رأي

أميركا قِبلة المهاجرين وحلم اللاجئين 6

ساعات في متحف الصحافة النيوزيام

تحدثت في الحلقة الماضية عن زيارة واشنطن، وعن زيارة متحف التاريخ، ومعرفتنا بقرب متحف الصحافة والذي يمكن أن نذهب إليه سيرا على الأقدام.

مجرد أن وقفنا، أنا وليلى الحسيني، أمام متحف الصحافةNewseum  كانت المفاجأة، المبنى نفسه من الخارج تحفة معمارية، ومصمم بطريقة جذابة جدًّا، ويتصدر المدخل الصفحات الأولى لأربعمائة صحيفة عالمية تصدر في 45 بلدًا، في لوحات زجاجية يتم تغييرها يوميًّا.

ويقدم المتحف خدمة أيضًا لجمهوره بالاطلاع على هذه الصفحات الأولى يوميًّا من خلال موقعه التفاعلي على شبكة الإنترنت www.newseum.org/todaysfrontpages

ويقوم أيضًا بتسهيل عملية البحث حيث يمكن اختيار منطقة جغرافية معينة أو البحث بالترتيب الأبجدي، ويوفر الموقع رؤية صورة مكبرة من الصفحة، ويوفر الرابط الإلكتروني لكل الصحف التي يستعرضها لمن يريد الاطلاع على قصة معينة أو لقراءة خبر مثير، وهي خدمة رائعة تقدم للإعلاميين بالدرجة الأولى، ولبقية المهتمين بدرجة ثانية، إلا أنني مع الأسف لم أجد أي صفحة أولى لأي صحيفة مصرية، رغم عراقة وتاريخ الصحافة المصرية وعدد الصحف العربية قليل جدًّا، ومن الغريب أني وجدت صحيفة الشرق القطرية.

ومتحف “النيوزيوم” هو أول متحف للصحافة في العالم تقوم فكرته على التفاعل بين العامة ووسائل الإعلام بشكل يتيح المجال لفهم أفضل بين الطرفين، واسم المتحف مأخوذ من كلمة Museum وتعني متحف، وكلمة News وتعني الأخبار، لتكون في النهاية كلمة جديدة هي Newseum وتعني متحف الصحافة.

لفت نظرنا في مدخل المتحف طائرة هليكوبتر معلقة بشكل ملفت للأنظار، وعرفنا أنها أول طائرة تم استخدامها في التغطيات الصحفية، أيضًا شريط أخبار عملاق يدور بدوران بهو المتحف وتظهر فيه أخبار من مختلف وكالات الأنباء والصحف العالمية.

يضم المتحف سبعة طوابق وتبلغ مساحته 250 ألف قدم مربع (23 ألف متر) ويضم 15مسرحًا و14 معرضًا، ومن أهم ما لفت نظري معرض جدار برلين بمتحف نيوزيام أكبر عرض لأقسام جدار برلين خارج ألمانيا، وأمام حائط برلين لفت نظري مكان خاص لحجر كبير نوعًا ما من أحجار السور، ومكتوب فوقه “المس التاريخ Touch the history”، والكل يقف بالطابور ليلمس التاريخ.

ولاحظت الأسلوب والتسويق وأساليب العرض، غاية في الروعة والدقة وكل سنتيمتر موظف توظيفًا هائلاً لصالح المتحف ولصالح الزائر.

هناك معارض مخصصة لموضوعات محددة في تاريخ الأخبار مثل أحداث 11 سبتمبر 2001، وأول تعديل في دستور الولايات المتحدة الأمريكية، وحرية الصحافة العالمية، وتاريخ الإنترنت والتلفاز والإذاعة، وغيرها.

ومن أهم أهداف المتحف ليس فقط عرض تاريخ الصحافة، بل يقوم بمساعدة كل من الجمهور ووسائل الأخبار المختلفة في فهم بعضهم البعض بشكل أفضل، وهي العلاقة بين المرسل والمستقبل أو موضوع درسناه في الإعلام، لقد تجاوز المتحف النظرية الإعلامية ويحاول أن يوفق فهم الطرفين لبعضهم البعض، وأيضًا رفع مستوى الوعي العام بأهمية دور الصحافة الحرة في المجتمع الديموقراطي.

يتم تمويل متحف “نيوزيام” من قبل منتدى الحرية، وهو مؤسسة غير حزبية مكرسة لحرية الصحافة، وحرية التعبير لكافة الأشخاص.

وقد كان يقع عندما تم افتتاحه في 18 إبريل 1997 في روسيلن، فيرجينيا، حيث كان دخول الزائرين مجانًا، وفي عام 2000، قرر منتدى الحرية نقل متحف نيوزيام من موقعه في مقاطعة أرلينغتون، فيرجينيا، عبر نهر بوتوماك إلى وسط مدينة واشنطن العاصمة، وتم غلق متحف نيوزيام الأصلي يوم 3 مارس 2002، للسماح لموظفيه بالتركيز على بناء المتحف الجديد الأكبر، وتم فتح أبواب المتحف الجديد، الذي تكلف بناؤه 450 مليون دولار أميركي، للجمهور يوم 11 إبريل 2008، وأصبح متحف نيوزيام الجديد إحدى الوجهات الأكثر شعبية في واشنطن.

ومن العلامات البارزة في تصميم المبنى الجديد وجود واجهة عبارة عن “شاشة على العالم”، مقاس 57 قدم × 78 قدم (17 م × 24 م)، وتطل على شارع بنسلفانيا مركز التسوق الوطني وتسمح للجمهور رؤية ما بالداخل من الزائرين وشاشات العرض. وتعرض 45 كلمة لأول تعديل في دستور الولايات المتحدة الأمريكية، محفورًا في لوحة حجرية بطول أربعة طوابق وتواجه شارع بنسلفانيا.

وكان النصب التذكاري للصحفيين هو أحد المعالم التي تم نقلها من موقع المتحف السابق في أرلينغتون، وهو نحت زجاجي يسرد أسماء 1900 صحفي من جميع أنحاء العالم، والذين قتلوا أثناء أداء واجبهم. ويتم تحديثه وإعادة إهدائه كل عام.

يتم تحديث الموقع الإلكتروني للمتحف كل يوم مع صور وإصدارات PDF لصفحات الصحف الأولى من جميع أنحاء العالم. ويتم استبدال الصور يوميًّا، ولكن يتوافر أيضًا أرشيف للصفحات الأولى لأبرز الأحداث منذ 2001.

ويتميز مبنى المتحف بمصاعد هيدروليكية زجاجية هي الأطول في العالم، ويقع النصب التذكاري الزجاجي المقوس للصحفيين المغتالين فوق الطابق الأرضي.

ويظهر اللوبي اليهودي، وتحكم إسرائيل في ما يجري في المجتمع الأميركي عندما قرر متحف نيوزيام في حفل إعادة إهداء النصب التذكاري للصحفيين في مايو 2013، أن يكرم اثنين من أعضاء قناة الأقصى الفضائية كجزء من الذكرى، ثم تم سحب هذا التكريم مع الأسف بعد ذلك بعد انتقادات من المنظمات الموالية لإسرائيل.

وفي معرض نيوز كوربوريشن لتاريخ الأخبار يعرض قصة الأخبار في تسلسل زمني للأحداث من خلال مجموعة واسعة من الصحف والمجلات.

والمتجول يستمتع أيضًا بالتعرف على مئات المنشورات الرقمية من خلال أجهزة حاسوب تعمل باللمس مما يسمح بالعرض عن قرب، فضلاً عن الألعاب التفاعلية، والوصول إلى قاعدة بيانات الصحفيين.

ويوجد مئات من القطع الأثرية وتذكارات من أحداث إخبارية بارزة موضوعة في صناديق بأنحاء المعرض، ويشمل المعرض ورقة جريدة إنجليزية من عام 1603، والتي تعرض تتويج جيمس الأول؛ ونسخة 1787 من جريدة ماريلاند جازيت تحتوي دستور الولايات المتحدة الجديد.

وفي غرفة الأخبار التفاعلية لهيئة الإذاعة الوطنية، تسمح غرفة الأخبار التفاعلية للزوار القيام بدور المصورين أو المحررين أو الصحفيين أو المراسلين ومحطات بشاشة لمس توفر أدوات وتقنيات محاكاة والتي هي لازمة لعمل الإذاعة، ويمكن للزوار التقاط الميكروفون والوقوف أمام الكاميرا.

ومن المعارض الهامة بالمتحف معرض 11/9،  ويعرض هذا المعرض تغطية لأحداث 11 سبتمبر 2001. وموضوع به ثناء للمصور الصحفي ويليام بيجارت الذي توفي أثناء  تغطية الهجمات، ويأتي الزوار لسماع قصته ورؤية بعض من آخر الصور التي التقطها. ويوجد جدار عملاق تغطيه الصفحات الأولى التي نشرت من جميع أنحاء العالم في اليوم التالي. وفيلم يقدم التقارير الأولى من الصحفيين والمصورين الذين غطوا الحدث.

كما شاهدت معرض بلومبيرغ للإنترنت والتلفاز والراديو، ويتتبع المعرض تطور وسائل الإعلام الإلكترونية، جداران للوسائل الإعلامية بارتفاع 25 قدمًا (7.6 م) يعرضان مقاطع تلفزيونية لا تنسى، وتسلسلاً زمنيًّا متعدد الوسائط للأحداث.

ومن المعارض المهمة داخل المتحف معرض صور جائزة بوليتزر، ويعرض صور الفوز بالجائزة والمصورين الذين قاموا بالتقاطها، ووضع متحف النيوزيام شاشة تعرض مجموعة شاملة لصور الفوز بجائزة بوليتزر تم تجميعها بدقة، وعرض لمقابلات مع معظم المصورين في فيلم وثائقي يبين سياق الصور وتصور التقاطها. وتشمل بعض الصور الموجودة صور: مشاة البحرية يرفعون راية الولايات المتحدة الأمريكية على جزيرة آيوو جيما، جمع شمل مبهج لسجين عائد من الحرب مع عائلته، رجل إطفاء يحتضن رضيعًا به جروح خطيرة بعد تفجير مدينة أوكلاهوما.

وتوقفت كثيرًا أمام معرض جدار برلين، حيث حصل متحف النيوزيام على أكبر عرض للجدار الأصلي خارج ألمانيا. فتوجد ثمانية قطع أسمنتية للجدار بارتفاع 12قدم (3.7 م) تزن كل واحدة حوالي ثلاثة أطنان، وبرج حراسة ألمانيا الشرقية بثلاثة طوابق من نقطة تفتيش تشارلي (أو نقطة التفتيش سي)، وقد أعطي هذا الاسم من قبل الحلفاء الغربيين للمعبر الأكثر شهرة ببرلين بين شرقها وغربها.

وقد تم وضع حجر كبير من سور برلين في مكان مخصص للعرض المتحفي، وكتب عليها “Touch A piece of History” أو “امسك قطعة من التاريخ” يقف الجمهور بالطابور لكي يتصوروا وهم يمسكون هذه القطعة من التاريخ.

ويعرض معرض كوكس إنتربرايزس 45 كلمة للحرية، ويبين المعرض الدور الذي لعبه التعديل الأول لضمان الحقوق (الدين، والتعبير والصحافة والتجمع والمطالبة) في الولايات المتحدة الأميركية على مدار المائتي سنة الماضية. كما يقدم المعرض مقاطع أخبار تاريخية تجسد الحريات الخمس. يقول توماس جفرسون، “تعتمد حريتنا على حرية الصحافة، والتي لا يمكن تحديدها بدون فقدها”.

وفي معرض تايم وارنر للأخبار العالمية، والذي يتناول الأخبار وحريات الصحافة في جميع أنحاء العالم خريطة كبيرة لـ 190 دولة، تبين الاختلافات في حرية الصحافة بجميع أنحاء العالم.

وفي معرض عائلة بوليام للكتب العظيمة، تعتبر الكتب والوثائق المعروضة أعمالاً ذات أهمية للفكر والتصرف السياسي، مثل ميثاق ماجنا كارتا، وسلسلة مقالات فدراليست، وأول نشرة مطبوعة لدستور الولايات المتحدة، كما تتوافر أيضًا نسخٌ رقمية للعديد من الصفحات للرؤية عن قرب.

وفي معرض توداي للصفحات الأولى، يتم عرض جميع الصفحات الأولى من أنحاء أميركا والعالم، حيث يتلقى متحف النيوزيام وثائق رقمية من أكثر من 700 صفحة من الصفحات الأولى من جميع أنحاء العالم. ويتم تكبير حوالي 80 صفحة منها وطباعتها للعرض في هذه المساحة، وتعرض الصفحات الإضافية في مدخل المبنى. ويتم اختيار صفحة واحدة من كل ولاية، ومن مقاطعة كولومبيا فضلاً عن عينة من الصحف الدولية.

وتم تخصيص جناح ليكون النصب التذكاري للصحفيين، حيث يتم تقديم تحية للصحفيين الذين قتلوا في البحث عن الأخبار، ودفعوا حياتهم ثمنًا لنقل الحقائق للقارئ.

ويقدم هذا المعرض قطعًا أثرية من البعثات الصحفية الخطرة. من بينها جهاز لاب توب للصحفي دانيال بيرل، ومذكرة مايكل ويسكوبف الملطخة بالدماء، وسيارة داتسون 710 موديل 1976 التي تخص دون بوليز التي تم تفجيرها في فينيكس، بأريزونا. كما يظهر عرض حي لأكثر من 1800 اسم للصحفيين، تمت كتابتها في لوحة زجاجية، تبين وفاة هؤلاء الذين لقوا حتفهم بحثًا عن الأخبار. ويتضمن المعرض أيضًا صورًا لمئات من هؤلاء الصحفيين والوصول إلى معلومات أكثر تفصيلاً عن كل صحفي تم تكريمه.

لم نشعر بأنفسنا أنا وليلى لقد اندمجنا وظللنا نتجول في أجنحة المتحف وطوابقه حتى مر الوقت سريعًا، لم نكن أريد إنهاء الجولة، ولم نتمكن من رؤية كل المتحف ولا توجد أي فرصة أخرى؛ لأننا نعود ميتشغن في صباح اليوم التالي، وانتهى شحن موبايلي، ولم أعد أستطيع التصوير، ونفس الأمر تكرر مع ليلى، لم نكن نريد أن نغادر المكان، ولكني استطعت أن أصور معظم الأجنحة، وأن أحتفظ بدليل المتحف، وأن أعيش تاريخ الصحافة في هذا المتحف الفريد من نوعه، والذي يعد فكرة عبقرية أتمنى أن أجد مثيلاً لها في أي دولة عربية لتاريخ الصحافة العربية، وهو تاريخ يستحق.

وكان لابد من المغادرة لارتباطنا بمواعيد أخرى، ولكني لم أنس أن أشتري تذكارًا من المتحف ليذكرني به دائمًا لعلي أرجع إليه مرة أخرى وأشاهد ما فاتني، أو أن أساعد في إنشاء شبيه له في مصر أو إحدى الدول العربية.

(وما زال للحديث بقية)


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى