ما هو تأثير كورونا والصيام على أصحاب الأمراض المزمنة؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
استضاف راديو “صوت العرب من أمريكا” الدكتور “عبادة الزحيلي”، أخصائي السكري والغدد الصماء في أمريكا والعالم العربي، حيث أجاب على كثير من التساؤلات حول مرض كورونا “كوفيد 19” وأسبابه، ومدى تأثيره على من يعانون من الأمراض المزمنة.
تناولت الحلقة أسئلة عديدة عن علاقة الصوم بفيروس كورونا المستجد، وهل يمكن أن يؤثر الصيام على الإنسان ويعرضه لفيروس كورونا؟، وهل يحتاج المسلم أن تكون مناعته قوية لكي يصوم؟، وما هي الإرشادات التي يجب أن يتبعها أصحاب الأمراض المزمنة أثناء فترة الصيام؟، بالإضافة إلى مدى قوة تأثير فيروس كورونا على المصابين بمرض السكري، وهل يواجهون خطرًا أكبر إن أصيبوا بكورونا؟
الصيام وكورونا
بدأت الحلقة بالحديث عن تغيّر حال العالم بعد انتشار كورونا عن حاله قبل هذا الانتشار، والتغيرات التي طرأت على عادات وحياة الناس. ثم انتقل “د. عبادة” للحديث عن الربط بين الصيام وفيروس كورونا المستجد بالنسبة للأشخاص الأصحاء، حيث قال إن الجهاز المناعي immune system والتغير الحادث فيه هو الذي يحدد مقاومة فيروس أو التهاب معين.
فإذا أخذنا أصحاب الأمراض المزمنة كمثال، سنجد أنه إذا كان الجسم مريضً ومعتلّا بشكل كبير فإنه سيقاوم الفيروس أو الالتهاب بشكل أسوأ”.
وأضاف: “هناك دراسات كثيرة تم إجراؤها عن علاقة الصيام بالجهاز المناعي، ووجدوا أن الصيام يساعد على تقوية الجهاز المناعي، حتى لدى أصحاب الأمراض المزمنة، كما أنه يساعد على الوقاية من الالتهابات”.
وتابع “د.عبادة”: “لا علاقة للجهاز المناعي، أو كون الشخص من أصحاب الأمراض المزمنة من عدمه، باحتمالية إصابته بالفيروس، فالإصابة بالفيروس مرتبطة فقط بوجود الشخص في مكان ينتشر فيه الفيروس، سواء كان عمر الشخص 99 عامًا أو سنة، وسواء جهازه المناعي هو أقوى مناعة في العالم أو أضعفها.
فحدوث الإصابة له علاقة بالعادات الاجتماعية وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة وإهمال وسائل الوقاية”. وأضاف: “إذا وصل الفيروس إلى الجسم؛ الآن ننتقل للمرحلة الثانية.. هل هناك عوامل بالجسم تقاوم هذا الفيروس؟، هنا نبدأ الحديث عن جهاز المناعة”.
كورونا وأصحاب الأمراض المزمنة
كيف يؤثر فيروس كورونا على أصحاب الأمراض المزمنة إذا صاموا؟؛ أجاب “د. عبادة”: “كما ذكرنا فإن احتمال الإصابة لا علاقة له بالجسم أو مناعته أو أمراضه، وإنما له علاقة بعادات الشخص وابتعاده عن الأماكن التي يوجد بها الفيروس،
لكن إذا دخل المرض للجسم، وكان الشخص مصابًا بمرض مزمن مثل السكري أو القلب أو ضغط الدم أو أمراض بعض الغدد أو كل المرضى الذين يتعاطون أدوية مثبطة للمناعة.
كل هؤلاء يكون لديهم مشكلة إذا تعرضوا للإصابة بالفيروس، خاصة الفيروسات التنفسية أكثر من غيرهم، حيث تحدث حالة سيئة من الارتكاس بالجسم”.
وأضاف: “نقطة مهمة أخرى؛ ليس بالضرورة إذا كان الشخص لديه مرض السكري على سبيل المثال، وتمت إصابته بالفيروس فسوف يموت بسببه، فلا علاقة لذلك هنا، فالأمر له علاقة بالضبط، هناك أمراض يمكنها أن تحدث مشكلات للشخص.
ولكن إذا تمّ ضبطها لن تكون هناك مشكلات، فإذا كان هناك شخص مصاب بضغط الدم ولكن ضغطه مضبوط طوال الوقت، فإنه لن يكون معرضًا للاختلاطات، على عكس شخص آخر لا يتناول دواءه بشكل منتظم، ولديه مشكلة فى الشرايين والقلب، كل هذه علامات على فشله في ضبط مرضه”.
مرضى السكري وكورونا
هل يواجه الأشخاص المصابون بمرض السكري خطرًا أكبر إذا أصيبوا بالفيروس التاجي؟، وهل ننصحهم بالصيام أم لا؟؛ أجاب “د. عبادة” قائلًا: “إذا كان لدى المريض سكري، ويأخذ 4 إبر من الأنسولين، وخزان السكر عنده 9 أو 10، ووظيفة الكلى عند معدل 50%، فهذا ننصحه بعدم الصيام، لأن الصيام من الممكن أن يزيد نسبة الاختلاطات عنده.
ولكن من جهة أخرى فإن نسبة قليلة من مرضى السكري يصبح لديهم هبوط سكر في رمضان، وبنسبة كبيرة نجد دائمًا أن المرضى الذين لديهم السكري منضبط من قبل رمضان، يكون منضبطًا أيضا في الصيام، ويمكنهم الصوم، بل إن الصوم يفيدهم أيضا”.
وأضاف: “هناك موضوع آخر متعلق بالكلى، وهذا موضوع حساس بعض الشئ، لذلك إذا كانت هناك مشكلات بالكلى فمن الضروري التواصل مع طبيب الكلى لشرح الحالة له وإخبار المريض إذا كان بإمكانه الصيام أم لا.
لكن إذا كان المريض يعاني من عدم انضباط السكر أو الضغط أو القلب وغيرها من الأمراض المزمنة، وطوال الوقت يذهب إلى المستشفى بسبب هذه الأمراض، فهذا لا ننصحه بالصيام، لأن الصوم قد يزيد هذه المشكلات والاضطرابات”.
إرشادات لمرضى الأمراض المزمنة
هل تختلف الإرشادات التي يجب أن يتبعها أصحاب الأمراض المزمنة خلال الصيام عما قبله، مثل مرضى السكري على سبيل المثال؟؛ أجاب “د. عبادة”: “علينا أولًا أن نميّز في مرضى السكري، بين مرضى النوع الأول والنوع الثاني.
فالنوع الأول.. من يأخذون 4 إبر أنسولين باليوم، ونسبتهم تقريبًا 15%، هؤلاء نقول لهم لا يجب أن تصوموا، لأن الصيام يتسبب لهم في حدوث مشكلات، أما النوع الثاني ممن يأخذون إبرة أنسولين واحدة باليوم، ونسبتهم تقريبًا 85%، فهؤلاء ننصحهم بالصوم، بل على العكس فإن الصيام يفيدهم”.
إذن فالمعيار دائمًا بالنسبة لأصحاب الأمراض المزمنة هو مدى الانضباط في هذا المرض المزمن، وعلى هذا الأساس يتم تحديد إمكانية الصيام من عدمه.
وأضاف “د. عبادة”: “أهم شئ دائمًا ننصح به مرضى الأمراض المزمنة هو ضبط النفس، فمثلًا كثيرًا ما ننصح المريض بأن يأخذ العلاج في وقته.. فيقول إنه أمر صعب!، وننصحه بقائمة مأكولات وحمية معينة.. فيقول إنه صعب عليه!، وننصحه بممارسة الرياضة.. فيقول نفس الشئ!، وعدم الالتزام بكل هذه الأمور ينتج عنه اختلاطات ومشكلات كثيرة، قد تزيد من خطورة المرض المزمن”.
وتابع: “من الرائع في شهر رمضان أنه بإمكان المريض أن يقوم بضبط عاداته وتغييرها بشكل منضبط، لكن من المؤسف ـ على سبيل المثال ـ أنه مع الفطور يتناول المريض بدل التمرة الواحدة 7 تمرات، وكمية كبيرة من العصائر، ففجأة نجد أن السكر ازداد إلى 400.
وبعد الإفطار، نجد أن المريض لا يستطيع أن يتحرك، لأن جسمه صار مرهقًا بسبب الارتفاع الشديد في نسبة السكر، والمؤسف أكثر أن المريض نادرًا ما يتحرك بعد الإفطار، يستلقي أو ينام، وهذا يزيد من المشكلة، لأن السكر يزيد الضغط على الكلى والدماغ والمناعة”.
وبشكل عام نصح “د. عبادة” بعدم تناول الحلويات على الإفطار، وشرب كميات جيدة من الماء، وليس العصائر التي تحتوي على نسبة عالية من السكر، وأن يكون الأكل منوع بين البروتين والشحوم وشئ بسيط من السكريات، وأن يكون الشخص نشيط ودائم الحركة ويمارس الرياضة باستمرار.
كما يجب الحفاظ على وجبة السحور، وأن تكون منوعة، وليست قائمة على السكريات والنشويات فقط، بل يجب أن تحتوي على البيض واللبن والجبن، تحديدًا الدسم والبروتين، والحفاظ على تناول السكريات الطبيعية.
نصائح للأصحاء
من نصائح “د. عبادة” للأصحاء وأيضًا لأصحاب الأمراض المزمنة أيضًا، خلال شهر رمضان؛ أنه يجب ممارسة الرياضة وحركة العضلات خلال الشهر الكريم، مشيرًا إلى دراسة حديثة أجريت على ألاف الناس وتم نشر نتائجها عن العلاقة بين قوة قبضة اليد ومعدل السكري.
فكلما زادت قوة قبضة اليد نقصت نسبة السكري، ونجد أن قوة قبضة اليد هى انعكاس لحجم وقوة العضلات عند الشخص، لذلك ننصح دائمًا ببمارسة الرياضة وزيادة حجم العضلات، لأن ذلك يحرق السكر والكولسترول ويقويّ المناعة، وهذا الأمر ينطبق على الرجال والنساء، الكبار والصغار.
كما أكد أن ممارسة الرياضة بعد تناول الطعام دائمًا تكون أفضل من ممارستها قبل تناوله، وذلك لأن الجسم في حالة الصيام تكون هناك هرمونات تحافظ على السكر بالجسم، ولكن بعض الطعام تخرج هرمونات أخرى لتقليل السكر.
فالرياضة تساعد الجسم بشكل أفضل ما يمكن بعد الطعام، وهذا على عكس النصائح العربية الخاطئة التي تنصح بالراحة والاسترخاء بعد تناول الطعام، فأسوأ ما يمكن فعله بعد الأكل هو عدم الحركة.
الحوامل والصوم وكورونا
عن النساء الحوامل والصوم وفيروس كورونا؛ أعطى “د. عبادة” بعض النصائح، حيث قال إن المرأة الحامل قد تتعرض لبعض المشكلات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، والتي تقل خلال الأشهر المتبقية.
فخلال الأشهر الثلاثة الأولى للحامل المصابة بالسكري احتمال كبير أن يصير لديها أجسام كيتونية، وبالتالي تحصل حموضة نتيجة زيادة معدل الأجسام الكيتونية.
لذا فإنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى لا يجوز الصيام، لأن هناك خطر حتمي. لكن إذا كانت المرأة لديها سكر حملي عادي ومنضبط ولا تحتاج للعلاج أو شئ، فلا مشكلة من الصيام، إلا إذا شعرت بأي مشكلة تتعلق بالسكر أو الألم أو ضغط الدم وخلافه، فعليها فورًا التوقف عن الصيام ومراجعة الطبيب.
وأكد “د. عبادة” أن نمط أكل المرأة الحامل يمكن أن يؤثر على حجم الجنين، وعلى تطور نموه على المدى الطويل أيضًا، فكلما كان الولد صغيرًا في الحجم عند ولادته، يكون لديه مشاكل في المستقبل، لذا فإن الحامل في حالة إذا كانت تعاني من نقص السوائل أو أي مشكلات أخرى ستضر بالجنين فمن الأفضل الإفطار.