“رحمة حول العالم”.. حصاد عام من الخير والعطاء
أجرى الحوار: سامح الهادي ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
في حلقة خاصة تحمل عنوان “حصاد عام من الخير والعطاء” استضاف الإعلامي سامح الهادى الدكتور شادي ظاظا، مؤسس منظمة “رحمة حول العالم” ومدير الجامعة الإسلامية الأمريكية – فرع ديترويت.
وناقشت الحلقة الدور الذي تقوم به منظمة “رحمة حول العالم” في مجال الإغاثة الإنسانية وتقديم المساعدات لكل مكان يمكن الوصول إليه.
إطلالة تاريخية سريعة
* د. شادي؛ في عام 2014، بدأت فكرتك بسيطة، وربما كانت استجابة عفوية نظرًا لكون سوريا، الوطن الأم، تئن تحت وطأة النزاعات المسلحة التي تدور هناك، وكانت البداية بـ 200 دولار فقط، فهل لك أن تعطى لنا إطلالة تاريخية سريعة عن النشأة الأولى للمنظمة؟
** المهمة الإنسانية والدافع الإنساني النبيل لتقديم المعونة هى غريزة موجودة داخل الإنسان، وعندما يحمل الإنسان هذه المهمة النبيلة يستطيع أن يترجمها لأفعال، وتكون البداية مقيدة حسب الظروف، لكن هذا الدافع يدفع الإنسان نحو تحقيق هدفه، حتى بأقل الإمكانيات المتاحة وفي أصعب الظروف.
لكن وجود إرادة ودافع، وفي ظل تشجيع الناس على المشاركة، وبإذن من الله تعالى، كان التوفيق حليف هذه الفكرة، كي تنمو وتثمر، وتتحول من منظمة صغيرة لا يعرفها أحد، إلى منظمة كبيرة موجودة في أكثر 13 مكان حول العالم.
ونحن نقدم المساعدات الإغاثية والحاجات الضرورية للناس، وخصوصًا في مناطق النزوح والصراعات والنكبات، وعندما تكون النوايا طيبة من المؤسسين والمشاركين تكون النتائج أفضل، ويرى الناس حصادها ظاهرًا وإيجابيًا في حياتهم.
بذرة صغيرة لمؤسسة عظيمة
* كم كان عدد الأشخاص الذي غرسوا هذه البذرة معكم في البدايات؟
** الحقيقة كنا عبارة عن مجموعة من المتطوعين في مؤسسات متفرقة، وفي عام 2014 وجدنا أن الأزمة في سوريا ستكون طويلة الأمد، ففكرنا في تأسيس مؤسسة قوية، نستطيع من خلالها ممارسة العمل الإنساني بطريقة قانونية كأشخاص موجودين في أمريكا، وفي نفس الوقت تكون هناك آلية متطورة لتنفيذ الأعمال وإيصال هذه المساعدات.
عددنا في البداية؛ كنا حوالي 12 شخصًا، و5 أشخاص مننا هم من سجلوا المؤسسة، إثنان منهم هنا في ديترويت، و ثلاثة موجودون في نيويورك، وكانت هذه هى الإنطلاقة والبداية، حيث تم فتح حساب بنكي للمؤسسة، وبداية الإعلان عنها، واستقبال التبرعات، ولكن قبل 2014م بـ3 سنوات، كل من شارك في هذه المؤسسة، كان له نشاط في مؤسسات أخرى، قبل أن نتوحد في هذه المؤسسة.
تطوير وتغيير
* د. شادي؛ مضى 2014م، عام التأسيس، وهو العام الأصعب في كل المشاريع، سواء أكانت ربحية أو خيرية، ثم جاء العام 2015، ومعه بدأ التطوير والتغيير، لكن قبل أن نتحدث عن هذا العام، أود أن أسألك: لماذا قمتم بتغيير الاسم من “رحمة للإغاثة” إلى “رحمة حول العالم”؟
** “رحمة للإغاثة” كانت مؤسسة مختصة بالشأن السوري حصرًا، ومعاونة النازحين والمنكوبين بسبب القضية السورية، ثم بدأنا نعمل بشكل موسع أكثر في بلدان أخرى، حيث تم طرح فكرة التوسع في العمل في مناطق مختلفة، خاصةً مع توفر المانحين الراغبين في دعمنا إذا ما وفرنا المساعدات لمناطق أخرى بنفس الكفاءة التي نوفر المساعدات بها في سوريا.
ونحن عملنا في الداخل السوري، ثم مساعدة السوريين في دول اللجوء، مثل: لبنان، تركيا، الأردن، ثم في عام 2016م بدأنا في العمل في اليمن، وبدأنا في اليمن من خلال تبرعات عينية، حيث كنا نرسل حاويات، ثم بدأنا نؤسس فريق إغاثة يمني، بنفس الخبرات التي هى موجودة في فرقنا الإغاثية في سوريا.
وكان من الضروري جدًا تطوير قدرات ومهارات الفريق الإغاثي الموجود على الأرض، للتحقق من مدى استفادة الناس من هذه المساعدات، لأننا في النهاية مؤسسة موجودة في الولايات المتحدة، وبالتالي لابد من وجود فريق يتابع الأمور على الأرض، ويتواصل معنا لمعرفة الحاجات والأولويات.
ومع الإنتقال إلى اليمن في 2016م، كان القرار بتغيير الاسم، كي نشجع ونعطي انطباع للمانح باننا نعمل في أكثر من دولة، وبالتالي قمنا بعمل تطوير وتغيير للـ vision & mission الخاصة بالمؤسسة، وطورنا من طرقنا الإغاثية واستراتيجياتنا، وبدأنا في بناء الثقة مع مانحين جدد، لتحقيق الرؤية التي بدأناها.
إدارة شبكة المكاتب
* د. شادي؛ بعد التطور وتغيير الاسم وتوسعة الرؤية الخاصة بكم، الآن تعملون في مكاتب مباشرة خاصة بكم، في غزة وسوريا واليمن وتركيا والأردن، كيف تقومون بغدارة هذه الشبكة من المكاتب من هنا بمقركم في ميتشجان، حيث يوجد أكبر تجمع للعرب في الولايات المتحدة في ميتشجان؟ وما هى آلية ترتيب الأولويات والقرارات؟
** لدينا نوعان من المانحين، مانح محدد لمشروع معين، وهو من يختار الدولة التي يريد أن يتبرع إليها، وبالتالي فإن منحته تتجه مباشرة إلى تلك الدولة، أو مانح بشكل عام للمشاريع الإغاثية عامةً.
وبالنسبة للمشاريع واتخاذ القرارات بشأنها؛ يكون هناك مشروع متميز ينفع شريحة أكبر من الناس ويحدث فارق كبير في حياتهم، هذا النوع من المشاريع هو الذي نستهدفه دائمًا، ولذلك فإن رحمة الآن شعارها هو Aid & Development، أيّ مساعدة وتطوير، إغاثة وتنمية.
والآن أعطينا زخم أكبر للمشاريع التنموية، لما لها من إفادة للناس، وليس فقط إغاثتهم، فنحن نحاول أن نعطيهم الصنارة، عملًا بالمثل القائل: “لا تعطني سمكة، بل علمني كيف أصطاد السمك”، وهذا مهم جدًا الآن، خاصة وأن المانحين والمتبرعين قد أرهقوا مع كثرة المناطق، فكان لابد من التوجه نحو المشاريع التنموية المستدامة.
كنا في البداية؛ فقط في غزة، ثم سوريا والعراق واليمن، ثم توسعت الأمور فجاءت بورما والمناطق التي تؤوي الروهينجا، وفي أفريقيا عندنا عمل في غانا وفي سيراليون، وغيرها من مناطق الكوارث والنكبات.
تبرعات المانحين
* هل لك أن تحدثنا قليلًا عن المانحين بشكل عام أو الـ general fund، وكيفية الاستفادة من تبرعاتهم في مشاريعكم الإغاثية؟
** هذا النوع من المانحين أو المتبرعين يمكننا توجيه تبرعاتهم نحو المشاريع الطارئة وكذلك المشاريع التي قد لا تحظى بزخم من مانحين محددين، وتطوير عمل المؤسسة نفسه وبنيتها التحتية وكادرها، وهذا النوع قد يكون مانح فردي أو شخصي، أو مؤسسة، كالمساجد والكنائس وجوجل وغيرها.
ومنظمتنا تعمل جميعها من خلال برنامج واحد وهو sales force، حيث يتم تغطية ومتابعات الأنشطة وتحميل البيانات وإظهار النتائج وأخذ التقارير والدلالات لقياس مدى نجاح كل مشروع من عدمه، ونظرًا لكونه برنامجًا مكلفًا، فقد أخذنا برنامج آخر من جوجل، وبشكل مجاني لأننا منظمة غير ربحية.
كما نستخدم جزء من تبرعات المانحين الـ general fund، لتوسعة مكاتبنا ونشاطها، وتغطية بعض الإلتزامات التي تُطلب منّا، فعلى سبيل المثال؛ في الأردن يجب أن يكون 20% من العاملين من المواطنيين الأردنيين، وأحيانا في البلديات في تركيا، وكدولة تستضيف اللاجئيين، يطلبون مشاريع محددة إلى جانب أنشطتنا، كل هذه الأمور يتم تغطيتها من الـ general fund.
هام وعاجل
* عندما تُعرض قائمة المشاريع على مجلس الإدارة للاختيار، تأتي العناوين (هام ـ و ـ عاجل)، فمن يأخذ الأولوية، الهام أم العاجل؟
** نحن نحاول أن نوازن الأمور بينهما، لكن العاجل قد يحظى بأولوية، بحكم أننا نعمل في مناطق حروب ونزاعات، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن نصرف كل الأموال في مجال الإغاثة العاجلة، فنعمل على جعل التمويل 50% للعاجل، و50% للهام.
في أعوام 2014 و2015 و2016، كنا نرسل كل التبرعات إلى الإغاثة العاجلة، وكانت حينها الأمور العاجلة أكثر وحركة التبرعات كانت أقوى وأكبر، لكن الآن قلّت التبرعات، وهذا كله يؤثر على قرار “أين نصرف هذه الأموال؟”.
معوقات وعراقيل
* د. شادي؛ بخلاف المعوقات المادية والتمويل، هل لا توجد أية معوقات لعملكم؟، هل هناك أريحية في التحرك في كل هذه الدول مع كونكم مؤسسة أمريكية؟، أم أنكم تنسوقون مع المنظمات الدولية الأخرى مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر وغيرها؟
** “العمل بدون معوقات” عبارة غير موجودة بقاموس العمل الخيري نهائيًا، لأن متى وجدت المعوقات وجدت الحاجة إلى العمل الخيري، والأمر يختلف من بلد إلى آخر، ففي تركيا الأمر يختلف عن الأردن أو لبنان.
وعلى سبيل المثال؛ عندما تقول أنك منظمة خيرية أمريكية في اليمن، فهذا يعتبرونه خطرًا، في حين أن بعض البلدان الأخرى، عندما تقول أنك منظمة أمريكية، يكون مرحب بك، بل وتعطى بعض الأولويات.
والآن في عام 2019م؛ قد أصبحنا معتمدين في الأمم المتحدة، بعد معاملة طويلة في العمل الإغاثي والخيري، وأنا قد دعيت إلى جينيف قبل فترة للحديث في مجال العمل الإغاثي في سوريا واليمن، وهذا لم يكن سهلًا على مؤسسة أهلية بسيطة ناشئة في عام 2014م، بالمقارنة مع ميزانيات المؤسسات الكبرى.
جائزة الشفافية
* في عام 2019م؛ حصلت مؤسسة “رحمة حول العالم” على الجائزة الذهبية للشفافية، هل لك أن تحدثنا قليلًا عن هذه الجائزة؟
** يُطلب منك معرفة آلية العمل ومن هو المسؤول عن كل أمر يصدر من المؤسسة، ثم ينظرون إلى الترتيب الإداري للمؤسسة، ليضمنوا أنه ليس هناك شخص واحد الذي يدير كل شئ.
فكل عملية في المؤسسة غير ربحية، يجب أن تكون بإطلاع أكثر من شخص، ليضمنوا أن هذه التحويلات والقرارات والإختيارات ليست مبنية على المصلحة الشخصية، وألا يكون هناك تعارض مصالح بين من يصدر الأمر ومن ينفذه أو المستفيد.
كما تُجرى مقابلات شخصية مع كل شخص في مجلس الإدارة، ويتم مناقشته في كيفية اتخاذ القرارات، كما يتم عمل تدقيق مالي لكل المعاملات المالية للمؤسسة، وبشكل عام فنحن في المؤسسة نجري تدقيق مالي داخلي، وهو جاهز لعرضه على أي مانح أو متبرع في أي وقت.
إنجازات ومؤجلات
* في كل عام، ولنتحدث هنا الآن عن 2019م بشكل محدد، تضعون خطة من الأعمال الإغاثية والمساعدات ومشاريع التنمية، فماذا تحقق منها؟، وما الذي لايزال ينتظر منها أن يرى النور في 2020م؟
** أولًا؛ نقل المؤسسة من الإغاثة إلى التنمية، وهذا تحقق جزئيًا، ثانيًا؛ نقل النازحين في سوريا من مخيمات إلى مساكن، ولكن لم نستطع أن نحقق هذه النقلة بشكل كامل بسبب الأوضاع السياسية والعسكرية على الأرض، وتأثر المنطقة كلها من النزاع.
فخطتنا كانت أن ننقل 20 ألف عائلة إلى منازل، لكن كثرة القصف وتزايد موجات النزوح قد أثرت علينا وكانت عوائق في طريق تنفيذ خطتنا، ثالثًا؛ استطعنا أن ننميّ الجانب الزراعي، من خلال توفير كل المواد والأدوات اللازمة للزراعة للمزارعين وأصحاب الأراضي.
كان لدينا أيضا مشروعات تنموية تخص النساء، حيث أنشأنا مشروعات تجعل المرأة منتجة، مثل: مشروع الخياطة، وحملة دفء الشتاء، التي من خلالها أعطينا النساء أقمشة، وبعد أن حاكوها كملابس، اشتريناها منهم، ووزعناها على الأيتام والنازحين الفقراء.
تعليم الأطفال
* الحرب وضعت جيلًا كاملًا من الأطفال خارج المنظومة التعليمية؛ فماذا خصصتم لتعليم الأطفال؟
** نحن نساهم في بلدان اللجوء بتسهيل عملية الدراسة، فبعض هذه الدول تقدم لهم الدراسة مجانًا، مثل تركيا ولبنان، ولكنها لا تقدم لهم المواصلات، وبالتالي قمنا نحن بتدعيم هذه الجزئية، بأن نوفر للطلاب أجرة المواصلات كي يصلوا إلى مدارسهم على مدار السنة.
لكن بالنسبة للأطفال النازحين في الداخل، فقد ساعدناهم في إعادة تأهيل المدارس والكلفة التشغيلية لها، وكذلك تأمين مستلزمات الحقيبة المدرسية، قمنا بتحويل بعض الخيم وحاويات النقل إلى فصول دراسية، وفي عام 2019م كان هناك توسع في دعم الأطفال لمواصلة تعليمهم، وقد أطلقنا حملة على مواقع التواصل الإجتماعي لدعم التعليم في مناطق النزوح.
نشاط محلي
* ماذا عن نشاطكم المحلي، هنا في ديترويت وميتشجان؟، صحيح أننا محظوظون بتوافر كافة الخدمات، ولكن هناك بعض الأسر الفقيرة التي قد تحتاج إلى الدعم، فماذا قدمتم لهم؟
** بشكل كبير نوجه دعمنا المحلي إلى القادمين الجدد، من سوريا أو من مناطق أخرى، إذ يكون لديهم معوقات في اللغة وغيرها، فنقدم لهم برامج تعينهم على الإندماج السريع، مثل: برنامج New Life Style، وهذا برنامج مخصص للقادمين الجدد، وكذلك ندعم بعض الحالات المرضية العاجلة لغير القادرين.
ومن الناحية المادية؛ حاولنا أن نؤمن لبعض العائلات التي تعاني من نقص في تغطية إيجار البيت أو الفواتير، فكنا نحن متواصلين بينهم وبين المانحين الذين يمكنهم أن يتكفلوا بهم، ولكن لا نغطي عدد كبير هنا، عملًا بمبدأ أن من استطاع أن يصل إلى هنا، ليس تحت ضغط مماثل لمن هو تحت القصف.
رسالة أخيرة
* ختامًا؛ رسالة أخيرة إلى المستمعين، وإلى المانحين والمتبرعين لمؤسسة “رحمة حول العالم”؟
** أقول للإخوة المتبرعين والمانحين.. هناك مؤسسات كثيرة، والكل يعمل، ولكن أحث كل متبرع أن يدقق التقييم عند اختيار المؤسسة التي سيتبرع لها، فهناك عوامل كثيرة تكون ظاهرة تشجعك على اختيارها، حيث يكون الجانب الإعلامي مؤثر فيها، ولكن يجب أن تركز أكثر في رؤية انجازات تلك المؤسسة على الأرض، والتأكد منها، وأنها تلبي احتياجات الناس وتحدث الفرق في حياتهم.
أيضا أنا لا أريد أن تتبرع اليوم ثم تختفي، فأنا وأنت على مسافة واحدة في هذه المؤسسة، نرعى العمل الخيري والإغاثي وننميه، ونحن نسعد دائمًا عندما نرى المتبرعين، لأنهم يوجهوننا ويساعدوننا على التوجه في المسار الصحيح، ونحن نقبل الانتقاد البناء، فكل من يعمل يخطئ، ولكن كونا عونًا لنا نحو الأفضل.