تأثير الأدوية على خصوبة الرجال.. كيف تحمي نفسك؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
حلقة جديدة من برنامج “اسألوا الدكتور شما” تناولت الحلقة موضوع تأثير الأدوية على الصحة الإنجابية والخصوبة لدى الرجال. فمن المعروف أن الأدوية تؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان، لكن تأثيرها على الخصوبة لدى الرجال يظل موضوعًا حساسًا يحتاج إلى تسليط الضوء عليه بشكل أكبر.
وتشير الدراسات إلى أن حوالي 15% من حالات العقم لدى الرجال ترتبط بأسباب طبية، مثل تأثير الأدوية والعلاجات على إنتاج النطف وجودتها. على سبيل المثال، الأدوية الكيميائية المستخدمة في علاج السرطان قد تؤدي إلى فقد النطف مؤقتًا أو دائمًا، في حين أن المنشطات الرياضية قد تسبب تقليلًا في عدد النطف وتشوهًا في حركتها.
في هذا الحوار، استعرضنا مع الدكتور شَمّا أبرز أنواع الأدوية التي تؤثر على الخصوبة، الأسباب الكامنة وراء هذه التأثيرات، وسبل الوقاية والعلاج لحماية الصحة الإنجابية.
أدوية بدون وصفة
* حديثنا اليوم عن موضوع في غاية الأهمية؛ وهو أخذ الأدوية بدون وصفات علاجية، وهذا الأمر موجود بكثرة عند الشرق ـ أوسطيين، كيف تقيّم أو ترى هذه الثقافة التي هي مدخل لموضوع حلقتنا الأساسي، اليوم؟
** للأسف هذه الثقافة موجودة بكثرة في منطقتنا العربية، فكثيرًا عندما أقرر السفر إلى لبنان تكون كل التوصيات والطلبات من الأهل والأصدقاء هي طلب أدوية من هنا من الولايات المتحدة!، نادرًا لو رأيت شخصًا أجنبيًا يطلب من آخر شراء أدوية له بدون وصفة طبية، فهذه ثقافة موجودة في منطقتنا بشكل غريب، أن يأخذ الفرد أدوية بدون وصفة طبية.
مشكلة أخذ الأدوية بدون وصفة طبية أنها تكون لها تأثيرات جانبية سلبية على الخصوبة، والأمر أكبر وأوسع بكثير من منطقتنا العربية، فهذه الظاهرة للأسف موجودة في أماكن أخرى كثيرة، ومن خلال دراسات أجريت مؤخرًا وجدنا أن عدد الحيوانات المنوية في السائل المنوي للرجال بشكل عام قد انخفضت بنسبة 50% في ظرف 50 سنة، ولا تزال النسبة في انخفاض سنويًا، فبعدما كانت 100 مليون لكل مللي لتر في عام 1970 فأصبحت 50 مليون في عام 2021، وهذا الانخفاض المستمر يزيد من نسبة العقم لدى الرجال، بالإضافة إلى انخفاض المواليد بشكل عام.
عوامل وأسباب
* تقول الدراسات أنه في عام 2030 سيكون عدد الوفيات أكثر من عدد المواليد، وهذا مما يدق ناقوس الخطر في الولايات المتحدة.
** عدد السكان يقلّ بالفعل الآن، وفي حالة وقف الهجرة تماما إلى الولايات المتحدة فإن العدد سيقلّ أكثر بالفعل.
ولكن بشكل عام؛ فإن انخفاض المواليد لا يرتبط بالتأثيرات الجانبية للأدوية غير الموصوفة طبيًا فقط، بل هناك أسباب أخرى مرتبطة بالعوامل البيئية مثل التلوث، وأسباب مرتبطة بنمط الحياة مثل التدخين وتناول الكحول، وأخرى مرتبطة بصحة الإنسان، مثل السمنة والأمراض المزمنة مثل السكري والضغط.
* لو ركزنا على موضوع الأدوية غير الموصوفة طبيًا، ما تأثيرها على الخصوبة عند الرجال؟، وكم تكون نسبة هذا التأثير من مجمل العوامل الأخرى المؤثرة على العقم عند الرجال؟
** لا يمكن تحديد النسبة المئوية بشكل دقيق، ولكن يمكننا تقسيم الأدوية إلى نوعين؛ هناك أدوية يتناولها الشخص بنفسه بدون الرجوع للطبيب، وأدوية أخرى موصوفة طبيًا من خلال الطبيب، وسنركز هنا على النوعين.
أولًا؛ الأدوية غير الموصوفة طبيًا، أو تلك التي يأخذها الشخص دون الرجوع للطبيب، على رأس هذه الأدوية تأتي المنشطات الابتنائية أو الستيرويدات، وهي منشطات مسؤولة عن زيادة العضلات لدى الذكور، هل يمكننا أن نتصور أن هناك 3 مليون شخص في أمريكا يتناولون هذه الأدوية بدون وصفات طبية!، هذه الستيرويدات لديها تأثير سلبي كبير جدا عن خصوبة الرجال، لدرجة أن عدد الحيوانات المنوية في السائل المنوي تصل إلى صفر.
نقص التوعية
* كيف تفسر هذه الظاهرة الغريبة؟، هل هناك مثلًا نقص كبير في التوعية حول هذه الأدوية؟
** هي ظاهرة غريبة بالفعل، ولكن أنا أتصور أن هناك من ينصح الشباب بالحصول على هذه الأدوية لكي تزداد أحجام عضلاتهم، دون وعي وإدراك بتأثيرات هذه الأدوية على الخصية، وعلى القلب والشرايين والكوليسترول بالدم، وعلى الكبد والكلى، وحتى على الحالة النفسية للشخص، حيث يصبح أكثر عدوانية وانفعالًا، فبالتأكيد هناك نقص في التوعية، ونقص في إدراك خطورة تلك المنشطات أو الأدوية.
* هل التوقف عن تناول تلك المنشطات سيأتي بنتيجة إيجابية على الشخص من ناحية القدرة على إنجاب أطفال وتكوين عائلة مجددًا؟
** حسب الحالة، يمكن أن يستغرق الأمر سنة أو سنتين، ولكن في بعض الحالات قد يستمر الأمر لسنوات طويلة ولا يتحسن الوضع، لذلك أؤكد على ضرورة التوعية وعلى ضرورة تفادي تناول تلك الأدوية، وحتى في حالة إذا ما كان الشخص مجبرًا على أخذ تلك الهرمونات، فهناك طرق طبية تحت إشراف الطبيب لتقليل الأضرار الناتجة عن هذه الهرمونات.
مشكلة وحلها
* هل كل الرجال معرضين لنقص عدد النطف في السائل المنوي بنفس الدرجة نتيجة تناول هذه الأدوية؟
** نعم، كل الرجال، وهناك أدوية معروفة لتخفيف الألم والالتهابات والأوجاع التي نسميّها “Nonsteroidal anti-inflammatory drugs”، وعادةً ما يأخذها أهلنا في العالم العربي، وحتى هنا في الولايات المتحدة، وهذه الأدوية للأسف لها تأثير سلبي على عدد النطف، وفي حالات كثيرة يتم أخذ هذه الأدوية بدون وصفات طبية.
أيضا الأدوية التي يأخذها من هم مصابون بأمراض سرطانية، لأن هذه الأدوية تؤثر على الخلايا، وللأسف أيضا فإن هذه الأدوية أيضا تؤثر سلبًا على عدد النطف، في الظروف الطبيعية فإن الرجال ينتجون 1000 نطفة في الثانية الواحدة، ولكن المرض السرطاني إذا ما أصاب الخصية أو بسبب العلاج الكيماوي أو الإشعاعي فإن عدد النطف ينعدم تماما، ولكن كما نعلم فإن المصاب بالسرطان يكون مضطرًا لهذا النوع من العلاج، فما الحل؟!
الحل يكمن في أننا نأخذ عدد من الحيوانات المنوية في حالة بلوغ الرجل، وقبل ان يبدأ في العلاج بالكيماوي او الإشعاعات، ونجمدها، هذه العينات نستعملها لاحقًا إذا ما تعافى الرجل من مرضه، وقرر بعد 10 أو 15 أو 20 سنة أن يتزوج وينجب أطفالًا.
* هل تأثير تلك الأدوية يكون دائمًا؟، أقصد هل يمكن التوقف عن تناول تلك الأدوية يمكن حينها للنطف أن تعود إلى سابق عهدها من ناحية العدد؟
** للأسف معظم الأدوية يكون تأثيرها دائم، وبعضها في حالة التوقف عنها فإن عدد النطف لا تكون منعدمة، ولكنها تكون قليلة بشكل كبير، ولكن الأسوأ أن هناك تأثير لتلك الأدوية على الجينات الموجودة في النطف، وبالتالي يؤثر ذلك على الأطفال لاحقًا، وعلى الإجهاض، وأشياء أخرى عديدة.
بعض الدراسات تشير إلى أن أدوية الاكتئاب تقلل عدد النطف بحوالي 40%، وبعض يؤثر سلبًا على الشهوة الجنسية، ويحدث ضعفًا في الانتصاب، وتأخر في القذف، وبالتالي كل هذه الأمور تؤثر سلبًا على القدرة على الإنجاب، ويُضاف إلى ذلك الأدوية التي تضعف المناعة، وأيضا الأدوية التي تقاوم تساقط الشعر عند الرجال، هذه الأادوية تؤثر سلبيًا على عدد النطف عند الرجال.
أدوية مؤثرة
* قلت إن هناك أدوية تؤثر بشكل دائم على عدد النطف؛ ما هي هذه الأدوية؟
** الأدوية الكيمياوية، والعلاج بالإشعاعات، المنشطات البنائية “Anabolic–androgenic steroids”، هذه الأدوية تأثيرها السلبي دائم، وبشكل عام فإن المواد الكيميائية والبلاستيكية الموجودة في معظم الأمور الحياتية لها تأثيرات سلبية أيضا، ولكن الادوية تأثيرها يكون أخطر، لذلك كما ذكرت لا بد أن تكون هناك استشارة دقيقة حول الأدوية التي لها تأثير سلبي أو آثار جانبية على القدرة على الإنجاب.
وكما ذكرت، وأكرر مجددًا، أنه في حالة العلاج ضد الأورام السرطانية، يجب أن تكون هناك نظرة لكيفية تجميد بعض النطف لاستعمالها لاحقًا إذا ما قرر الرجل أن ينجب في مرحلة لاحقة.
سبل الوقاية
* دائما الوقاية خير من العلاج، فبماذا تنصح فيما يخص مسألة الأدوية وأخذها دون الانتباه إلى آثارها الجانبية، لمنع حدوث أي تأثير سلبي على النطف والقدرة على الإنجاب؟
** نؤكد أولًا وبشكل عام أنه لا توجد أي أدوية ليس لها آثار جانبية، ولكن تلك الآثار تختلف من دواء لآخر، لذا من أهم النصائح أن نتفادى أخذ الأدوية التي قد تحسّن جانب من حياتنا ولكن لها تأثير سلبي طويل الأمد على صحتنا، مثل الأدوية الهرمونية والمنشطات التي تحدثنا عنها، مثل المنشطات الذكرية التي تساعد على بناء العضلات، فهي تسهم في بناء العضلات، ولكن في نفس الوقت يكون لها تأثير سلبي على المدى الطويل.
من المهم جدا أن يتم التوقف تماما عن التدخين، وتفادي السمنة، وعند أخذ أدوية للأمراض المرتبطة بالضغط أو تساقط الشعر أو غيرها من الحالات المرضية يجب أن نستفسر عن تأثيرات تلك الأدوية على عدد النطف والقدرة على الإنجاب، لأنه إذا ما كانت هناك بدائل لا تؤثر سلبًا على عدد النطف، تكون هي الخيار الأمثل.