
عندما ترك عماد الأرنب سوريا في عام 2015، ووصل إلى بريطانيا يبحث عن فرصة حياة جديدة، لم يكن يعلم أنه سيكتب قصة نجاح من نوع خاص، وأنه بدلًا من غسل الصحون في المطاعم سيصبح مالكًا لأحد أشهر مطاعم لندن.
وحتي بعد أن حقق قصة نجاحة الملهمة لم يدر بخلده أن ملك إنجلترا سيزوره في مطعمه تكريمًا له. لكن هذا ما حدث بالفعل، فقد فوجئ عماد بالملك تشارلز وهو يزوره في مطعمه Imad’s Syrian Kitchen، الواقع في مبنى Kingly Court في شارع كارنابي بوسط لندن.
ووفقًا لصحيفة “الشرق الأوسط” فقد جاءت زيارة الملك إلى المطعم بعد لقاء جمعه بعماد الأرنب، الذي لبّى في عام 2023 دعوة لزيارة قصر باكنغهام تقديراً له على جهوده التي يبذلها في سبيل الأعمال الخيرية ومساعدة اللاجئين ومساهمته في المجتمع البريطاني.
زيارة مستحيلة
وقال عماد إنه كان من المستحيل أن يتوقع زيارة الملك تشارلز لمطعمه، خاصة وأنه يقع في الطابق الأخير من المبنى، مما يجعل زيارته صعبة من الناحية اللوجيستية.
وأضاف قائلاً: “عندما تمت دعوتي لقصر باكنغهام في نوفمبر 2023 أعربت للملك عن رغبتي في استقباله في مطعمي، وأجابني حينها بأنه يود ذلك إلا أن الأمر سيكون صعباً جداً من ناحية الترتيبات الأمنية”.
وأكد أنه لم يصدق أذنيه عندما سمع من ممثلين عن قصر باكنغهام منذ نحو الشهر أن الملك ينوي تلبية الدعوة والقدوم إلى المطعم، مشيرًا إلى أنه حرص على اختيار شخصيات سورية فاعلة في المجتمع البريطاني لجأت إلى بريطانيا هرباً من النظام السابق، واستطاعت أن تنجح في مجالات عدة مثل الطب والهندسة، لتكون برفقته عند استقبال الملك تشارلز، إلى جانب زوجته وبناته، وفريق العمل المؤلف من جنسيات مختلفة وعدد من اللاجئين.
ووصف عماد الملك تشارلز بأنه شخصية مرحة وملمة بالسياسة في الشرق الأوسط والعالم، مشيرًا إلى أن الملك لم يستطع تناول الطعام السوري الذي يقوم المطعم بتحضيره بسبب ارتباطه بزيارة أخرى، ولكنه تناول الشاي وأعرب عن حبه الشديد للباذنجان بكل وصفاته.
وقال إنه قدّم للملك نسخة من كتابه الذي يحمل اسم مطعمه، وأنه كان سعيداً للغاية بتلقيه تلك الهدية التي حملت رسالة له بالعربية، وعلق الملك عليها بالقول: «يبدو اسمي جميلاً وهو مخطوط بالحروف العربية».
وأكد الأرنب أنه حرص على أن يظهر للملك الوجه المشرق لبلده سوريا، وطالب الملك بالتطلع لسوريا ودعمها لكي تنهض من جديد، موضحًا أن الشعب السوري يستحق الدعم لأنه دؤوب في العمل ومحب للحياة، كما أن اللاجئين أثبتوا أنهم ناجحون ويقدمون الأفضل لأي مجتمع يحلون فيه.
قصة نجاح
جدير بالذكر أن عماد الأرنب كان يعمل كطاهي في سوريا، لكنه هرب من هناك بعد أن دمرت الحرب مطاعمه الثلاثة المعروفة في العاصمة دمشق.
وبدأ رحلته كلاجيء نحو المجهول من لبنان وصولاً إلى مخيم «كاليه» في فرنسا، الذي مكث فيه 65 يوماً، وصفها بالأيام السوداء التي قضاها مع مرارة الغربة والمصير والمجهول بعيداً عن عائلته المكونة من زوجته وبناته الثلاث.
وخلال أيام الانتظار أراد أن يكون لاجئاً مفيداً، فبدأ بطهي الطعام البسيط للاجئين الذين ينتظرون مصيرهم مثله تماماً، بينما كان حلمه هو الوصول إلى لندن وفتح مطعم هناك يقدم فيه وصفات والدته.
وبالفعل تحقق حلمه ووصل إلى لندن عام 2015، واضعًا مهنته جانبًا، وباحثًا عن عمل يؤمّن سقفًا له ولعائلته، وعمل في مجالات كثيرة، من بينها بيع السيارات، ولكنه لم يتخلَّ عن شغفه في الطهي.
وفي عام 2017 بدأ بالتعاون مع مؤسّسات خيريّة تدعم اللاجئين، حيث أُطلق مع هذه المؤسسات عددًا من المطاعم المؤقتة، ونوادي العشاء، بالإضافة إلى أكشاك لبيع الفلافل.
وبسبب مهارته في الطهي ذاع صيته في لندن، ونفدت تذاكر نوادي العشاء بسرعة غير مسبوقة، وتجمهر الناس أمام أكشاك الفلافل التي يقوم بتحضيرها بعدما أصبحت نكهتها على كل لسان.
حلم المطعم
وشيئًا فشيئًا أصبح من الطهاة المشهورين، وتمت استضافته في أهم برامج الطهي التي تذاع على القناة البريطانية الرسمية، لكن حلمه في افتتاح مطعم وسط لندن، كان صعب التحقيق، نظرًا لأسعار الإيجارات المرتفعة في لندن.
ولكن مع نموّ شهرته في عالم الطبخ تمكن من جمع المال اللازم لتحقيق حلمه، وافتتح “مطعم عماد السوري” في مايو 2021، في منطقة سوهو وسط لندن.
ورغم الواقع الصعب للمطاعم وقتها بسبب منعها من فتح أبوابها خلال الإغلاق التام في المملكة المتحدة، بسبب فيروس كورونا، جازف الأرنب بافتتاح مشروعه، مستغلًا تراجع أسعار الإيجارات بسبب كورونا، وأقدم على المخاطرة والافتتاح في عام 2021.
وحرص الأرنب على إدارة مطعمه في لندن كما كان يفعل بمطاعمه في سوريا. لكن الفارق الأساسي هو أنّ مطعمه في لندن كان صغيرًا، ما اضطرّه إلى تقليص لائحة أطباق طعامه.
لكن كان يعد كل أطباقه بتأنٍّ، وسعى لتعريف الناس بالمطبخ السوري، كما أجرى تعديلات على بعض وصفاته، حتى تلائم من يتّبعون حمية فيغان الغذائية أو الخالية من النشويات، وأضاف إلى أطباقه نكهة من ثقافات أخرى، وابتكر وصفات جديدة.
دعم اللاجئين
ووفقًا لشبكة CNN فقد كان الأرنب قد جمع من خلال تمويل جماهيري ما قيمته 68،300 دولار في خريف 2020، حتى يقدّم ضمانة لعقد الإيجار، وهو يخطّط لإعادة تقديم هذا المبلغ لجمعية تدعم اللاجئين في المملكة المتحدة، وذلك من خلال التبرع بجنيه استرليني من كل فاتورة مسدّدة.
ويرى الأرنب أنّ “العمل مع المؤسسات الخيرية” يُشكل إضافة للمهنة، ولا يأخذ من طريقها”. وهذه قناعة لديه يقتدي بها في حياته، حيث يقول: “حين أقوم بأمر جيد، أعلم أن ثمة أمرًا جيدًا ينتظرني”.
ويقول الأرنب إن بعض الناس ينظرون إلى اللاجئين كأنهم قادمون من “كوكب آخر”، قائلًا: “يصنّفون اللاجئين بملائكة أو شياطين.. وهذا غير صحيح لأنّنا بشر. لم نختر أن نكون لاجئين. لو لم تقع الحرب في سوريا، لم أكن لأفكر بالرحيل من دمشق”.
وأعرب الأرنب عن سعادته بنجاج مطعمه، حتى تبقى عائلته بجانبه لأنهم مصدر سعادته الأكبر، إذ اضطر إلى الابتعاد عنهم سنة كاملة قبل أن يلتحقوا به في إنجلترا.