يهدد 8 دول عربية.. ما هو مشروع إسرائيل الكبرى الذي يحلم به نتنياهو؟

ندد بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية اليوم الجمعة بالتصريحات التي أدلى بها رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن ما تُسمى “إسرائيل الكبرى”.
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” فقد وصف البيان تصريحات نتنياهو بأنها “تمثل استهانة بالغة وافتئاتا صارخا وخطيرا لقواعد القانون الدولي، ولأسس العلاقات الدولية المستقرة، وتشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي ولسيادة الدول، والأمن والسلم الإقليمي والدولي”.
وشدد البيان على احترام الدول العربية والإسلامية للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، موضحا أن “الدول العربية والإسلامية سوف تتخذ كافة السياسات والإجراءات التي تُؤطر للسلام وتُكرّسه بما يحقق مصالح جميع الدول والشعوب في الأمن والاستقرار والتنمية بعيدا عن أوهام السيطرة وفرض سطوة القوة”.
استباحة للسيادة
بدورها، أدانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بأشد العبارات تصريحات نتنياهو “بشأن اقتطاع أجزاء من أقاليم دول عربية ذات سيادة، توطئة لإقامة ما سماه رؤية إسرائيل الكبرى”.
وقالت الأمانة العامة في بيان إن هذه التصريحات “بمثابة استباحة لسيادة دول عربية، ومحاولة لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة، وتمثل تهديدا خطيرا للأمن القومي العربي الجماعي، وتحديا سافرا للقانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية”.
وأضافت أنها “تعكس نوايا توسعية وعدوانية لا يمكن القبول بها أو التسامح معها، وتكشف العقلية المتطرفة الغارقة في أوهام استعمارية”.
ودعا البيان المجتمع الدولي -ممثلا في مجلس الأمن- إلى “الاضطلاع بمسؤوليته والتصدي بكل قوة لهذه التصريحات المتطرفة التي تزعزع الاستقرار وتزيد مستوى الكراهية والرفض الإقليمي لدولة الاحتلال”.
حلم نتنياهو
وفي مقابلة مع قناة “آي 24″ الإسرائيلية أطلق نتنياهو مؤخرًا تصريحات مثيرة للجدل حول ارتباطه العميق بما وصفها بـ”رؤية إسرائيل الكبرى” التي تشمل مناطق خارج حدود الأراضي التي تحتلها إسرائيل في الوقت الراهن.
وخلال المقابلة، تلقى نتنياهو خريطة مزعومة لإسرائيل تضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن ولبنان وسوريا ومصر، وأكد موافقته على هذه الرؤية بشدة.
وصرّح قائلا: “أنا في مهمة تمتد عبر الأجيال. هناك أجيال من اليهود حلمت بالقدوم إلى هنا، وستأتي أجيال أخرى بعدنا”. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت مهمته تمثل الشعب اليهودي، أجاب: “إذا كنت تسألني إن كنت أشعر بأنني في مهمة تاريخية وروحية، فالجواب هو: نعم”.
وتأتي تصريحات نتنياهو التوسعية الصادمة في ظل دعوات واستعدادات إسرائيلية لإعادة الاحتلال قطاع غزة، وبعد أقل من 3 أسابيع على إقرار الكنيست الصهيوني لمشروع قانون يقضي بفرض السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
وفي غضون ذلك تواصل دولة الاحتلال انتهاك الأراضي والأجواء في سوريا ولبنان بذرائع مختلفة، وهو ما يوحي بأن تصريحات نتنياهو ليست مجرد “جعجعة إعلامية”، بقدر ما هي تعبير عن طموحات ونوايا حقيقية تنتظر الوقت الملائم لتحقيقها.
ويأتي حديث نتنياهو في ظل استمرار حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية في قطاع غزة، وفي سياق خطاب متصاعد لليمين المتطرف الإسرائيلي يدعو إلى التوسع والضم وصولا إلى إنشاء “إسرائيل الكبرى”، التي تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات، وفق معتقداته.
مشروع إسرائيل الكبرى
وبحديثه الأخير حول حلم رؤية “إسرائيل الكبرى” يستحضر نتنياهو مشروعًا توراتيًا من الموروث التلمودي لتبرير سياساته التوسعية، خاصة وأنه توعّد قبل أعوام بقيادة “إسرائيل” إلى ما سماه “قرنها المئوي”، وفاجأ الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر 2023 بعرضه “خريطة إسرائيل الكبرى”.
وتشمل خارطة “إسرائيل الكبرى” التي يرفعها نتنياهو: كامل فلسطين التاريخية، ومساحتها 27 ألف و27 كيلومترا مربعا، ولبنان ومساحته 10 آلاف و452 كيلومترا مربعا، والأردن ومساحته 89 ألف و213 كيلومترا مربعا. وأكثر من 70 بالمئة من مساحة سوريا البالغة 185 ألفا و180 كيلومترا مربعا، ونصف مساحة العراق البالغة 438 ألفا و317 كيلومترا مربعا، ونحو ثلث الأراضي السعودية البالغة مساحتها مليونين و149 ألف و690، وربع مساحة مصر البالغة، نحو مليون كيلومتر مربع، وجزء من الكويت البالغة مساحتها 17 ألفا و818 كيلومترا مربعا.
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” فإن هذا المشروع يتبناه اليمين الإسرائيلي المتشدد المتحالف اليوم مع نتنياهو، وطرحه زعيم حزب “البيت اليهودي” المتطرف بتسالئيل سموتريتش عام 2016، وكان حينها عضوًا في الكنيست، مشيرا في مقابلة تلفزيونية إلى أن “حدود إسرائيل يجب أن تمتدّ لتشمل دمشق، إضافة إلى أراضي 6 دول عربية هي سوريا ولبنان والأردن والعراق وجزء من مصر ومن السعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل حتى الفرات”.
سموتريتش الذي تولى حقيبة المالية عن حزب “الصهيونية الدينية” في حكومة نتنياهو جدد تلك الطروحات في مارس 2023، خلال خطاب في باريس وكانت على المنصة التي يقف عليها خريطة تشمل “أرض إسرائيل”، في إشارة إلى أن إسرائيل تتكون من فلسطين التاريخية والأردن.
طرح توراتي
وطرح حزب “الليكود” مشروع “إسرائيل الكبرى” منذ وصوله بزعامة مناحيم بيغن إلى السلطة في إسرائيل عام 1977، وحوّله إلى برنامج سياسي بني على أفكار ولدت قبل ذلك بكثير، وتبعتها التغييرات باستخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية “يهودا والسامرا “والترويج للاستيطان اليهودي.
ويستند داعمو اليمين المتطرف الذين يتبنون هذه المعتقدات التوراتية، إلى نصوص أهمها ما ورد في سفر التكوين، إضافة إلى أصوات داخل الحركة الصهيونية تدعو إلى توسيع حدود إسرائيل لتشمل أجزاء واسعة من الشرق الأوسط.
ولعل من أبرز هذه المعتقدات ما كتبه ديفيد بن غوريون أحد مؤسسي دولة الاحتلال عامي1937 و1938 عن أن “إقامة الدولة، حتى لو كانت على جزء بسيط فقط من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي ودفعة قوية لمساعينا التاريخية، سنحطم الحدود التي تفرض علينا، ليس بالضرورة عن طريق الحرب”.
وطرح حزب “الليكود” مشروع إسرائيل الكبرى منذ وصوله بزعامة مناحيم بيغن إلى السلطة في إسرائيل عام 1977، وحوله إلى برنامج سياسي بني على أفكار ولدت قبل ذلك بكثير، وتبعتها التغييرات باستخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية “يهودا والسامرا” والترويج للاستيطان اليهودي.
جذور تاريخية
وتاريخيًا، تعود جذور ذلك المشروع إلى معتقدات دينية تفيد، أن الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في سوريا والعراق.
إذ يزعم معهد “التوراة والأرض” الإسرائيلي في موقعه الإلكتروني أن “أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقا إلى نهر النيل جنوبا”، وهي مقولة مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، حين أعلن مشروعه التوسعي عام 1904، وهي المعتقدات التي حملها وأصّل لها قادة الحركة الصهيونية منذ بدايتها قبل أكثر من 120 عاما.
وعلى النحو ذاته، طالبت عصابة “أرغون” الصهيونية المتطرفة، التي ظهرت خلال فترة الانتداب البريطاني بأرض فلسطين (1922-1948) والتي أُدمجت في الجيش الإسرائيلي لاحقا، بأن تكون دولة فلسطين التاريخية والأردن دولة يهودية.
ووفقًا للخبراء فإن تحويل تلك العقيدة التوراتية إلى برنامج سياسي يُنفذ على الأرض هو أخطر ما يعمل عليه نتنياهو في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، واستهداف القوة العسكرية السورية بعد سقوط النظام في ديسمبر 2024 والأزمات التي تعيشها سوريا، وشن الحرب على لبنان.
وخلال حديثه لقناة «i24» الإسرائيلية، أشار نتنياهو الى «الحلم الإسرائيلي» بوصفه «مهمة أجيال» يُسلمها جيل إلى جيل، وكيف أنه يشعر بأنه في مهمة «روحية وتاريخية» من أجل الشعب اليهودي.
مخطط قديم جديد
ويشير الخبراء إلى أن هذه الدعوات الرامية إلى توسيع حدود الدولة الصهيونية على حساب الأراضي العربية المجاورة ليست وليدة الأحداث الجارية، لكنها في الحقيقة قديمة قِدَم المشروع الصهيوني ذاته، وقد أقرتها وثائق هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال منذ فترة مبكرة من عمر الدولة الصهيونية، مشيرة إلى أن “حرب 1948 لم تنتهِ، وأنَّها لم تكن سوى جولة واحدة من سلسلة جولاتٍ من الحروب التي على إسرائيل الاستعداد لها بغية استكمال تحرير البلاد وتوسيع حدودها في جميع الاتجاهات”.
ولتحقيق هذا الهدف وضعت إسرائيل العديد من المخططات، لعل واحدا من أبرزها هو ما يعرف بـ”مخطط نفو”، وهو بحث شامل أجراه جيش الاحتلال عام 1953 بغية “التأسيس لفكر عسكري إسرائيلي تجري وفقه إعادة تشكيل حدود إسرائيل في جميع الاتجاهات”.
في الجنوب مثلا، دعا المخطط لاحتلال شبه جزيرة سيناء، كما دعا للسيطرة على الضفة الغربية وشرق الأردن، وجعل حدود إسرائيل الشرقية تصل إلى الصحراء السورية، وكذلك احتلال جانبَي خليج العقبة. وفي الشمال، نص المخطط على احتلال إسرائيل مناطق حوران والجولان وقمة جبل الشيخ وجنوب لبنان حتى مصبّ نهر الليطاني. وبالنظر إلى أن المناطق التي طالب مخطط “نفو” إسرائيل باحتلالها مأهولة بالعرب، فقد أشارت الخطة إلى ضرورة طرد أغلبية السكان من هذه المناطق للحفاظ على “الطابع اليهودي لإسرائيل”.
تطورات خطيرة
يُحيلنا هذا الأمر إلى المنحى الخطِر الذي اتخذه المشروع الاستيطاني الإسرائيلي منذ ديسمبر 2022، بعدما تشكلت الحكومة الائتلافية الأخيرة، وضمَّت مجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة بشقيها العلماني والديني.
وكان من أهم نتائج تشكل هذه الحكومة أنها قادت عملية “انقلاب صامت” برعاية نتنياهو، وفقًا لمحللين إسرائيليين، تمثلت في وضع خطة عمل تفصيلية لضم الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، بالإضافة إلى خطة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه.
وقد أتت هذه الخطوات في سياق تطورات جيوسياسية تشهدها المنطقة، منها توغُّل قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي السورية عقب سقوط نظام الأسد، حيث احتُلت منطقة جبل الشيخ والمنطقة العازلة بين سوريا والجولان المحتل.
وشجع أعضاء حركة “استيقظ أيها الشمال” الحكومة على استيطان جزء من الأراضي السورية مع الجنوب اللبناني، متسائلين عما إذا كان ممكنا للإسرائيليين الاستثمار وشراء الأراضي هناك.
وقد أثارت تلك التطوُّرات تساؤلا عن النقطة التي يُفترض أن تتوقف عندها حدود دولة إسرائيل، مما دفع محللة الرأي العام الدولي والمستشارة الإستراتيجية داليا شيندلين إلى السؤال في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عما إذا كانت إسرائيل تسعى فعليا لبناء إمبراطورية في الشرق الأوسط على غرار إمبراطوريات العصور الوسطى.
وقالت إنه أصبح من الصعب تجاهل الحديث عن بناء إمبراطورية إسرائيلية، خاصة في ظل اصطفاف المستوطنين الإسرائيليين للاستيلاء على غزة والجنوب اللبناني، واستعداد جيش الاحتلال الإسرائيلي لقضاء وقت غير محدد في مرتفعات الجولان السورية.
نزعة توسعية
وقد أشار المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري إلى تلك النزعة التوسُّعية في كتابه “مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي”، قائلا، إنها ليست أمرا مستغربا على الفكر الصهيوني الذي نشأ وترعرع في البيئة الإمبريالية الغربية، حيث كان التوسُّع مطروحا في رؤى الرواد الصهاينة الأوائل، الذين أرادوا بناء “حضارة إسرائيلية” بحدِ السيف، تتجاوز حدود فلسطين التاريخية.
فقد وضع زعيم الصهيونية الأول ثيودور هرتزل مساحة مبدئية لإقامة دولته اليهودية تبلغ نحو 70 ألف كيلومتر، وحدَّد موقعها على الخريطة بالأراضي التي تقع بين نهر النيل في مصر ونهر الفرات في العراق، وهي مزاعم تردَّدت على ألسنة رجال الدين من الحاخامات الصهاينة، وفقا للمسيري، الذين ادعوا أنها الحدود التوراتية لأرض الميعاد.
يقول المسيري إن الحدود الجغرافية والتاريخية المتخيلة، التي وضعتها الدولة الصهيونية لنفسها، قابلة في حد ذاتها للتمدد والتوسع. وقد أشار هرتزل إلى ذلك في مذكراته حين قال: “كلما ازدادت أعداد المهاجرين، اتسعت رقعة الأرض”.
وهذا الفكر التوسعي يتوافق مع رؤية رجال الدين من الحاخامات، الذين قالوا إن الأرض المقدسة تنكمش إن هجرها سكانها من اليهود، وتتمدد بهجرتهم إليها.
وهذه الرغبة في التوسع اللانهائي كانت واحدة من الدوافع وراء جعل إسرائيل دولة بلا دستور رسمي منذ إقامتها عام 1948، لأن صياغة دستور رسمي للبلاد، وفقا للمسيري، تتطلب ترسيما دقيقا للحدود، وهو أمر يقف عقبة أمام الأحلام التوسعية للكيان، ويعكِس فكرا متأصلا في الذهنية الصهيونية الداعية إلى بناء “إمبراطورية إسرائيلية”، تبتلع داخلها أجزاء من لبنان والأردن ومصر وسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية، فضلا عن كامل مساحة فلسطين المحتلة.
وأشار المسيري في هذا السياق إلى ما قاله عضو الكنيست السابق والصحفي اليساري الإسرائيلي يوري أفنيري، بأن الشره الصهيوني للتوسع سيتخطى حدود “إسرائيل الكبرى” نفسها إذا سنحت الفرصة.