رأي

أحبوا الله.. فما لكم من ملجأ سواه

بقلم: غادا فؤاد السمان- شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في لبنان

عند الثانية والنصف بعد منتصف ليل البارحة قررت عمل لقمة تسد الرمق على ضوء الموبايل، لم اكتشف أن وعاءً بلاستيكيًا شفافًا موجودًا على الغاز عندما أشعلت النار ووضعت المقلاة وتوجهت إلى الثلاجة.

لم أرى اللهب الذي تصاعد لكن رائحة البلاستيك اللاهب مع سحب الدخان الأسود الرهيب كادت تخنقني. رباطة الجأش للسيطرة على النار كانت أكبر من خوفي بكثير، كان يقيني أن الله معي ويرشدني إلى ما ينبغي أن أتصرف.

لم أفتح النافذة خشية انتشار اللهب على نطاق أوسع، حملت غطاء معدني وغطيت به النار المتصاعدة، وبمنشفة متوسطة الحجم ضربت الألسنة المتطاولة وأخمدتها.

لم اكترث للفوضى التي حصلت ولم أهلع، واحتفظت بصمتي وبعض صوتي لتكرار “الله أكبر الله أكبر الله أكبر”، وفعلا يقيني أن الله اكبر من أي خطر ساعدني بطريقة حكيمة جدًا.

طبعا رذاذ الدخان الأسود والرائحة التي استوطنت تفاصيل الشقّة كانت خانقة جدًا. بعد الدوش السريع لإزالة أثر السواد القبيح، وبعدما جلست لأشكر ربي على قضاء الحادث بفضلة ومساندته على خير، بدأت أرتجف وأرتجف وكأن الرعب الذي لم يباغتني أثناء المعركة، وظننته لن يكون تبين أنه تأجل فقط عامدًا متعمدًا وانتظر المداهمة بمزاج عالي.

في هذه الأثناء اقتحم تنبيه الواتس هشاشتي، وإذا بصوت ابني جهار الذي يمنحني الحب لكل الأصوات المميزة لفرط تميّزه، رغم نبرة القلق في صوته: ماما هل تتابعين ما يحصل منذ ساعة وحتى الآن في طرابلس؟!

رددت باستغراب، ماذا يحصل؟!

كان صوته موجوعًا جدًا وهو يعبّر بقهر: ماما هناك حريق هائل، وهناك الكثير من الضحايا والحالات الحرجة، يا ماما أرجوك افعلي شيئًا، اتصلي اكتبي ناشدي الدفاع المدني أو الصليب الأحمر أو أي جهة يمكن أن تساند طرابلس، ماما الوضع مأساوي.

اكتب الآن ودموعي تنهمر، منذ حملت هذا الطفل بين ذراعيّ، ومنذ ما قبله وحتى اليوم نحن لم نشهد يومًا من دون وجع، ومن دون غصة ومن دون قلق.

لكن الذي يساعدني كل يوم على النهوض مجددًا، وعلى الاستمرارية في خضم هذه الحياة المتعبة، يقيني أن الله موجود، ويمتحن الصابر، وينقذ المحتاج، ويساند الضعيف، ويمنع الضرر، ويمدّ للظالم، ولا يغفل عن مجرم، ويعطي من أراد الدنيا بغير حساب، ويكرم روح من يطلب الآخرة ويميّزها أمام من يعلم.

كل ذلك يكون بالتفاهم المستمر بحرصنا الشديد على تجنّب الكبائر، لأنه الجبّار القهّار، وتمريرنا للكثير من الصغائر لأنه الغفور الرحيم الرؤوف العليم، وثقتنا المطلقة بإرضائه لأنه ملاذنا الآمن الوحيد، ولأنه خلاصنا الأكيد، ولأنه حبّنا المطلق الذي لا تشوبه أية شائبة.

ولأن العلاقة جدلية بيننا وبينه نعطيه فيعطينا، نعطيه الإخلاص والنوايا والصدقات، ويعطينا التوفيق والأمان، فقط لو يستعيد الجميع فطرتهم وبراءتهم وثقتهم وولائهم لله وحده، بعدما خذلهم كل شيء، كل شيء بلا استثناء، حتى العلم خذلنا ونحن نملك كل الأدوات الذكية وإنسانيتنا غارقة في الحماقات الضارية.

أحبوا الله لتحبوا أنفسكم، أحبوا الله لتحبوا بعضكم البعض، أنا لا أوعظ هذا الصباح، لكني أعيش التجربة تلو الأخرى لأستنتج فقط أنه لااااااااا أحد لي عند المواجهة مع الخطر والموت والشياطين والأبالسة والأوباش والأضرار سوى الله، الله وحده الكفيل والوكيل والضامن والمعتمد، وكل ما دونه وهم وسراب.

أنا لا أقول اعتكفوا في المحاريب، ولا سلّموا أذهانكم لترهيب الشيوخ المأجورين للفتن، فقط حكّموا أدمغتكم واشغلوا أفئدتكم بالإخلاص والحب والطيبة والنقاء، تسلموا أنتم ويسلموا هم، ويسلم المجتمع المتخم بالأحقاد، والطافح بالغل، والغارق بالجشع، والمتمرّغ بأوحال النصب والاحتيال والفساد.

فقط عودوا إلى بساطتكم وبراءتكم وفطرتكم لتسلموا ويسلم المجتمع من الانهيار المحتوم، وقد ولج أبواب جهنم من جميع الجهات، وما نحن جميعا سوى حطبا للقيامة المنتظرة، أو حمامات سلام.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى