تقرير: عشرات الآلاف من المختفين قسريًا في سوريا ماتوا تحت التعذيب أو الإعدام السري

أكد تقرير حديث أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد استخدم عقوبة الإعدام كأداة قمع سياسي منذ اندلاع الحراك الشعبي عام 2011، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من المفقودين والمختفين قسريًا في السجون كان مصيرهم الموت تحت التعذيب أو الإعدام السري.
وقالت الشبكة، في تقرير أصدرته اليوم الخميس، إنه بدلا من أن تقتصر عقوبة الإعدام على الجرائم الجنائية، وظّفها النظام لترهيب المجتمع، وتعزيز قبضته الأمنية، والتخلص من معارضيه دون محاكمات عادلة.
وأشار التقرير إلى “العلاقة الوثيقة” بين الإخفاء القسري وتنفيذ الإعدامات، حيث بلغ عدد المعتقلين والمختفين قسريًا لدى النظام 136 ألفا و614 شخصًا حتى أغسطس/آب 2024، من بينهم 112 ألفا و414 شخصا لا يزال مصيرهم مجهولا.
وأضاف التقرير: “تشير الأدلة إلى أن الغالبية العظمى منهم قد تم تصفيتهم في السجون، سواء عبر التعذيب أو الإعدام السري، دون أي إجراءات قانونية”.
المحاكم التي نفذت الإعدامات
وقال التقرير إن نظام الأسد اعتمد على عدة محاكم استثنائية لإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام، أبرزها:
- محكمة الميدان العسكرية: أُنشئت عام 1968 وكانت مسؤولة عن تنفيذ أحكام إعدام فورية بحقِّ المعارضين، دون ضمانات قانونية أو حق الدفاع.
- محكمة الإرهاب: أُنشئت عام 2012 عقب الحراك الشعبي، وأصبحت أداة رئيسة لتصفية المعارضين السياسيين، حيث صدرت عنها مئات أحكام الإعدام بتهم فضفاضة تتعلق بـ “الإرهاب”.
- محاكم الجنايات العسكرية والعادية: تولّت النظر في القضايا التي كانت تعالجها محكمة الميدان العسكرية بعد إلغائها في 2023، لكنها استمرت في إصدار أحكام إعدام مسيّسة.
الإعدام كأداة انتقامية
وأكد التقرير أنَّ عقوبة الإعدام لم تكن وسيلة لتحقيق العدالة، بل أداة للقضاء على الخصوم السياسيين بقرارات صادرة عن السلطة التنفيذية، التي تهيمن بالكامل على النظام القضائي.
كما أنَّ القوانين السورية المتعلقة بالإعدام، مثل قانون الإرهاب لعام 2012، توسعت في إدراج جرائم غير مصنّفة ضمن الجرائم الأشد خطورة وفق المعايير الدولية، مما مكّن النظام من استخدامها بشكل تعسفي لترسيخ حكمه.
تصاعد دور محاكم الميدان العسكرية
مع توسع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، لجأ نظام الأسد إلى استخدام محاكم الميدان العسكرية كأداة رئيسة للقضاء على المعارضين السياسيين.
وتم إصدار آلاف أحكام الإعدام بحق محتجين ونشطاء سياسيين دون محاكمات عادلة، في غياب أي ضمانات قانونية أو حق الدفاع. ولم تكن هذه المحاكم تُعنى بتحقيق العدالة، بل صُممت خصيصاً لإصدار قرارات تصفية سريعة بإشراف الأجهزة الأمنية.
إعدامات دون إخطار العائلات
وأكد التقرير أنَّ آلاف المعتقلين الذين أُحيلوا إلى محاكم الميدان العسكرية لم يُكشف عن مصيرهم لعائلاتهم، ولم تُسلَّم جثامينهم بعد تنفيذ الإعدام. وهذه الممارسة ترقى إلى جريمة الإخفاء القسري، المصنفة كجريمة ضد الإنسانية وفقاً للقانون الدولي.
الجهات المتورطة في الإعدامات
تم تنفيذ عمليات الإعدام والإخفاء القسري بقرارات مركزية صادرة عن أعلى المستويات الأمنية والعسكرية والقضائية، بما في ذلك رئيس الجمهورية (القائد العام للجيش والقوات المسلحة)، ونائب رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية، ومجلس الأمن الوطني ووزارة الدفاع، والأجهزة الأمنية (المخابرات العسكرية، الجوية، وأمن الدولة)، والقضاء الاستثنائي، بما في ذلك محاكم الميدان العسكرية ومحكمة الإرهاب.
استمرار الإعدامات
على الرغم من إلغاء محكمة الميدان العسكرية بالمرسوم رقم 32 لعام 2023، لم يؤدِّ ذلك إلى وقف الإعدامات، حيث استمر نظام الأسد باستخدام المحاكم العسكرية الأخرى لإصدار الأحكام الجائرة بحقِّ المعارضين السياسيين. وهذا يعكس سياسة ممنهجة لاستمرار القمع والانتقام السياسي، دون أي التزام بالقوانين الدولية أو حقوق الإنسان.
محكمة الإرهاب
تُعد محكمة الإرهاب واحدة من أخطر المحاكم الاستثنائية التي أنشأها نظام الأسد، حيث مثلت انعكاساً واضحاً لهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، ما جعلها أقرب إلى فرع أمني منها إلى محكمة قضائية مستقلة.
وقد أصدرت المحكمة آلاف أحكام الإعدام بحقِّ معارضين سياسيين، دون مراعاة أي من معايير المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أنَّ جميع أحكام الإعدام الصادرة عنها تُعتبر عمليات قتل تعسفي وفق القانون الدولي.
تحكم السلطة بعقوبة الإعدام
أكد التقرير أنَّ نظام الأسد استغل القضاء كأداة سياسية، إذ يتحكم رئيس الجمهورية مباشرة في مجلس القضاء الأعلى، كما أنَّ معظم مراسيم العفو الصادرة منذ 2011، استثنت بشكل ممنهج أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم العسكرية والاستثنائية، مما يشير إلى توظيف القضاء في تصفية الخصوم السياسيين.
إعدامات القاصرين
وكشف التقرير عن انتهاكات جسيمة ارتكبها نظام الأسد بحقِّ الأطفال، حيث تم احتجاز قاصرين وإخفاؤهم قسرياً، وتنفيذ الإعدام بحقِّ بعضهم عند بلوغهم سن 18 عاماً، في انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل.
ووثّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان 3700 حالة اختفاء قسري لأطفال، و190 حالة وفاة تحت التعذيب، فيما حصلت على وثائق تؤكد تنفيذ الإعدام بحقِّ 50 طفلاً على الأقل داخل محاكم الميدان العسكرية بين عامي 2018 و2024.
سجن صيدنايا والإعدامات الجماعية
ويُعد سجن صيدنايا العسكري رمزاً للقمع الوحشي الذي مارسه نظام الأسد، حيث كان بمثابة مسلخ بشري نُفذت فيه آلاف الإعدامات الجماعية منذ عام 2011.
ووفق شهادات ناجين، كان يتم شنق المعتقلين سراً في عمليات منظمة، دون محاكمة عادلة، ودون إخطار عائلاتهم أو تسليم جثامينهم، ما يعزز أدلة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية داخل السجن.
المسؤولية والمحاسبة
وأوضح التقرير أنَّ تطبيق الإعدام في سوريا ينتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث يخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 6)، التي تحصر الإعدام بالجرائم الأشد خطورة، وتشترط محاكمة عادلة.
وأكد التقرير أنَّ عمليات الإعدام والإخفاء القسري لم تكن قرارات فردية، بل سياسة ممنهجة أشرفت عليها أعلى المستويات الأمنية والعسكرية في نظام الأسد.
وتستوجب هذه الجرائم مساءلة قانونية دولية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
توصيات ومطالبات دولية
ودعا التقرير إلى تحرك دولي عاجل لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، من خلال فرض عقوبات على الأفراد المتورطين في تنفيذ أحكام الإعدام والتعذيب، وإلزام الدول الداعمة لنظام الأسد، مثل روسيا وإيران، بتسليم المطلوبين للقضاء الدولي، ودعم العدالة الانتقالية في سوريا لضمان كشف الحقيقة ومنع تكرار الجرائم.
توصيات للحكومة الجديدة
أولًا: التحقيق والمحاسبة:
- إجراء تحقيقات شفافة ومستقلة حول عمليات الإعدام الجماعي والاختفاء القسري، وضمان تقديم المسؤولين عنها للعدالة.
- محاسبة المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين أو قضائيين.
- عدم إصدار أي عفو عن مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
- تجميد جميع الأصول والملفات المرتبطة بمحاكم الإرهاب والمحاكم العسكرية، للحفاظ على الأدلة التي تدين المتورطين.
- ملاحقة المسؤولين السابقين المتورطين في الجرائم، وفرض قيود قانونية عليهم لحين انتهاء التحقيقات.
ثانياً: التعاون مع المؤسسات الدولية:
- التعاون مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين والمؤسسات الأممية المختصة للكشف عن المقابر الجماعية، وتحديد هويات الضحايا وإبلاغ عائلاتهم.
- إعادة تأهيل الناجين من السجون، وتوفير برامج دعم نفسي واجتماعي لهم ولعائلاتهم.
ثالثاً: إصلاح النظام القضائي والقانوني:
- إلغاء جميع القوانين والمراسيم التي شرّعت الجرائم والانتهاكات، واستبدالها بتشريعات جديدة تحترم حقوق الإنسان.
- إلغاء جميع المحاكم العسكرية والاستثنائية، مثل محاكم الإرهاب والمحاكم الميدانية العسكرية، التي استخدمها النظام السابق لقمع معارضيه.
- إنشاء آليات رقابية مستقلة على الأجهزة الأمنية والقضائية، لضمان عدم تكرار الانتهاكات.
رابعاً: الشفافية وحرية الوصول إلى المعلومات:
- السماح لمنظمات حقوق الإنسان والصحفيين بالوصول إلى المواقع التي شهدت عمليات إعدام، لضمان تحقيقات شفافة.
- تعزيز دور الإعلام الحر والمستقل في الرقابة على أداء الحكومة والقضاء، لضمان النزاهة والشفافية.
وأكد التقرير أنَّ العدالة الانتقالية ليست خياراً، بل ضرورة، وأنَّ استمرار إفلات المسؤولين عن هذه الجرائم من العقاب يهدد الأمن والسلم الأهلي.