مع احتدام السباق الرئاسي.. الغموض يكتنف مستقبل الاقتصاد التونسي

تونس- هاجر العيادي
انتقد عدد من الخبراء في تونس الوعود التي يطلقها المرشحون مع بدء حملات الانتخابات الرئاسية المبكرة، مؤكدين أنها وعود جوفاء وغير قابلة للتحقيق حتى على المدى القصير، وقالوا إن الوضع الاقتصادي للبلاد لم يغادر في المجمل مربع الأزمة الأول، ولا تزال الأمور مقعدة.
جاء ذلك خلال ندوة حول “السياسات النقدية والميزانية والاستقرار المالي في تونس”، والتي نظمتها الجمعية التونسية لخريجي المدارس العليا، مؤخرًا.
وفي هذا السياق أجمع الخبراء على ضرورة استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية، من بينها ارتفاع قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية الرئيسية، وتحسن نسبة العجز في الميزانية.
اقتصاد هش
وتعد أكثر الملفات حساسية أمام الرئيس المقبل تلك المتعلقة بكيفية تعديل مسار الاقتصاد الهش، والذي لم يستطع أحد النجاح في تحقيقه حتى اليوم.
وعلى الرغم من انتعاش قطاع السياحة بشكل كبير قياسًا بالعام الماضي، إلا أن نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من هذا العام لم يتجاوز نسبة 1.1%، الأمر الذي يعكس استحالة بلوغه تقديرات موازنة 2019 عند مستوى 3.1%.
تراجع القيمة المضافة
في الأثناء تشير آخر الإحصائيات الرسمية للربع الثاني من العام عن تراجع القيمة المضافة للصناعات المعملية، التي تضم قطاعات من بينها الزراعة ومواد البناء والنسيج بنسبة 0.8% بمقارنة سنوية.
وفي سياق متصل تراجع نشاط الصناعات غير المعملية، التي تشمل الطاقة والمناجم والبنية التحتية قرابة 2.5% قياسا بالفترة المقابلة من 2018.
ارتفاع ملحوظ للعملة
كما شهدت العملة المحلية خلال الفترة الماضية ارتفاعا في قيمتها في السوقين الرسمية والسوداء قرابة 2.2% أمام اليورو ونحو 3.4% أمام الدولار، وهو ارتفاع تباينت أراء معظم المحللين حول أسبابه.
ولعل المتابع للوضع الاقتصادي التونسي يلاحظ طيلة الفترة الماضية أن سعر صرف الدينار قد شهد تغيرًا واضحًا، مما أثار قلق صندوق النقد الدولي، حيث بلغ 3.17 دينار مقابل اليورو، وحوالي 2.86 دينار مقابل الدولار.
ويرجع التحسن الذي شهدته قيمة الدينار في الفترة الماضية يرجع إلى استقرار احتياطي العملة الصعبة الناتج عن حصول تونس على القروض الخارجية، فضلاً عن أن قيمة الاحتياطات قدرت بنهاية أغسطس الماضي 17.2 مليار دينار أي ما يعادل 5.98 مليار دولار، وذلك للمرة الأولى منذ حوالي عامين.
ارتفاع موازنة سداد الدين
يذكر أن وزارة المالية صرحت في وقت سابق أن الموازنة المخصصة لسداد أصل الدين ارتفعت في النصف الأول من العام الجاري بنحو 54% لتصل إلى 1.2 مليار دولار مقابل 770 مليون دولار قبل عام.
كما تشير توقعات موازنة 2019 إلى أن حجم الدين العام بنهاية العام سيبلغ حدود 29 مليار دولار، أي ما يعادل 70.9% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
على صعيد آخر يرى مراقبون أن المؤشرات المتعلقة بالتداين لا تزال تثير القلق، فهي تبقى عند مستويات مرتفعة للغاية بعد أن كانت في حدود 76.7 % على أساس سنوي.
قروض لأجل الاستثمار
ومن هذا المنطلق تقترض الدولة عادة من أجل استثمار تلك الأموال في مشاريع تنموية منتجة، لكن تضطر في معظم الأحيان إلى توظيف جزء منها لسداد أجور موظفي القطاع العام.
وفي سياق متصل تقول مؤسسات مالية دولية، إن القطاع العام لا ينتج بقدر ما يلتهم مخصصات الاستثمار، الأمر الذي يفاقم أزمة الديون الخارجية.
في المقابل أكدت أحدث بيانات البنك المركزي التونسي الارتفاع المفزع في تكاليف خدمة الديون بنحو 44% في الأشهر الثمانية الأولى من العام بمقارنة سنوية، وهو ما يزيد الضغوط على الحكومة لمعالجة هذه المشكلة قبل أن تتفاقم أكثر.
استعادة نسق الاستثمارات
كما يرى مراقبون أن استعادة نسق الاستثمارات، وتفعيل الإصلاحات القطاعية والهيكلية الرامية إلى إعادة ترتيب أو استبدال نموذج التنمية المحلي، هي أهمّ الأولويات، التي يجب أن يعمل عليها أصحاب القرار في الفترة القادمة.
يشار إلى أن السياسات الاقتصادية المتبعة للحكومات المتعاقبة منذ سنة 2011 فشلت في إيجاد الحلول الملائمة لمعضلتين أساسيتين وهما البطالة والفقر بشهادة خبراء اقتصاديين.