خلافات المعسكر الحداثي تهدد الدولة العميقة في تونس

تونس- هاجر العيادي
طالب وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي باستقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، رافضًا التنسيق معه للانتخابات التشريعية المقررة في 6 أكتوبر المقبل، محملاً إياه مسؤولية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد ونتائجها على المنظومة العميقة.
وفي هذا الصدد نشر الزبيدي، على صفحته على فيسبوك تدوينة قال فيها: “تابعت الدعوة التي توجه بها إليَّ السيد يوسف الشاهد من أجل إنقاذ تونس”، ويهمني أن أوضح أن من تسبب في تأزيم الوضع الاقتصادي وفي تدهور الوضع المعيشي للمواطنين، وفي تدمير الحياة السياسية والحزبية هو (الشاهد)، فهو جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكون جزءًا من الحلّ، ومبادئ الديمقراطية تقتضي منه أن يعترف بفشله وبمسؤوليته ويستقيل من منصبه”.
توحيد الجهود
وتأتي هذه المطالبة كرد على دعوة وجهها الشاهد، الجمعة، عقب النتائج الأولى للاستحقاق الانتخابي إلى “الجلوس على طاولة الحوار، وتوحيد الجهود بهدف إنقاذ البلاد”.
وقال الشاهد، خلال برنامج حواري على راديو موزاييك أف أم الخاص “رغم الكلام الخطير الذي قيل في حقي من قبل الزبيدي فإنني سأتجاوز ذلك بهدف توحيد الصفوف والدخول إلى الانتخابات القادمة موحدين، حتى لا تتشتت الأصوات، وذلك حتى تتمكن العائلة الديمقراطية من تكوين كتلة برلمانية وازنة”.
من جهة أخر وبشأن الانتخابات التشريعية، دعا الزبيدي إلى مساندة ما أسماه “بكل القوى الديمقراطية والوسطية والحداثية والقائمات (القوائم) المستقلة التي ساندتني في حملتي الانتخابية، ومنها آفاق تونس ونداء تونس ومشروع تونس”.
تفكيك الدولة العميقة
وتكشف هذه التطورات حدة الخلاف بين مكونات المعسكر الحداثي في تونس، وفق متابعين.. الأمر الذي بات يهدد نفوذ المنظومة العميقة، التي على ما يبدو بدأت تدفع الثمن بالطريقة نفسها التي تدفع بها حركة النهضة الإسلامية الثمن من تآكل رصيدها الشعبي.
وفي هذا السياق يؤكد بعض المتابعين للشأن السياسي التونسي إن الخلاف على السطح قد يبدو بين الزبيدي والشاهد، ولكنهما باتا عنوانًا لتفكك الدولة العميقة السياسية والحزبية التي حكمت البلاد، وتراجع أداؤها بشكل مثير للاستغراب، بعد أن فازت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2014، وقادها الصراع على المناصب إلى التشظي، خاصة بعد أن فقدت سندها السياسي الجامع بوفاة الرئيس الباجي قائد السبسي.
نتائج وأرقام
يشار إلى الزبيدي حل في المركز الرابع في الدور الأول للانتخابات الرئاسية بـ10.7% من الأصوات، تلاه الشاهد بـ7.38%، بينما تأهل إلى الدور الثاني، كل من قيس سعيد (مستقل)، أستاذ قانون دستوري، بـ18.4%، ونبيل القروي (رئيس حزب قلب تونس)، رجل أعمال وإعلام، بـ15.58%.
انتقاد الشاهد
وركزت الحملة الانتخابية الرئاسية للزبيدي على انتقاد الشاهد، في إشارة واضحة إلى أن رئيس الحكومة كان يتمسك بترشيح نفسه رغم أن التوجه العام داخل الدولة العميقة كان لفائدة الزبيدي، الذي تم التسويق له كمرشح نظيف لا يتحمل أخطاء حكومات ما بعد 2014 رغم كونه وزيرًا فيها.. الأمر الذي ترجمه البعض بحدة الخطاب الذي وجهه وزير الدفاع لرئيسه في الفريق الحكومي الذي يستمر بإدارة شؤون البلاد بانتظار نتائج السباق الانتخابي ككل.
على صعيد آخر قلل منجي الحرباوي، الناطق الرسمي باسم حركة نداء تونس، من أهمية الخلاف بين الشاهد والزبيدي معتبرًا أنه خلاف عادي قد لا يؤشر إلى تفكيك العائلة الوسطية التقدمية، كونه خلافا تنافسيا حول الاستحقاق الانتخابي.
تجاوز الخلافات
وقال الحرباوي في إحدى التصريحات إنه يأمل في أن يقع تجاوز هذا الخلاف وغيره من الخلافات داخل العائلة التقدمية، محذرًا من أن النمط المجتمعي في البلاد مهدد بوصول بعض الأطراف المتطرفة سواء من اليسار أو اليمين إلى سدة الحكم في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية متمنيا أن “تتحد هذه العائلة من جديد”.
في الأثناء يقول البعض أن العائلة الوسطية يبدو أنها فشلت في تحديد موقف واضح من دعم القروي الذي هو أقرب لها بالرغم من الخلاف معه.
في المقابل حسمت حركة النهضة أمرها باتجاه دعم قيس سعيد على أمل الاستفادة من رصيده الانتخابي في التشريعية.
الاختبار الحقيقي
من جهة أخرى يعتبر المتابعون أن المنظومة القديمة تعيش اختبارًا حقيقيًا خلال هذه الانتخابات، خاصة أن خصمها الذي توحدت ضده في 2014، أي حركة النهضة، يعيش حالة من التراجع في وقت حسم فيه الشباب الغاضب نتيجة الدور الأول من الانتخابات الرئاسية لفائدة قيس سعيد، ويمكن أن يستمر في التصويت العقابي ليدفع بأصواته إلى مجموعات غير حزبية أكثر تشددًا، ما يجعل البلاد في الطريق إلى المجهول.