الجوع يقتل 115 فلسطينيًا ويهدد مليون طفل.. متى تعلن الأمم المتحدة غزة منطقة مجاعة؟

قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن 115 فلسطينيا لقوا مصرعهم بسبب المجاعة وسوء التغذية في ظل انعدام شبه كامل للغذاء والماء والدواء.
وقال المكتب في بيان له: “مع تفاقم المجاعة في القطاع نطالب العالم بكسر الحصار فورًا وإدخال حليب الأطفال والمساعدات لنحو 2.4 مليون محاصر”، محذرًا من انتشار روايات زائفة بشأن دخول المساعدات.
وقال عصام عاروري، مفوض عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إن “سياسة التجويع الممنهج بدأت تدخل في مرحلة قطع النسل والإبادة الجسمانية، وهو طور جديد من الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة منذ أكثر من 21 شهراً”.
واقع مؤلم
من ناحيته، قدم أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة، صورة عن الواقع وفق معطيات وأرقام عن آثار المجاعة، مبيناً أن أكثر من 2.200 مليون أي 94% من سكان قطاع غزة نزحوا قسراً من مختلف المناطق، لمنطقة لا تتجاوز 12% من مساحة القطاع، أي نحو 50 كيلو مترا.
ووفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) فقد أشار إلى أن آلاف الأسر تفترش الأرصفة والطرقات وشاطئ البحر، ولا تتوفر لهم خيام غالبا، وأن 82% من المستشفيات خرجت عن الخدمة، ناهيك عن نفاد 75% من الأدوية والمستلزمات الطبية.
وأضاف الشوا، أنه تحت وطأة التجويع والتعطيش، تهاوت الأجساد، وطال التجويع جميع الفئات العمرية، حيث يقع المواطنون أرضا غير قادرين على الحركة من الإنهاك والجوع، وأن نحو50.000 امرأة حامل مهددة أجنتها، و55.000 طفل رضيع، و110.000 من كبار السن، و90.000 من ذوي الإعاقة، و900.000 طفل يعيشون التجويع بجميع تفاصيله.
وشدد الشوا على أن جيلا بأكمله مهدد بتأثيرات سوء التغذية إذا لم تدخل المساعدات الإنسانية فوراً كذلك الحاجة إلى وفود طبية متخصصة للتعامل مع سوء التغذية.
ودعا الشوا إلى تفعيل ضغط دولي حقيقي على الاحتلال الإسرائيلي، لإجباره على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مؤكدًا أن كل لحظة تمر على الأطفال المصابين بسوء التغذية تفاقم الخطر على أرواحهم.
حرب التجويع
من جانبها، قالت اللجنة الدولية للإنقاذ إنها تشعر بالفزع إزاء التقارير عن وفاة الأطفال والرضع جوعًا في قطاع غزة. وأضافت اللجنة في بيان لها أن ما نشهده في غزة أزمة جوع من صنع الإنسان مدفوعة بقيود صارمة وحصار شبه كامل على المساعدات، وطالبت بإدخال الغذاء والمياه والوقود لأكثر من مليوني شخص في حاجة ماسة إليها بقطاع غزة.
وفي سياق متصل، قالت منظمة العفو الدولية إن إسرائيل تواصل استخدام التجويع أسلوب حرب وأداة لارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين بغزة.
وأضافت المنظمة في بيان لها أن معاناة الجائعين بغزة تتفاقم بفعل نظام توزيع المساعدات الإسرائيلي المستخدم سلاح حرب مدمرًا، مشيرة إلى أن إسرائيل تتعمد تجويع الفلسطينيين، وأنه يجب وقف الإبادة الجماعية في غزة الآن.
وقالت إن على إسرائيل رفع القيود عن دخول المساعدات فورا، والسماح للأمم المتحدة بتوزيع المساعدات، كما أن عليها السماح للفلسطينيين في غزة بالحصول على المساعدات دون قيود وبشكل آمن.
وأضافت المنظمة أن على الدول أن تخرج عن صمتها وتتحرك بشكل عاجل لضمان امتثال إسرائيل الكامل للقانون الدولي.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل نحو 2.2 مليون في القطاع بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.
وقال مدير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، خالد قزمار، إن نسبة الأطفال تبلغ نحو 50% من سكان غزة، ووصل الأمر لمرحلة غير مسبوقة للمجاعة وتحديدًا على هذه الفئة.
وأوضح أن نسبة الأطفال من الضحايا تراوحت ما بين 30-40% منذ بدء حرب الإبادة، لافتا إلى أنه ومع سياسة التجويع الممنهج، يستشهد من الأطفال ما نسبته 70-80% كونهم الأكثر تأثرا بالمجاعة.
منطقة مجاعة
من جانبها طالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسات حقوقية وأهلية فلسطينية، الأمم المتحدة بإعلان قطاع غزة منطقة مجاعة، وما يترتب على ذلك من تبعات والرفض التام للتعامل مع ما يسمى (مؤسسة غزة الإنسانية) التي تحولت مراكزها لكمائن موت، واستبدالها بآليات شفافة تخضع للرقابة الدولية، وتضمن الوصول الأمن والمنصف للمساعدات.
وحذرت الهيئة المستقلة، وشبكة المنظمات الأهلية، ومجلس منظمات حقوق الإنسان، خلال مؤتمر صحفي مشترك، عقد في مدينة رام الله، اليوم الخميس، من التدهور الخطير في الأوضاع الإنسانية والصحية الكارثية في قطاع غزة، مع دخول المجاعة مرحلة جديدة تُنذر بوقوع حالات موت جماعي وشيكه، إن لم يُبادر المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري.
وطالب مدير عام الهيئة عمار الدويك بالضغط على قوات الاحتلال الإسرائيلي لفتح جميع المعابر الحدودية بشكل فوري ودون شروط، لضمان التدفق السلس والآمن للمساعدات الإنسانية الأساسية من الغذاء والماء والوقود والدواء، بإشراف أممي، ومنظمات محلية ودولية موثوقة.
ودعا لفتح تحقيق دولي في جريمة التجويع الجماعي التي يمارسها الاحتلال كوسيلة حرب، والعمل لإحالة المسؤولين عنها إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومطالبة المدعي العام بتوسيع التحقيقات في جرائم الحرب والإبادة الجماعية، في غزة بما يضمن إنفاذ مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
تواطؤ دولي
وبينما يموت الصغار والكبار في شوارع غزة ومستشفياتها بسبب التجويع الممنهج الذي تمارسه ضدهم إسرائيل، إلا أن الهيئات الأممية ترفض إعلان المجاعة رسميا في القطاع.
ووفقا لتقرير معلوماتي أعدّته قناة الجزيرة، فإن المعايير المحددة لإعلان المجاعة رسميا في أي منطقة بالعالم تتوفر في غزة منذ مدة. ومن بين هذه المعايير مواجهة 20% من السكان مستويات جوع شديدة، وتوثيق معاناة 30% من الأطفال من الهزال والنحافة الشديدة.
ويشير مركز الإعلام الحكومي في غزة إلى أن 650 ألف طفل (من 2.400 مليون يعيشون في القطاع) يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية والجوع، في حين تواجه نحو 60 ألف حامل خطرا حقيقيا بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية اللازمة.
كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن 112 طفلا في غزة يدخلون المستشفيات يوميا للعلاج من سوء التغذية والهزال الشديد، فضلا عن موت 620 شخصا بسبب الجوع، 70 منهم قضوا منذ يونيو الماضي.
وخلال رحلة البحث عن الطعام الشحيح، قتلت إسرائيل نحو 900 فلسطيني خلال توجههم إلى مراكز توزيع المساعدات الغذائية التابعة لما تعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”.
وفي منطقة المواصي بخان يونس جنوبي القطاع، وهي واحدة من أكثر المناطق اكتظاظا بالنازحين، يواجه نحو مليون شخص خطر الموت جوعا بعد مرور أكثر من 100 يوم على منع إدخال الطعام إليهم.
وحتى محاولات شراء الطعام أصبحت شبه مستحيلة نظرا لإتيان الحرب والحصار على كل ما كان لدى الناس من مال، بينما الطعام شحيح بدرجة غير مسبوقة وأسعاره لا يمكن تخيلها.
الطعام يباع بالغرام
وقد تجاوز سعر كيلو الدقيق 50 دولارا في أفضل الأحوال، مما جعل رغيف الخبز في غزة حلما بعيد المنال. كما يباع السكر بالغرام كالذهب، ووصل سعر الغرام إلى دولار واحد، أي إن سعر الكيلو بلغ 1000 دولار.
أما أسعار الخضراوات فتبدأ بدولارين للحبة الواحدة إن توفرت، وذلك يعني أن الأسرة بحاجة لـ150 دولارا في اليوم لكي تحصل على وجبة واحدة في اليوم.
ولو قرر الناس الحصول على كيس طحين أو بعض المعلبات من المؤسسة التي أنشأتها إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة في أقصى جنوب القطاع، فإن عليهم السير بأجسامهم الهزيلة وقواهم الخائرة مسافة 6 كيلومترات ذهابا وإيابا على الأقل.
وحتى قطع هذه المسافة رغم الجوع والعطش لا يعني أن الذاهب لن يعود صفر اليدين، هذا إن لم يعد إلى أهله جثة هامدة، إذ تطلق قوات الاحتلال الرصاص عشوائيا وبشكل متعمد على طالبي المساعدات.