الهند وباكستان.. أزمة جديدة تثير المخاوف من اندلاع حرب بين الجارتين النوويتين

في تطور شديد الخطورة للأزمة بينهما تبادلت الهند وباكستان اليوم الخميس إجراءات تصعيدية، شملت التجارة والنقل ووقف الخدمات القنصلية، وسط مخاوف من اندلاع حرب بين الجارتين النوويتين.

جاء ذلك بعد يوم من مقتل 26 26 شخصاً على الأقل وإصابة نحو 10 آخرين في منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها في جبال الهيمالايا يوم الثلاثاء الماضي، في هجوم نادر على السياح في منطقة تعاني منذ عقود من التمرد والمعارضة لحكم الهند.

واستهدف الهجوم زواراً في وجهة سياحية شهيرة في منطقة باهالغام، بمقاطعة أنانتناغ الجبلية، بالجزء الذي تحكمه الهند من كشمير، وهي أسوأ هجوم على المدنيين في المنطقة منذ سنوات.

وحملت نيودلهي إسلام أباد المسؤولية عن هذا الهجوم، ونشرت الشرطة الهندية إشعارات تتضمن أسماء ثلاثة مشتبه بهم من المتشددين وقالت إن اثنين منهم باكستانيان، وفقًا لوكالة “رويترز“.

ونفى وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف أي صلة لباكستان بالهجوم. وقال في مقابلة تلفزيونية مع إحدى وسائل الإعلام الباكستانية: “ليس لدينا أي علاقة بهذا، ولا ندعم الإرهاب في أي مكان”.

تصعيد هندي

وتوعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من سماهم الإرهابيين وداعميهم بالمتابعة والعقاب بما يفوق خيالهم، وفق تعبيره، ودعا إلى اجتماع لجميع الأحزاب مع أحزاب المعارضة اليوم الخميس لاطلاعهم على رد الحكومة على الهجوم.

بينما قال وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري، إن هناك تورطا عبر الحدود في الهجوم، وأعلن عن تعليق العمل معاهدة عمرها ستة عقود لتقاسم مياه نهر السند، وهي المعاهدة التي ظلت قائمة على الرغم من اندلاع حربين بين الدولتين المتنافستين المسلحتين نوويًا.

وأفادت وسائل إعلام محلية هندية أن نيودلهي استدعت كبير الدبلوماسيين في السفارة الباكستانية في العاصمة لإخطاره بأن جميع المستشارين العسكريين في البعثة الباكستانية أشخاص غير مرغوب فيهم ومنحهم أسبوعا للمغادرة، وهو أحد الإجراءات التي أعلنتها وزارة الخارجية الهندية أمس الأربعاء، بالإضافة إلى تعليق خدمات التأشيرات للباكستانيين فورًا، ونصحت ن الهنود المتواجدين في بباكستان بالمغادرة بأقرب وقت.

رد باكستاني

وفي المقابل أعلن الجانب الباكستاني أنه سيتم تقليص موظفي المفوضية العليا الهندية في إسلام آباد إلى 30 شخصًا. وأعلنت باكستان أن مستشاري الدفاع الهنود في إسلام آباد أشخاص غير مرغوب فيهم وعليهم المغادرة بنهاية أبريل الجاري.

كما باكستان رفضها إعلان الهند تعليق معاهدة مياه نهر السند، وقالت إن أي محاولة لانتهاك حقوقها في النهر السفلي ستعتبر بمثابة عمل حربي.

ونقلت وكالة رويترز عن وزير الطاقة الباكستاني أويس لاغاري قوله إن تعليق الهند معاهدة مياه نهر السند يندرج ضمن حرب المياه ووصفه بالعمل الجبان وغير القانوني.

وجاء في البيان الباكستاني “إن أي تهديد لسيادة باكستان وأمن شعبها سيتم الرد عليه بإجراءات متبادلة حازمة في كافة المجالات”.

وشملت الإجراءات الباكستانية إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الهندية، وتعليق التجارة مع الهند بما في ذلك من وإلى أي دولة ثالثة عبر أراضيها.

وعقدت لجنة الأمن القومي في باكستان اجتماعًا برئاسة رئيس الحكومة شهباز شريف ومشاركة وزراء وقادة الجيش وأجهزة الاستخبارات لبحث التوتر مع الهند، وسيبحث الاجتماع التعبير عن القلق إزاء الخطوات الهندية الأخيرة، والتأكيد على رفض انسحاب الهند من معاهدة مياه نهر السند والتشديد على ما تسميه إسلام أباد القدرة الباكستانية على الدفاع عن مقدرات الدولة.

وقالت مصادر إن الاجتماع سيشارك فيه كبار القيادات المدنية والعسكرية، حيث من المتوقع أن يتناول الوضع الأمني الداخلي والخارجي ومراجعة الإجراءات التي أعلنت عنها الهند بشكل متسرع.

صراع متعدد الأبعاد

ودعا خبراء باكستان إلى تجنب التصعيد واللجوء إلى المسارات الدبلوماسية لنزع فتيل التوتر الأخير مع الهند. وتوقعت في تصريحا لـ”الجزيرة نت” أن نيودلهي لن تتعامل مع الوضع الراهن باستخفاف، مشددين على أن تصعيد العداء في منطقة تعاني أساسًا من هشاشة أمنية، لا يمكن للطرفين تحمله.

وحذر المدير التنفيذي لمعهد صنوبر في باكستان، قمر شيما، من أن التصعيد الراهن بين باكستان والهند قد يؤدي إلى زيادة حدة التوترات واحتمالات ارتكاب أخطاء في الحسابات.

وأشار إلى أن باكستان ترى أن طرفًا ثالثًا استغل الوضع القائم، وقد يستغل أطراف آخرون في المنطقة هذا التصعيد لممارسة مزيد من الضغط على باكستان أو تحديها، أو النيل من موقعها الإقليمي والدولي.

وأكد شيما أن باكستان تتجه نحو مراجعة كافة الاتفاقيات الموقعة سابقا مع الهند، موضحا أن إسلام آباد تعتزم الانسحاب منها واحدة تلو الأخرى، بما في ذلك تلك التي أبرمت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.

وأشار المحلل الباكستاني إلى أن الأوضاع تسير نحو مزيد من التصعيد، لاسيما في ظل التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الهندي، واصفًا التوتر الحالي بأنه تحد دبلوماسي مشترك لكلا البلدين، محذرًا من دخول الجانبين في صراع عالمي لكسب الحلفاء والداعمين.

حرب جديدة

ويُهدد هجوم باهالغام، الذي تزامن مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، إلى الهند، بإشعال فتيل مواجهة عسكرية جديدة بين الهند وباكستان، اللتين تمتلكان أسلحة نووية وخاضتا حربين، بالإضافة إلى صراع محدود آخر، حول كشمير منذ استقلالهما عام 1947.

ولطالما اتهمت الهند باكستان بإيواء “جماعات إسلامية متشددة تستهدف كشمير”، وهو ما تنفيه إسلام آباد. وقد أدت هجمات المسلحين في الماضي إلى تصعيد حاد في التوترات بين الجارتين النوويتين، اللتين تتنافسان على السيادة على منطقة الهيمالايا. وشنت الهند غارات جوية داخل باكستان عام 2019 عقب هجوم لمسلحين على جنود هنود.

وبعد هجوم عام 2019، الذي أودى بحياة 40 شرطياً هندياً، شنت الهند غارة جوية على باكستان بعد 12 يوماً. فيما ردّت القوات الجوية الباكستانية في اليوم التالي، وعندما ردّت الطائرات الهندية، تحطمت إحداها في الأراضي الباكستانية، على الرغم من نجاة الطيار وأسره ومن ثم إعادته إلى الهند.

وكشفت تقارير غربية عن تصاعد التوتر على طول الحدود بين الهند وباكستان بعد هجوم كشمير الأخير، حيث تتصاعد التوترات على الحدود الهندية الباكستانية بسرعة.

وقال خبراء إن الهجوم يُهدد بإشعال فتيل مواجهة عسكرية جديدة بين الهند وباكستان، اللتين تمتلكان أسلحة نووية وخاضتا حربين، بالإضافة إلى صراع محدود آخر، حول كشمير منذ استقلالهما عام 1947.

ولطالما كانت منطقة كشمير الجبلية، التي تطالب بها كل من الهند وباكستان بالكامل، محور صراع إقليمي عنيف بين البلدين لأكثر من 70 عامًا. وتُعدّ المنطقة من أخطر بؤر التوتر في العالم، ويفصل خط السيطرة بين المنطقتين الخاضعتين لسيطرة نيودلهي وإسلام آباد حدودٌ فعلية.

وعلى مدى العقدين الماضيين، خاضت عدة جماعات مسلحة محلية تطالب إما باستقلال كشمير أو بأن تصبح المنطقة جزءا من باكستان، معارك ضد قوات الأمن الهندية، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص في أعمال العنف.

وتصاعدت أعمال العنف في عام 2018، وسيطرت الحكومة الهندية بشكل أكبر على المنطقة في عام 2019 وسط وجود عسكري مكثف وانقطاع الاتصالات لمدة أشهر. وفي حين قالت الحكومة الهندية إن التشدد تراجع منذ ذلك الحين، فإن الهجمات لا تزال تؤرق المنطقة.

إقليم كشمير

ويقع إقليم كشمير الذي عرف باسم جامو وكشمير (Jammu and Kashmir) في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية، تحده الصين من الشمال، ومنطقة التيبت شرقاً، وجنوباً تحده ولاية البنجاب الهندية، أما غرباً فتحده الباكستان، وبذلك يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً على حدود هذه الدول النووية الثلاث. وتبلغ مساحة الإقليم حوالي 222.236كلم2، تسيطر الهند على حوالي 48% منها، وتسيطر باكستان على حوالي 35% من المساحة، أما الصين فتسيطر على 17%.

وبحسب الإحصائيات، يبلغ عدد سكان الإقليم ما يقارب 13 مليون نسمة، يمثل المسلمون نحو 90% منهم، أي نحو 10 ملايين كشميري مسلم. ويمكن تقسيم منطقة كشمير إلى ثلاث مناطق رئيسية، منطقة تقع في الهند وتسمى بـ”كمشير وجامو” وتعتبر الجزء الأكبر من تلك المنطقة والذي يمتلك العدد الأكبر من السكان ومنطقة تقع في باكستان وتعرف بـ”ولاية كشمير الحرة” ومنطقة تقع في الصين وتسمى بـ”أكساي تشين” وتعد هذا المنطقة هي الجزء الأصغر من الإقليم.

ويتحدث سكان “كشمير” الكثير من اللغات مثل الهندية والأردية والصينية وتعود أصول الشعب الكشميري إلى الأعراق التركية والأفغانية والمغولية.

يعتبر إقليم جامو وكشمير من الناحية السياسية منطقة متنازعاً عليها بتعريف القانون الدولي، وقد قامت الهند بضم الإقليم لها في 27 أكتوبر 1947 وفرضت عليه حماية مؤقتة بعد أن تعهدت للشعب الكشميري وللأمم المتحدة بمنح الكشميريين حق تقرير المصير.

وتضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 47 الصادر في عام 1948 النص على إعطاء الشعب الكشميري الحق في تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه يتم إجراؤه تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما لم يتم حتى الآن.

حروب باكستان والهند بسبب كشمير

اندلع قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية عام 1947 أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدر مجلس الأمن قراراً في 13/8/1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.

وبدأ يسود المجتمع الدولي منذ ذلك الحين اقتناع بأن حل القضية الكشميرية يأتي عن طريق اقتسام الأرض بين الهند وباكستان، فاقترحت الأمم المتحدة أن تنضم الأجزاء التي بها أغلبية مسلمة وتشترك مع باكستان في حدود واحدة (تقدر بحوالي 1000 كم) لباكستان، وأن تنضم الأجزاء الأخرى ذات الغالبية الهندوسية ولها حدود مشتركة مع الهند (300 كم) للسيادة الهندية، لكن هذا القرار ظل حبراً على الورق ولم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع حتى الآن.

وعاد التوتر بين الجانبين، وحاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين الكشميريين لكن الأحداث خرجت عن نطاق السيطرة وتتابعت بصورة درامية لتأخذ شكل قتال مسلح بين الجيشين النظاميين الهندي والباكستاني في سبتمبر 1965 على طول الحدود بينهما في لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان واستمر الصراع العسكري 17 يوماً لم يتحقق فيه نصر حاسم لأي من الدولتين، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في الثالث والعشرين من الشهر نفسه.

وعاد القتال بين الجارتين ليتجدد مع مطلع السبعينيات إثر اتهامات باكستان للهند بدعم باكستان الشرقية (بنغلاديش) في محاولتها الانفصالية، وكان الميزان العسكري هذه المرة لصالح الهند الأمر الذي مكنها من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض غيرت من التفكير الاستراتيجي العسكري الباكستاني وأدخل البلدين في دوامة من سباق التسلح كان الإعلان عن امتلاك كل منهما للسلاح النووي أهم محطاته. وأسفر قتال 1971 عن انفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنغلاديش.

وفي ذلك العام، دخل البلدان في مفاوضات سلمية أسفرت عن توقيع اتفاقية أطلق عليها اتفاقية شِملا عام 1972، وتنص على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في 17 ديسمبر1971 هو خط هدنة بين الدولتين. وبموجب الاتفاق احتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانية التي سيطرت عليها بعد حرب 1971 في كارغيل تيثوال وبونش في كشمير الحرة في حين احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت عليها في منطقة تشامب في كشمير المحتلة.

مقتل 100 ألف كشميري

منذ عام 1989، قُتل أكثر من 100 ألف كشميري، فضلًا عن اغتصاب أكثر من 10 آلاف امرأة، بينما قتل 7000 شخص في ظل حكم السلطات الهندية، بحسب الجهات المناوئة لنيودلهي.

وأدى سقوط الاتحاد السوفييتي إلى تغير خريطة تحالفات الهند والباكستان كما أدى ظهور حركات التمرد الداخلي في الإقليم، وبروز منظمات مسلحة تطالب باستقلال الإقليم عن الهند والباكستان نفسها، مع أن أكثر هذه المنظمات والأحزاب مثل حركة “المجاهدين”، و”حركة تحرير كشمير” و”تحالف الحرية لكل الأحزاب” مدعوم من باكستان كما تقول الهند، فإن الصراع الهندي الباكستاني ازداد حدة مع بروز السباق النووي بينهما، فقد ربطت الدولتان هذا السباق بما يحدث في كشمير، وقامتا (في شهر أيار العام 1998) بإجراء تجارب تفجير نووية، وهكذا أصبح النزاع بينهما محكوماً بسقف الردع النووي بينهما.

ومنذ ذلك الحين، تتصاعد بين الفينة والأخرى أعمال العنف داخل كشمير وعمليات مسلحة ضد الهند، لتزيد من احتمالات وقوع الصدام مجدداً بين الدولتين النوويتين، الأمر الذي يهدد استمراره بتفجر حرب رابعة بين الهند وباكستان، هي الأولى بعد دخولهما النادي النووي في تسعينيات القرن الماضي. إلا أن الولايات المتحدة -حليفة الطرفين- ما زالت تمارس ضغوطها عليهما لوقف حدة الصراع، في حين تستمر تجاذباتها بين أخذ ورد لكليهما لخدمة مصالحها في معاركها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع كل من روسيا والصين وإيران.

تعليق
Exit mobile version