تقارير

تركيا بين خيارين.. صواريخ موسكو أو مقاتلات واشنطن!

أحمد الغـر

خلاف جديد بين واشنطن وأنقرة، يُضاف إلى رصيد طويل من الخلافات بينهما، والسبب هذه المرة يرجع إلى اقتناء الأتراك لمنظومة الدفاع الروسية “إس 400” التي يفترض أنها أحسن منظومة دفاع في العالم، وتتفوق على نظيراتها الأمريكية، وذلك بسبب وظائفها المتعددة من اعتراض مختلف الأسلحة الجوية مثل الطائرات والصواريخ.

لكن واشنطن تعتبر هذه المنظومة الصاروخية غير ملائمة لدولة عضو في تحالف الناتو، خاصة في ظل مخاوف متصاعدة من تداخل بيانات هذه المنظومة مع أسرار أسلحة الدول الغربية ومنها الطائرات، لاسيما “إف 35” أحدث الطائرات الأمريكية.

لكن الأتراك لا يعيرون الرفض الأمريكي اهتمامًا كبيرًا، بل إن بعض التصريحات التركية تفيد بأن المنظومة الروسية ستدخل الخدمة نهاية الصيف الجاري. فيما يبقى الاتحاد الأوروبي حائرًا ومنقسمًا حيال القضية.

شراكة زائفة!

يعتبر كل من حلف شمال الأطلسي وروسيا الطرف الآخر بمثابة عدو، بالرغم من أن هناك تعاون قائم بين الطرفين في العديد من المجالات، لكن دائمًا هناك نبرة عصبية متبادلة بين الطرفين، ففي عام 1997، وقّع حلف شمال الأطلسي وروسيا على اتفاق تأسيسي، نص بوضوح على عدم اعتبار أي من الطرفين للآخر بمثابة خصم له أو عدو.

ومنذ العام 2002، ظهر ما يُعرف بالمجلس المشترك بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، والذي يختص بالتعامل مع التهديدات التي تواجه كلا الطرفين في إطار من التعاون المشترك.

لكن على مدار الأعوام التالية للاتفاق فإن الممسكين بزمام السلطة في موسكو كانوا دائمًا على قناعة بأن حلف شمال الأطلسي يمثل أكبر تهديد بالنسبة لبلادهم، فالروس منزعجون دومًا من توسع الحلف شرقاً.

رئيس الوزراء الروسي “دميترى ميدفيديف” صرح منذ فترة بأن “دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تنظر إلى روسيا على أنها عدو محتمل”، مضيفا: “شهدنا انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، بالوقت نفسه بقى حلف شمال الأطلسي، الذي يحاول محاصرة الاتحاد الروسي من جميع الجهات”، وبحسب رؤية ميدفيديف  للأمور فإن القدرات العسكرية للناتو تستهدف موسكو.

من جهة أخرى، فإن حلف شمال الأطلسي يرى في الروس ورثة العدو التقليدي “الاتحاد السوفيتي”، يحملون دائمًا من التهديدات والتحديات ما يكفي لاعتبار موسكو هي العدو في أجندة الحلف الأمنية.

وقد ظهر ذلك جليًا عندما أوقف الحلف كل التعاون العملي والعسكري مع روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية في أبريل 2014م، وهو ما دفع الحلف إلى نصبت منظومات الصواريخ المتعددة المهام في عدد من الدول الأوروبية في شرق القارة العجوز، وذهبت واشنطن إلى أبعد من ذلك حيث بدأت بترميم المطارات العسكرية التي بنيت في زمن الاتحاد السوفييتي في شرق أوروبا.

سلاح متطور!

خلقت أنقرة مستجدًا خطيرًا وسط حلف شمال الأطلسي، لأنها ستمتلك سلاحًا متقدمًا جدًا من تصنيع العدو الرئيسي في الوقت الراهن للحلف، وهي موسكو. والمخاوف الحقيقية في الأمر هي أن الروس سيكونون قريبين جدًا من فك شفرات المقاتلات الغربية إذا ما حلقت في الفضاء نفسه الذي تم نشره فيه.

وتتصف منظومة الصواريخ الروسية للدفاع الجوي “إس- 400” بأنها الأكثرَ تطورًا في العالم، خلافا لسابقتها “إس 300 بي إم” بقدرتها على تدمير كافة أنواع الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ المجنحة التي تحلق بمحاذاة سطح الأرض، والطائرات صغيرة الحجم من دون طيار، وحتى الرؤوس المدمرة للصواريخ ذات المسار الباليستي التي تصل سرعتها إلى 5000 متر في الثانية، وليس بمقدور أية منظومة أخرى متابعة مثل هذا المسار، كما أنها قادرة على التصدي لجميع أنواع الطائرات الحربية، بما فيها طائرة الشبح الشهيرة.

ولعل هذا ما دفع “ينس ستولتنبرج”، أمين عام حلف شمال الأطلسي، إلى القول بأن تركيا ستتعرض لعواقب وخيمة جراء نشر منظومة الدفاع الجوى “إس-400” الروسية في ظل إعلان أمريكا فرض عقوبات على تركيا في حال حدوث ذلك.

أوروبا تنأى بنفسها!

الاتحاد الأوروبي بدوره لا يرغب في التورط المباشر في المواجهة القائمة بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن منظومة الدفاع الصاروخي (إس 400)، خاصة وأنها قد أصبحت مصدر لأكبر خلاف بين أعضاء الاتحاد.

فالاتحاد الأوروبي، على عكس الإدارة الأمريكية، لا يرغب في الضغط ـ على الأقل علنًا ـ على تركيا، أو أن يتخذ موقفًا صارمًا منها، بل إن وزارة خارجية دولة مهمة في الاتحاد الأوروبي، وهى فرنسا، أخرجت تصريحًا ملفتًا للنظر، يفيد بأن اقتناء أنقرة لهذه الصواريخ الروسية شأن سيادي يخصها.

وتفادت كبريات العواصم الأوروبية مثل برلين وروما ومدريد إبداء رأي مستفز لتركيا في هذا الشأن، وكل هذا يرمي إلى تفادي المواجهة السياسية مع تركيا، على الأقل في الوقت الراهن.

تركيا بدورها لا تتردد في اتهام الغرب بمحاولة تقويض جهودها حتى لا تصبح دولة مركزية في المنطقة، ولم ينس المسئولون الأتراك أن الاتحاد الأوروبي قد وضع في الماضي الكثير من العراقيل ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد، وتبلورت هذه القضية لدرجة أنها أحدثت أزمات دبلوماسية بين أنقرة وعددًا من الدول الأوروبية منها ألمانيا، وهذا الأمر سيجعل كل تصريح غير مناسب بشأن منظومة الدفاع الروسية مقدمة لفتح جراح الماضي وفتح خلافات سياسية لا يرغب الاتحاد الأوروبي في خوض غمارها حاليًا.

غضب أمريكي

قررت أنقرة في العام 2017، شراء منظومة “إس-400” الصاروخية من روسيا، بعد تعثر جهودها المطولة لشراء أنظمة الدفاع الجوية “باتريوت” من الولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة ترى أنه لا يمكن لأنقرة امتلاك المنظومة الروسية والمقاتلات الأمريكية “إف-35” من الجيل الخامس، حيث تعارض واشنطن هذه الصفقة وتعتبرها تهديدا لمقاتلاتها المتطورة التي تصنعها شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية ما سيجعل هذه الطائرة ضعيفة أمام المنظومة الروسية، وتعتزم أنقرة شراءها أيضا.

ومع الإصرار التركي على امتلاك المنظومة الروسية، أقدمت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) على إيقاف تدريب الطيارين الأتراك على طائرات “إف35” في قاعدة جوية أمريكية بولاية أريزونا.

يأتي ذلك في الوقت الذي تنهي فيه الولايات المتحدة مشاركة أنقرة في برنامج الطائرة المقاتلة المتقدمة.

وقد منحت واشنطن مهلة لتركيا تنتهي في 31 يوليو القادم، لإلغاء صفقة نظام صواريخ “إس 400” الروسية، قبل استبعادها من برنامج “إف 35” بالكامل.

مخاوف على”إف 35″

مخاوف الولايات المتحدة تتركز حول طائرتها الأهم، وهى الطائرة المقاتلة “إف-35″، وهى أحدث ما أنتجته الولايات المتحدة، وتعرف باسم طائرة الشبح لقدرتها على تفادي اكتشافها من قبل أجهزة الرادار المعادية، وتتميز أيضا بقدرتها على التحليق في الأجواء المعادية، وكشف الطائرات المعادية ومهاجمتها من دون أن تكتشف، وحلقت هذه الطائرة لأول مرة عام 2006 لكي تكون طائرة المستقبل في القوات الأميركية ولأغراض متعددة.

وتنتج الطائرة “إف-35” في 3 طرازات؛ (أيه) وهو مخصص للقوات الجوية الأميركية وحلفائها، و(بي) الذي يخصص لعمليات الإقلاع القصيرة والهبوط الأفقي التي ينفذها سلاح البحرية الأميركية وسلاح البحرية البريطانية، و(سي) وهو طائرات مخصصة للعمل من حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية.

وتحتوي خوذة الطيار على شاشة عرض، وبالتالي ليس من الضروري أن تكون الطائرة باتجاه الهدف المعادي كي تطلق النار على الهدف المعادي، كما أنها مزودة بأجهزة اتصالات وحساسات وتقنيات تحليق متقدمة للغاية، ونتيجة لكل ذلك، تتخوف واشنطن من أن يكشف شراء تركيا منظومة “إس-400” الأسرار العسكرية لهذه الطائرة، والتي يفترض أن تكون قادرة على الإفلات من هذه المنظومة الروسية.

أنقرة لن تتراجع!

في سياق متصل؛ فقد أكد وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو” أن بلاده لن تتراجع على الإطلاق عن امتلاك منظومة “إس-400” للدفاع الجوي الروسية، وقال أوغلو، خلال استضافته مجموعة من محرري وكالة “الأناضول” في العاصمة أنقرة، إن “الحكومة التركية عازمة على مواصلة صون استقلال الشعب التركي وحريته”.

ولفت أوغلو إلى أن الولايات المتحدة تحاول فرض عقوبات على تركيا عبر “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”، مضيفاً أن “مقاتلات إف-35 ليست ضمن عقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا”، متابعا: “إذا اتخذت الولايات المتحدة خطوات سلبية ضدنا فلدينا خطواتنا المضادة، نحن نقول لهم إن محاولاتكم هذه بلا جدوى، فنحن اشترينا منظومة إس-400”.

ونفى تشاووش أوغلو مزاعم الولايات المتحدة، التي تقول إن منظومة “إس-400” تشكل خطرًا على مقاتلات “إف-35″، وأكد أن تركيا وضعت شرط عدم تشكيل هذا السلاح تهديدًا على حلف الناتو في مفاوضات شرائها من روسيا، كما لفت النظر إلى أن حلف الناتو يحمي فقط 30% من الأجواء التركية في الوقت الراهن.

من جهته؛ فقد أدلى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بتصريح أمام الصحفيين على متن طائرته في طريقه إلى تركيا عائدا من طاجيكستان، قبل أيام قليلة، حيث قال: “أعتقد أن التوريد سيبدأ في النصف الأول من يوليو القادم”.

وشدد أردوغان على أن أنقرة لا تنوي التخلي عن صفقتها مع روسيا حول أنظمة “إس-400″، موضحا: “لقد وقعنا الوثيقة، وسننهي هذه العملية، وقدمت روسيا لنا في إطار القرض تسهيلات مختلفة، وقدمت لنا قرضًا بفوائد غير موجودة في السوق الدولية”.

أزمة شبيهة !

ثمة أزمة شبيهة وقعت قبل ثلاثة أعوام، وسبق للبنتاجون الأمريكي أن عالج الأزمة عندما ضغط على باريس كي لا تسلم إلى البحرية الروسية سفينتين حربيتين من نوع “ميسترال” الفرنسية الصنع، وكان ذلك قبل تنفيذ الحلقة الأخيرة من الصفقة، أي مرحلة التسليم. وبعد توتر وشد وجذب بين واشنطن وباريس، اضطرت الأخيرة إلى إلغاء الصفقة، وإجراء تغييرات في السفينتين وبيعهما إلى مصر.

مناورة تركية!

في مناورة منها لإعادة التوازن إلى الأمور لو نسبيًا، أعربت وزارة الدفاع التركية عن استعدادها لتعديل مدى نظام إس 400 الروسي لديها إن كان ذلك يناسب الرغبة الأمريكية، وقال وزير الدفاع التركي “خلوصى أكار” أن الصواريخ الروسية تتمركز حول إسطنبول وأنقرة فقط، بينما سيتم نشر المقاتلات الأمريكية بمدينة ملطية بعيدًا عن الصواريخ، وأن تركيا مستعدة لتعديل مدى الصواريخ لضمان سلامة المقاتلات الأمريكية.

العلاقة مستمرة!

رغم الأزمة وتطوراتها المستمرة، فقد أكد مصدر مطلع بوزارة الدفاع الأمريكية أن العلاقة بين واشنطن وأنقرة ستستمر حتى إذا أصرت تركيا على المضي قدمًا في شراء منظومة “إس 400” وإخراجها من برنامج “إف – 35”.

حيث أكد المتحدث باسم البنتاجون لشؤون حلف الناتو وأوروبا “مايكل أندروز” بالقول: “نقدر العلاقة الإستراتيجية مع تركيا، وتعاوننا معها متعدد الأهداف من خلال إجراء تمارين مشتركة مع القوات التركية مثل مناورات نسر الأناضول، وليس التنسيق معها محصورًا ببرنامج المقاتلة إف – 35″، مضيفًا أن “كل القرارات قابلة للتغير والتراجع إذا ما قررت تركيا إلغاء الصفقة قريبا”، مشيرا إلى أنه “لا تزال هناك محادثات مع الأتراك حول الأمر”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى