رأي

أدب الفيس بوك

بقلم/ حسام عبد القادر

كتبت كثيرا وسأظل أكتب عن ملاحظاتي ومشاهداتي لما يجرى ويحدث في المجتمع الافتراضي على الإنترنت بشكل عام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي بشكل خاص، وعلى رأسها الفيس بوك بكل تأكيد.

الموضوع هذه المرة يتعلق بالأدب والمبدعين بشكل عام، والسؤال الذي يفرض نفسه، هل هناك أدب خاص بالفيس بوك؟

وإذا سلمنا بأن أي مادة تنتج لابد من وجود جمهور متلق لها، وكلما زاد هذا الجمهور كلما زاد نجاح هذه المادة، وهو ما ينطبق على أفلام السينما، وعلى الكتب فلابد من جمهور يشتري التذاكر في السينما أو يشتري الكتب لكي تعيش هذه الصناعة وإلا فالموت سيكون النهاية لها.

وإذا طبقنا هذا في العالم الافتراضي، فإن عدد اللايكات وعدد التعليقات وعدد مرات الشير وأيضا عدد المتابعين (الفولورز) هي مؤشر هام جدا لأهمية الشخص أو لأهمية المادة المكتوبة بغض النظر عن نوعها وتصنيفها.

إلا أننا سنواجه نفس مشكلة دور السينما ودور النشر، فليس أكثر الأفلام دخلا هو أفضلهم، وليس أكثر الكتب مبيعا هو أهمهم، ونفس الأمر فليس أكثر بوست قراءة ولايكات وشيرا هو كتابة أدبية أو إبداع.

لا يمكن أن أقلل أبدا من فكر أو إبداع أي شخص، ومن حق كل فرد أن يرى ما يكتبه إبداعا، وأن ما أكتبه لا أهمية له، وسأحترم رأيه بكل تأكيد، ولا يوجد أي مقياس وحيد أو نهائي يحدد من منا على صواب.

ولكن الأهم من ذلك هو أننا لابد أن نلتفت لظاهرة هامة جدا وهي هؤلاء الذين يكتبون على الفيس بوك (وسأتخذ من الفيس بوك نموذجا لمواقع التواصل الاجتماعي)، الذين يستطيعون أن يحصدوا نسبة قراءات عالية جدا، ومتابعين بالآلاف وقد تكون مئات الآلاف أحيانا، وقد لا نكون سمعنا عنهم أو لم يعرفهم الأدباء والمبدعون والنقاد الذين يحضرون اللقاءات والندوات والمؤتمرات والتي قد تشهد عددا ضعيفا في الحضور، بينما الحضور في الواقع الافتراضي كبير جدا ويفوق الوصف.

وأصبح هناك انفصام بين العالمين وكلاهما مبدع بغض النظر عن المستوى الذي لن نستطيع الإدلاء برأي نهائي فيه.

وتحضرني تجربة صديقي الأديب منير عتيبة الأخيرة في مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية الذي يشرف عليه حيث قام عتيبة بدعوة المبدعين لإرسال قصصهم عبر صفحة مختبر السرديات على الفيس بوك من أجل حضور جلسة قراءات قصصية، على أن يقرأ القصص من استطاع الحصول على أعلى درجة من التفاعل سواء (اللايكات، والشير، أو التعليقات).

وصلت صفحة المختبر 38 قصة، وبدأ التنافس الكبير للحصول على التفاعل الأكبر، وبالفعل وجدنا قصصا استطاعت تعدي حاجز الستمائة في كل من اللايكات، والتعليقات ووصل عدد الشير إلى أعلى من خمسين شير، ورغم أن البعض (لم يتعدوا اثنان) استخدم تقنية “أوتو لايك Auto like” ليحصد عددا أكبر من اللايكات، إلا أن هدف الفوز بأعلى الدرجات كان أساسيا عند جميع المبدعين.

تم ترتيب القصص من الأعلى للأقل من حيث إجمالي عدد اللايكات، والتعليقات والشير، وتم دعوة الجميع لحضور الجلسة الأدبية لقراءة قصصهم، على اعتبار أن يبدأ صاحب المركز الأول في القراءة ثم من يليه حتى ينتهي وقت الجلسة، وهو ما تم.

إلا أن الملاحظة الأهم هي غياب معظم من حصدوا مراكز متقدمة في هذه المسابقة “الفيسبوكية” رغم علمهم بأن التفاعل على قصصهم كان كبيرا، وبالتأكيد ستكون فرصتهم في القراءة كبيرة، إلا أنهم فضلوا عدم الحضور وعدم مواجهة الجمهور والاكتفاء بمن قرأ على الفيس بوك فقط.

لقد شعر هؤلاء المبدعون أن كتابتهم على الفيس بوك تكفيهم ولا يحتاجون لجمهور آخر، فهم استطاعوا الوصول لعدد كبير والجميع يعلق مثنيا على القصة مهنئا بها وبالأفكار، ورغم أن معظمها مجاملات من أقارب وأصدقاء إلا أن صاحب القصة اكتفى بذلك، ولم يهتم أو يعبأ بالمحترفين في المجال والمتخصصين.

كما لاحظت من مشاهدتي لمن حضر أن معظمهم قرأ قصته من خلال الموبايل أو التابلت، ولم يقرأ من ورق، وهو ما يدل على أن التقنيات تفرض نفسها كوسيط على الأدب حتى في القراءة وأن الورق لا محالة في طريقه للاندثار ليس فقط على مستوى الصحف أو الكتب بل حتى في الاستخدام اليومي له.

إن هذه التجربة لفتت الانتباه للعديد من العوامل والسمات التي تحيط بأدب مواقع التواصل الاجتماعي والذي يجب أن نلتفت له وألا ننظر له باستهانة مثلما نظرنا من قبل باستهانة لنشطاء الفيس بوك قبل 2011، ثم نرجع ونقول من هؤلاء ومتى جاءوا ومن أين؟


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى