
أصدرت مؤسسة Numbeo أحدث تقاريرها حول مؤشر السلامة العالمي لهذا العام، والذي يحمل عنوان Numbeo Safety Index 2025.
وكشف التقرير عن عدد من المفاجآت من بينها أن الولايات المتحدة وبريطانيا جاءتا في مرتبة أدنى بكثير في تصنيفات السلامة العالمية، مما أثار قلق صانعي السياسات والمسافرين والمراقبين الدوليين.
كما كشف أن إسرائيل التي تخوض حروبًا على عدد كبير من الجبهات طالت نيرانها الداخل الإسرائيلي جاءت في مركز متقدم وتفوقت على دول كثير في أوروبا وعلى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بأكثر من 50 مركزًا.
وتُظهر نتائج المؤشر فجوة متزايدة بين الدول المعروفة بإجراءاتها الأمنية المشددة والدول الأخرى التي تعاني من مخاوف متزايدة تتعلق بالسلامة العامة، بما في ذلك الديمقراطيات الغربية المستقرة تقليديًا.
معايير المؤشر
جدير بالذكر أن مؤشر Numbeo للسلامة هو تقييم فوري من قِبل المستخدم لمدى شعور الناس بالأمان في البلدان المختلفة.
ويرصد المؤشر مستويات الأمان في 147 دولة حول العالم، ويأخذ في الاعتبار ردود المشاركين في الاستطلاعات التي تجريها المؤسسة حول مدى شعور السكان والزوار في البلدان المختلفة بالأمان أثناء المشي ليلا ونهارًا.
ويرتّب المؤشر هذه الدول في ضوء معايير محددة تشمل: الخوف من الجريمة وحوادث الجريمة الفعلية، وتصورات السلامة العامة، ومستويات الأمن الشخصي، وتقييمات عينات من السكان والزوار لمدى شعورهم بالأمان.
كما يستند المؤشر إلى تقارير عن جرائم القتل، والسطو، والسرقة، والاعتداءات الجنسية والجسدية، والتحرش، والتمييز، وجرائم الممتلكات، وغيرها.
أندروا تتصدر
وفقًا لنتائج تقرير هذا العام تتصدر أندورا قائمة أكثر دول العالم أمانًا، بتقييم 84.7 من 100، وهي دولة غير ساحلية تقع في سلسلة جبال البرانس بين إسبانيا وفرنسا. وهي من أصغر الدول في أوروبا بمساحة 468 كيلومترا مربعا، ويبلغ عدد سكانها حوالي 85,101 نسمة.
وتركز أندورا بشكل شبه كامل على السياحة، مع إعفاء ضريبي للتسوّق ومجموعة متنامية من منتجعات التزلج المنتشرة بين مجموعة من المدن الجبلية.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع البلاد باقتصاد قوي، وانعدام شبه تام للجريمة، وثاني أعلى متوسط عمر متوقع في العالم، وكلها عوامل تُسهم في مستوى الأمان العام فيها.
أفضل 10 دول آمنة
وبعد أندورا جاءت 3 دول عربية في صدارة ترتيب المؤشر، حيث جاءت الإمارات في المركز الثاني عالميًا، بينما احتلت قطر المرتبة الثالثة، وجاءت سلطنة عُمان خامسًا بعد تايوان.
وجاء ترتيب البلدان العشرة الأكثر أمانًا كالتالي: (أندروا – الإمارات – قطر – تايوان – سلطنة عمان – جزيرة مان – هونغ كونغ (الصين) – أرمينيا – سنغافورة – اليابان).
وتشترك البلدان التي احتلت المراكز الأولى هذا العام في أنظمة إنفاذ قانون قوية، واستقرار سياسي، وانخفاض في معدلات جرائم العنف.
ووفقًا للمؤشر تتمتع هذه الدول بسمعة طيبة في كفاءة الحكم، وصرامة قوانين النظام العام، والاستثمار في البنية التحتية لسلامة المجتمع. وتزيد درجاتها العالية من جاذبيتها للمستثمرين العالميين والمغتربين والسياح.
فعلى سبيل المثال تشتهر الإمارات العربية المتحدة، التي احتلت المرتبة الثانية بنتيجة 84.5، بقوانينها الصارمة، وقوة شرطتها، وسياستها التي لا تتسامح مطلقا مع الجريمة، بالإضافة إلى استخدامها لتقنيات المراقبة المتقدمة.
واحتلّت قطر، بقوانينها المحافظة المماثلة ومعدل الجريمة المنخفض، المرتبة الثالثة بنتيجة 84.2. وفي الوقت نفسه، تُعرف تايوان، التي احتلت المرتبة الرابعة بنتيجة 82.9، بانخفاض نسبي في جرائم العنف والسرقة، حيث أبلغت عن 1207 جرائم لكل 100 ألف نسمة في عام 2018، منها 2.3 جريمة قتل فقط.
أقل 10 دول أمانًا
في المقابل تواجه الدول العشرة التي جاءت في ذيل مؤشر Numbeo للسلامة قضايا أمنية معقدة، بما في ذلك الاضطرابات السياسية، وضعف إنفاذ القانون، وارتفاع معدلات الجريمة وجاء ترتيبها كالآتي:
(بيرو في المركز 138- جامايكا 139- سوريا 140- ترينيداد وتوباغو 141- هندوراس 142- جنوب أفريقيا 143- أفغانستان 144- هاييتي 145- بابوا غينيا الجديدة 146- فنزويلا 147).
ووفقًا لهذه النتائج فإن أخطر دولة في العالم هي فنزويلا، التي احتلت المركز 146 في المؤشر، والمركز الأول بين الدول الأكثر خطورة بمعدل أمان 19.3% فقط.
وتواجه هذه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، والتي تشترك في حدودها مع كولومبيا وغيانا، ارتفاعًا في معدلات الجرائم العنيفة، وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، والفساد، ووجود الجماعات الإجرامية والإرهابية.
واعتبارًا من يونيو 2024، غادر أكثر من 7.7 مليون فنزويلي البلاد منذ عام 2014 بسبب سنوات من التضخم المفرط، والفساد المستشري، وسوء الإدارة الاقتصادية، ونقص التنوع الاقتصادي.
وتلي فنزويلا بابوا غينيا الجديدة، التي احتلت المركز الثاني من حيث الخطورة بمعدل 19.7%، تليها هايتي في المركز الثالث من حيث الخطورة بمعدل 21.1%، وأفغانستان في المركز الرابع بمعدل 24.9%، ثم جنوب افريقيا في المركز الخامس بمعدل 25.3%.
ويعود تراجع تصنيف هذه الدول إلى مخاوف مستمرة بشأن جرائم العنف، ونقص تدابير السلامة العامة، وفي بعض الحالات، انهيارات في الحوكمة المدنية. حيث أبلغ المواطنون والزوار عن مخاطر متزايدة تتعلق بالسرقة والاعتداء الشخصي والعنف المسلح.
مفاجأة أمريكا وبريطانيا
كانت المفاجأة الأكبر التي كشف عنها مؤشر Numbeo للسلامة للعام 2025 هو التراجع الحاد لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (بريطانيا) في ترتيب المؤشر.
ووفقًا لموقع Economic Times يمثل إدراج الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في النصف السفلي من المؤشر تحولًا كبيرًا في التصورات العالمية.
حيث احتلت الولايات المتحدة المركز 89 بدرجة أمان تبلغ 50.8%، بينما جاءت المملكة المتحدة في المركز 87، بدرجة أمان تبلغ 51.7%، مما يؤكد القلق المتزايد بشأن الجريمة والأمن العام في اثنين من أكثر اقتصادات العالم تقدمًا.
وعلى الرغم من أن كلا البلدين يمتلكان أنظمة عدالة جنائية متقدمة، وميزانيات شرطة كبيرة، إلا أن هناك عدة عوامل يمكن أن تكون قد ساهمت في انخفاض ترتيبهما في المؤشر:
– زيادة في الجرائم الحضرية، وخاصة في المدن الكبرى
– مخاوف بشأن حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة
– ارتفاع حوادث السرقة والسطو
– انعدام ثقة الجمهور في الشرطة وعدم التكافؤ في تطبيق القانون
ويشير التصنيف إلى وجود فجوة متزايدة بين قدرة المؤسسات ومدى استجابتها وإدراك المواطنين والزوار للسلامة، مما ساهم في انخفاض مستوى الثقة.
وهذه العوامل المشار إليها ساهمت أيضًا في تراجع ترتيب العديد من الدول المتقدمة والغنية في المؤشر، حيث جاءت هذه الدول في مراكز متأخرة مثل:
(الصين في المركز 15- سويسرا 23- إسبانيا 46- ألمانيا 52- تركيا 57- الهند 66- كندا 75- إيطاليا 79- بريطانيا 87- أمريكا 89- فرنسا 110).
صدمة إسرائيل
وفقًا لنتائج المؤشر كان من المنطقي أن تتصدر دول الخليج الغنية الترتيب لتكون في قمة الأمان، لكن المفاجأة الصادمة التي كشف عنها المؤشر هي أن إسرائيل (التي تحارب على 7 جبهات منذ نحو عامين) شهد خلالهما الداخل الإسرائيلي تهديدات أمنية كبيرة، جاءت وفق ترتيب المؤشر أكثر أمانًا من دول كثيرة في أوروبا وأمريكا.
وكان من اللافت أن المؤشر وضع دولا مثل روسيا، وأوكرانيا، والعراق، وسوريا، واليمن، في مراكز متأخرة كثيرًا عن إسرائيل باعتبارها “تعاني اضطرابات داخلية أو تخوض حروبا وصراعات دامية.
لكنه جاء بالمدللة إسرائيل في المرتبة 34 عالميًا من حيث الأمان، لتسبق دولا أوروبية عريقة ووجهات سياحية كبرى، مثل ألمانيا وإسبانيا وتركيا، بل وسبقت الولايات المتحدة نفسها بنحو 55 مركز في مؤشر الأمان.
وجاء تصنيف المؤشر للدول التي تشهد حروب وصراعات كالآتي:
(إسرائيل في المركز 34- روسيا 51- فلسطين 61- العراق 64- باكستان 65- الهند 66- السودان 73- لبنان 78- أوكرانيا 80- إيران 93- ليبيا 113- اليمن 130- سوريا 140- أفغانستان 144).
ويكشف ذلك أن دولًا كثيرة تشهد اضطرابات وصراعات وحروب سبقت الولايات المتحدة في تريب مؤشر السلامة والأمان مثل (إسرائيل، روسيا، فلسطين، العراق، باكستان، الهند، السودان، لبنان، أوكرانيا)، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول معايير السلامة والأمان داخل الولايات المتحدة.
ترتيب الدول العربية
ظهرت الدول العربية في مركز متقدمة بمؤشر Numbeo للسلامة لعام 2025، بل وتصدر عدد منها ترتيب المؤشر وعلى رأسها الدول الخليجية.
فقد احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثانية عالميًا من حيث الأمان في المؤشر بمعدل 84.5% بفارق ضئيل عن أندورا التي جاءت في المركز الأول بمعدل 84.7%.
بينما جاءت قطر في المركز الثالث بفارق ضئيل أيضًا وبمعدل 84.2%، كما جاءت سلطنة عُمان في المركز الخامس عالميًا بمعدل 81.7%.
وشملت الدول الخليجية الأخرى التي جاءت ضمن قائمة العشرين الأوائل المملكة العربية السعودية في المركز الرابع عشر بمعدل 76.1%، والبحرين في المركز السادس عشر بمعدل 75.5%.
وجاء ترتيب الدول العربية في المؤشر كالتالي:
(الإمارات في المركز 2- قطر 3- سلطنة عمان 5- السعودية 14- البحرين 16- الكويت 38- الأردن 53- فلسطين 61- العراق 64- تونس 70- السودان 73- لبنان 78- مصر 81- المغرب 84- الجزائر 100- ليبيا 113- اليمن 130- الصومال 131- سوريا 140).
الإمارات
جاءت الإمارات العربية المتحدة كثاني أكثر دول العالم أمانًا بفضل قوانينها الصارمة المتعلقة بالجريمة وتعاطي المخدرات والسلوك العام، مع عقوبات صارمة على المخالفين.
وهذا يُمثل رادعًا للأنشطة الإجرامية. وتتميز أجهزة إنفاذ القانون بكفاءة عالية، مع وجود شرطي قوي وبنية تحتية أمنية مجهزة تجهيزًا كاملًا.
وتتمتع الدولة أيضًا بمراقبة واسعة النطاق، لا سيما في مدن مثل دبي وأبو ظبي، مما يساعد السلطات على رصد الجريمة ومنعها بفعالية. كما تساهم مبادرات الذكاء الاصطناعي والشرطة الذكية في الكشف السريع عن الجرائم وحلها.
ويُسهم اقتصاد الإمارات العربية المتحدة القوي ومستوى المعيشة المرتفع في الحد من دوافع الجريمة. وتستثمر الحكومة في الرعاية الاجتماعية وفرص العمل، مما يحول دون حدوث مشاكل اجتماعية واقتصادية قد تؤدي إلى اضطرابات.
ويمكن للنساء والأطفال التنقل بأمان، حتى في الليل، بفضل الإضاءة الجيدة للشوارع، ودوريات الشرطة المنتظمة، وقوانين مكافحة التحرش الصارمة. كما أفاد السياح بشعورهم بالأمان في الإمارات العربية المتحدة مقارنةً بالعديد من الوجهات العالمية الأخرى.
السعودية
حققت المملكة العربية السعودية تقدمًا ملحوظًا بنحو 12 مركزًا في تصنيفات عام 2025، من المركز السادس والعشرين في مؤشر السلامة العام الماضي إلى المركز الرابع عشر هذا العام.
وفي وقت سابق من هذا العام، حققت المملكة أيضًا المركز الأول بين دول مجموعة العشرين، حيث يشعر 92.6% من سكانها بالأمان عند المشي بمفردهم ليلًا في أحيائهم، وفقًا لنتائج أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء.
وتسلط النتائج الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه مختلف القطاعات الحكومية في تعزيز الشعور بالأمان لدى الأفراد في كافة مناطق ومحافظات المملكة.
ويأتي هذا في إطار الجهود المتواصلة لتعزيز الأمن والاستقرار وجودة الحياة في المملكة العربية السعودية في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن الاقتصادي والغذائي والبيئي والصحي والاجتماعي والسياسي والفكري والتكنولوجي والأمن السيبراني. كما تهدف هذه المبادرات إلى الارتقاء بجودة الخدمات بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.
أهمية تصنيفات السلامة
يستمد موقع Numbeo بياناته من استطلاعات رأي أجراها زوار الموقع. وصُممت أسئلة هذه الاستطلاعات لتكون مشابهة للعديد من الاستطلاعات العلمية والحكومية.
على سبيل المثال، يأخذ مؤشر الجريمة في الاعتبار ردود الاستطلاع حول التصور العام لمستويات الجريمة، ومستوى الأمان المُتصوَّر، والمخاوف بشأن جرائم محددة، وجرائم الممتلكات، والجرائم العنيفة.
ولتسهيل تفسير التصنيفات، يعرضها موقع Numbeo على مقياس يتراوح من 0 إلى 100. ويسمح هذا المقياس بفهم واضح ومباشر للبيانات، مما يسهل إجراء مقارنات ذات معنى.
ولا تقتصر تأثيرات تصنيفات السلامة على السياحة فحسب، بل تمتد لتشمل قرارات السفر، حيث يعتمد السياح بشكل متزايد على بيانات السلامة قبل حجز الرحلات، كما تمتد إلى الاستثمار الأجنبي، خاصة وأن قادة الأعمال يقيمون المخاطر قبل توسيع العمليات
وتنعكس هذه التصنيفات أيضًا على الإصلاحات الحكومية، حيث يستخدم صناع السياسات مقاييس السلامة لتوجيه الاستراتيجيات المحلية والوطنية. وتنعكس أيضًا على حركة المغتربين، حيث تأخذ العائلات بيانات السلامة في الاعتبار عند اختيار مكان العيش أو العمل.