تقارير

رئة الأرض تحترق .. ومستقبل مناخها يمضي نحو الأسوأ

أحمـد الغــر

مكانة بارزة تتبوأها قضية التغير المناخي حاليًا على الساحة الدولية، خاصةً في ظل استمرار حرائق الغابات في منطقة الأمازون، والتي دفعت بالرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” لاتهام نظيره البرازيلي “جايير بولسونارو” بأنه قد كذب بشأن تعهداته حول المناخ، وبعدم التحرك في مواجهة هذه الحرائق التي تدمر رئة العالم.

فبالرغم من الاهتمام المتصاعد الذي يحظى به موضوع الاهتمام بمناخ الأرض، وكونه على جدول أعمال غالبية المؤتمرات والقمم الدولية، والتي كان آخرها قمة الدول السبع التي انعقدت في مدينة بياريتس الفرنسية، إلا أن الحكومات لم تبذل كل ما بوسعها لاحتواء الأمر، وبينما يختلف القادة ويتنصل بعضهم من التزاماته، فإن كوكبنا هو الخاسر الأكبر ومستقبل مناخه يمضي في نفقٍ مجهول النهاية.

رئة الأرض تحترق

حرائق غابات الامازون بالبرازيل مازالت مستمرة، بل وتتسع رقعتها، بالرغم من الدفع بطائرات عسكرية لإلقاء المياه فوق المناطق الأكثر اشتعالا، فقد غطى الدخان مدينة بورتوفاليو، فيما استعرت الحرائق في ولاية روندونيا بالشمال الغربي، فيما تتواصل جهود فرق الإطفاء للسيطرة على الوضع.

بعض التقارير تحدثت عن زيادة عمليات إزالة الأشجار في أكبر غابة استوائية في العالم خلال أشهر الجفاف الطويلة، لإفساح المجال أمام زراعة المحاصيل، أو رعي الماشية وتجارة الأخشاب، مؤكدةً أن الحرائق الحالية بعضها يتم بفعل فاعل، وليست جميعها بشكل طبيعي.

 

 80 ألف حريق

يُذكر أن 60% من غابات الأمازون موجودة في البرازيل، إلا أن الغابات الشاسعة تمتد إلى أجزاء من ثماني دول أخرى، وبحسب الأرقام الرسمية الأخيرة فقد تم تسجيل 80 ألفا و626 حريق غابات في البرازيل هذا العام، وهي الأكبر عددا منذ 2013.

وقد رصد المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء قرابة 1113 حريقًا جديدًا بين السبت والأحد الماضيين فقط، وأكثر من نصف هذه الحرائق مندلعة في حوض الأمازون الكبير، ويخشى العلماء ألا تعود الغابات المدارية (وأهمها الموجودة الأمازون) قادرة على امتصاص الكربون بفعالية، فتفقد دورها الحيوي في الحدّ من الاحترار العالمي.

مساعدات دولية ورفض برازيلي

وسط تصاعد الغضب الدولي وخلاف دبلوماسي بين فرنسا والبرازيل، التقى قادة مجموعة الدول السبع في فرنسا مؤخرًا، وبعد جلسة خاصة بالتغير المناخي، خرجوا بعدد من الخطط متوسطة الأمد لدعم تشجير الغابات.

كما تعهد القادة بتمويل فوري بقيمة 20 مليون دولار لمساعدة بلدان غابات الأمازون، لاسيما البرازيل، لمكافحة الحرائق المستعرة في هذه الغابات،  واحتمال تقديم دعم مماثل إلى دول أفريقية، تعانى من حرائق غابات مطيرة.

في المقابل؛ فقد جاء الرفض البرازيلي للمساعدات سريعًا، حيث قال “أونيكس لورنزونى”، كبير موظفي إدارة الرئيس البرازيلي، للصحف المحلية هناك: “إننا نقدر العرض، لكن ربما هذه الموارد مناسبة أكثر لإعادة تشجير أوروبا”، فى إشارة إلى التمويل المقدر بـ 20 مليون دولار.

 

أحلام وطواحين هواء

بشكل مغاير؛ فإن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تغيب عن جلسة لمجموعة السبع بخصوص التغير المناخي والتنوع الحيوي، وعقد بدلاً من ذلك اجتماعا ثنائيا مع كل من المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”.

وتحدث ترامب عن أن الثروة الأمريكية تستند إلى الطاقة، وأنه لن يخاطر بذلك من أجل أحلام، مضيفًا: “أشعر أن لدى الولايات المتحدة ثروة هائلة، لقد استطعت أن أعيد الحياة لتلك الثروة، نحن الآن منتج الطاقة الأول في العالم وقريبا سنتفوق بفارق كبير”، متابعًا: “لن أخسر تلك الثروة، لن أخسرها من أجل أحلام أو طواحين هواء التي بصراحة لا تعمل بشكل جيد”.

يُذكر أن الرئيس ترامب كان قد انسحب  في عام 2017 من اتفاقية باريس التاريخية بشأن التغير المناخي، والتي تضم قرابة 200 دولة ووصف ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بأنه “خدعة”.

تراشق رئاسي

يبدو أن نيران حرائق الأمازون قد نالت من العلاقة الودية بين فرنسا والبرازيل، على إثر سخرية الرئيس البرازيلي “جايير بولسونارو” من سيدة فرنسا الأولى، وهو ما دفع بزوجها، الرئيس “إيمانويل ماكرون”، إلى الرد على نظيره البرازيلي.

إذ قال ماكرون على هامش قمة السبع، إن “البرازيليات يشعرن بالخجل، على الأرجح، بعد إساءة رئيسهم اليميني على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأضاف أن ما صدر عن بولسونارو تقليل كبير من الاحترام”، مضيفاً أنه “وقح للغاية”.

يُذكر أن “بولسونارو” قد تفاعل مع تدوينة تُقارن بين سيدة فرنسا الأولى، البالغة 66 عامًا، وسيدة البرازيل الأولى، وعمرها 37 عاماً، حيث كتب أحدهم على الموقع: “لهذا السبب، يبدُو ماكرون ناقمًا على رئيس البرازيل”.

والمقصد من التدوينة هو أن ماكرون أثار ضجة بشأن حرائق الأمازون لأنه يغار من الرئيس البرازيلي ذي الزوجة الجميلة والشابة، وقد راق هذا الكلام لـ “بولسونارو”، الذي تفاعل معه معلقاً “لا تُذلوا الرجل.. ها ها ها”.

وقد تعرّض تعليق بولسونارو لانتقادات واسعة، واستغرب الكثيرون أن يقوم رئيس دولة بالتنمّر على زوجة رئيس دولة أخرى، يُفترض أنها دولة صديقة، وهو ما أحدث أزمة دبلوماسية بين البلدين، فيما أكد ماكرون في إطار انتقاده لبولسونارو، بأنه يأمل في أن يحظى البرازيليون برئيس يكون أهلاً لأن يتولى المنصب.

خسائر فادحة

بسبب التغيرات المناخية التي حدثت خلال الـ40 عامًا الماضية، خسرت الأرض نحو ثلث الأراضي الصالحة للزراعة، وهو ما أدى إلى تفاقم الجوع والفقر والتشرد، خاصة في ظل عجز الحكومات على امتصاص الصدمات الناتجة عن تغير المناخ.

في حين تزايدت أعداد الأشخاص المتضررين من نحو 100 مليون في 2015 إلى 204 ملايين في 2016، وتضاعفت الخسائر العالمية من 50 مليار دولار سنوياً في الثمانينات إلى 200 مليار دولار خلال العقد الأخير نتيجة الكوارث الطبيعية المدمرة.

كما حدثت زيادة في أعداد النازحين سنويًا لتصل إلى 23.5 مليون شخص، وبلغت تكلفة الرعاية الصحية للمتضررين من هذه التداعيات عالميًا نحو 4 تريليونات دولار بما يعادل 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2018.

ونتيجة ارتفاع الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار، فقد انتشر الجفاف مؤثرًا بشكل سلبي على أكثر من مليار شخص خلال العقد الأخير، وطبقًا لبيانات البنك الدولي لعام 2017م، فإن الجفاف منذ 2001 تسبب في خسارة العالم كميات من الغذاء تكفي لإطعام 81 مليون شخص يومياً كل عام.

الأشد فقرًا والأكثر ثراءً

من المفارقات أن التغير المناخي قد ساهم في عرقلة النمو في الدول الأكثر فقرًا، التي تصدر نفطها وغازها لانعدام قدرتها التصنيعية والإنتاجية، بينما ساهم بدرجة كبيرة في زيادة معدلات الرفاهية لدى الدول الأكثر ثراء، والتي يزداد فيها استخدام المحروقات.

على الرغم من أن الفقراء مسئولون عن جزء بسيط جدًا من الانبعاثات الكربونية، إلا أنهم في المقابل يتحملون الجانب الأكبر من عواقب تغيُّر المناخ، مع قدرة أقل على حماية أنفسهم من تبعاته، وقد كشفت دراسة حديثة أن الفجوة بين الدول الأشد فقرًا وتلك الأكثر ثراءً قد زادت الآن بنسبة 25% عما كانت ستصبح عليه لو لم تشهد الأرض ظاهرة الاحتباس الحراري.

ومن المؤسف أن الدول الكبرى والغنية هى التي تعرقل التوصل إلى اتفاقيات دولية من شأنها الحد من الاحتباس الحراري أو تقديم مساعدات للدول النامية، لدعم جهودها لمواجهة تبِعات التغير المناخي.

جنازة نهر جليدي

في هذه الأثناء؛ فقد خسرت أيسلندا أول نهر جليدي لها بسبب التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض، وقد حذّر العلماء أن مئات الأنهار في المناطق القطبية ستلاقي المصير نفسه.

وقد وضع عدد من نشطاء حماية البيئة لوحة تذكارية على صخرةٍ في أرضٍ جرداء تقع في غرب أيسلندا، يشاركهم في ذلك رئيس الوزراء، وباحثون مهتمون بالمناخ وعدد من موظفي الأمم المتحدة، تخليدًا وتنبيهًا بفاجعة فقدان أول نهري جليدي في أيسلندا خلال السنوات الأخيرة.

مستقبل كارثي

طبقًا لتحذيرات الأمم المتحدة في هذا الصدد، فمن المتوقع بين عامي 2030 و2050، أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع أعداد الوفيات لتصل إلى 250 ألف حالة إضافية سنويًا، منهم 38 ألف من كبار السن بسبب تعرضهم لحرارة الشمس.

إضافة إلى 48 ألف سيتوفون بسبب الأمراض المختلفة، والتي من أبرزها مرض الملاريا، بينما ستبلغ وفيات الأطفال ما بين 60 إلى 95 ألف نتيجة سوء التغذية، وتُقدر تكلفة الأضرار المباشرة على الصحة بما قيمته 2 إلى 4 مليارات دولار سنويًا بحلول عام 2030.

وفقا للصندوق العالمي للطبيعة، فإن20% من غابات الأمازون قد اختفت خلال 50 عاما، وهذه الظاهرة تتسارع، وبحلول عام 2030 ستكون خالية من الأشجار، إذا استمرت إزالة الغابات بوتيرتها الحالية.

صور خاطئة

وسط الاهتمام العالمي بحرائق الأمازون؛ فقد تشارك العديد من المشاهير من أوساط الفن والرياضة والسياسة، العديد من الصور تنديدًا بما يحدث من حرائق، مطالبين بسرعة إخمادها، لكن المضحك أن غالبية من تداولوا صورًا، كانت لا علاقة للصور بهذه الحرائق.

من “مادونا” و”ريكي مارتن”، إلى “كريستيانو رونالدو” و”داني ألفيشو” و”نوفاك ديوكوفيتش” و”لويس سواريز”، مرورا بـ “ليوناردو دي كابريو”، وحتى “إيمانويل ماكرون” ورئيس تشيلي “سيباستيان بينييرا”، معظمهم تداولوا صورًا قديمة لحرائق وقعت في حوض الأمازون، لكنها تعود إلى سنوات طويلة مضت، أو لحرائق وقعت في مناطق أخرى!، وقد حظيت الصور الخاطئة بملايين الإعجابات وإعادة النشر.

مصائب قوم عند قوم ..فوائد!

بينما تجتاح الحرائق المدمرة غابات الأمازون، مما شكّل مصيبة كبيرة للكوكب، إلا أنها كانت مصدرًا غير متوقعًا للدعاية لمنتج من صنع شركة أمازون الأمريكية، فعند البحث عن نتائج “Amazon fire” أو حرائق الأمازون عبر محركات البحث، كانت تظهر نتائج لجهاز Amazon Fire TV Stick، ​​وهو مشغل وسائط تابع لشركة أمازون.

كما تظهر نتائج بحثية لمنتج آخر، وهو Tablet Amazon Fire، وهو ما يشكل دعاية مجانية لمنتجات شركة أمازون، في ظل أزمة حرائق غابات الأمازون.

قمة العمل المناخي

استمرارًا للأهمية المتزايدة التي تحظى بها قضية التغير المناخي، فإن الأمم المتحدة ستستضيف في 23 سبتمبر المقبل “قمة العمل من أجل المناخ”، والتي من المقرر أن تتناول أسباب هذه الظاهرة والعمل على وضع حلول طموحة لها.

وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيراش”، كافة الدول بالمشاركة بقمة المناخ المرتقبة في سبتمبر، لطرح كل دولة خططًا ملموسة وواقعية لتعزيز إسهاماتها الوطنية لخفض انبعاث الغازات بحلول سنة 2020، بنسبة 45% فى العقد القادم، وإلى انعدام الإنبعاثات سنة 2050.

وستركز القمة على خفض الانبعاثات الكربونية، ووضع الأطر الرئيسية لاستخدام الطاقة المتجددة، وتعزيز البنى التحتية المستدامة، والزراعة المستدامة، وإدارة الغابات والمحيطات على نحو مستدام، والاستثمار في الاقتصاد الأخضر، وكذلك تعزيز قدرة سكان العالم على مواجهة مخاطر التقلبات المناخية وتغيرها.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى