
شهدت الدورة الـ82 من مهرجان البندقية السينمائي الدولي العرض الأول لفيلم “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، والذي قوبل بترحيب وإشادة كبيرين من جانب الحضور الذين وقفوا طويلا وسط موجة تصفيق حار تجاوزت العشرين دقيقة للإشادة بالرسائل الإنسانية التي تضمنها الفيلم.
وقوبل الفيلم بتصفيق حار استمر 24 دقيقة، وهي أطول مدة تصفيق مسجلة في هذا المهرجان حتى الآن، مما يشير إلى أنه المرشح الأوفر حظًا لدى الجمهور في الفوز بجائزة الأسد الذهبي التي ستمنح في السادس من سبتمبر الجاري.
ويبرز الفيلم التوسلات الأخيرة المؤلمة للطفلة الفلسطينية “هند رجب”، البالغة من العمر 5 سنوات، والتي حوصرت في سيارة تحت القصف الإسرائيلي.
ووفقًا لوكالة “رويترز” فقد قالت الممثلة سجى الكيلاني في بيان قرأته للصحفيين نيابة عن العاملين في الفيلم إن “قصة هند تحمل ثقل شعب بأكمله”.
توسلات من أجل الحياة
ويركز العمل الدرامي الواقعي على مشغلي خدمة الهاتف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الذين حاولوا لساعات طويلة طمأنة هند رجب العالقة وهي تتوسل لإنقاذها من السيارة، حيث كانت عمتها وعمها وثلاثة من أبناء عمومتها يرقدون بالفعل في عداد الموتى بجوارها.
واستخدم الفيلم عبارة الفتاة الصغيرة “أنا خائفة جدًا، أرجوكم تعالوا” معززة بمقاطع أصلية أخرى لمكالماتها اليائسة مع مسعفين اثنين أرسلا إليها بشكل قوي طوال الفيلم.
وقالت الكيلاني: “السؤال الحقيقي هو كيف تركنا طفلة تتوسل من أجل الحياة؟ لا يمكن لأحد أن يعيش في سلام بينما يُجبر طفل واحد على التوسل من أجل البقاء على قيد الحياة… دعوا صوت هند رجب يتردد صداه في أنحاء العالم”.
هند ماتت
وبعد انتظار دام 3 ساعات، حصل الهلال الأحمر أخيرًا على الضوء الأخضر من إسرائيل لإرسال سيارة إسعاف لإنقاذ هند، لكن انقطع الاتصال بالفتاة والمنقذين نفسهما بعد أن تعرضت سيارة الإسعاف للقصف في مكان الحادث.
وبعد أيام، عُثر على جثة الفتاة مع جثث أقاربها في السيارة، كما تم انتشال أشلاء عاملي الإسعاف القتيلين من سيارتهما التي تعرضت للقصف.
ونفى الجيش الإسرائيلي في البداية أن يكون جنوده هم من أطلقوا النار على السيارة. إلا أن تقريرًا للأمم المتحدة ألقى باللوم على إسرائيل.
وفي رده على سؤال هذا الأسبوع بشأن تلك الواقعة، قال الجيش الإسرائيلي إن الحادث الذي يعود تاريخه إلى 29 يناير 2024، لا يزال قيد المراجعة، ورفض الإدلاء بمزيد من التصريحات.
حفاوة بالغة
وحظي الفيلم بحفاوة نادرة أثناء عرض خاص للصحفيين قبل العرض العام الأول، مما يشير إلى أن حظوظه ربما تكون كبيرة في الفوز بجائزة الأسد الذهبي التي ستُمنح في السادس من سبتمبر.
كما استقطب الفيلم بعض الأسماء البارزة في هوليوود كمنتجين منفذين، مما منحه ثقلا إضافيًا في صناعة السينما، بمن في ذلك الممثلون براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا.
صوت غزة
وقالت المخرجة التونسية كوثر بن هنية التي كتبت السيناريو أيضًا إن صوت هند تجاوز مأساة واحدة. وأضافت: “عندما سمعت صوت هند للمرة الأولى، كان هناك ما هو أكثر من صوتها. لقد كان صوت غزة ذاتها تطلب المساعدة… الغضب والشعور بالعجز عن فعل شيء هما من ولّدا هذا الفيلم”.
وقالت كوثر إن “الرواية المتداولة حول العالم هي أن من يموتون في غزة هم أضرار جانبية. أعتقد أن هذا تجريد من الإنسانية، ولهذا السبب فإن السينما والفن مهمان لإعطاء هؤلاء الناس صوتا ووجها. نحن نقول كفى، كفى هذه الإبادة الجماعية”.
إبادة جماعية
وكانت أكبر جمعية أكاديمية لعلماء أبحاث الإبادة الجماعية عالميا أعلنت هذا الأسبوع الانتهاء إلى قرار ينص على استيفاء المعايير القانونية لإثبات ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة.
وقال الممثلون الذين لعبوا دور موظفي الهلال الأحمر إنهم سمعوا فقط تسجيلات هند رجب عندما كانوا في المجموعة، مما جعل التصوير عملية عاطفية للغاية.
وقال الممثل الفلسطيني معتز ملحيس: “كانت هناك مرتان لم أستطع فيهما مواصلة التصوير. لقد أصبت بنوبة هلع”.
وصول إلى الجمهور العالمي
وقالت المخرجة كوثر بن هنية اليوم الخميس إنها تأمل أن يساعد الاستقبال الحار الذي حظي به فيلم “صوت هند رجب” في مهرجان البندقية السينمائي في نقل قصتها المروعة إلى الجماهير في جميع أنحاء العالم.
وقالت بن هنية لرويترز: “كان الأمر صادمًا للغاية، لم أتوقعه. أنا ممتنة جدًا لمهرجان البندقية لاختياره الفيلم، ولمنحنا هذه البداية الرائعة لمسيرته السينمائية”.
وحظي الفيلم بحفاوة بالغة وتصفيق لمدة 24 دقيقة في العرض الأول له أمس الأربعاء – وهي المدة الأطول حتى الآن هذا العام.
ولم يتوقف التصفيق إلا عندما اضطر المسؤولون إلى مطالبة الجمهور بالمغادرة لأن هناك فيلما آخر كان من المقرر عرضه.
وقال الممثل عامر حليحل، الذي يلعب دور موظف الهلال الأحمر الذي يحاول تنظيم عملية إنقاذ الفتاة، إنه شعر بمشاعر متضاربة إزاء الاستقبال المذهل.
وقال “هناك شعور بالذنب لأننا نحتفل بينما لا يزال الناس يعانون من الجوع والقتل الجماعي”، مضيفا أن فريق العمل والممثلين شعروا بأنهم “في مهمة” لإخبار قصة هند رجب لبقية العالم.
البحث عن عرض في أمريكا
ولم تتمكن أسرة فيلم “صوت هند رجب” حتى الآن من الحصول على موزع في الولايات المتحدة، لكن بن هنية قالت إنها لا تزال متفائلة.
وقد تواجه الأفلام التي تنتقد إسرائيل صعوبة في الحصول على عرض واسع النطاق في الولايات المتحدة. فقد سبق أن فاز فيلم “لا أرض أخرى”، وهو فيلم مؤثر يتناول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بجائزة الأوسكار لهذا العام لأفضل فيلم وثائقي، ولكن على الرغم من نجاحه، لم يقدم أي موزع أمريكي كبير على شراء هذا المشروع.
وقالت بن هنية “آمل أن يتم عرض الفيلم في الولايات المتحدة”، مشيرة إلى أن تونس اختارته بالفعل لترشيحه لجائزة أفضل فيلم دولي في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2026.
وأضافت: “الأمر الأكثر أهمية هو أن يصل صوت هند رجب إلى الجميع في جميع أنحاء العالم، وجوائز الأوسكار ومهرجان البندقية هنا هي بوابة عظيمة”، رافضة أي تلميح إلى أن الفيلم قد يكون مثيرا للجدل. وأضافت أن “قتل طفل لا ينبغي أن يكون سبباً للانقسام.. إنه جريمة”.