
حالة من الجدل اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي وصفحات المواقع الإخبارية خلال الأيام الماضية بعد تداول منشورات بشكل واسع حول إعلان روسيا التوصل إلى دواء نهائي للقضاء على السرطان، وسط مزاعم بأن موسكو بدأت توزيعه مجانا على المرضى داخل البلاد.
وأشاد البعض بالخبر واعتبروه “أكبر إنجاز طبي في التاريخ”، مشيرين إلى أنه يمثل بارقة أمل لعشرات الملايين من المرضى الذين يموتون سنويا.
بينما شكك آخرون في مصداقية هذه الادعاءات متسائلين: هل نحن أمام اختراق علمي حقيقي قد يغير مسار مواجهة السرطان، أم مجرد دعاية مبالغ فيها تسعى روسيا من خلالها إلى تسجيل نصر علمي وإعلامي؟
وفي محاولة للتأكد من صحة الخبر قام فريق “الجزيرة تحقق” بتتبع أصل القصة، ورصد أبرز التصريحات الرسمية، كما اطلع على آراء خبراء متخصصين، ليكشف ما إذا كان لقاح السرطان الروسي جاهزا فعلا للمرضى أم لا يزال في طور التجارب.
أصل القصة
تصدرت منشورات على منصتي إكس وفيسبوك تزعم أن روسيا طوّرت دواء نهائيا يقضي على السرطان بفعالية 100%، وأن السلطات بدأت بالفعل في توزيعه مجانا على المرضى.
وأثار الإعلان جدلا واسعا، إذ وصفت بعض التعليقات الخطوة بأنها “أعظم إنجاز طبي في التاريخ” و”هدية للبشرية”، في حين أكد آخرون أن روسيا “لن تستغل هذا الابتكار لنهب المرضى”.
من جهة أخرى، ذكرت صفحات إخبارية أن روسيا توزع اللقاح مجانا في موسكو بعد نجاحه بفعالية تصل نسبة 100% في استخدامه السريري، وحققت هذه المزاعم ملايين المشاهدات على المنصات المختلفة.
وسلطت وسائل إعلام روسية، من بينها وكالتا تاس وسبوتنيك، الضوء قبل أيام على إعلان علماء روس عن لقاح “إنتروميكس” (EnteroMix)، وقالت إنه جاهز للاستخدام ضد سرطان القولون والمستقيم.
وأشارت إلى أن التجارب ما قبل السريرية أظهرت قدرته على تقليص الأورام وإبطاء نموها، وإمكانية استخدامه بشكل متكرر دون مخاطر.
وبمراجعة التصريحات الرسمية، يتضح أن مصدر الخبر هو الوكالة الفيدرالية الطبية البيولوجية الروسية “إف إم بي إيه” (FMBA) ورئيستها فيرونيكا سكفورتسوفا.
ففي مقابلة مع صحيفة “إزفستيا” بتاريخ 5 سبتمبر الجاري، قالت سكفورتسوفا إن الوكالة أنهت التجارب ما قبل السريرية للقاح “إنتروميكس” (EnteroMix) الموجه ضد سرطان القولون والمستقيم.
وأضافت أنها قدمت الوثائق اللازمة للحصول على إذن وزارة الصحة الروسية، مما يعني أن اللقاح لم يحصل بعد على ترخيص للاستخدام السريري ولم يوزع على المرضى، وفقًا لما روّجت له بعض الحسابات.
آراء الخبراء
وتوقع أخصائي الأورام الروسي ألكسندر سيرياكوف، في تصريحات لوسائل إعلام روسية، أن اللقاح لا يزال في طور التحضير النهائي، ويحتاج من 3 إلى 6 سنوات قبل أن يصبح متاحًا للاستخدام لشريحة واسعة من المرضى.
في حين، ذكر استشاري طب الأورام في إمبريال كوليدج بالمملكة المتحدة ديفيد جيمس بيناتو أن الاختبارات ما قبل السريرية عادة ما تعني التجارب على الحيوانات، وبالتالي هناك حاجة إلى مزيد من التجارب على البشر للتأكد من أي نتائج تتعلق بالفعالية.
وأضاف: “القول بأن اللقاح حقق فعالية بنسبة 100% في الحيوانات لا يعني شيئا على الإطلاق، لأن الجهاز المناعي لدى النماذج الحيوانية مثل القوارض أو الأنواع الأخرى المستخدمة في الاختبارات لا يعكس التعقيد الجيني للسرطان ولا تعقيد الجهاز المناعي البشري”.
وتابع: “سواء كنا في المراحل الأخيرة من الاختبارات ما قبل السريرية أو في بدايات التجارب السريرية، فإن هذه الادعاءات قوية جدا لكي نقول إنها بالفعل تمثل نقلة نوعية”، وقال “لم أجد الكثير من المعلومات حول مدة اختبار هذا العلاج، أو أين عرضت نتائجه، أو ما إذا كانت قد خضعت لمراجعة علمية محكمة”.