كيف بدأ الاحتفال باليوم العالمي للمرأة؟.. وما دلالة المناسبة؟
هاجر العيادي
تحتفل البشرية اليوم 8 مارس باليوم العالمي للمرأة.. وهو يوم استثنائي لما يحمل من رمزية تثمن دور المرأة وأهميتها في المجتمع، فلولا المرأة لما اكتمل المجتمع.. فهي نصف المجتمع الرجل ومكملًا له وهي رمز الأوطان كما يقول البعض.
وهو يوم عالمي أقرته الأمم المتحدة قبل 40 عامًا، وتحتفل به نساء الأرض تعبيرًا عن توقهن للحرية والمساواة، والذي لم يأت من فراغ، وإنما انطلاقًا من نضالات شاقة وطويلة اتحدت فيها أصواتهن العابرة للحدود والمسافات.
يوم المرأة العالمي
وتعود بداياته إلى العام 1856، عندما خرجت نساء أمريكيات للاحتجاج في نيويورك على الظروف غير الإنسانية التي كنّ يشتغلن فيها.
ثم بعد أكثر من نصف قرن كانت مظاهرات الثامن من مارس 1908 التي نظمتها عاملات النسيج في شوارع نيويورك، وهن يرفعن أرغفة الخبز اليابس وباقات الورود، مع شعارات تدعو إلى منحهن حق الاقتراع في الانتخابات، وتخفيض ساعات العمل، والتوقف عن تشغيل الأطفال.
وفي 8 مارس 1909 خرجت عاملات في الولايات المتحدة للاحتفال بمرور عام على تحركهن السابق، وانضمت إلى صفوفهن نساء من الطبقة الوسطى ممن تبنين الدفاع عن قيم الإنصاف والمساواة وعلى رأسها حق الانتخاب، وفي أغسطس 1910 انتظم أول مؤتمر دولي للنساء في كوبنهاغن شاركت فيه 100 امرأة من 17 دولة.
رمز لنظال المرأة
وبمبادرة من الناشطة الاشتراكية الألمانية كلارا زيتكين تمت الموافقة على مقترح الاحتفال بعيد سنوي للمرأة دون تحديد موعد له، فقررت ألمانيا والدنمارك وسويسرا والنمسا الاحتفال به سنويا في 19 مارس ابتداء من 1911.
وخصصت الولايات المتحدة يوما وطنيا للمرأة تحييه كل آخر يوم أحد من شهر فبراير حتى العام 1913 تاريخ التحاق نساء روسيا بهذا الاحتفال في ذات اليوم، قبل أن يخضن بدورهن مسيرات “الخبز والسلام” التي انتهت بنيلهن حق التصويت في 8 مارس 1917.
ليصبح ذلك اليوم رمزا للدفاع على المرأة، التحقت بإحيائه دول أوروبا في العام 1945 بعد انعقاد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في باريس.
كلارا زيتكين.. صاحبة الفكرة
وارتبط احتفال اليوم العالمي للمرأة باسم الناشطة السياسية الألمانية كلارا زيتكين، ويعرف هذا اليوم جيدا الكثير حول دول العالم ولكن يجهل الكثير أيضا صاحب الفكرة والمناضل من أجلها،
والألمانية كلارا زيتكين أول مناضلة نسائية تستغل حضورها فى مؤتمر دولي للمرأة العاملة فى الدنمارك عام 1910 لتطالب بتخليد مناسبة يوم عالمى للمرأة، ووافقت الحاضرات فى المؤتمر البالغ عددهن 100 سيدة من مختلف بلدان العالم على المقترح.
تفاصيل أدق
كما استغلت زيتكين، هذه الفرصة في المؤتمر العالمي الذي تحدثت فيه من خلال الحديث عن أشهر حراك نسائي شهده العالم في هذه الحقبة وكان في نيويورك في مثل هذا اليوم يوم 8 مارس 1908.
حيث خرجت مسيرة نسائية بها حوالي 15 ألف عاملة تطالبن بتقليل عدد ساعات العمل، وأن يكون لهن الحق في الإدلاء بأصواتهن في العمليات الانتخابية، إلى جانب تحسين دخولهن.
وظلت الألمانية كلارا زيتكين، تكافح من أجل هذه فكرتها لاسيما وأنها لاقت ترحابا ودعما كبيرا من الأحزاب والحركات السياسية في ذلك الوقت.
وفي هذا السياق، أصدر الحزب الاشتراكي في أمريكا قرار بأن يخصص هذا اليوم 8 مارس للاحتفال بالسيدات كيوم وطني في البلاد، ولكن طالبت ” كلارا زيتكين” أن يكون يوم المرأة هو يوم عالمي وليس يوم وطني يقتصر على الأمريكيات.
ومنذ ذلك اليوم بدأ الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لأول مرة عام 1911، في ألمانيا وسويسرا والنمسا والدنمارك، وفي المقابل شرعت الأمم المتحدة تحتفل سنوياً بيوم المرأة العالمي في عام 1975، و
أصبح هذا اليوم يوماً للاحتفال بمستوى ارتقاء المرأة في المجتمع، وتوليها المراكز المختلفة في مجتمعها، ويتم تحديد موضوع لكل عام يتم فيه الاحتفاء بهذا اليوم، ويعود الفضل في هذه الفاعلية إلى الناشطة الألمانية كلارا زيتكين.
من هي كلارا زيتكين؟
كلارا زيتكين ولدت في 15 يوليو 1857 في قرية صغيرة في ساكسونيا في ألمانيا، وكانت الابنة الكبرى لرجل يعمل بالتدريس، في هذه الفترة كانت ساكسونيا إحدى المناطق الأكثر تصنيعًا في ألمانيا، وفي هذه المنطقة كان هناك تنظيمات للحركة العمالية الألمانية، وكذلك للحركة النسائية.
وفي سن الـ21 أصبحت كلارا زيتكين اشتراكية، بتأثر من ناظرة مدرستها “أوجست شميت” وهي شخصية شهيرة في الحركة النسائية الألمانية، وبدأت نشاطها في حزب العمال الاشتراكي الألماني، وقابلت وقتها أوسيب زيتكين وهو ماركسي روسي مهاجر كان له تأثير بالغ على تطورها كاشتراكي، وانجبت منه أبناءها فيما بعد.
في الأثناء، انخرطت كلارا زيتكين في العمل السياسي وتنقلت في بلدان أوروبا، حيث تركت ألمانيا بعد حظر جميع الأحزاب والصحف بفعل قانون بسمارك المعادي للاشتراكية، واشترك كل من كلارا وأوسيب، في الحركات الاشتراكية الفرنسية والألمانية والروسية وغيرها، وكانت هذه هي الفترة التي اكتسبت كلارا معرفتها بالحركة العمالية العالمية.
كما دعمت كلارا زيتكين الحركات النسائية البرجوازية، وقالت في كلمة ألقتها عام 1896 في مؤتمر للحزب الاشتراكي الديمقراطي نُشرت بعد ذلك على شكل كتيب تحت عنوان “فقط باشتراك المرأة ستنتصر الاشتراكية”، وكان هذا شعار لنصرة المرأة حتى الاعتراف باليوم العالمي للمرأة.
يذكر أن الأمم المتحدة أقرت رسميا الإحتفال باليوم العالمي للمرأة في العام 77 عندما أصدرت قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة تختاره للاحتفال بالمرأة، فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس، وبالتالي تحول ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن.
في النهاية تظل المرأة رمز للتضحية والنضال لما تقوم به فهي مكمل للرجل شئنا أم أبينا، ولايسع للرجل بهذه المناسبة إلا أن يقول لها “كل عام وأنت بخير، يأتي عيدك متألقًا في عباءة الربيع المزهرّ، ليذكّر المجتمعات بأنك نصفها الجميل والمعطاء، وليوضح إلى الحياة بأنك أنت من تصنعينها بفيض خصوبتك الذي يطلق من رعشة الألم خلقا سويّا، وكما أنت ألق الوجود وسر الخلود وسحر الحب ودفء الحنان وطهر الأمومة، فأنت مدرسة الأجيال وعماد المجتمعات وخيمة الأوطان في كل زمان.