خطوة بخطوة نحو أمومة آمنة.. أهمية الفحوصات قبل الحمل وخلال الأشهر الأولى

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
حلقة خاصة من برنامجنا الصحي الشهري، نستضيف فيها الدكتور فائق نيكولاس شما، أحد أبرز الأطباء المتخصصين في طب الخصوبة والصحة الإنجابية، للحديث عن موضوع بالغ الأهمية لكل زوجين يسعيان لبناء عائلة آمنة وسليمة صحيًا.
حيث تناولت الحلقة أهمية الفحوصات الطبية التي تسبق الحمل، والدور الحاسم الذي تلعبه في الكشف المبكر عن المشاكل الصحية أو الوراثية المحتملة لدى الزوجين.
كما تطرق الدكتور شما خلال الحلقة إلى الفحوصات الحيوية التي يجب إجراؤها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، والتي تُمكّن الأطباء من مراقبة نمو الجنين والكشف المبكر عن أية تشوهات أو عوامل خطر محتمل.
الدكتور نيكولاس شما هو أحد مؤسسي مركز IVF Michigan Fertility Center، ويُعتبر من الرواد في مجال العقم وطب الإنجاب في ميشيغان، أوهايو، والشرق الأوسط، وهو حاصل على البورد الأميركي في أمراض العقم، وأخصائي الغدد الصماء والأمراض التناسلية.
وهو من أبرز أطباء علاج عقم الإنجاب والتخصيب الاصطناعي (الأنابيب) ليس فقط على مستوى ميشيغان، بل أيضًا على المستويين الوطني والعالمي. حيث أن شهرة IVF Michigan وسعت من قاعدة المرضى الذين يرغبون بالعلاج تحت إشراف الدكتور” شمَّا ” ليس فقط في الولايات المتحدة بل أيضاً في الشرق الأوسط.
ارتفاع عمر الإنجاب
* صدر تقرير حديث يتحدث عن تزايد متوسط عمر الإنجاب في أمريكا، حيث بات متوسط عمر الأمهات أثناء الإنجاب يقترب من الثلاثين، حيث أظهر تقرير جديد صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن متوسط عمر النساء اللواتي ينجبن في الولايات المتحدة ارتفع بشكل ملحوظ، ليقترب من الثلاثين عامًا بحلول عام 2023، في انعكاس واضح لتحولات اجتماعية واقتصادية متسارعة. برأيك دكتور؛ ما الذي يضيفه هذا التقرير؟
** هذا العمر تزايد في أوروبا الغربية ليصبح 31 و32، ودعيني أولًا أذكر الأسباب التي أدت إلى ارتفاع هذا المتوسط العمري، أولًا تأخر قرار الإنجاب عند كل أب وأم نظرًا لطبيعة ونمط الحياة القائم على العمل وتحقيق الذات، ثانيًا تأخر النساء في الزواج والارتباط، وبالتالي تأخر الإنجاب.
ومن هنا نجد أن هناك تأخير في ولادة الطفل الأول، وبات عمر الإنجاب يقارب سن الثلاثين. وهذا التأخير له تأثير سلبي على القدرة على الإنجاب، لأن القدرة على الإنجاب تقل كلما كبرت المرأة في العمر. ومن الأسباب أيضا أن عدد النطف عند الرجال باتت أقل عما كانت عليه قبل 50 عامًا مضت، وبعد 20 عامًا ستصبح أقل بصورة أكبر.
* كيف سينعكس ذلك على المجتمع الأمريكي؟
** وفقًا للـ “Fertility Index” في أمريكا؛ فإن كل شخصين يتزوجان ينجبان 1.7 شخص، وبالتالي بمعنى آخر فإن كل شخصين ينجبان أقل من شخصين، مما يعني أن عدد البشر في أمريكا في تناقص، ومن حسن الحظ هنا أن لدينا أنظمة للهجرة، وبالتالي بالإمكان أن يأتي ناس من خارج البلاد ويتزوجون وينجبون ويعملون لنحافظ على الحياة والاقتصاد، وهذا أفضل حالًا مما يحدث في اليابان، التي فيها كل شخصين يتزوجان ينجبان 1.3 شخص.
* رصد التقرير أيضا استمرار تراجع معدلات حمل المراهقات، حيث انخفضت نسبة المواليد الأولى بينهن من 11.8% عام 2016 إلى 8.7% عام 2023، برأيك هل زادت نسبة التوعية أم ما هو السبب وراء هذا الانخفاض؟
** السبب الوحيد هي كلمة واحدة بالإنجليزية هي LARC، وهي اختصار لعبارة “Long-Acting Reversible Contraception” أو “وسائل منع الحمل طويلة المفعول والقابلة للعكس” باللغة العربية، وهي نوع من وسائل منع الحمل الفعالة للغاية وسهلة الاستخدام، والتي تستمر لسنوات عديدة، يضاف إلى ذلك أنه في سن المراهقين والمراهقات وفي ظل الأوضاع الاقتصادية لم يعد بالإمكان أن ينفقا على الطفل الوليد بطريقة سليمة.
التخطيط للحمل
* بالنسبة للتخطيط للحمل بحد ذاته، ما هي أهم الفحوصات الضرورية لسلامة الأم والجنين؟
** من المهم للغاية على كل امرأة قبل أن تقرر أن تحمل وتنجب أطفالًا أن تكون لديها القدرة والثقافة والحالة الطبية التي تساعد على الحمل وإنجاب طفل سليم، وبالتالي من المهم أن تتأكد المرأة من حالاتها الصحية من خلال عمل الفحوصات الطبية اللازمة، وطبيعة الأمراض إذا كانت لديها أمراضًا مزمنة، والأدوية إذا كانت تأخذ أي أدوية قبل الحمل.
* ما هي الفحوصات التي يجب على المرأة أن تجريها قبل الحمل؟
** في البداية؛ على المرأة أن تتوجه إلى الطبيب للتأكد من عدم وجود أي أمراض أو مشكلات صحية يجب أن علاجها قبل الحمل، ويبدأ الطبيب بفحص الرحم والمبايض، ويتأكد من سلامتهم، ثم يجري فحوصًا للثدي، ويتأكد الطبيب من عدم وجود أي أمراض تناسلية أيضا، كما يجري فحوصًا للغدد، ويتأكد من عدم وجود أمراض مثل فقر الدم.
أما بالنسبة للأمراض المزمنة، مثل السكري أو ضغط الدم، فيتم أخذ الاحتياطات العلاجية اللازمة قبل الحمل. وقبل الحمل تأخذ المرأة اللقاحات اللازمة والأساسية لعدد من الأمراض، مثل جدري الماء وكوفيد وغيرهما، إلى جانب إجراء الفحوصات الخاصة بالأمراض الوراثية. مع الأسف؛ أغلبية النساء يحملن، ثم يفكرن لاحقًا في زيارة الطبيب، في حين أن الفحوصات التي ذكرتها منذ قليل يجب أن يتم إجراءها قبل التفكير في الحمل.
لو تحدثنا مثلًا عن نقص الحديد لدى النساء قبل الحمل، فيجب أخذ 400 ميكروغرام (400 مكغ) من حمض الفوليك على شكل مكملات غذائية كل يوم أثناء المحاولة في الحمل حتى الأسبوع الـ 12 من الحمل، للتقليل من مخاطر إصابة الطفل بعيوب الأنبوب العصبي.
أما النساء المصابات بالصرع والسكري وولادة طفل بعيوب في الأنبوب العصبي فننصحهن بأخذ حمض الفوليك بجرعة 5 ميليغرام (5 ملغ). وبخلاف ذلك هناك عدد من الفيتامينات الأخرى التي نعطيها للنساء الحوامل، سواء قبل أو أثناء الحمل.
وهناك فحص آخر نجريه يسمى فحص حاملي الجينات (Carrier screening) وهو اختبار وراثي يحدد ما إذا كان الشخص يحمل طفرة جينية (تغيير في الجين) يمكن أن تسبب مرضًا وراثيًا في حالة انتقالها إلى الأبناء.
وعادةً، لا يظهر على حاملي الجينات أي أعراض للمرض، ولكنهم قد ينقلون الطفرة إلى أطفالهم، وبهذا الفحص يمكننا أن نتفادى مرضًا مثل مرض الثلاسيميا، وهو اضطراب وراثي في الدم يحدث بسبب وجود خلل في الجينات المسؤولة عن إنتاج الهيموجلوبين.
التوعية لتفادي الأمراض
* كيف يمكن تفادي الأمراض الوراثية عند محاولة الحمل ومن ثمَّ الإنجاب؟
** من المؤسف ان معظم الحالات التي تأتي إلينا في المركز لإجراء الفحوصات الجينية، يأتون بعدما يحدث الحمل أو تتم ولادة الطفل الأول ويكون لديه مشكلة جينية، تخيلوا لو حدثت هذه الفحوصات قبل الحمل. ونحن هنا في الولايات المتحدة عندنا 2% من كل الأطفال المولودين لديهم مرض جيني كان من الممكن أن يتم تفاديه.
* ألا يجب أن تكون هناك خطوات أكبر للتوعية والتثقيف حول هذا الأمر في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، لا سيما في بلد متقدم مثل الولايات المتحدة؟
** حوالي 50% من حالات الحمل والإنجاب في الولايات المتحدة تحدث بدون تخطيط لها، وبالتالي من غير الممكن إجراء الفحوصات الطبية لهذه الحالات لأنه لا يوجد تخطيط لديهم للحمل أو الإنجاب، أما بالنسبة للـ 50% الباقيين فيجب أن تكون هناك توعية كافية في المجتمع، لنصحهم وإرشادهم إلى ضرورة إجراء الفحوصات اللازمة قبل الحمل، ويجب جعل هذه الفحوصات شرطًا من شروط الزواج.
* ألا يوجد تواصل مع حاكمة الولاية أو مسؤولي الصحة على مستوى البلاد فيما يخص تخصصك الطبي، من أجل التوعية واتخاذ إجراءات لزيادة التوعية في هذا المجال؟
** لا، للأسف.
* اسمح لي، دكتور، بأن أتواصل مع مكتب حاكمة ولاية ميشيغان، لأطلب منهم التواصل مع المتخصصين والعمل على بذل المزيد من الجهود الاستباقية في هذا الشأن، سواء في الإعلام الناطق بالعربية هنا وكل وسائل الإعلام الأخرى.
** نتمنى ذلك ويسعدنا، لو عدنا إلى الفحوصات أيضا، فإنه إلى جانب الفحوصات التي تجريها النساء، بعض الرجال أيضا عليهم أن يجروا فحصًا للسائل المنوي، وهذا ليس إجباريًا إلا في حالة إذا ما جرب الرجل لأكثر من مرة، ولم يحدث حملًا لزوجته.
وللتأكيد مجددًا على الفحوصات التي يجب أن تجريها المرأة، للتأكد من عدم وجود أمراض تناسلية، وللتأكد من عدم وجود فقر دم، وللتأكد من أخذها للقاحات الضرورية وأن مفعولها ساريًا، لأنها إذا لم تكون مفعلة، فيمكننا حينها إعطاء المرأة لقاحات أخرى، وكذلك يتم عمل فحص وتشخيص للطفل للتأكد من أنه ينمو بطريقة سليمة، وهذا يتم بالسونار وكذلك من خلال الفحوصات الجينية التي تتم بعد 10 أسابيع من تكون الجنين، لكي نتأكد من أن جيناته سليمة.
ضرورة التشخيص المبكر
* كم النسبة التي يقللها التشخيص المبكر، والذي توصي به المراكز المتخصصة مثل IVF Michigan، من احتمالية حدوث أمراض للجنين؟
** النسبة تفوق الـ 90%، فأغلب الأمراض التي لها علاقة بالكروموسومات الخاطئة يتم تفاديها.
* لو تم اكتشاف مشكلات مثل متلازمة داون أو الأنبوب العصبي، ما هو الحل؟
** هناك حلين؛ أولهما أن يتم علاج الطفل بعد ولادته، أو الحل الثاني وهو الإجهاض، ولا يوجد حل ثالث، ونحن في الطب عادةً نعمل دائمًا على تفادي حدوث الأمراض.