غياب الحوار يفتح الباب أمام الخرس الزوجي لاحتلال البيوت

هاجر العيادي
لاشك أن أجمل ما في الحياة الزوجية هو التواصل الروحي والعقلي والجسدي، والمشاركة بين الزوجين في السراء والضراء، فإن توفرت تلك المميزات في العلاقة الزوجية أصبح الواحد منهم قادرًا على مواصلة الحياة بشكل سليم وناجح، وإن افتقدها فستكون الحياة بينهما كالموت البطيء في صحراء جافة لا ينمو فيها سوى الملل والفتور.
إحصائيات
وفى هذا السياق أكدت العديد من الإحصائيات أن 20% فقط من الأزواج سعداء، أما الباقون فتمضي بهم الحياة بين التعاسة والشكوى والملل والنكد، أو البحث عن السعادة والمتعة خارج إطار الزواج.
ومن أهم أسباب الخلافات كما أطلق عليها علماء الاجتماع وأخصائيو الصحة النفسية اسم مرض الخرس الزوجي أو الطلاق النفسي، وتتلخص هذه الظاهرة بغياب لغة التخاطب والحوار في البيت الزوجي، بحيث يسود الصمت بين الزوجين، وتغيب بينهما لغة التواصل، ليتخذ كل منهما حيزًا خاصًا به يحتجب من خلاله عن الآخر، ما يجعل الحياة الزوجية أكثر تعقيداً، والهوّة بين الطرفين أكثر اتساعًا، وبذلك يتجه الكيان الزوجي إلى السقوط، وينتهي غلى التفكّك والزوال.
من جهة أخرى يصف الدكتور عمرو أبو خليل الأخصائي النفسي الخرس الزوجي أنه كارثة اجتماعية تختبئ خلف الأبواب المغلقة وتؤدي في كثير من الأحيان للانفصال العاطفي الذي يعتبره أكثر قسوة من الطلاق، والذي يأتي نتيجة حالة الاطمئنان لدي الزوجين لوجود شريك حياته فلا يحاول إثارة إعجابه أو التفاعل معه.
استفحال الظاهرة
ويؤكد عدة تقارير وأرقام أن هذه الظاهرة تجتاح البلدان العربية بشكل ملحوظ وتقع مسئوليتها على الطرفين، وذلك لغياب ثقافة المرح والمتعة مقارنة بالدول الغربية التي تعتبر هذه الأشياء جزءا من ثقافتهم، بالإضافة إلي ضغوط الحياة التي نعاني منها في مجتمعاتنا بشكل أكبر.
كما يعد صمت الأزواج في المنازل مؤشراً على اضطراب العلاقة وأحيانا تبدأ هذه الظاهرة في الظهور بعد مرور سنوات عدة على الزواج كما قد يكون هناك ضعف في القضايا المشتركة فيما بينهم أو عدم الالتفات إليها كقضايا الأولاد والمنزل والمستقبل ما يجعل هذا الجانب يضمر بين الزوجين.
الخرس الزوجي
كما أن الصمت لا يعني أن الزوجين لا يحبان بعضهما، ولكنهما لم يستطيعا التفاهم بشكل جيد، مما يجعل الحياة مملة والخرس الزوجي ينبعث على مشاعر اليأس لدى كثير من السيدات، وهو من الصفات التي تنتاب الإنسان بدوافع نفسية أساسها رغبته في التعرف على الجديد والاستكشاف.
ولذا قد يصاب الرجل نتيجة معاشرته للزوجة بالصمت، وعلاج هذه الحالة القاتلة كما يراها الباحثون يكمن في التجديد والتغيير، بحيث يظهر كل منهما بشكل مختلف أمام الآخر كل فترة من الوقت، فيمكن للزوجة مثلا أن تجدد في طريقة ارتداء ملابسها أو تصفيف شعرها أو حتى الموضوعات التي تتحدث عنها، كما أن الزوج عليه ألا يبخل بمشاعره وكلماته الدافئة لأن تأثيرها على المرأة يفوق السحر .
نتائج وعواقب
ويقول خبير التنمية البشرية والمهارات محمد عبد الجليل أن السيدات أكثر قدرة على فتح موضوعات متنوعة للحديث مع الأزواج من الرجال لإبعاد شبح “الخرس الزوجي” عن الحياة الأسرية التي تمنع التواصل الطبيعي بين الطرفين والمشاركة الوجدانية، وأكد أن زيادة فترات الصمت في الأسرة الصغيرة تؤدي لتخفيض المستوى اللغوي للأطفال الذي لا يتناسب مع عمره مما يفقده الثقة في التحدث بصوت عالي أو التعبير عن ذاته.
التسرع سبب الطلاق
من جهة أخرى يضيف محمد أن الأزواج في المنطقة العربية بشكل عام لا يحرصون على التعرف على نمط تفكير الطرف الآخر في فترة الخطبة، ويقبلون على إتمام الزواج وهم في حالة جهل تام بسلوكيات بعضهم البعض، وهو ما يؤدى إلى المفاجأة بطباع الواحد منهم أو ينتهي الأمر بينهما بالصمت الطويل أو الطلاق.
وأكد خبير التنمية البشرية أن التدرب على التفكير في المشاكل اليومية البسيطة بشكل عملي يكسب الجانبين كثير من الخبرة ويجنبهما تفاقم المشاكل.
وشدد على ضرورة عدم إدخال الأهل أو الأصدقاء في أي مشكلة طارئة والاعتماد على الذات في حلها. وطالب الزوجين بالحرص على عدم الشجار أمام الأبناء لما في ذلك من مخاطر.
التكنولوجيا المتسبب الأول
من ناحيتها ترى دكتورة علم النفس نادية الحمدان أن التكنولوجيا ومتطلبات الحياة العصرية يساعدان كثيرًا على توغل ظاهرة الخرس الزوجي، فالحيز الكبير الذي احتلته العولمة والتي أصبحت متنفساً وملجأ يساهم في عزلة الطرفين، ويدفعهما للركون إليها باعتبارها وسيلة مستساغة لعدم الدخول في متاهات الجدل والمناقشة وبالتالي تفاقم ظاهرة الخرس الزوجي.
حلول واقتراحات
وحتى نتفادى ظاهرة الخرس الزوجي يقول دكتور عبد الهادي عيسى، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر إن الحياة الأسرية مبنية على الاستمرارية وعلى المودة والرحمة، وإذا لم يكن هناك حوار لن يكون هناك مودة ولا رحمة، وهذا الحوار لا يشترط أن يكون لفظي، والعلاقة الزوجية ليست علاقة ثنائية، لكنها علاقة بين زوج وزوجة يتخللها أبناء وحياة متكاملة.
في النهاية السعادة لا يمكن أن تتحقق دون أن يكون هناك تجاوب وحوار متبادل بين أطراف العائلة.. لكن مع تطور التكنولوجيا واكتساحها عالم البيوت دون استثناء من شأنه أن يقلص من هذه المودة فيغيب الحوار ويحل محله الخرس.. خرس قد يتسبب في التشتت وربما الانفصال بدلًا من المودة.