243 عامًا على استقلال أمريكا.. احتفالات شعبية بالذكرى أم استعراض قوة لترامب؟

علي البلهاسي
يحتفل الأمريكيون الخميس بمرور 243 عامًا على إعلان استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا العظمى والذي تم يوم 4 يوليو من عام 1776 بعد ثور الشاي الشهيرة.
ورغم أن الذكرى هي إحدى المناسبات الوطنية التي يتم الاحتفال بها سنويًا وتكون عطلة فيدرالية في أمريكا، إلا أن احتفال هذا العام سيكون مختلفًا وسيحمل طابعًا خاصًا أراد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يضفيه عليه هذه المرة.
احتفال مختلف
فقد تعهد ترامب بظهور دبابات حقيقية ستُعرض لأول مرة في واشنطن خلال الاحتفالات بيوم الاستقلال غدًا. وقال للصحفيين: “سيكون يوم 4 يوليو في واشنطن يومًا ممتازًا، ولا مثيل له، وسيكون مميزًا، وآمل أن يتابعه كثير من الأشخاص”.
وأضاف: “سيكون لدينا طائرات في السماء، وأفضل مقاتلات في العالم وطائرات أخرى أيضًا. وستعرض الدبابات في الشارع”.
ومن المقرر أن يشمل الاحتفال تحليق طائرات حربية أمريكية من طراز “بلو إنجلز” وطائرة نفاثة.
وتابع ترامب قائلاً: “يجب أن نكون حذرين للغاية مع الدبابات، فلدينا أحدث دبابات من طراز “شيرمان” وأحدث دبابات من طراز “أبرامز”. واستخدمت دبابات شيرمان في الحرب العالمية الثانية وتوقف إنتاجها في عام 1945.
وسيشمل الحدث أيضًا واحدة من أطول عروض الألعاب النارية في العاصمة، وذلك بفضل التبرعات بقيمة 750 ألف دولار.
لا تنزعجوا
من جانبه دعا الجيش الأمريكي سكان العاصمة واشنطن لعدم الذعر؛ إذا رأوا دبابات وناقلات جنود مدرعة تجوب أحياءهم خلال الأسبوع الحالي.
وذكر موقع ذا هيل الأمريكي أنه تم نقل دبابتين عسكريتين على الأقل من نوع برادلى من ساحة السكك الحديدية إلى ناشيونال مول ليلة الثلاثاء استعدادا لاحتفال الرئيس ترامب بيوم الاستقلال.
وتشير المعلومات إلى أن الدبابتين، التي تزن الواحدة منها 60 طنًا، نقلتا إلى العاصمة من معسكر “فورت ستيوارت” في ولاية جورجيا الجنوبية.
وقال متحدث باسم الجيش: “سترونها تتحرك في منطقتكم، لكن لا داعي للذعر”.
خطاب ترامب
كما يخطط ترامب لإلقاء كلمة عند نصب لنكولن التذكاري كجزء من احتفالات يوم الاستقلال. وشهد هذا الموقع عددًا من التجمعات الضخمة في تاريخ العاصمة، حيث ألقى فيه قائد الحقوق المدنية مارتن لوثر كنج جونيور خطاب “لدي حلم” في 28 أغسطس 1963.
واستقطب الحدث يومها نحو 250 ألف شخص ملأوا المنطقة الممتدة ما بين صرح لنكولن وصرح واشنطن.
وقال مسئولون في البيت الأبيض إن خطاب ترامب سيتجنب القضايا السياسية ويتناول القضايا الوطنية في كلمته.
وأكدت المستشارة في البيت الأبيض، كيليآن كونواي، للصحفيين أن الخطاب الذي سيلقيه ترامب سيشيد “بعظمة هذا البلد، وجيشنا وديمقراطيتنا العظيمة، وسيكون نداءً عظيمًا يستثير المشاعر الوطنية”.
وذكر مصدر مقرب من الرئيس الأميركي لشبكة “إن بي سي نيوز” أنه من المستبعد أن يطرح الرئيس مواضيع سياسية خلال كلمته بل، سيخصصها فقط للاحتفاء بالعلم، وللعرض العسكري. بقول آخر، ستكون الكلمة “وطنية” بحسب ما يقوله المصدر.
وقال الخبير في الإعلام والثقافة الشعبية من “جامعة كوينيبياك” ريتش هانلي إن الرابع من تموز/يوليو يشكل عادة فرصة لـ”هدنة” وطنية.
وأضاف: “إنه يوم يمكن للناس خلاله وضع خلافاتهم التي تثير الاستقطاب جانبًا (…) ورفع العلم (الأميركي) بدون الدخول في سجالات سياسية. ومن ثم، تعود الأمور إلى طبيعتها في الخامس” من تموز/يوليو.
وتعد عطلة الرابع من تموز/يوليو فريدة من نوعها، إذ يطغي عليها الحس الوطني العالي بعيدًا عن السجالات المعتادة بين الجمهوريين والديمقراطيين وتتّخذ طابعًا مدنيًا أكثر منه عسكريًا.
لكن مراقبين يرون أن إقحام خطاب رئاسي مهم في الاحتفالات يحمل خطر تغيير ذلك، نظرًا إلى أن ترامب يحظى بدعم قوي من نحو نصف البلاد ومعارضة شديدة من النصف الثاني قبيل انتخابات عام 2020 التي يسعى للفوز بولاية ثانية فيها.
ويصر الرئيس على أنه قادر على ردم الهوة بين الطرفين عندما يتحدث. وقال للصحافيين هذا الأسبوع “أعتقد أنني تمكنت من الوصول إلى معظم الأميركيين”.
لكن بعد ثوان فقط، انخرط ترامب في انتقاداته اللاذعة المعتادة للديمقراطيين، مشيراً إلى أنهم كانوا ليفرضوا ضرائب بنسبة 95 بالمئة على الجميع و”يدمروا” البلاد عبر نظام للرعاية الصحية اشتراكي الطابع.
انتقادات ديمقراطية
وقوبلت خطة ترامب للاحتفال بعيد الاستقلال بانتقادات واسعة من جانب الديمقراطيين ومعارضيه، بسبب قيامه بتسييس الحدث ومحاولة استغلاله لصالحه، وذلك وسط تساؤلات عن تكلفة الاحتفال وطابعه.
ويقول منتقدو ترامب إن تدخله في احتفالات عيد الاستقلال ترقى إلى استيلاء حزبه الجمهوري على عطلة وطنية من المفروض أن تكون للجميع.
وأكدوا أن ترامب يفرض نفسه كمحور رئيسي للاحتفال بعيد الاستقلال، ويحاول استغلال الحدث لأغراض حزبية.
وقال عضو مجلس النواب عن ولاية فرجينيا، الديمقراطي دون باير، في تغريدة إن الاستعراض “يعرض البنى التحتية للتلف ويلقي مبالغ طائلة من أموال دافعي الضرائب في النار الأزلية لغرور دونالد ترامب”، مضيفا أن “الغالبية العظمى من ناخبي دائرتي والآخرين الذين يعيشون هنا لا يريدون هذا الاستعراض”.
من جانبها، شبهت ماريان ويليامسون، الساعية للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، الاحتفالات التي ينوي ترامب إقامتها بالاستعراضات العسكرية التي كانت تقام في الاتحاد السوفيتي، واصفة خطط ترامب “بالمقززة”.
أما الأمين العام السابق للجنة الوطنية للحزب الجمهوري (حزب ترامب) فغرد بالقول “تعرف أن هذا سيكون عبارة عن فوضى كبرى”.
ووصف أحد أعضاء الكونجرس مراسم الاحتفال بأنها عبارة عن مشروع يعبر عن غرور ترامب.
قلق وخوف
كما قوبلت خطط ترامب لإقامة استعراض عسكري في واشنطن في ذكرى عيد الاستقلال بردود فعل غاضبة من جانب بعض مسئولي العاصمة.
حيث عبر مسئولو بلدية العاصمة عن قلقهم وخوفهم من أن يؤدي سير الدبابات في الشوارع إلى تلفها (أي تلف الشوارع).
وغرّد مجلس دائرة كولومبيا (التي تتبعها العاصمة الأمريكية) في حسابه في تويتر قائلا “قلناها سابقًا وسنكررها ثانية: شكرًا، ولكن لا للدبابات”.
كما نشر المجلس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون تعليمات صادرة عن وزارة الدفاع بخصوص استعراض أقيم تكريمًا للمحاربين القدماء في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي منع فيها إشراك دبابات في ذلك الاستعراض لأجل “تجنب الإضرار بالبنى التحتية”.
ويطالب المعارضون ترامب بتحمل تكلفة أي أضرار تلحق بشوارع واشنطن وجسورها ومعالمها الأثرية بسبب عرضه “الاستبدادي” للأبهة العسكرية.
ويتساءل البعض عن مدى قدرة جسر آرلينغتون على نهر البوتوماك على تحمل أوزان الدبابات التي ستعبره في طريقها إلى مكان الاستعراض.
ويبدو أن ترامب واع لهذه المشكلة، إذ قال للصحفيين: “علينا أن نكون حذرين فيما يخص الدبابات، لأن الشوارع المعبدة لا تحب في العادة تحمل الدبابات الثقيلة”.
وتابع “لذا قررنا وضعها في أماكن محددة، ولكن لدينا دبابات شيرمان الحديثة ونماذج متطورة من دبابات أبرامز”.
وأثارت إشارة ترامب إلى دبابات شيرمان قدرًا من اللغط، إذ أن هذه الدبابات التي يعود تاريخها إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، أخرجت من الخدمة في خمسينيات القرن الماضي.
وقال مسئولون في وزارة الدفاع إن دبابات أبرامز ستكون جزءًا من “عرض ثابت” في جادة (ناشنال مول) الواقعة في قلب العاصمة الأمريكية.
فعاليات معارضة
ويعتزم متظاهرون معارضون إحياء نسختهم من الاحتفالات السياسية في “ناشونال مول”، وهو منتزه يمتد من نصب لنكولن التذكاري إلى مبنى الكابيتول.
وتنوي مجموعتان معارضتان إزعاج ترمب عبر توزيع قمصان تكرّم السناتور الجمهوري الراحل جون ماكين، الذي كثيراً ما كان ينخرط في سجالات مع ترامب.
فيما قدم نشطاء الحركة الأمريكية المناهضة للحرب المعروفة باسم CodePink طلبًا لتنظيم مظاهرة احتجاج في واشنطن، يطلقون خلالها منطادا ضخما يمثل الرئيس دونالد ترامب كطفل غاضب في حفاظات ويحمل هاتفا جوالا.
وتم تقديم طلب ترخيص الاحتجاج لهيئة خدمة المتنزهات القومية الأمريكية (NPS) التي تدير الشارع المركزي للعاصمة حيث يقع الكابيتول، وكذلك المتاحف الكبرى والمعالم التاريخية في العاصمة الأمريكية، بما في ذلك نصب أبراهام لنكولن التذكاري، حيث يخطط ترامب لإلقاء خطابه الاحتفالي هناك، فيما من المنتظر أن يشارك في الاحتجاج حوالي 40 شخصًا.
ووفقا للنشطاء، فإنهم سيحاولون قدر الإمكان التأكد من أن “ترامب الرضيع” سيطير في 4 يوليو من مكان قريب من المكان الذي سيلقي كلمته فيه.
وقالوا: “نعتبر هذا تجسيدا لسلوك ترامب الذي كما نعلم جميعًا، لا يمكن التنبؤ به وغالبًا ما يصاب بنوبات غضب طفولية بسبب أشياء هي في الواقع خطيرة جدا”، وأضافت القيادية في الحركة أرييل غولد: “لذلك نريد أن نقول إننا بحاجة حقا إلى شخص بالغ في البيت الأبيض”.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست”، إنه تم استعارة فكرة “الطفل ترامب” من منظمات حقوق الإنسان البريطانية، التي نظمت إجراء مشابها خلال الزيارة الرسمية للرئيس الأمريكي إلى لندن يومي 3 و5 يونيو الماضي.
فكرة مسيطرة
وظل ترامب متعشطًا لإجراء استعراض عسكري منذ حضر واحدًا من هذه الاستعراضات في العاصمة الفرنسية باريس عام 2017. وراودته فكرة هذا الاحتفال بعدما تخلى عن فكرة إقامة عرض عسكري ضخم في واشنطن.
فبعد حضوره الاستعراض الضخم بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في باريس في 2017 برفقة نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، كان ترامب قد سعى إلى إقامة عرض مماثل بمناسبة “يوم المحاربين القدامى” في واشنطن يشارك فيه جنود وقوافل من العربات المدرعة وتحلق خلاله أسراب طائرات مقاتلة.
لكن تردد أن مستشاريه العسكريين قاوموا الفكرة، خاصة بعد تقديرات بأن إقامة هذا العرض ستكلف دافعي الضرائب مبلغاً يصل إلى 92 مليون دولار.
إصرار ترامب
ويبدو أن ترامب ماضٍ فيما يخطط له، فقد أوردت صحيفة واشنطن بوست أنه أمر بإجراء عرض جوي يشارك فيه فريق “الملائكة الزرق” الاستعراضي التابع للقوة الجوية، كما تشارك فيها طائرة “القوة الجوية واحد” الرئاسية.
فيما أشار البعض إلى إمكانية مشاركة قاذفات الجيل الخامس “إف-35” في الاحتفال، ويصفها ترامب بأنها بأفضل مقاتلات في العالم. وسبق أن حلقت إحدى هذه الطائرات فوق البيت الأبيض للاحتفال بتوقيع ترامب والرئيس البولندي أندريه دودا على وثيقة بشأن توريد هذه الطائرات إلى وارسو.
كما أمر الرئيس الأمريكي بأن يقف قادة صنوف الجيش والبحرية والقوة الجوية ومشاة البحرية إلى جانبه في الاستعراض، حسبما أوردت صحيفة نيويورك تايمز.
ومن المتوقع أن يتوقف مطار واشنطن الرئيسي، مطار رونالد ريغان، عن العمل كليًا لمدة تزيد عن الساعتين مساء الخميس أثناء العرض الجوي.
كما سيغلق المجال الجوي في سماء واشنطن لمدة 45 دقيقة أخرى بينما يجري عرض للألعاب النارية.
وسيتمكن الجمهور من حضور الاستعراض وعرض الألعاب النارية مجانًا، عدا مساحة محددة أمام نصب لينكولن ستكون مخصصة للمسئولين والشخصيات المهمة.
تكلفة الاحتفال
ولم تتضح بعد الكلفة الكلية للاحتفالات، ولكن خططًا مماثلة سبق أن اقترحها ترامب للاحتفال بيوم المحاربين القدماء في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ألغيت بعد أن قال مسئولون في وزارة الدفاع إنها ستكلف نحو 92 مليونًا من الدولارات – ثلاثة أضعاف التقديرات الأولية.
وقال مسئولون لشبكة “سي.إن.إن” الإخبارية الأمريكية إن البيت الأبيض شارك بقوة في التخطيط للاحتفال بعيد الاستقلال، وطلب من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عدم مناقشة التفاصيل قبل الحدث.
ولفتت “سي.إن.إن” إلى أن البنتاجون رفض التعليق على أي تكاليف مرتبطة بالاحتفال، إلا أنها نقلت عن مسئول عسكري أمريكي (لم تسمه) قوله إن تكلفة استخدام المعدات العسكرية في الاحتفال تقدر بأقل من مليون دولار، وأن الجنود المشاركين سيتم استقدامهم من وحدات عسكرية موجودة في منطقة واشنطن ، مما يساعد على خفض التكاليف.
كسر التقاليد
ويرى مراقبون أن ترامب يسعى إلى كسر التقاليد المُتعارف عليها في هذه المناسبة الوطنية، لكن ترامب قال إن المناسبة التي يخطط لها لا تحمل سوى إضافات على ما كان يعتبر منذ زمن طويل يومًا يجمع بين كل الأمريكيين للاحتفال بتأسيس الأمة، في إشارة إلى يوم عيد الاستقلال، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ولعقود نظم الرؤساء الأمريكيون السابقون احتفالات سنوية عادية في ذكرى إعلان الاستقلال الذي تم عام 1776 وهي الاحتفالات التي تجذب في العادة مئات الآلاف من الأشخاص إلى حديقة ناشونال مول لحضور عروض موسيقية وألعاب نارية.
وعادة ما يرتبط عيد الاستقلال بالمسيرات والألعاب النارية وحفلات الشواء والمعارض والرحلات، فهو يوم تجمع شمل الأسرة، وعادة يلقي فيه المسئولون المنتخبون والشخصيات العامة الأخرى خطب تمجد التقاليد والقيم الأمريكية.
ما هو يوم الاستقلال؟
يوم الاستقلال الأمريكي (Independence Day)، والمعروف شعبياً بالرابع من يوليو (بالإنجليزية: Fourth of July). هو عطلة فدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية تتم بمناسبة اعتماد وثيقة إعلان الاستقلال في 4 يوليو من عام 1776، مُعلنةً استقلالها عن بريطانيا العظمى.
وعادةً ما يرتبط بعيد الاستقلال المسيرات والألعاب النارية وحفلات الشواء والكرنفالات والمعارض والرحلات والحفلات الموسيقية ومباريات البيسبول وحتى لم شمل العائلة.
وكذلك الخطب السياسية والاحتفالات وغيرها من المناسبات العامة والخاصة للاحتفال بتاريخ، وحكومة، وتقاليد الولايات المتحدة.
خلفية تاريخية
خلال الثورة الأمريكية، وقع الانفصال القانوني للمستعمرات الثلاثة عشر عن بريطانيا العظمى في 2 يوليو، 1776، عندما أعطى الكونغرس القاري الثاني موافقته على قرار الاستقلال الذي كان قد اُقترح في شهر يوليو من قبل ريتشارد هنري لي من ولاية فرجينيا مُعلناً أن الولايات المتحدة مُستقلة عن بريطانيا العظمى.
وبعد التصويت لصالح الاستقلال، حول الكونغرس إهنمامه إلى إعلان الاستقلال، الذي كان عبارة عن بيان يوضح هذا القرار، وقد أُعد من قبل لجنة مكونة من خمسة أشخاص، من ضمنهم توماس جيفرسون ككاتبها الأساسي. وقد قام الكونغرس بمناقشة ومراجعة الإعلان، حتى وافق أخيراً عليه في 4 يوليو. وفي اليوم التالي، كتب جون آدامز إلى زوجته أبيجيل:
«إن ثاني يوم من شهر تموز لعام 1776 م سوف يكون أكثر يومٍ مذكور في التاريخ الأمريكي. وأنني أعتقد بأن الأجيال القادمة سوف تحتفل به كمهرجانٍ سنويٍ عظيم. وإنه يجب إحياءُ ذِكراهُ كيوم الحرية بأفعال جليلة تدل على الإخلاص لله العظيم. وكذلك يجب أن يُحتفل به بموكبٍ كبيرٍ وعروضٍ وألعاب ورياضات وبنادق وأجراس وألعابٍ نارية وأيضاً بأنوارِ زينةٍ تبداء من أحد أطراف القارة إلى الآخر، من الآن وإلى الأبد»
وكان تنبؤ آدمز متأخراً بيومين. فمنذ البداية، احتفل الأمريكيين بالاستقلال في 4 من شهر يوليو، وهو التاريخ المبين على “إعلان الاستقلال” المعلن عنه كثيراً، بدلاً من أن يكون الثاني من يوليو، تاريخ قرار الاستقلال الذي تمت الموافقة عليه في جلسة مغلقة للكونغرس.
ولا شك في أن الرابع من تموز 1776 م هو التاريخ الذي أقر الكونغرس فيه الوثيقة الرسمية النهائية، بالرغم من انهم صوتوا لإعلان الاستقلال قبل يومين. ولاحقا, كتب كلا من توماس جيفرسون وجون آدامز وبنجامين فرانكلين انهم جميعا وقعوا عليه في ذلك اليوم. غير أن معظم المؤرخين استنتجوا بأن الإعلان تم توقيعهُ بقرابة الشهر من اعتماده، وليس يوم 4 يوليو كما يُعتقد.
مفارقة عجيبة
وفي مصادفة جديرة بالانتباه، كلاً من جون آدامز وتوماس جيفرسون، الموقعين الوحيدين لـ “إعلان الاستقلال” عملوا كرؤساء للولايات المتحدة، وكذلك توفيوا في اليوم نفسه في الرابع من تموز من عام 1826 م، الذي كان الذكرى الخمسين للإعلان. وأيضا وبالرغم من كونه من غير الموقعين لــ”إعلان الاستقلال”، جيمس مونرو، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الخامس، توفي في 4 تموز 1831 م. ووُلد كالفين كوليدج، الرئيس الـ 30،في 4 تموز 1872 م، وحتى اليوم هو الرئيس الوحيد الذي وُلد في عيد الاستقلال.
تطور الاحتفالات
خلال أول احتفال بمرور عام من إعلان الاستقلال، تم إطلاق 13 طلقة نارية، مرة في الصباح وأخرى مع حلول المساء، في بريستول، وجهزت مأدبة عشاء رسمية للكونجرس والخبز المحمص، وألقت الخطب والصلوات والموسيقى واستعراض القوات، والألعاب النارية، كما زينت السفن في المواني بنفايات ملونة بألوان علم بريطانيا (أحمر وأبيض وأزرق).
وفي العام التالي بقاعة روس بالقرب من نيو برونزويك، احتفل الجنرال جورج واشنطن، بحصة مضاعفة من التحية المدفعية، عبر المحيط الأطلسي، وعقد السفيران جون آدمز وبنجامين فرانكلين مأدبة عشاء لزملائهم الأميركيين في باريس.
وفي عام 1779 صادف 4 يوليو يوم الأحد، العطلة في أمريكا، وتم الاحتفال بها يوم الاثنين 5 يوليو، وتجمعت فيه العائلات مع إقامة حفلات الشواء والموسيقى، والألعاب النارية.
وكانت الذكرى الرابعة مختلفة بعض الشيء حيث قررت الحكومة الأمريكية أن تجعل المحكمة العامة في ولاية ماساتشوستس أول هيئة تشريعية في الولاية احتفالا بعيد الاستقلال.
وفي عام 1783، أقامت مدينة وينستون سالم بولاية نورث كارولينا احتفالا ببرنامج موسيقي للملحن الأمريكي يوهان فريدريش بيتر، بعنوان “مزمور الفرح”، وكان أول حدث رسمي يقام في المدنية، فتم توثيقه بعناية من قبل الكنيسة المورافيا.
واستمرت الاحتفالات كما هي في جميع المدن حتى عام 1870، الذي أقر فيه الكونجرس الأمريكي يوم الاستقلال عطلة رسمية غير مدفوعة الأجر للموظفين الفيدراليين، أما عام 1938، جعل الكونجرس يوم الاستقلال عطلة فدرالية مدفوعة الأجر.
سيطرة الألعاب النارية
وتحظى الألعاب النارية في الرابع من يوليو بشعبية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بدءًا من المعرض المذهل في المول الوطني، وحتى عروض الألعاب النارية الأكثر تواضعا، ففي عام 2008، تم إطلاق 35 ألف قذيفة لمدة 30 دقيقة في نهر إيست وفي ميناء نيويورك، شاهده أكثر من 3 ملايين شخصًا.
وتتنوع الاحتفالات في يوم الاستقلال الأمريكي، بنفس القدر الذي تتنوّع به المدن والولايات نفسها، لكنها تكون ممتعة، لذلك فأينما كنت في الولايات المتحدة الأمريكية، فمن المؤكد أنك ستجد طريقة رائعة ومميّزة للاحتفال بذكرى الرابع من يوليو.
يوم استقلال سعيد، وكل عام وأنتم بخير.