تحقيق لأسوشيتد برس يُكذّب مزاعم إسرائيل بشأن مجزرة الصحفيين بمستشفى ناصر

نشرت وكالة “أسوشيتد برس” تحقيقًا فندت فيه مزاعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بشأن قصفه مستشفى ناصر في قطاع غزة أواخر الشهر الماضي، والذي أدى لمقتل 22 شخصًا بينهم 5 صحفيين.
وقالت الوكالة إن الهجوم يثير تساؤلات جدية حول دوافع إسرائيل والطريقة التي تم تنفيذه بها، مشيرة إلى أن من بين الشهداء الصحفيين صحفية عملت لصالح وكالة أسوشيتد برس.
واستشهد في هذا الهجوم 5 صحفيين هم: الصحفي حسام المصري، مصور وكالة رويترز، والصحفي محمد سلامة، مصور قناة الجزيرة، والصحفية مريم أبو دقة، التي عملت مع عدة وسائل إعلام بينها اندبندنت عربية ووكالة أسوشيتد برس، والصحفي معاذ أبو طه، المراسل مع شبكة NBC الأمريكية، والصحفي أحمد أبو عزيز ويعمل مع شبكة قدس فيد ووسائل إعلام أخرى.
أدلة جديدة
واعتمد تحقيق أسوشيتد برس على معلومات من مسؤولين عسكريين إسرائيليين حاليين وسابقين، ومسؤولين آخرين، وخبراء حروب وروايات من حوالي 20 شاهدا كانوا في أو بالقرب من المستشفى وقت الهجوم.
واستهدف الهجوم الإسرائيلي موقعًا يتجمع فيه الصحفيون، بسبب كاميرا مثبتة على السطح اعتقد الاحتلال أنها تُستخدم من قِبل حركة حماس لمراقبة جنود الجيش الإسرائيلي.
وبرر مسؤول إسرائيلي القصف بـ”سلوك مشبوه” ومعلومات استخباراتية غير محددة، ولكن التفاصيل الوحيدة التي تم تقديمها هي وجود قطعة قماش على الكاميرا وشخص كان بجانبها، وهو ما فسره الاحتلال على أنه حيلة لتفادي التعرف عليه.
وذكرت أسوشيتد برس أنها جمعت أدلة جديدة تشير إلى أن الكاميرا المعنية تخص المصور الصحفي حسام المصري من وكالة رويترز، والذي استشهد في الضربة الأولى، وكان يغطي بانتظام معداته بقطعة قماش بيضاء بهدف حمايتها من حرارة الشمس والغبار.
ووفقا لشهود، كانت إسرائيل تراقب الموقع بشكل متكرر باستخدام مسيّرة، وذلك قبل حوالي 40 دقيقة من الهجوم، مما أتاح لها فرصة للتعرف على حسام المصري بشكل صحيح، حسب الشهود.
جريمة حرب
وبعد الضربة الأولى بوقت قصير، استهدف الاحتلال نفس الموقع مرة أخرى، بعد وصول الطواقم الطبية وفرق الطوارئ إلى المكان لإسعاف الجرحى، وذلك خلال وصول الصحفيين، بمن فيهم مريم دقة، لتغطية الحدث.
وأثار هذا الهجوم اتهامات بأنها “ضربة مزدوجة”، وهي نوع من الهجمات يُقصد من ورائها قتل من يسعفون المصابين، وتصنف جريمة حرب محتملة وفقا لخبراء القانون الدولي.
وقالت أسوشيتد برس إن جيش الاحتلال استخدم قذائف دبابات شديدة الانفجار لاستهداف المستشفى، بدلا من أسلحة موجهة أكثر دقة كان من الممكن أن تقلل من الخسائر، وفي المجمل، استهدفت إسرائيل المستشفى 4 مرات، دون تحذير في كل مرة.
الدرج والقماش
وقبل الهجوم، كان حسام المصري متمركزًا مع كاميرته على سلم خارجي في مستشفى ناصر. وتظهر صورة التقطتها مريم دقة في منتصف أغسطس حسام المصري في نفس السلم بجوار كاميرته، مع قطعة قماش بيضاء تغطيها.
وفي الأسابيع التي سبقت الضربات، كان المصري يبث بشكل مباشر يوميًا تقريبًا من الدرج، وفقًا لصحفيين آخرين عملوا هناك ومسؤولين في المستشفى.
وأكد 5 صحفيين لأسوشيتد برس أن حسام كثيرًا ما استخدم قطعة القماش. ومن المعتاد أن يستخدم صحفيو الفيديو حول العالم، بما في ذلك في غزة، مواقع مرتفعة مثل هذه ويغطوا كاميراتهم لحمايتها من العوامل الجوية.
ويستخدم المصورون الدرج الخارجي لمبنى المستشفى على مدار أشهر للحصول على منظر جوي لمدينة خان يونس، وفي حالة وكالات الأخبار العالمية مثل رويترز وأسوشيتد برس، يستخدم الدرج لتوفير لقطات فيديو حية ترسل إلى غرف الأخبار حول العالم، علما أن أسوشيتد برس أبلغت الاحتلال عدة مرات بأن صحفييها موجودون في الموقع.
إمعان في القتل
قُتل شخص ثانٍ في الغارة التي استهدفت حسام المصري. وحدّد مسؤولو المستشفى هويات جميع القتلى الـ 22، قائلين إنهم مزيج من العاملين في مجال الصحة والإنقاذ والصحفيين وأقارب المرضى. لكنهم قالوا إنهم لا يستطيعون الجزم أيّهم هو الشخص الآخر الذي قُتل في الغارة الأولى، نظرًا لجمع جميع الجثث في الوقت نفسه.
ولم تظهر أي أدلة على وجود كاميرا ثانية في الموقع الذي قُتل فيه المصري. وفي الوقت نفسه تقريبا الذي أصيب فيه الدرج الأول، قصفت إسرائيل جزءًا آخر من المستشفى، وفقا لشهود عيان ومقاطع فيديو تظهر تصاعد الدخان من الموقع.
لقد قصفت إسرائيل المستشفيات والصحفيين مرارًا وتكرارًا طوال الحرب. ويُفترض أن كليهما يتمتع بالحماية بموجب القانون الدولي، لكن المستشفيات قد تفقد هذه الحماية إذا استُخدمت لأغراض عسكرية، وكذلك الصحفيون إذا كانوا مسلحين أو شاركوا في أعمال عدائية.
واتهمت إسرائيل حماس بالعمل داخل المستشفيات أو حولها، لكنها لم تقدم سوى أدلة محدودة على ذلك. وبناء على تحليل اللقطات المصورة في وقت الهجوم، والتحدث إلى العديد من شهود العيان، لا يوجد دليل على أن أي شخص قُتل في الغارات كان مسلحًا.
مزاعم إسرائيل بشأن المسلحين
بعد يوم من الغارات، أعلنت إسرائيل أسماء 6 رجال قالت إنهم مسلحون قُتلوا في الهجوم. لكن هذا البيان أثار أيضًا تناقضات واضحة.
فلم تُقدّم إسرائيل أي دليل على ذلك، ولم يظهر اسم أحد الرجال في قائمتها، وهو عمر كامل شحادة أبو تيم، في قائمة المستشفى للضحايا التي حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس.
وأفاد الأطباء وموظفو المشرحة بأنه لم يُقتل أي شخص بهذا الاسم، وعلى عكس الخمسة الآخرين، لم تُقدّم إسرائيل صورةً له.
كان شخص آخر، يُدعى جمعة النجار، عاملًا صحيًا يعمل في مستشفى ناصر، وفقًا لسجل الجثث في المشرحة. وكان آخر، يُدعى عماد الشاعر، سائقًا لدى فرق الإسعاف الأولي التابعة للدفاع المدني في غزة. وتظهر الأسماء الثلاثة الأخرى في قائمة الضحايا، لكن لم تتوفر تفاصيل أخرى عنهم على الفور.
ولم تُصرّح إسرائيل أيضًا ما إذا كان أيٌّ من الستة قد قُتل في غارتها الأولى على الصحفيين. وقُتل معظمهم في الجولة الثانية من الغارات، ولم يُصرّح المسؤولون ما إذا كان قد تم التعرّف عليهم بين الحشد على الدرج قبل أن تُصيبه القوات.
مطالب بالتحقيق
أعربت رسالة مشتركة من وكالتي أسوشيتد برس ورويترز عن الغضب إزاء الهجوم على الصحفيين، وطالبت بالتحقيق. وقالت الرسالة: “لسوء الحظ، وجدنا أن استعداد الجيش الإسرائيلي وقدرته على التحقيق في الحوادث الماضية نادرًا ما يؤدي إلى الوضوح والتحرك، مما يثير أسئلة خطيرة بما في ذلك ما إذا كانت إسرائيل تستهدف الصحفيين عمدًا من أجل التعتيم”.
في الماضي، أقرت إسرائيل باستهداف وقتل صحفيين تتهمهم بالانتماء إلى جماعات مسلحة، وهي مزاعم تم نفيها من جهات عل هؤلاء الصحفيين.
وقالت جودي جينسبيرج، الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين، إن الصحفيين مدنيون ويجب ألا يُستهدفوا أبدًا في الحروب. وأضافت: “إن القيام بذلك يُعد جريمة حرب”.