عاشوراء.. مناسبة تجمع المسلمين باليهود والسُنّة بالشيعة وترمز للأخوة بين الأنبياء
غدًا إحياء ذكرى غرق فرعون ونجاة نبي الله موسى واستشهاد الإمام الحسين

مع بزوغ فجر يوم غد الاثنين العاشر من شهر الله المحرم، تحتفل الشعوب الإسلامية في كافة بقاع الأرض في بيوم “عاشوراء”، والذي أطلق عليه هذا الاسم نظرًا لأنه يكون في يوم 10 من شهر محرم الهجري.
وفي هذا اليوم تتجدد في نفوس المسلمين ذكريات ما بين معجزة نجاة نبي الله موسى وقومه من الغرق، وغرق فرعون، وذكرى واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين، حفيد النبي محمد.
مناسبة مشتركة
ولعل ما يميز هذه المناسبة أنها مناسبة مشتركة بين المسلمين واليهود وبين السنة والشيعة، فاليهود يحيون فيها ذكرى نجاة نبي الله موسى، وهو حدث يشترك فيه معهم المسلمون، والذين يحيون أيضًا ذكرى استشهاد الإمام الحسين، التي يهتم بها السنة والشيعة.
وورد في الروايات أنّ يوم نجاة موسى -عليه السّلام- من عدوّه فرعون كان يوم العاشر من شهر مُحرّم المسمّى بيوم عاشوراء، فصامه اليهود تعظيماً له، واتّخذوه عيداً لهم يوم أن نجّاهم الله -تعالى- مع نبيّهم موسى -عليه السّلام- من خطر عدوّهم فرعون، فلبست نساؤهم الحليّ واللباس الحسن ابتهاجاً بيوم عاشوراء.
وصيام اليهود ليوم عاشوراء يبدأ قبل غروب الشّمس بربع ساعةٍ، ويستمرّ حتى غروب شمس اليوم التالي بربعِ ساعةٍ تقريباً، فهم يصومون ما يقارب خمساً وعشرين ساعةً متتالية في يوم عاشوراء ولا يزال هذا الصّيام قائماً بينهم حتى اليوم.
ووفقًا للروايات أيضًا صام المسيحيون يوم عاشوراء، ولا شكّ أنّ عيسى -عليه السّلام- جاء بما جاء به موسى -عليه السّلام- ومُكمّلاً له، فتشابهت الأحكام والشرائع بين الإنجيل والتّوراة، فكان من بينها أنّ المسيحيين عظّموا عاشوراء وصاموه.
حتى قبيلة قريش التي كانت تعبد الأوثان أقرّوا بصيام يوم عاشوراء فصاموه وعظّموه، ورُوي عن عائشة بنت أبي بكر – رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانت قريشٌ تصومُ عاشوراءَ في الجاهليةِ، وكان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يصومُه).
فربّما أنّ قبيلة قريش وصلتها أخبار من القبائل التي قبلهم بفضل يوم عاشوراء فعظّموه وقدّسوه رغم جاهليّتهم، ورُوي أنّ قريشاً أذنبت ذنباً كبيراً ذات مرّة فأُثقل عليها الذّنب فصامت يوم عاشوراء لتكفير الذّنب.
مزاعم غير مؤكدة
وتحدّث بعض المؤرخين عن العديد من الأحداث التي وقعت في العاشر من محرم، مثل أن الكعبة كانت تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء ثم صارت تُكسى في يوم النحر.
وهو اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي نجى الله فيه نوحا وأنزله من السفينة، وفيه أنقذ الله نبيه إبراهيم من نمرود، وفيه رد الله يوسف إلى يعقوب.
وهو اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون وجنوده ونجى موسى وبني إسرائيل، وفيه غفر الله لنبيه داود، وفيه وهب سليمان ملكه، وفيه أخرج نبي الله يونس من بطن الحوت، وفيه رفع الله عن أيوب البلاء. لكن معظم هذه الأحداث أنكرها بعض علماء أهل السنة.
إحياء الذكرى
وينتظر الكثير من المسلمين يوم عاشوراء لإحياء سنة النبي (ص) في صيامه، وصيام يوم تاسوعاء (9 محرم)، وقد كان النبي يتحرى صيام يوم عاشوراء؛ لما له من المكانة، فقد كان يتحرى صيام هذا اليوم الذي فضله الله على غيره من الأيام باستثناء صيام شهر رمضان.
ومن السنن المستحبة التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله (ص) قال: “مَن وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ”.
وقد اعتاد المسلمون صوم يوم عاشوراء وهو (اليوم العاشر من شهر الله المحرم)، قبل أن يفرض عليهم صيام شهر رمضان كركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة، وفي ذلك اليوم كانت الكعبة تكسى بغطاء أبيض، وعندما فرض الله صيام شهر رمضان، قال رسول الله (ص) “من أراد صيام يوم عاشوراء، فليصم ومن أراد تركه فليفعل”.
تعظيم يوم عاشوراء
ويرجع تعظيم يوم عاشوراء عند الرسول والمسلمين إلى ما قاله الرسول الكريم حينما هاجر من مكة إلى المدينة ووصل إلى قباء، فقد وجد اليهود صائمين تقديسًا لليوم الذي أغرق فيه الله فرعون ونجى موسى وقومه منه عندما شق البحر نصفين، حتى عبروا بسلام، فيما غرق جيش فرعون، وعندها صام النبي (ص) وأمر المسلمين بأن يصوموا، قائلا “إني أقرب إلى موسى مِنهم”.
وعندما سئل النبي عن فضل صيام يوم عاشوراء، قال إنه يكفر ذنوب السنة الماضية، وعندما لاحظ الصحابة أن اليهود والنصارى يعتبرون هذا اليوم مميزا ويصومونه، قال النبي إنه من العام القادم، سيقوم بصيام اليوم التاسع من شهر المحرم ليتميز بالمسلمين عن اليهود والنصارى، ورغم أن القدر لم يمهله كي يصوم، إلا أن المسلمين بجلوا اليوم التاسع والعاشر من محرم، وهما تاسوعاء وعاشوراء، كأيام هامة في التقويم الهجري مع مراعاة الصيام فيهما.
وأكد الشيخ محمد محمود السيد مدير الدعوة بوزارة الأوقاف المصرية، أن المتأمل في حِكم الله في خلقه وتصرفه في كونه، يدرك عظم السنن الربانية في وقوع الأحداث في الأماكن والأزمان، وتميزها عن غيرها، وما ذلك إلا لحكمة اللطيف الخبير القوي العزيز، وأن توحيد الله وعظمته هو لب دعوة الرسل جميعًا، مضيفا أن الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ” وعلينا جميعًا أن نتقرب إلى الله بسائر أنواع الطاعات في هذا اليوم العظيم
واقعة عاشوراء
وحمل هذا اليوم فى عام 61 هجرية، “واقعة عاشوراء” التي تعد من أشهر الحوادث المأساوية في التاریخ وأكثرها إثارة، حيث جرى فیها الانتهاکات وهتك الحرمات، فكانت لها انعكاسات وأصداء واسعة، وقد صور الفن كل أحداثها على لوحات فنية، وأفلام ومسلسلات وخطته أنامل الشعراء والأدباء وأرباب المقاتل شعرا ونثرا، و اعتنى الشيعة منذ العصور القديمة بإحياء تلك المناسبة على مدار السنة لاسيما خلال شهري محرم وصفر.
فاجعة كربلاء
ومن جهة أخرى، وقع في يوم عاشوراء سيناريو قصة فاجعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين بن علي حفيد النبي وأهل بيته، حيث دارت على أرض كربلاء في ملحمة کبرى سقط فيها مجموعة من الشهداء وفي مقدمتهم الإمام الحسين بن علي مع ابنين له، وكذلك إخوته وبني إخوته وأبناء عمومته من بني هاشم، وعصبة من أصحابه الذين قرروا البقاء معه ومنازلة جيش يزيد بن معاوية بقيادة عمر بن سعد.
وبعد انتهاء المعركة سيق ركب النساء واليتامى أسرى إلى الكوفة ومنها إلى الشام، وفیهم الإمام زين العابدين وزينب بنت علي، يتقدمهم رؤوس الشهداء على الرماح، وكانت الخطبة العصماء التي قالتها السيدة زينب سببا في عتقها فحملت ابن الحسين خفية، وتوجهت مشيًا إلى مصر، حيث رحب أهلها بها فدعت لهم ومازال لها مكانة خاصة لدى المصريين.
ومن العبارات المنقولة عن النبي الأكرم فيما يتعلق بالواقعة قال “إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبدا” كما وصف سبطه بـ “قتيل العبرة … الذي لا يذكره مؤمن إلا بكى”.
الإمام الحسين
الإمام الحسين، هو الحسين بن علي بن أبي طالب (3 شعبان 4 هجرية – 10 محرم 61 هجرية) الموافق (8 يناير عام 626 – 10 أكتوبر عام 680)، هو سبط الرسول محمد، والإمام الثالث عند الشيعة، أطلق عليه النبي محمد لقب سيد شباب أهل الجنة، فقال «الحسَنَ والحُسَيْنَ سيِّدا شبابِ أَهْلِ الجنَّةِ»، وهو خامس أصحاب الكساء، وكنيته أبو عبد الله.
بويع أخيه بالخلافة، واستمر خليفة للمسلمين نحو ثمانية أشهر، ثم تنازل عنها لصالح معاوية بن أبي سفيان بعد أن صالحه على عدد من الأمور، وانتقل الحسن والحسين من الكوفة إلى المدينة المنورة، وبعد وفاة الحسن استمر الحسين في الحفاظ على عهد أخيه مع معاوية طوال حياة معاوية، وبعد موت معاوية رفض الحسين بيعة يزيد بن معاوية وخرج إلى مكة ومكث فيها لأشهر، فأرسل له أنصاره بالكوفة رسائل تؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل وأمره أن ينظر في أهل الكوفة وأن يستجلي حقيقة الأمر، ولكن والي الكوفة الجديد عبيد الله بن زياد استطاع الإيقاع بمسلم وقتله، وتفرق عنه أنصار الحسين وخذلوه.
استشهاد حفيد النبي
خرج الحسين إلى الكوفة، حتى وصل إلى زبالة فوصله خبر مقتل مسلم وخلان أهل الكوفة، وتوجه إليه الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس إلى الحسين ليلازمه حتى يصل إلى الكوفة، فلما وصلوا إلى كربلاء لقي جيش عمر بن سعد المكون من أربعة آلاف مقاتل، عارضا على الحسين النزول على حكم ابن زياد، وبعد فشل المفاوضات دارت معركة كربلاء.
وقتل في المعركة 72 رجلا من أصحاب الحسين، و88 رجلاً من جيش عمر، وطعنه سنان بن أنس واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ودفن جسده في كربلاء، وبحسب مرويات الشيعة، فإن رأسه قد دفن في كربلاء مع جسده عند عودة سبايا أهل البيت من الشام.
فيما اختلف أهل السنة في الموضع الذي دفن فيه الرأس، فقيل في القاهرة وقيل في دمشق، وقيل في كربلاء مع الجسد، وتعددت المراقد، وتعذرت معرفة مدفنه.
كان مقتله يوم العاشر من محرم سنة 61 هجرية الموافق 10 أكتوبر عام 680 ميلادية، ويسمى بعاشوراء.
سر “طبق عاشوراء”
وليوم عاشوراء شكل احتفالي معين يرتبط به، ففي هذا اليوم يصوم المسلمون، إحياء لسنة أوصى بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما يقوم المسلمون بصنع طبق حلوى يطلق عليه “حلوى عاشوراء” ويتبادلونه فيما بينهم.
وطبق “حلوى عاشوراء” يتم تحضيره من خليط من القمح واللبن والسكر ثم تقديمه في أطباق، وهذه المواد الأساسية في صناعته، ولكن يُضفي عليه المصريون عند تحضيرهم له النشا إلى جانب “الزبيب، وجوز الهند، والمكسرات”.
وهناك اعتقاد آخر يرجع “حلوى عاشوراء” للدولة العثمانية؛ حيث يطلق عليها “أشوري”، حيث تقوم تركيا بتحضيره بنفس الطريقة المصرية، ولكن مع إضافة الفاصولياء والحمص، وكذلك المكسرات وجوز الهند، وبعض أنواع الفاكهة كالرمان والبرتقال.
ولم يتضح السبب حتى الآن في اختيار هذه المواد لصناعة حلوى العاشوراء وإن كانت هناك أسطورة يؤمن بها الأتراك ويعتقد البعض أن أصلها يعود إلى أرمينيا، تفيد بأن مكونات حلوى العاشوراء قام بجمعها سيدنا نوح “عليه السلام” كبقايا طعام عندما بدأ الغذاء ينفد في السفينة، وبدأ بطهيها حتى تشكلت “حلوى نوح” التي عرفت فيما بعد بحلوى عاشوراء.