الراديوتغطيات خاصةرمضان

إلى النفوس الحائرة (7)- استشِر واستخِر وإذا عزمت فتوكّل على الله ولا تتردد

أعدها للنشر: أحمد الغـر

“إلى النفوس الحائرة”.. عنوان البرنامج الجديد الذي يقدمه لكم “راديو صوت العرب من أمريكا” خلال شهر رمضان المبارك، وهى عبارة عن حلقات فيديو مسلسلة يطل علينا فيها فضيلة الدكتور “موفق الغلاييني”، إمام المركز الإسلامي بمدينة Grand Blanc بولاية ميشيجان.

حيث يتناول فضيلته في كل حلقة موضوعًا مختلفًا من الموضوعات التي تهم المسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية، من أجل طمأنة النفوس، وتخفيف الضغط النفسي عليها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البشرية بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، التي تزامنت مع شهر الخير والبركات، شهر رمضان المعظم.

ويتمتع الدكتور “موفق الغلاييني” بسيرة ذاتية ثريّة كعالم جليل في الفقه الإسلامي، فهو حاصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من الجامعة ذاتها، وحاصل على ماجستير في الإعلام الإسلامي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، كما حصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة الأمريكية المفتوحة بواشنطن، وهو عضو اللجنة الدائمة للإفتاء التابعة لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

والبرنامج برعاية كريمة من مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية Life for Relief and Development .. وهي مؤسسة خيرية إنسانية غير ربحية ذات خبرة كبيرة في العمل الإغاثي والتنموي، تمتد لأكثر من 28 عامًا، فقد تأسست في عام 1992 من قبل المعنيين المهنيين العرب الأمريكيين، وتهدف لتوفير المساعدات الإنسانية للشعوب التي تعاني من ظروف صعبة بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين والخلفية الثقافية.

وإلى تفاصيل الحلقة:

في التأني السلامة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، عنوان هذه الحلقة “لا تتردد”.

من تجربتي في الحياة؛ أن الإنسان كلما تردد خَسِر، وخاصةً في القرارات المهمة، وكما يقولون في المثل الشائع “في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة”.

ونفهم من هذا المثل أن الإنسان لا يجب أن يأخذ قراره بسرعة، وعليه أن يتأنى، وذات يوم قال النبي ﷺ لأشج عبد القيس: “إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ”.

وللخليفة المنصور بيت شعر مشهور صار حكمة، يقول فيه: “إِذا كنت ذَا رأيٍ فَكُن ذَا تدبّرٍ .. فإنّ فَسَاد الرَّأْي أَن تترددا”.

وسوف نرى معًا الخطوات التي يجب اتباعها؛ أولًا: أن تستشير، ثانيًا: أن تستخير (أي أن تقوم بالاستخارة الشرعية)، ثم تمضي على بركة الله.

وبعدما تتخذ قرارًا فلا تتراجع، فعندما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون، خافا وترددا، قال المولى عزوجل: “اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى* قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى * قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى”،

فعندها قرّرا بدون تلجلج أن يذهبا إلى فرعون، وأن ينذرانه ويبلغانه رسالة الله، وكانت معية الله حاضرةً معهما، فلم يُؤذيا.

“وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ”
من الأمثلة المشهورة في السيرة؛ نجد قضية مشاورة النبي ﷺ لأصحابه قبيل غزوة أحد، هل نخرج لنلاقي جيش مكة أم نحارب في المدينة؟.

كان رأي النبي ﷺ أن يظلوا في المدينة، لكن معظم الصحابة، وعلى رأسهم سيدنا حمزة بن عبدالمطلب، أسد الله، كان رأيهم الخروج، لأن البقاء في المدينة عند العرب حينها كان فيه نوع من الضعف والجُبن.

فدخل النبي ﷺ إلى بيته، ولبِس لأمته (أي: درعه)، فلما خرج قال بعض الأنصار: يا نبي الله، شأنك إذن، (أي: الأمر يرجع إليك.. إذا أردت أن نبقى سنبقى)، فقال النبي ﷺ قولته المشهورة: “ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يُقاتل”، وفي رواية أخرى: “حتى يقضي الله بينه وبين عدوه”.

وقعت المعركة، ولم ينتصر المسلمون، وقد يظنّ ظانّ أن نتيجة الشورى كانت سلبية، فنزل قوله سبحانه وتعالى مخاطبًا نبيه ﷺ: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ”، أي استمر في المشاورة، رغم أن هذه الشورى قد أدت في ظاهرها إلى نتيجة سلبية وعكسية.

ويكمل سبحانه جلّ شأنه: “فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”، وهذه هي النقطة التي بدأت بها حديثي.. إذا قررت قرارًا وعزمت على أمرٍ، فلا تتردد، امضْ على بركة الله.

وكما قال الشاعر:

علمٌ ودستورٌ ومجلس أمةٍ :: كلٌ عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى أشكالها :: أمـا معـانيـها فلـيـست تعـرف

فأين حقيقة الشورى وأخذ رأي ممثلي الشعب في بلادنا العربية ومعظم بلادنا الإسلامية؟، كله هباء في هباء، وعندما يأتي رمضان أو الحج تصبح كل محطات الإذاعة والتلفزيون مسلمين، وتظهر المشايخ على تلك القنوات.

يا أحبتي.. الإسلام كما قال سيد التابعين؛ ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلّي، ولكن ما بما وقر في القلب وصدقه العمل.

فيا حكام العرب والمسلمين، هذا هو المعلم الحضاري، قول ربنا خالقنا سبحانه وتعالى: “وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ”، فإذا كان يخاطب سيد البشر، وهو محمد بن عبدالله ﷺ، بهذا ويأمره بالمشاورة، فأين أنتم من هذا؟!، فمن أسباب ضياعنا للأسف عدم الشورى الحقيقية.

لا تتردد
في قضية عدم التردد، نضرب مثلًا آخر من السيرة النبوية، وهي قصة الثلاثة الذين تخلّفوا في غزوة تبوك عن رسول الله ﷺ، وهم: كعب بن مالك (شاعر النبي)، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية.

وكان سبب تخلفهم هو التردد، إذ لم يكن لديهم عذر، ولذلك لما رجع النبي ﷺ، جاء المنافقون يعتذرون، كما قال الله عز وجل: “يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ”، فقد قبل النبي ﷺ منهم على نيتهم، فجاء هؤلاء الثلاثة وقالوا: يا رسول الله.. ما كان عندنا من عذر.

هؤلاء الثلاثة كانوا قد صدقوا، فقال لهم الرسول ﷺ إذهبوا حتى يقضي الله بأمركم، ثم نهى المسلمين عن التكلم معهم ومعاملتهم.

واستمرت هذه المقاطعة 50 ليلة، وهذا تأديب لهم لأنهم عصوا أمر النبي ﷺ بدون سبب، وانتظر النبي ﷺ الأمر الإلهي حول ما يفعله بهم، وفي نهاية الخمسين ليلة، نزلت توبتهم من الله (سبحانه وتعالى) وقد علم الله صدقهم.

وقال تعالى: “لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”.

وبعدها قال: “وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.

“وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ” مثلما نحن الآن في أزمة وباء كورونا، فنحن الآن ليس لدينا ملجأ من الله إلا إليه وحده، علينا أن نأخذ بالأسباب من احتياطات وأدوية، لكن في النهاية علينا أن نقول يا رب.

ولذلك قد ورد في الحديث، وإن كان في سنده مقال، ولكن نأخذ به في مثل هذه الأحوال، عن أنس بن مالك (خادم النبي) أن النبي ﷺ قد قال “ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد”.

فهذه كلها مقدمات لاتخاذ القرار، فلابد من الاستشارة، سواء أصحاب العقول أو الزوجة أو غيرهم، وأنا شخصيًا أستشير زوجتي، وهذا ليس عيبً.

فإذا كان أمامك عدة اختيارات لفعل أمر ما ستجد أنه بعد الاستشارة تبقّى منهم اختيارين أو ثلاثة، وهنا تستخير الله وتدعو بالدعاء المعروف وتتوكل على الله، خذوها مني عبرة، إذا أخذت قرارًا فلا تلتفت إلى الوراء، وامض على بركة الله.

وكما يقولون: “على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك الفلاح”، فهل من الممكن أن يقول أحدنا أن قرارته نهائية وأنه لا يخطئ أبدًا؟، بكل تأكيد لا يمكن، لأنه إذا قال هذا الكلام فكأنه يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله.

فلا أحد يدري ما نتيجة قرارته، ولذلك لابد من التسليم، أي سلمْ الأمر لصاحب الأمر تسلم، وبعد أن تأخذ بكل الأسباب والاستشارة والاستخارة، توكل على الله.

ونحن الآن محبوسون في البيوت.. عليك أن تنظر إلى هذا الأمر على أنه من قدر الله، وترضى به، ولكن لا يجب إضاعة الوقت في الحزن والتأفف والبكاء، ولكن يجب استخدامه فيما يفيدك.

يمكن أن تعدل من عاداتك، أو تنتبه لأمور ما كنت منتبهًا لها، وتذكّر قول الله تعالى: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.

كونوا متفائلين، استغلوا أوقاتكم فيما يفيد، وتوكلوا على الله، فإن الله يحب المتوكلين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

للإطلاع على تفاصيل أكثر حول أنشطة مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية وكيفية التواصل والتبرع اضغط هنا

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى