أستفيد في كل مقابلة بخبرة وأفكار جديدة، ومن المقابلات المهمة كانت مقابلة فاي بيدون مديرة غرفة التجارة العربية في أميركا، وتحدثنا معها عن دور غرفة التجارة العربية لخدمة العرب المهاجرين وما تقدمه لهم.

وند فواز رجل الأعمال الكبير والذي يمتلك أربعة أندية رياضية بالإضافة لسلسلة شركات في مجال الطاقة، وغيرها، وند خصص لنا من وقته أكثر من ساعة وحدثنا كثيرًا عن الجالية العربية، ومشاكلها وما تعاني منه، ورغبته في الاستثمار بالدول العربية وخاصة مصر، إلا أنه كان متخوفًا من المناخ السياسي وتأثيره على الاستثمار.

والإمام محمد المرديني إمام ومدير المركز الإسلامي بميتشغن، والذي سعدت بمقابلته جدًّا، وهو يحتاج لمقال مستقل، ولا أنسى جملته الشهيرة “لا أحتاج لمسلمين جدد، بقدر ما أحتاج أن أبقي المسلمين مسلمين”.

ويقوم المرديني بجهد كبير جدًّا في خدمة المسلمين بأميركا، ويدعم علاقة المسلمين بالحكومة الأميركية من خلال الإجراءات، ويقوم أيضًا بدور المأذون لتزويج الشباب المسلم.

وخالد الترعاني الرئيس التنفيذي لمؤسسة لايف للإغاثة والتنمية، والذي سعدت بالعديد من آرائه رغم قصر مدة المقابلة، إلا أننا تقابلنا فكريًّا في كثير من الأمور، وسعدت بنشاطه الخيري الكبير الذي يقوم به من خلال مؤسسة لايف للإغاثة.

والمحامية المتألقة جمانا كيروز التي استقبلتني مع ليلى بمنزلها، وسعدت معها بسهرة جميلة تبادلنا فيها الأحاديث المتنوعة، وكالعادة كان التركيز على الجالية العربية ومشاكلها، ولكني تعرفت أيضًا على قصة نجاحها كامرأة من أصول لبنانية في المجتمع الأميركي، ولكن لهذا قصة أخرى.

وشخصيات عديدة مررت بها، وتعرفت عليها، وسعدت بهم؛ منهم: زهير عبد الحق صاحب محلات ذهب، وأحمد الحسيني صاحب مدارس دريمي وزوجته سوسن الأيوبي، وغيرهم.

كل مقابلة من هذه المقابلات تحتاج إلى مقال مستقل، ولكني لاحظت شيئًا أجمع عليه معظم من قابلتهم، أن العرب رغم وجودهم الكبير في الولايات المتحدة إلا أنهم لم ينصهروا حتى الآن في المجتمع الأميركي، فهم يعيشون داخل أميركا بتفكير وثقافة عربية، بل إنهم جاؤوا بعاداتهم وتقاليدهم والتي قد لا تتماشى مع المجتمع الأميركي، حتى السلبيات التي يعاني منها العرب في مجتمعاتهم نقلوها إلى الولايات المتحدة.

ورغم أن كل الجنسيات الأخرى انصهروا في المجتمع الأميركي إلا أن العرب لم يحدث معهم ذلك، فهم يعيشون جسديًّا في أميركا، وذهنيًّا في بلادهم، وهو شيء غريب ومختلف ويدعو للتأمل الكبير في الشخصية العربية بشكل عام، خاصة أنني أتحدث عن شخصيات ونماذج أقل فرد منهم يعيش في أميركا منذ عشرين عامًا.

وأستطيع أن أؤكد أن هذا منطبق على العرب في المهجر بشكل عام، وليس في الولايات المتحدة فقط، فأنا أعرف كثيرًا من الشخصيات المصرية والعربية التي تعيش في دول مختلفة بأوروبا، ومن خلال تواصلي معهم أعرف جيدًا أنهم يعيشون داخل أوطانهم الأصلية أكثر مما يعيشون جسديًّا داخل بلادهم التي تجنسوا بجنسياتها.

والسؤال الذي لن أستطيع أن أجيب عليه الآن هو هل الأجيال الجديدة من الأبناء والأحفاد سيتوارثون عن آبائهم هذا، أم سيكون لهم كلمة أخرى؟ وهو ما ستظهره السنوات القادمة.

وإذا تأملنا هذه السمات في الشخصية العربية التي تعيش في المهجر، يجب أن نحلل لماذا أيضًا لم يتمكن العرب من التوحد وعمل لوبي داخل أميركا يستطيعون التأثير من خلاله على السياسة الأميركية مثل اللوبي اليهودي.

إلا أن العرب في المهجر مختلفين، ومنقسمين مثل ما يحدث بالضبط داخل الدول العربية، لا يوجد ما يوحدهم رغم أنهم يتحدثون لغة واحدة ويعبدون ربًّا واحدًا.

من الملاحظات الطريفة جدًّا، عندما مشيت في مدينة ديربورن بولاية ميتشغن، لم أشعر أنني في أميركا، ظننت أنني سافرت لإحدى الدول العربية، فلافتات المحلات كلها بالعربية، والعاملين بها عرب يتحدثون العربية، ويستقبلك بكلمات ترحيب عربية.

ومن الشخصيات التي عرفتني ليلى عليهم ولا أستطيع نسيانه هو محمد شوقي، وهو مصري الأصل يعيش في كندا، ولكن معظم عمله في أميركا، يعيش بمدينة ويندسور بجنوب كندا يفصل بينها وبين مدينة ديترويت التي تعيش بها ليلى نهر يمكن المرور من عليه في ربع ساعة فقط، وكثير من سكان ويندسور يعملون أو يذهبون لديترويت أسرع مما يذهبون إلى مدن أخرى في كندا، والعكس بالنسبة لسكان ديترويت.

قالت لي ليلى سأعرفك على شخص بأعتبره أبي الروحي، وهو مصري، وساعدني كثيرا، هو محمد شوقي، وبالفعل تعرفت عليه وكان يوم جمعة، واصطحبني في جولة كاملة شاهدت فيها ديترويت وديربون وتفرجنا على المحلات العربية وحتى محطات البنزين بالعربية، وعزمني على “جبنة عكاوي” من عكا، في محل اسمه “أفران النور”، ثم ذهبنا لنصلي في المركز الإسلامي عند الإمام محمد المرديني حيث استكملت هناك حديثي معه.

قد تخونني الذاكرة ولا أستطيع تذكر أشخاص قابلتهم، ولكن على مدى زيارتين للولايات المتحدة لم أتحدث الإنجليزية إلا نادرًا، وكان حديثي كله بالعربية، وهو ما يضحكني، فعندما أذهب لبعض البلاد العربية أتحدث الإنجليزية أكثر من العربية، والحال أصبح معكوسًا.

الحديث عن الولايات المتحدة لا يمكن أن ينتهي، ولكن بكل تأكيد عن الزيارة الثالثة سأحتاج أن أزور أماكن أخرى، وأقابل شخصيات جديدة لأكتب من جديد عن بلاد العم سام.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى