في خطوة هامة وبأغلبية ساحقة، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، “إعلان نيويورك” الذي يحدد “خطوات ملموسة ومحددة زمنيًا ولا رجعة فيها” نحو حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك قبيل اجتماع أممي لقادة العالم.
وأعرب القرار عن عميق امتنان الجمعية العامة لفرنسا والمملكة العربية السعودية لاضطلاعهما بمسؤولياتهما بصفتهما الرئيسين المشاركين للمؤتمر الدولي رفيع المستوى لتسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين، ولقيامهما، بالاشتراك مع رؤساء الفرق العاملة واستنادًا إلى مشاورات مع جميع الدول المشاركة، بصياغة إعلان نيويورك.
ووفقًا لموقع “أخبار الأمم المتحدة” فقد قدم جيروم بونافو، الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، مشروع القرار قبل التصويت بالنيابة عن بلاده والسعودية والدول الراعية لمشروع القرار.
وقال بونافو: “يضع هذا الإعلان خارطة طريق واحدة لتحقيق حل الدولتين، وذلك بفضل الالتزامات الرئيسية التي قطعتها السلطة الفلسطينية والدول العربية من أجل السلام والأمن للجميع في المنطقة”.
وأكد أن خارطة الطريق هذه تتضمن وقفًا فوريًا لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة، ونزع سلاح حماس وإقصاءها عن الحكم في غزة، والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وتنفيذ ضمانات الأمن الجماعي.
اعتراض إسرائيل
من جانبه قال الممثل الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، السفير داني دانون، إن “إقرار ما يُسمى بالإعلان ليس محاولة جادة لصنع السلام”.
ووصف الإعلان بأنه “بادرة جوفاء” تضعف مصداقية الجمعية العامة بحسب قوله، مضيفا أن المستفيد الوحيد منه هو حركة حماس.
وقال دانون: “تجري هذه المناورة السياسية العبثية بينما لا يزال الأبرياء معصوبي الأعين في أنفاق غزة، يتضورون جوعا ويعذبون”، مضيفا أنه في هذه الأثناء، يعصب العديد من أعضاء هذه الجمعية أعينهم بمحض إرادتهم. وأشار إلى أنه بتأييد هذا الإعلان فإن أعضاء الجمعية العامة يختارون تجاهل الحقيقة.
وشدد على أنه بلاده لن تسمح لحماس بأن تفوز في هذه الجمعية العامة بما لم تستطع تحقيقه في 7 أكتوبر 2023.
ما الذي جاء في إعلان نيويورك؟
يتضمن الإعلان الاتفاق على العمل المشترك لإنهاء الحرب في غزة والتوصل إلى تسوية عادلة وسلمية ودائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بناء على التطبيق الفعال لحل الدولتين، وبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين وجميع شعوب المنطقة.
وجدد إدانة جميع الهجمات من أي طرف ضد المدنيين، بما في ذلك جميع أعمال الإرهاب والهجمات العشوائية وكل الاعتداءات ضد الأعيان المدنية والأعمال الاستفزازية والتحريض والتدمير.
وأشار الإعلان إلى أن أخذ الرهائن محظور بموجب القانون الدولي. وأكد رفض أي أعمال تؤدي إلى التغييرات الإقليمية (المتعلق بالأرض) أو الديموغرافية (السكانية)، بما في ذلك التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين الذي يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني.
وأدان الهجمات التي ارتكبتها حماس ضد المدنيين في السابع من أكتوبر. كما أدان أيضا الهجمات من إسرائيل ضد المدنيين في غزة والبنية الأساسية المدنية والحصار والتجويع، بما أدى إلى كارثة إنسانية مدمرة وأزمة حماية.
وقال الإعلان إن الحرب والاحتلال والإرهاب والتهجير القسري لا يمكن أن يؤدوا إلى تحقيق السلام أو الأمن وإن الحل السياسي هو الوحيد الكفيل بتحقيق ذلك.
وأضاف أن إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتطبيق حل الدولتين، هما السبيل الوحيد لتلبية التطلعات المشروعة – وفق القانون الدولي – لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين وأفضل طريقة لإنهاء العنف بكل أشكاله وأي دور مزعزع للاستقرار من الأطراف من غير الدول، ووضع حد للإرهاب والعنف بكل الصور، وضمان أمن الشعبين وسيادة الدولتين والسلام والازدهار والتكامل الإقليمي من أجل مصلحة كل شعوب المنطقة.
وتعهد المسؤولون والمندوبون في الإعلان باتخاذ خطوات ملموسة محددة بإطار زمني ولا يمكن التراجع عنها من أجل التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين، وتجسيد – بأسرع وقت ممكن عبر أعمال ملموسة – دولة فلسطين المستقلة الديمقراطية ذات السيادة القادرة على الاستمرار اقتصاديا، التي تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل بما يمكن التكامل الإقليمي والاعتراف المتبادل.
ترحيب ماكرون
ورحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة باعتماد الجمعية العامة “إعلان نيويورك”، واعتبره خطوة في “طريق لا رجعة فيه نحو السلام”.
وقال ماكرون على منصة إكس “بقيادة فرنسا والمملكة العربية السعودية، اعتمد 142 بلدًا “إعلان نيويورك” بشأن حل الدولتين”.
واعتمدت الجمعية العامة النص قبل 10 أيام من القمة التي سترأسها باريس والرياض يوم 22 سبتمبر في الأمم المتحدة حيث تعهد ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطين.
والإعلان، المكون من 7 صفحات، هو ثمرة مؤتمر دولي انعقد في الأمم المتحدة في يوليو الماضي استضافته السعودية وفرنسا عن الصراع المستمر منذ عقود. وقاطعت الولايات المتحدة وإسرائيل هذا المؤتمر.
موقف الفصائل
وسبق أن قالت الفصائل الفلسطينية خلال الأشهر الماضية إن أي جهد يُبذل على المستوى الدولي لإسناد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة هو محل تقدير وترحيب، مؤكدة أن اليوم التالي لانتهاء العدوان على غزة هو “يوم فلسطيني بامتياز”.
وجاء بيان الفصائل بعد مؤتمر “حل الدولتين” الذي انعقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك وقاطعته واشنطن وتل أبيب، ودعا في بيانه الختامي إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ومنحها عضوية كاملة بالأمم المتحدة.
وأكدت الفصائل حينها -في بيان مشترك نشرته حركة حماس– استعدادها لحل قضية الأسرى ضمن اتفاق لوقف إطلاق النار وانسحاب الاحتلال من غزة وفتح المعابر وشددت على أن المقاومة بكل أشكالها رد فعل طبيعي ومشروع، وأنها لن تتوقف إلا بزوال الاحتلال.
وسيلة ضغط
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” يُنظر إلى الاعتراف بدولة فلسطين من قبل عدد من الدول خلال أسبوع قادة العالم في الجمعية العامة، باعتباره وسيلة إضافية للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب المدمرة في غزة، التي توشك على إتمام عامها الثاني.
ورغم اعتراف نحو 3 أرباع الدول الأعضاء في الجمعية العامة بدولة فلسطين منذ إعلانها عام 1988، إلا أن استمرار الحرب في غزة وتوسع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية يهددان فرص قيام الدولة الفلسطينية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد توعد مؤخرا قائلا “لن تكون هناك دولة فلسطينية”، فيما رفضت واشنطن منح كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بمن فيهم الرئيس محمود عباس تأشيرات لدخول البلاد وإلغاء التأشيرات الحالية لمنعهم من حضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ويأتي هذا في حين ترتكب إسرائيل – بدعم أمريكي- منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت 64 ألفا و368 قتيلًا، و162 ألفًا و367 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 382 فلسطينيا، منهم 135 طفلا.