تقاريررمضان

العيد في العراق.. بين حنين للماضي وترقب للمستقبل!

كتب ـ أحمد الغـر | راديو صوت العرب من أمريكا

تتنوع مظاهر وطقوس احتفالات عيد الفطر المبارك في بلاد الرافدين، وعلى الرغم من الموجة الحارة التي يشهدها العراق بالتزامن مع عيد الفطر هذا العام، والمصحوبة بموجة أخرى من ارتفاع الأسعار والتذبذب الأمني في بعض مناطق العراق، إلا أن العائلات العراقية تأبى أن تأتي مناسبة عيد الفطر دون أن تدخل الفرحة إلى بيوتهم.

عادات عراقية متوارثة!

تشترك العائلات العراقية في الكثير من العادات المتوارثة في الأعياد، أهمها الذهاب الى المساجد صباحا لأداء صلاة العيد، وزيارة المقابر وهم يحملون البخور والشموع وماء الورد وصدقات توزع على الفقراء، وتقديم حلوى العيد العراقية (الكليجة) للضيوف، وتكون وجبة الفطور يوم العيد غالبا عبارة عن القيمر مع الكاهي (القشدة مع الرقائق)، إذ تعد الوجبة الأكثر شعبية بين العراقيين، ويسبق ذلك كله ترتيب النساء لمنازلهن وتنظيفه إستعداداً لإستقبال الضيوف، وشراء ملابس العيد للأطفال، وبعض الألعاب لرسم الفرحة على شفاههم، فيما يتبادل الأقارب والأهل الزيارات طيلة أيام العيد، أما الصغار فالعيد بالنسبة لهم ذي طبيعة خاصة، حيث يذهبون في الصباح إلى الأجداد والآباء لمعايدتهم والحصول على العيدية.

في عالم الذكريات الجميلة؛ يستذكر العراقيون بحنين مفرط ليالي العيد وطقوسه المتنوعة، قبل أن يتحول العراق إلى ما هو عليه ألان من انقسامات وتفتت، ووضع أمني مضطرب تخشاه معظم العائلات العراقية خاصة عند التجمع في الساحات والأماكن المفتوحة، فباتت الخروجات تقتصر على الخروج إلى مولات التسوق الكبرى والتي تتمتع بحماية وتواجد أمني مكثف، فيما يذهب جزء كبير من العراقيين الشيعة إلى زيارة مراقد الأولياء الصالحين للتبرك بزيارتهم، خاصة مراقد الأئمة الشيعة في كربلاء والنجف، وكذلك مقبرة وادي السلام التي يدفن فيها أبناء الطائفة الشيعية موتاهم في محافظة النجف، والتي تعد واحدة من أكبر مقابر العالم.

رؤيتان .. وعيدان !

منذ العام 2003م، يثار الجدل سنوياً في العراق حول تحديد موعد عيد الفطر، إذ لم يتوحد العراقيون في تحديد أول أيام العيد بسبب الخلافات السنية – الشيعية التي احتدمت بطريقة واضحة منذ سقوط نظام صدام حسين، وتحول العراق من دولة موحدة إلى دولة مكونات، وإذا كانت التعددية والمحاصصة العرقية تصلح في السياسة، فإنه من الصعب أن تجوز في الدين، لكن في العراق وحده يمكن أن نجدها!، فبسبب الطائفية نجد أن تحديد هلال شهر رمضان وهلال العيد من الخلافات الموروثة في عراق ما بعد صدام حسين، وبعد أن كان العراق يعين رسميًا بداية شهر رمضان وعيد الفطر ببيان حكومي واحد، اتجهت الأمور خلال السنوات الماضية نحو تعدد الاحتفالات بعيد الفطر المبارك، فصار للمسلمين السنة موعداً وللشيعة موعداً أخر.

في العام 2005م، انقسم العراقيون الشيعة أنفسهم إلى قسمين في تحديد اليوم الآخير لشهر رمضان، فأفطروا في يومين مختلفين، إذ احتفل المسلمين الشيعة من أنصار الزعيم الشيعي “مقتدى الصدر” في مدينة الصدر الضاحية الشيعية لبغداد، بعيد الفطر في يوم سابق لليوم الذي أعلنه المرجع الشيعي “علي السيستاني” في مدينة النجف، وسادت حالة من الانقسام في أجواء العيد في العراق.

الكليجة العراقية .. حلوى العيد!

من بين التقاليد العراقية الخاصة في عيد الفطر، وفي الأعياد عموما، هو تناول حلوى الكليجة، فإعداد وتجهيز هذه الحلوى وتقديمها للضيوف في العيد من التقاليد التي دأبت عليها العائلة العراقية منذ مئات الأعوام، ويكاد لا يخلو بيت عراقي منها، وتصنع الكليجة قبل قدوم العيد بأيام، وهى تحضر من الدقيق المغمس بالدهن البلدي وبعد أن تصبح المادة على شكل عجينة تقوم النساء بتقطيع العجينة على شكل قطع صغيرة، يتم حشوها بنوع خاص من التمر يسمى الخستاوي، وهو نوع من أنواع التمور الذي يحتفظ بطراوته على مدار السنة، وكذلك تحشى بمواد أخرى غير التمر مثل السمسم أو المكسرات المجروشة ومطيبات ومواد مختلفة حسب الرغبة، لكن تبقى كليجة التمر هى الأكثر شعبية بين العراقيين.

الكلبجة العراقية
الكلبجة العراقية

 

بخلاف ما يُأكل ويُقدم للضيوف خلال الزيارات، تقوم بعض العائلات بتبادل كميات من الكليجة فيما بينها، كما يذهب بعضهم بشئٍ منها إلى المقابر ليوزعوه ثوابا لموتاهم قرب القبور، يُذكر أن حلوى الكليجة ذات شعبية كبيرة في بيوت العراقيين، حيث يقبلون على إعداداها وتناولها من كافة الأديان والمذاهب والقوميات، وخلال أعيادهم المختلفة، فنجدها في أعياد المسلمين والمسيحيين والأديان والمذاهب الاخرى، كما يصنعها أهل كردستان خلال احتفالاتهم بالمناسبات الكردية.

ومن حلويات العيد في العراق أيضا، نجد الشكرلمية، وهى من أصناف الحلويات العراقية التقليدية، وهى ذات مذاق هش يحبه الكثيرون، وتتميز بأنها من أسهل الحلويات تحضيرا حيث بساطة مكوناتها، ويتم تزينها بالكثير من أصناف المكسرات المختلفة والتي منها اللوز والفستق، كما يتم في بعض الاحيان حشوها بأحد أنواع المربي، وهي تعد نوع من أنواع البسكويت أو الكعك، حيث تُقدم في الكثير من المناسبات، حيث تقدم للضيوف إلى جانب القهوة والشاي كطبق ضيافة.

الألعاب النارية .. ممنوعة!

قررت الأجهزة الأمنية العراقية منع تداول الألعاب العنيفة، وكذلك حظرت اطلاق العيارات النارية خلال أيام عيد الفطر، أتي ذلك استجابة لما ورد في خطبة المرجعية الدينية الجمعة الماضية، والتي دعت إلى إيقاف ظاهرة اطلاق العيارات النارية، خاصة في الاعياد والمناسبات، بهدف ايجاد حصانة مجتمعية ازاء العنف، حيث أضاف ممثل المرجعية الدينية العليا “احمد الصافي” خلال خطبة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني، أن “حالة العنف من المفردات السلبية التي يلجأ فيها الانسان في اغلب الاحيان لاستخدام عضلاته لبسط ما يريد، لكنها تمثل حالة بدائية غير حضارية وتمثل شريعة الغاب”، داعيا المسؤولين والجهات ذات العلاقة الى متابعة هذه الحالة في المجتمع.

ولم يتأخر الرد من وزارة الداخلية التي قامت باتخاذ إجراءات خاصة بمنع تداول الالعاب والمفرقعات التي تحرض على العنف، ومراقبة مطلقي العيارات النارية ومحاسبة اصحابها، من أجل الحفاظ على الأمن المجتمعي وحماية أرواح المواطنين، كما شكلت فرقا من منتسبيها وكذلك أفراد من قسم العلاقات والاعلام والشرطة المجتمعية للكشف عن المحال التي تبيع هذه الالعاب الخطرة التي يذهب ضحيتها العشرات من الاطفال في كل مناسبة.

خطط أمنية مكثفة!

في سياق متصل فقد أتمت الوزارات والمؤسسات المعنية في المحافظات العراقية، جميع الخطط الاستباقية ضمن الاستعدادات الخاصة باحتفالات عيد الفطر، لاسيما في تقديم الخدمات للمواطنين العراقيين وتأمين الجانب الامني، حيث تم إعداد خطط امنية مكثفة، وخدمية خاصة بعيد الفطر المبارك ضمن المرافق السياحية والترفيهية المنتشرة ببغداد والمحافظات الأخرى. كما تم توجيه البلديات للقيام بحملات النظافة وغسل الشوارع مع انارة الحدائق والساحات العامة، وصيانة وتشغيل النافورات في المرافق السياحية والترفيهية، والمناطق المقدسة.

وقد سبقت أيام العيد قيام البلديات بحملات صيانة وتأهيل للالعاب والحدائق التي سيقصدها المحتفلون بالعيد، كما فتحت ابواب المرافق السياحية امام المواطنين مجانا طيلة ايام العيد، يأتي ذلك فيما أعدت وزارة الصحة والبيئة مركزاً للعمليات وطب الطوارئ، ووضعت خطة اسناد طبية خاصة بعيد الفطر، حيث تضمنت الخطة انتشار سيارات الاسعاف في الاماكن العامة والعتبات المقدسة واماكن ارتياد المواطنين خلال ايام العيد، كما أمن مصرف الدم الوطني رصيدا كافيا من الدم ومشتقاته للحالات الطارئة.

أقدم متنزهات الشرق الأوسط

من الاخبار السعيدة التي ربما تهون على العراقيين بعض الشئ هذا العيد، وخاصة سكان بغداد، هو ما أعلنت عنه امانة بغداد، بأن عيد الفطر لهذا العام سيشهد افتتاح واحد من اقدم متنزهات الشرق الاوسط وثاني اكبر متنزهات العاصمة العراقية، وهو متنزه 14 تموز (يوليو)، والذي يعد من اقدم متنزهات الشرق الاوسط والوطن العربي وثاني اكبر متنزهات بغداد بعد متنزه الزوراء بعد اعادة تأهيله.

ويحتل هذا المتنزه مكانة خاصة لدى بغداد والبغداديين، كما يعد جزءاً من تاريخ العاصمة العراقية خصوصا وانه شيد وافتتح في خمسينيات القرن الماضي وتحديداً في 14 من شهر يوليو/ تموز سنة 1959م، وقد شهد مؤخراً عملية تطوير وإعادة تشييد تضمنت انشاء عدد من النافورات وشبكات الري وتاهيل النصب التذكاري وصيانة الطرق والممرات والإنارة والسياج والبوابة الرئيسية وإدامة المسطح الأخضر وغيرها من الأعمال الأخرى.

 

الأزمات تسرق الفَرَحات

الوضع السياسي الراهن والمتأزم باستمرار في العراق سرق الفرحة من على وجوه العراقيين، فالأزمات السياسية وما يرافقها من تداعيات اقتصادية وأمنية تنعكس على الوضع العام للبلاد، وتؤثر بدورها على حياة العراقيين ومناسباتهم، تجعلهم يرزحون تحت وطأة الاحباط واليأس. فيما تشتعل جذوة النوستالجيا في نفوس العراقيين، وهم يتذكرون إحتفالاتهم بعيد الفطر في الماضي القريب، فأيا ما كانت تحمله تلك الأيام الخوالي من اضطرابات إلا أنها من الواضح أنها كانت أفضل بكثير مما يشهده العراق الان من تلاطمات واهتزازات عنيفة لم يشهدها ابناءه من قبل. يستذكر العراقيون ماضيهم الجميل، ويترقبون مستقبلهم، ولسان حال حاضرهم: بأي حالٍ عدت يا عيد على بلاد الرافدين؟

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى