أخبارأخبار العالم العربيتقارير

من الذي يشعل حرائق العراق الغامضة؟!

أحمد الغـر

منذ حوالي شهر تشهد مساحات شاسعة من الحقول الزراعية في العراق حرائق متكررة تسببت في ضياع آلاف الهكتارات من محاصيلها، وتزداد الكارثة مع كون موسم الحصاد على الأبواب، وهو ما يثير التساؤلات حول المتسبب والمستفيد من فقدان العراق لسلة الحبوب الرئيسية له، وإحداث خسارة فادحة لاقتصاده.

وبينما تستعر الحرائق العراقية في حقوله الزراعية، ثمة حرائق سياسية واقتصادية أخرى، تلتهم المزيد والمزيد من تاريخ ومستقبل وخيرات بلاد الرافدين.

من الفاعل؟!

انتعشت الزراعة في عموم أنحاء العراق بعد موسم أمطار غزيرة شهدته البلاد، لكن مع قدوم موسم الحصاد، بين مطلع مايو الماضي ويونيو الجاري، وقع ما يزيد عن 272 حريقا حولت الكثير من محاصيل الأراضي الزراعية العراقية، خصوصاً محاصيل الحنطة والشعير، إلى رماد، وذلك وفقا لتقديرات الدفاع المدني.

وقعت تلك الحرائق في مساحة تقارب الخمسة آلاف و183 هكتاراً، في أربع محافظات في شمال العراق، فيما أخمدت المئات منها قبل اتساع رقعتها، والمثير في الأمر أن معظم تلك المناطق التي شهدت الحرائق كانت جميعها معاقل لتنظيم داعش بين عامي 2014 و 2017، وما زال هناك بعض المسلحين يختبئون في بعض منها، وهو الأمر الذي يثير تكهنات حول وقوف جماعات جهادية وراء إشعال تلك الحرائق.

وكانت وزارة الخارجية العراقية قد اتهمت داعش بالوقوف وراء حرائق محاصيل الحنطة، بينما وجهت جهات أخرى أصابع الاتهام لفصائل ميليشيات الحشد الشعبي، وبعض التكهنات تتحدث عن نزاعات عرقية أو طائفية قد تكون السبب وراء الحرائق، كون العراق يشهد خلافات طائفية من وقت لآخر بين طوائفه المتعددة، أو ربما صراعات بين أصحاب المزارع أنفسهم هى الدافع وراء تلك الحرائق.

لكن بيانا صادر عن الدفاع المدني العراقي أشار إلى أن “أسباب الحوادث كانت: 74 حادث عطب أسلاك كهربائية، و35 حادثا متعمدا، و25 حادث شرارة نار من الحاصدة، و22 حادثا بسبب رمي أعقاب السجائر المشتعلة، و32 حادثا مصدرها نار خارجية، و84 حادثا لم تحدد من قبل الأدلة الجنائية”، لكن البيان أثار العديد من الشكوك، ولم يكن مقنعاً للكثير من المحللين والمراقبين.

 

نينوى.. أكبر الخاسرين

نهاية الأسبوع الماضي، يوم الخميس فقط، وقع 16 حريقًا في حقول مختلفة تتوزع في محافظة نينوى، لتُضاف إلى أعداد الحرائق التي اندلعت في المحافظة منذ 15 مايو الماضي، وهو موعد بدء الحصاد في نينوى، وقد بلغت 120 حريقاً حتى الآن.

وبحسب مسئول مديرية زراعة محافظة نينوى “دريد حكمت” فإنه “من الصعب تحديد مساحات الأراضي التي تعرضت للحرائق، لأن تلك الحرائق تنتشر بسرعة كبيرة، وعليه هناك حاجة لبعض الوقت من أجل حصر حجم الأضرار، ولكنها تبلغ عشرات آلاف الدونمات”، (الدونم الواحد يعادل ألف متر مربع).

وأضاف حكمت في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية: “خلال اليومين الماضيين تعرضت مساحات زراعية شاسعة للحرائق، حيث اندلعت نيران كبيرة جداً، أكثر مما مضى، وذلك في مناطق الحضر، القيارة، البعاج، القيروان، سنجار والقحطانية، وقد أحرقت النيران ما يقارب 20 ألف دونم”.

كما أن محافظة صلاح الدين كانت هي الأخرى من أكبر الخاسرين، بعد نينوى، في مساحات الأراضي المحترقة، مما دفع نوابا عن المحافظة إلى إعلان حالة الطوارئ.

أما في محافظة كركوك، الغنية بالنفط، المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة العراقية المركزية، فإن صراعات متكررة على 200 ألف هكتار من الأراضي المخصصة للزراعة قد وقعت بسبب الصراعات بين الأعراق.

وذكر رئيس اللجنة الزراعية في مجلس محافظة كركوك “برهان العاصي”، بأن محافظته تنتج سنويا 650 ألف طن من الحبوب، ومن شان الحرائق أن تؤثر على هذه الإنتاجية.

الإرهاب يحرق كل شيء!

إبان فترة سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من العراق، تعرضت مساحات كبيرة من الرقعة الزراعية في المحافظات العراقية الواقعة تحت سيطرته، إلى دمار على يد عناصر التنظيم، وخلال المعارك وفي ظل التوتر الأمني، إضافة إلى نقص البذور والمعدات الزراعية، تعرضت الأراضي الزراعية والمزارع إلى الكثير من الأضرار،

الشعور السائد بالنسبة للمسئولين والمزارعين، انه في معظم الحالات التي اندلعت فيها تلك الحرائق بفعل أشخاص فإنهم يهدفون لإيقاع الضرر في البلاد، وقد ذكر مسئول في محافظة كركوك، رفض كشف هويته، إن “عددا من الحرائق قد نفذها مقاتلو داعش، حيث أضرموا النار في الحقول لأن المزارعين رفضوا دفع الزكاة لهم”.

وأوضح أن “بعض هؤلاء العناصر يقومون بركوب الدراجات النارية وإشعال الحرائق، ومن ثمَّ يتركون المتفجرات التي يتم إطلاقها بمجرد وصول المدنيين أو رجال الإطفاء إلى الموقع، كي تحصد أرواحهم”.

رئيس الوزراء العراقي “عادل عبد المهدي”، تطرق خلال مؤتمر صحافي إلى الحرائق، قائلاً بأنها تحدث “لأسباب جنائية أو إرهابية”، مشيراً إلى وقوع حرائق لأسباب عرضية سواء تماس كهربائي أو نزاع أو انتقام، معتبراً أن الحرائق التي حدثت هذا العالم بلغت رقماً قياسياً لا مثيل له، في بلد تمثل الزراعة فيه المورد الرئيسي للعيش لواحد من كل ثلاثة من السكان.

تفعيل نظام الحراسات

مع استمرار الحرائق، ومواصلة فرق الدفاع المدني في المحافظات العراقية محاولاتها للسيطرة على الحرائق، فقد دعا الدفاع المدني العراقي الفلاحين إلى الالتزام بعدد من التعليمات للحد من هذه الحرائق، كما طلب من الفلاحين والمزارعين تفعيل نظام الحراسات وحماية محاصيلهم من عبث العابثين والحرائق المتعمدة والعرضية التي تحدث أثناء فترة الحصاد.

يأتي هذا فيما شكلت الحكومة العراقية خلية أزمة، وتعمل على إرسال معدات إضافية لتسريع عمليات الحصاد تحسبا لحصول أي طارئ مستقبلاً.

 

تهديد للأمن الغذائي!

في تلك الأثناء، ومع تصاعد وتيرة الحرائق، فقد دعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، الحكومة العراقية لإنقاذ وحماية حقول ومحاصيل محافظة نينوى.

ودعا نائب رئيس المفوضية “علي ميزر الشمري” في بيان له، الحكومة العراقية ممثلةً برئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، إلى تدارك الأمور والسيطرة على الحرائق الهائلة التي تلتهم آلاف الدونمات، وتسير بسرعة فائقة، ولا يوجد سيارات إطفاء كافية لإخماد الحرائق.

وأضاف في بيانه: “إننا سبق وأن حذرنا مرارا وتكرار من استمرار هذه الحرائق الخطيرة التي تهدد الأمن الغذائي للعراق وأرزاق المزارعين والفلاحين وعوائلهم ومصالحهم ومصادر عيشهم وحتى مساكنهم ولكن الحكومة لم تستجب لتحذيراتنا ومطالبنا”.

وطالب الجميع بـ”بذل الجهود العاجلة لتحريك سيارات الإطفاء للسيطرة على النيران وحماية خيرات العراق وشعبة والذين ينتظرونها بفارغ الصبر منذ خمسة أعوام وحماية منازل المواطنين والمنشآت الحيوية داخل الأراضي الزراعية كمشاريع الماء والكهرباء وغيرها”.

“سلة الحبوب” تستوردها!

كان يتوقع وصول الإنتاج إلى أربعة أطنان للهكتار الواحد بفضل تساقط الأمطار هذا العام، مقابل طنين في العام الماضي بسبب الجفاف، لكن بسبب الحرائق فإن العراق ربما سيكون مجبرًا على استيراد القمح، رغم أن حقوله كانت تعرف، ومنذ مدة طويلة، بسلة حبوب البلاد، وقد قدرت خسائر أصحاب المزارع والجمعيات الفلاحية بمليارات الدولارات.

وقد أكدت وزارة الزراعة العراقية أن الحرائق التي اندلعت مؤخرا “ممنهجة”، وتستهدف ثروة البلاد الوطنية، فيما تشير إلى أن تحقيقاتها مستمرة للكشف عن الجهات التي تقف خلفها.

وقال المتحدث باسم الوزارة “حميد النايف” إن نسبة الأراضي التي تعرضت للحرق بلغت ألفي دونم من أصل 12 مليون دونم هي إجمالي مساحة حقول الحنطة في العراق، مضيفاً أن “السلطات ستتعامل مع منفذي هذه الحرائق باعتبارهم إرهابيين، حتى لو كانت دوافعهم شخصية أو ثأرية”.

ضياع الريع الموعود بالنسبة للمزارعين العراقيين الذين عانوا سنوات من الحرمان والتهجير، حمل نذر معاناة جديدة، فصلاً عن مأساة ستضاف إلى رصيد موجود بالفعل من المآسي في دولة كانت تمني النفس بأن نهاية الأزمات الاقتصادية قد لاحت في الأفق، مع القضاء على تنظيم داعش وسحب بعض الدول الغربية لقواتها من الأراضي العراقية، لكن أعمدة الدخان المتصاعد ملء الأفق أعادت إلى الأذهان صور طيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة وهو يقصف معظم تلك المناطق قبل بضع سنوات من هذا اليوم.

 

ابحث عن المستفيد!

تأتي هذه الحرائق مكملة لسلسة حوادث مماثلة تستهدف الاقتصاد العراقي، وتصب في صالح الإبقاء على تبعيته للبضائع المستوردة، وبحسب بعض الإحصائيات فإن السوق الإيرانية تعد هي المستفيد الأول من ضرب الاقتصاد العراقي، لتكون السوق العراقية محل تصريف طويل الأمد للبضائع الإيرانية، خاصة في ظل بحث طهران عن سبل لمواجهة العقوبات الأمريكية.

وقد سبقت حوادث إحراق المحاصيل الزراعية في العراق، كارثة نفوق الأسماك في الأنهار والمجاري المائية العراقية، وسبقها تلف محاصيل الطماطم، وجميعها منتجات كان العراق على وشك إعلان اكتفاءه الذاتي منها.

لكن وقوع مثل هذه الأزمات التي تبدو مفتعلة يعزز شكوك المزارعين والتجار العراقيين في توجيه أصابع الاتهام نحو الجارة الإيرانية، هو امتلاكها أذرعا طويلة داخل البلاد وسطوة كبيرة لميليشياتها تمكنها من إشعال الحرائق من دون حسيب أو رقيب.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اشترك مجانا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

نحترم خصوصية المشتركين