تغطيات خاصةرمضان

رمضان في زمن كورونا.. ماذا تبقى من شعائر الشهر الفضيل؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

في رمضان 2020م؛ أطلق راديو صوت العرب من أمريكا، شعار “عطاء للمحتاجين.. ومواساة للمتألمين”، وسط تساؤلات حول دور المسلم في تحقيق التكافل الاجتماعي وإغاثة الفقراء والمحتاجين والمتضررين من أزمة كورونا.

وفي ظل الظروف التي فرضها الوباء من قيد الحركة وتقليل الزيارات والتجمعات، ومنع الإفطار الجماعي وموائد الرحمن، وإغلاق المساجد وتعليق الصلوات وصلاة التراويح فيها، ما الذي سيتبقى من شعائر الشهر الفضيل؟

تساؤلات عدة طرحتها الاعلامية “ليلى الحسيني” على فضيلة الدكتور “شادي ظاظا”، مؤسسس منظمة رحمة في كل العالم، ومدير فرع الجامعة الإسلامية في ديترويت، حيث دار النقاش حول الالتزام بالحجر المنزلي وإتباع إجراءات السلامة، كواجب وطني وإنساني على كل فرد في المجتمع، وذلك لكسر سلسلة العدوى بين الأفراد.

وكيف يمكن تعويض الفراغ الناجم عن التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي والمتمثل في إغلاق المساجد وغيرها من المؤسسات والمراكز، خاصة خلال شهر رمضان، شهر العبادات.

وأيضا كيفية استثمار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تواصلنا مع الآخرين، ولذلك لملء الفراغ الذي سببته حالة التباعد الاجتماعي نتيجة انتشار فيروس كورونا، وكذلك قائمة بأهم الأهداف التي يمكن تحقيقها، وتنظيم وقت النوم حتى لا يؤثر بشكل سلبي على نفسية الفرد، وأهمية المطالعة والاهتمام بالأعمال المكتبية وممارسة الرياضة.

عطاء ومواساة
بدأت الحلقة؛ بإعلان من الإعلامية “ليلى الحسيني” عن الشعار الجديد الذي تم إطلاقه من (راديو صوت العرب من أمريكا) خلال شهر رمضان المبارك لهذا العام، وهو “عطاء للمحتاجين.. ومواساة للمتألمين”.

وأشارت إلى أن شعار العام الماضي كان بعنوان “كلنا عباد الله”، لكن هذا العام مختلف تمامًا في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم بسبب وباء كورونا.

من جهته بدأ “د. شادي ظاظا” حديثه بالقول إن “هذا الشعار ينطلق من منطلق قرآني يحث المسلمين والناس جميعًا على التآلف، خاصةً خلال هذه الظروف الصعبة، فالإنسان يحتاج إلى أن يكون صاحب مبدأ، ويثبت لنفسه إنسانيته أولًا، ثمّ مدى صدقه في رسالته في هذه الحياة”.

وأضاف: “لو تناولنا هذا الشعار من مبدأ ديني، نذكر قول الله (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) : {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}، فالتكذيب المقصود هنا ليس التكذيب النظري، وإنما التكذيب العملي.

فنحن هنا صرنا بحاجة للاعتياد على التغيير الذي حدث في حياتنا الآن، فما بالنا بمن هم في مناطق النزاع والحروب!، فهؤلاء بالأساس قبل كورونا لم يكن يوجد لديهم أبسط مقومات الحياة، وقد زادت معاناتهم الآن، وتزداد أكثر، لأن من كانوا يساعدونهم قد أصبحوا أيضًا في ظروف صعبة”.

وتابع: “نحتاج في رمضان أن يستمر عطاؤنا، فهذا يعدّ من أقرب السبل إلى الله، وهو من العبادات العملية التي يكون لها عظيم الآثر على من حولنا وعلى المجتمع”.

رمضان استثنائي
رمضان هذا العام مختلف؛ فهو بدون مساجد وبدون صلة رحم وبدون شعائر جماعية، وإن كان البعض يرى في ذلك فرصة لاستغلال الشهر بطريقة مختلفة.

وعلّق “د. شادي” على هذا الأمر قائلًا: “العالم أجمع أمام تحدٍ حقيقي واستثنائي، وبالنسبة للمسلمين فإنهم يعيشون رمضان هذا العام بشكل مغاير تمامًا، ولكن لابد للإنسان أن يتكيف في ظل الظروف المتاحة له في الحياة.

فقد سُئِلَ علماء النفس سؤالًا: ما هو الذكاء؟.. فقالوا: الذكاء هو التكيف. ونحن اليوم وُضِعنا في ظرف مختلف، فعلينا أن نتكيف للحفاظ على الأنفس وصون المجتمع”.

وتابع: “رمضان هذا العام قد يكون مختلفًا، ولكن في ديننا فسحة، ولدينا رخصة، فالله سبحانه وتعالى يقول:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، فصيانة الروح وحماية النفس مقدَُمة على أشياء كثيرة أخرى.

وشاءت الظروف أن يأتي رمضان علينا ونحن في البيوت، فعلينا أن نتدارك الأمور التي بين أيدينا، وأن نعوض ما اعتدنا عليه من شعائر، ونمارسها في بيوتنا”.

استرجاع بهجة رمضان
في الفقرة الثانية من الحلقة؛ تحدث “د. شادي” عن كيفية استرجاع بهجة الشهر الكريم، حيث قال: “هناك مقولة مفادها (الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس)، فلا ينبغي أن يستمد الإنسان فرحته من خارج محيطه، ففرحة الإنسان برمضان ينبغي أن تكون نابعة من داخله، ففي هذا الحالة تكون دليل على الإيمان وصحة رؤيته وعقيدته في الحياة”.

وأضاف: “هناك من يقول إن التواصل مع الناس أصبح شئ ضروري في الحياة، ولدينا مثل في الشام يقول (الجنة من غير ناس.. مبتنداس)، ولكن في نفس الوقت عندما نكون في ظرف مثل الظرف الراهن، فعلينا أن نفهم خطورة الأمر ونتحمل مسؤولياتنا تجاهه”.

وتابع: “لاستعادة بهجة رمضان؛ علينا أولًا أن تكون نيتنا صافية، وأن نلتزم بالدعاء، وأن نلّح على الله في الدعاء، ويمكننا أن نستغل وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي لتعويض عدم القدرة على التواصل البدني والتقارب”.

التباعد الاجتماعي
بالرغم من فرض إجراءات التباعد الاجتماعي لكسر سلسلة العدوى بالفيروس؛ إلا أن هناك بعض المظاهرات التي خرجت رافضةً لهذه الإجراءات، في هذا الصدد قال “د. شادي” معقبًا: “لدينا قاعدة في المقاصد الشرعية تقول (درء المفاسد مُقدّم على جلب المنافع)، فعدم الالتزام بالحجر الصحي والتباعد يمكن أن يؤدي إلى معاناة وإصابات أكثر”.

وأضاف:”أنا تلقيت عدة رسائل من مساجد يقولون إنهم لا يريدون غلق المساجد، فقلت لهم: كيف سيكون الحال إذا تحول المسجد لبؤرة للعدوى؟، كيف ستكون نظرة المجتمع الأمريكي لنا؟، بالتأكيد سَيُتَهم المسلمون بالجهل والتخلف لأنهم استمروا في عباداتهم غير عابئين بالجائحة، وقد نكون سببًا في نشر هذا المرض”.

وتابع: “وقد رأينا أن نسبة 99% من المسلمين بأمريكا قد التزموا بإرشادات اللجنة الدائمة لفقهاء الشريعة في أمريكا، وعرفوا خطورة الوضع وأهمية الالتزام بهذه التعليمات، ودائمًا يكون هناك نسبة ضيئلة جدًا مخالفة، وهذه طبيعية في أي مجتمع”.

وأضاف: “الشريعة كلها عدل ورحمة ومصلحة، وهذه هى المقاصد الكبرى في الدين، ولا يجوز لأحد أن يأتي ويزايد على هذه المقاصد، والحفاظ على النفس من أولى أولويات مقاصد الشريعة”.

وفي الحديث الشريف؛ عن أنس بن مالك أنه قال: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها (أي: عدُّوها قليلة)، فقالوا: أين نحن من النبي ﷺ؟، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله ﷺ فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.

الوقت في رمضان
عن استغلال الوقت في هذا الشهر الفضيل؛ قال “د. شادي”: “للأسف؛ المسلمون في الفترة الأخيرة صاروا يركزون على شهر رمضان من أجل الجوانب الاجتماعية فقط، فأخذوا يهتمون بالقشور والمظاهر وإقامة الولائم والعزائم فقط، فتم تفريغ الشهر من مضمونه، نحن نريد إعادة ضبط معنى رمضان، ونعيد ترتيب أولوياتنا، في ظل ما حدث بنا جراء هذه الجائحة”.

وأضاف: “هذه الجائحة رسالة من الله واضحة جدًا، أن يا أيها الناس أنتم أمة واحدة، أحبوا بعضكم، وانشروا الخير بين بعضكم، فكم نحن مقتربون من بعض، فعلى ماذا تدل سرعة انتشار هذا الفيروس؟.. تدل على أن الأرض كلها بيت واحد، أما خلافنا مع بعضنا البعض فليس له مبرر، وإذا لم يتعظ الإنسان بما يرى الآن.. فلديه مشكلة كبرى، فمن لم تُحدِث هذه المصيبة في نفسه أثرًا، فمصيبته في نفسه أعظم”.

كورونا والعدالة المجتمعية
هناك من يشير إلى أن هذا الفيروس قد أظهر غياب العدالة المجتمعية بوضوح، فهل ساهم الفيروس في إظهار حجم الظلم المجتمعي والتفاوت الكبير بين أغنياء العالم وفقراءه؟

أجاب “د. شادي”: “تساوى في هذه الجائحة الغني بالفقير، فخوفهم واحد، أين المفر؟، انتشر المرض في كل بقاع الأرض، ما من بقعة آمنة يلجأ إليها الأغنياء، نحن نريد لكل الناس أن يصبحوا أغنياء، لكن الغني الحق هو الذي فهم قيمة المال بين يديه، فتقرب به إلى الله، وجعله واسطة خير بينه وبين الناس”.

كما تحدث د.شادي عن نماذج من الناس ومواقف واجهها خلال عمله في جمع التبرعات بأمريكا.

مساهمات أغنياء العالم

في آواخر العام الماضي؛ سلّطَ تقرير حديث لمؤسسة wealth-x المتخصصة في دراسة الثروات وتتبع رؤوس الأموال في العالم على التبرعات الخيرية ذات القيمة العالية.

وكشف التقرير أن الأثرياء قدموا 153 مليار دولار للأعمال الخيرية في عام 2018، وهذا يعادل تقريبًا إجمالي إنفاق الحكومة الفيدرالية الأمريكية على الرعاية الصحية والتعليم والطاقة المتوقع في عام 2019م،

وقدّم أثرياء الولايات المتحدة وحدهم 75 مليار دولار بنسبة (49%)، فيما قدم أثرياء أوروبا 48 مليار دولار، أما أثرياء الشرق الأوسط فقدموا فقط 7.6 مليار دولار.

وقد علّقَ “د. شادي” على تلك الأرقام، قائلًا: “تعزيز قيمة التكافل الاجتماعي في النفس الإنسانية هى ثقافة، والتبرع ثقافة، والعطاء ثقافة، فالمعطي يعيش أكثر من حياة مختلفة، ونحن هنا لدينا تواصل مع أفراد ومنظمات وكنائس، نجد فيهم لمسة الحرص على العطاء.

ودعيني أخبرك.. أن المسلمين لو أخرجوا جميعهم زكاة أموالهم فلن يبقى فقير في العالم، فالبعض يختلقون الحجج كي لا يخرجونها!، رغم أن الزكاة هى ربع العشر، أي 2.5% فقط”.

ثقافة غائبة
في ظل المادة الإعلامية التي تُقدّم الآن على خارطة الإعلام في العالم العربي، نجد برامج مليئة بالسفه وتحجيم للثقافة، فمن أين تأتي الثقافة والمعرفة إذن؟

يجيب “د. شادي” قائلًا: “نحن نريد أصوات المصلحين، ومنابر كالمنبر الذي تقومين على رعايته، من أجل إعادة نشر التوعية لهؤلاء الناس، فهم للأسف مغيبون، وما وجدت أشد صممًا من الذي لا يريد أن يسمع”.

وأكد د.شادي على أهمية الشعار الذي أطلقه راديو صوت العرب من أمريك هذا العام (عطاء للمحتاجين.. ومواساة للمتألمين)، قائلًا: “دورنا كمسلمين الآن، أننا في جائحة، والمجتمع الأمريكي ينتظر منا رد الجميل، فمن المعيب أن نخبئ أنفسنا في الجحور، وألا نخرج ويكون لنا بصمة وحضور، والله سبحانه تعالى يقول: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ}، فكل إنسان يعرف قدراته وماذا يستطيع أن يقدم، والإنسان الذي يمتنع عن تقديم الخير هو أكبر المحرومين، فمن المعيب أن ننتظر التبرعات حتى تأتينا، لابد من التكافل وروح المبادرة”.

وفي الختام؛ أطلق “د. شادي” هذه المناشدة: “أنا أهيب بكل من يسمعنا الآن بدعم المشروع الإعلامي الذي تقومين به، والمبادرة في هذا المشروع، والمساهمة بأن يكون لهم حظ في تقوية هذا المنبر الإعلامي، ووصول صوتك إلى كل بقاع أمريكا، وليس فقط ميشيجان”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى