رأي

أميركا قِبلة المهاجرين وحلم اللاجئين (5) مَن الذي لا يحب ليلى؟

أميركا قِبلة المهاجرين وحلم اللاجئين (5)

مَن الذي لا يحب ليلى؟

استكمالا لما بدأته في الحلقات السابقة عن رحلتي للولايات المتحدة الأميركية، وحديثي عن رحلتين الأولى في 2009 والثانية في 2015.

أوصلني صديقي المبدع عاطف يوسف وزوجته جون إلى مطار بوسطن لأذهب إلى ديترويت بميتشغان لمقابلة صديقتي العزيزة ليلى الحسيني، على وعد بالعودة في وقت لاحق، الإجراءات في مطار بوسطن كانت أكثر تعقيدًا بالنسبة لي، فلكي أؤكد على التذكرة اكتشفت ضرورة أن أدخل رقم التذكرة في كمبيوتر، وأدخل بياناتي وتليفوني، ثم أذكر عدد الشنط حتى يحاسبني؛ لأن المطار الداخلي يجعلني أدفع مقابلاً لكل شنطة أحملها على الطائرة، وقد يكون هذا نظام شركة الطيران وليس المطار في حد ذاته، دفعت 60 دولارًا، ثم بدأت الإجراءات المعتادة حتى وصلت للطائرة.

فوجئت بأني أجلس في المقعد الأخير في ذيل الطائرة ولا يوجد بجانبي شباك، وفي آخر طائرة ركبتها كنت أجلس في المقدمة ولا يوجد أمامي أحد، قلت في نفسي “أنا كدة جبت الطائرات من الأول إلى الآخر، حتى السبنسة لم أتركها”.

وصلت ديترويت ولففت كثيرًا حتى أجد مكان الشنط، وجدتها وخرجت في انتظار ليلى الحسيني التي كانت منتظرة، ولكن في مكان آخر، تلاقينا أخيرًا بعد عامين من الشات والفايبر والواتس وكل وسائل التواصل الاجتماعي.

تعرفت على ليلى من خلال صديقنا المشترك الكاتب الصحفي محمد عبد الظاهر، وكان وقتها رئيس تحرير موقع زاوية التابع لرويتر في دبي، وكان عبد الظاهر في زيارة إلى الإسكندرية وطلب مني أن أجري حوارًا مع راديو عربي في أميركا عن النشاط في مكتبة الإسكندرية، وكانت بداية التعارف والصداقة مع ليلى الحسيني.

لم يكن هناك اختلاف يذكر بين ليلى التي تعرفت عليها من خلال التليفون والسوشيال ميديا وبين ليلى الحقيقية، هي شخصية نشطة جدًّا، منطلقة، مبتسمة دائمًا، بها حيوية كبيرة جدًّا، محبة للناس، ورغم ما بداخلها من آلام عديدة ورحلة كفاح كبيرة إلا أنها لا تظهر ذلك إلى نادرًا، كما شاهدت بنفسي علاقات ليلى المتميزة مع عدد كبير من الجالية العربية في ميتشغن، وعرفتني على كثير منهم، والذين سأتحدث عن بعضهم لاحقًا.

وذكرت لها رأيي هذا، وضحكت وكانت سعيدة به، ولكن بعد أن عرفتني على عدد كبير جدًّا من الجالية، ورأيت محبتهم لها وتقديرهم، قلت لها: “من الذي لا يحب ليلى” ضحكت سعيدة بالجملة، فرويت لها عن مسلسل مصري شهير وقديم كان اسمه “من الذي لا يحب فاطمة” بطولة أحمد عبد العزيز وشيرين سيف النصر، وجيهان نصر وهي ممثلة لم تستمر كثيرًا في التمثيل.

قلت لها بعد ما رأيت محبة الناس لك، في كل مكان، يجب أن نؤلف مسلسلاً جديدًا ونسميه “من الذي لا يحب ليلى”، فطلبت مني ضاحكة أن أكتب مقالاً بهذا العنوان، فقد يقرؤه منتج ويحوله لمسلسل ووعدتها بذلك، وها أنا أوفي بوعدي.

وليلى الحسيني صحفية أميركية من أصول سورية حائزة على جوائز عديدة، هاجرت إلى الولايات المتحدة عام 2001، وحصلت على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي 1989 ولها خبرة لأكثر من 15 عام في صحافة الطباعة والإذاعة، كما قامت بالعمل مترجمة حرة لتقرير الأعمال ولشركة طومسون رويترز زاوية.

قامت في عام 2007 بتأسيس راديو صوت العرب من أميركا، وبه برامج بالعربية والإنجليزية، ومن خلال هذا الراديو استطاعت التواصل مع قاعدة عريضة من العرب في أميركا وكندا وتقديم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة بشكل يومي، ولدى ليلى طموحات هائلة، تنوي تنفيذها من خلال هذا الراديو.

تم ترشيح ليلى الحسيني للحصول على جوائز عديدة منها، جائزة مقاطعة واين الغربية لإنجازات المرأة في الاتصالات والفنونYMCA   لعام 2011، وتم اعتمادها رسميًّا من قبل شبكة مجتمع المرأة العربية الأميركية لدورها البارز في المجتمع وفي مجال الإعلام والاتصالات عام 2012.

وفي عام 2014، رُشحت كسفيرة للنوايا الحسنة TMIPU  في الإعلام وحقوق المرأة بالنيابة عن الاتحاد البرلماني متعدد الأغراض لمنطقة الشرق الأوسط.

أوصلتني ليلى إلى فندق “كونفرت إن” لأجد ميرفت في انتظاري، وهي مصرية تعمل في الفندق استقبلتني بترحاب على اعتبار أني ابن بلدها، وعرضت عليّ بكل “جدعنة” المساعدة وتقديم أي خدمات أحتاجها، وتركت لي رقم تليفونها، شكرتها وكنت سعيدًا جدًّا بمقابلتها، وطلبت مني ليلى الاستراحة لمدة ساعتين لنذهب للعشاء بعدها.

ذكريات في “ذكريات”

تناولنا العشاء وتحدثنا كثيرًا، وتواعدنا أن تمر عليّ بالسادسة صباحًا من أجل الذهاب لواشنطن حيث أقضي ليلتين هناك لإجراء بعض المقابلات التي رتبتها ليلى مشكورة.

تأخرت ليلى في الصباح التالي ساعتين بسبب الإرهاق، فانطلقنا إلى واشنطن متأخرين قليلاً ولكن لا بأس، تركت شنطة من الشنط بالفندق لدى ميرفت لأني سأعود بعد يومين إلى نفس الفندق وانطلقنا.

الطريق طويل، 8 ساعات تقريبًا، ولكنه ممتع والمناظر خلابة، وتقول ليلى إن هذه المشاهد في الصيف أجمل حيث تكون الأشجار بالألوان الطبيعية.

لم نتوقف إلا لدخول الحمام ولشرب القهوة أو الشاي، ووصلنا واشنطن في الخامسة والنصف إلا أن “الجي بي إس” خرب وبدأنا نلف قليلاً حتى نصل لفندق “بيست ويسترن” حيث وجدت الأستاذ أحمد زوج ليلى في انتظارنا، وقام بإدخالي للفندق مشكورًا والتأكد من الحجز، وذهبت لحجرتي على وعد بلقاء ليلى بعد ساعتين للذهاب إلى مكان اسمه “ذكريات”، لنقابل بعض الأصدقاء التي تريد أن تعرفني عليهم.

بعد أن خرب “الجي بي إس” تهنا كثيرًا حتى نصل إلى “ذكريات” واتصلت ليلى بسعيد أحد الأصدقاء، لكي يصف لها، ولكنه جاء بسيارته لكي يسير أمامنا لنذهب، وما هي إلا دقائق حتى وصلنا.

ذهبنا إلى “ذكريات” المكان عربي أصيل تشم رائحة الشيشة مجرد أن تطأ قدمك للمطعم، وكان مزدحمًا جدًّا، وتعرفت ليلى على الشيف بسرعة، وعرفت أنه سوري بسبب لهجته، فهي لديها حس عالٍ جدًّا بالسوريين، وتشمهم على بعد مائة ميل.

تعرفت على سعيد، وهو تونسي يعمل في قناة الحرة، ويعتبر من المؤسسين حيث يعمل بها منذ بدأت، ثم الدكتورة سحر خميس تدرس الإعلام بجامعة ميرلاند وقدمت كورسًا خاصًّا بالإعلام العربي جذب العديد من الطلاب.

ثم انضم لنا طارق، وهو يعمل في هيئة النقل بأميركا، وكانت جلسة حميمية جميلة، وتحدثنا عن الأوضاع السياسية بالمنطقة.

أوصلتني ليلى إلى الفندق ليلاً، وكنت في غاية الإرهاق من السفر، نمت ولم أشعر بنفسي إلا في الصباح.

زيارة لم تتم للبيت الأبيض

كان أحمد زوج ليلى مرتِّبًا مشكورًا جولة سريعة في واشنطن دي سي، تكفي للوقت القليل الذي نقضيه فيها، وهو على دراية بالعاصمة أكثر بكثير من ليلى حيث يسكن ويعمل بها منذ سنوات، تجولنا في عدة أماكن، وذهبنا إلى البيت الأبيض، وقلنا فرصة ندخل البيت الأبيض، فهو متاح لكل سائح أن يدخل ويتجول فيه، ولكن مع الأسف لم نتمكن لوجود لقاء سياسي هام مع رؤساء دول، واكتفينا بالتصوير أمامه من بعيد.

ثم ذهبنا إلى مقابلة هامة مع دانيلدا هنري رئيس تحرير “واشنطن ريبورت”، وكانت مقابلة هامة جدًّا، حيث تعرفنا على أسرة تحرير هذه المجلة الهامة، وتبادلنا الحديث في كثير من الأمور الصحفية والسياسية، وتعرفت على تاريخ المجلة وتأسيسها، وقابلت عندها فتاة فلسطينية انضمت حديثًا إلى هيئة التحرير.

إلا أن ما لفت نظري في مقر “واشنطن ريبورت” أن دانيلدا مهتمة جدًّا بفلسطين، وتدعم القضية الفلسطينية، والأهم أنها خصصت جزءًا كبيرًا من مقر المجلة لبيع المنتجات الفلسطينية وتضع الأعلام الفلسطينية، كما خصصت عدة أعداد لعرض القضية ولمناصرة فلسطين.

كنت سعيدًا جدًّا بالمقابلة التي لم تستغرق نصف ساعة، نظرًا لضيق وقتنا ووقتها، وعلى وعد بالتواصل عن بعد.

ذهبنا أيضًا لمقابلة في غرفة التجارة الماليزية، وقابلنا روي مايكل هناك وكانت مقابلة هامة، تناولنا فيها العديد من القضايا حول الغرفة، والتعاون الذي يتم مع الجالية العربية في الولايات المتحدة.

كانت مقابلتين مثمرتين، ونالنا الإرهاق، فرجعنا إلى أحمد الذي كان منتظرنا مشكورًا، وبدأنا التفكير في الخطوة التالية، واقترح أحمد أن نستكمل التجول في واشنطن، فسألته عن المتاحف، فأبدى أحمد سعادته للفكرة، وقال أنه يمكن أن يأخذنا لمتحف التاريخ، وهو من أهم المتاحف في واشنطن، فسألته عن متحف الصحافة الذي أخبرتني عنه جون، لكنه لم يكن يعرف مكانه بالضبط، فأوصلني أنا وليلى أمام متحف التاريخ، وذهب ليترك السيارة في جراج، ويرجع لنا، تجولت أنا وليلى قليلاً في متحف التاريخ، وشاهدنا كثيرًا من الأجنحة الهامة جدًّا، ولفت نظري جناح مخصص لسيدات أميركا الأولى، وطبعا رؤساء أميركا، وكل جناح يحتوي على موضوع متخصص في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.

وقابلنا سيدة عجوز تقف أمام مائدة صغيرة عليها بعض الأدوات الطبية، فتعجبت وسألت ما حكايتها، فعرفت أنها جزءًا من العرض، فهذه السيدة كانت ممرضة، وعايشت إحدى الحروب القديمة، وتقف تحكي لزوار المتحف عن كيف كانت تمرض الجنود وتساعدهم في الاستشفاء.

وأفكار أخرى كثيرة في أساليب العرض المذهلة التي تجعل الزائر لا يريد ترك مكانه داخل المتحف.

قلت لليلى: كنت أتمنى أن أعرف مكان متحف الصحافة، فقالت لي بالتأكيد الاستعلامات هنا يعرفون، هيا بنا، وبالفعل ذهبنا إلى الاستعلامات، ومن محاسن الصدف علمنا أن متحف الصحافة يبعد مسافة قليلة جدًّا عن متحف التاريخ يمكن أن نسيرها على الأقدام، والصدفة الأكبر أنه قريب من الجراج الذي ترك فيه أحمد سيارته.

تركنا متحف التاريخ، وذهبنا على الفور لمتحف الصحافة، وكانت ليلى متحمسة؛ لأنها لم تزره من قبل، فهي لا تذهب لواشنطن إلا في مهمات عمل أو في نهاية الأسبوع لتقضي إجازتها مع أحمد، ودائمًا لا يوجد وقت لديها.

وهذا ما أحكي عنه بالتفصيل في الحلقة القادمة

(للحديث بقية)


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى