“السيطرة على غزة” آخر أفكار ترامب الغريبة.. كيف توصل إليها وما علاقتها بصهره كوشنر؟

اعتاد الرئيس دونالد ترامب طرح الكثير من الأفكار الغريبة لمعالجة مشاكل أمريكا والعالم، لعل من بينها اقتراحه في ولايته الأولى حقن سائل معقّم في جسم الإنسان للقضاء على كوفيد-19، وكذلك زعمه بأنه يستطيع وضع حد للنزاع في أوكرانيا في غضون 24 ساعة، ثم تهديده بالاستيلاء على غرينلاند وقناة بنما.
وآخر هذه الأفكارة الغريبة اقتراحه بتهجير أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة، وبسط سيطرة أمريكا على القطاع لتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
والسؤال الذي يفرض نفسه حاليًا، هو كيف توصل ترامب لهذه الفكرة المنفصلة عن الواقع، وهل يعتزم تنفيذها بالفعل، أم هي مجرد خدعة للمراوغة من أجل تحقيق أهداف أخرى؟
فقد اعتاد ترامب إرباك معارضيه بمواقفه المتبدّلة الذين لا يعرفون إن كان ينبغي عليهم أخذها على محمل الجدّ أو إن كان يراوغ أو يناور بها للتحكّم في زمام الأمور.
ووفقًا لشبكة CNN فإنه حتى مسؤولو إدارة ترامب أنفيهم يسارعون إلى اللحاق به لاستيعاب خطته الغريبة للغاية ومحاولة فهمها، حتى أن بعضهم يأمل أن تكون درجة غرابتها دافعًا لإجبار دول أخرى على التدخل بمقترحاتها الخاصة بشأن القطاع الفلسطيني.
فكرة ترامب
وقال أشخاص مطلعون على الأمر، لشبكة CNN، إن فكرة السيطرة على غزة، يبدو أنها نشأت من الرئيس ترامب نفسه، وليس من خلال خبراء.
وأضافوا أن هذا المقترح كان يهدف جزئيًا إلى تحفيز العمل بشأن قضية اعتبرها ترامب “ميتة”، حيث لم تقدم أي دولة أخرى حلولاً معقولة لكيفية إعادة بناء منطقة تم محوها بالقصف الإسرائيلي على مدى 15 شهرًا.
وأوضحو أن كشف ترامب عن هذه الفكرة خلال مؤتمره الصحفي مع نتنياهو كان بمثابة صدمة لمن حوله، فلم يسمع أحد من المستشارين بشأن قضايا الشرق الأوسط بالمقترح حتى أعلنه ترامب، وقالوا إنهم أصيبوا بالذهول. لكن آخرين قالوا إن ترامب طرح الفكرة على عدة أشخاص في الأيام التي سبقت محادثاته مع نتنياهو.
وقال مساعدون إن المقترح الخاص بغزة لم يُطرح في الاجتماعات الخاصة التي عقدها ترامب مع أعضاء الحزب الجمهوري في لجنة القوات المسلحة.
وسمع وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي كان مسافرا في غواتيمالا، الفكرة لأول مرة أثناء مشاهدته للمؤتمر الصحفي لترامب مع نتنياهو على شاشة التلفزيون.
ولم يكن من الواضح ما إذا كان نتنياهو يعرف على وجه التحديد ما ينوي ترامب قوله، لكن الابتسامة التي علت وجهه أوضحت أنه أحب ما سمعه.
نقطة تحول
وكان مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي زار غزة الأسبوع الماضي، قد عاد إلى واشنطن بانطباع “رهيب” عن الدمار الذي شهده، ونقل إلى ترامب ثم إلى الصحفيين وجهة نظر مفادها أن غزة لم تعد صالحة للسكن.
وقال ويتكوف عن الأضاع في غزة: “المباني يمكن أن تنهار في أي لحظة، ولا توجد مرافق هناك على الإطلاق، ولا مياه، ولا كهرباء، ولا غاز، ولا شيء، والرب وحده يعلم أي نوع من الأمراض قد يتفاقم هناك”.
وتركت أوصاف ويتكوف انطباعًا لدى ترامب، الذي أصبح منشغلًا بالمسألة، وبدأ في طرح فكرته في محادثات مع بعض مساعديه، مبديًا أسفه بشأن عدم وجود خطط بديلة تقدمها جهات أخرى في المنطقة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت: “الرئيس كان يروج لهذه الفكرة لبعض الوقت، لقد كان يفكر في هذا”. ومع ذلك، اعترفت بأن الفكرة لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها في شكل مكتوب حتى عبر عنها ترامب، يوم الثلاثاء.
وقال مسؤول في البيت الأبيض لـCNN، إن توصيف ويتكوف للوضع في غزة كان “نقطة تحول” للرئيس. وأضاف أن ترامب وفريقه توصلوا إلى هذا الموقف “لأن تكرار فعل الشيء نفسه الذي فعلناه لعقود من الزمان في غزة لن ينجح”.
ووفقا لمسؤول البيت الأبيض فإن ترامب أكد أنه سيكون قادرًا على التوصل إلى اتفاق طويل الأجل مع الأردن ومصر لقبول النازحين من غزة في نهاية المطاف، على الرغم من رفض تلك الدول لأي خطة لقبول لاجئين فلسطينيين جدد. وسيكون هذا محور المناقشة التي سيجريها ترامب مع عاهل الأردن الملك عبدالله عندما يزور البيت الأبيض الأسبوع المقبل.
مقترح ترامب وحلم كوشنر
وخلال اقتراحه بشأن غزة بدا ترامب وكأنه مطور عقارات أكثر من كونه رئيسًا أمريكيًا. وفي المحادثات العامة والخاصة على مدار العام الماضي، سلط ترامب الضوء مرارًا وتكرارًا على قيمة موقع قطاع غزة على شاطئ البحر، مشيرًا إلى أنه قابل للتطوير.
وخلال حديثه في يوم التنصيب الشهر الماضي، قدم ترامب تلميحات حول الاتجاه الذي قد تتجه إليه خطته بشأن غزة، حيث قال بعد وقت قصير من أداء اليمين: “إنه موقع رائع، على البحر، وأفضل طقس. كل شيء جيد، يمكن عمل بعض الأشياء الجميلة فيه”. ثم قال إنه “قد” يكون على استعداد للمساعدة في إعادة الإعمار.
ومن الواضح أن هذا الانفتاح على المساعدة تطور على مدى الأسبوعين التاليين للخطة التي كشف عنها للسيطرة على القطاع، وربما رأى أنه يمكنه بمساعدة القوات الأمريكية إعادة بناء غزة إلى “مكان دولي لا يصدق”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن غزة من وجهة نظر فرص الاستثمار العقاري، ففي أكتوبر من العام الماضي قال في مقابلة إذاعية إن غزة قد تكون “أفضل من موناكو” إذا ما أعيد بناؤها بالطريقة الصحيحة.
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” فقد قدم صهره جاريد كوشنر فكرة مماثلة العام الماضي، وقت قصير من بدء إسرائيل حربها على القطاع، واصفًا الواجهة البحرية لغزة بأنها “قيمة للغاية”.
ولا يشغل كوشنر حاليًا منصبًا في البيت الأبيض، ولكن يُنظر إليه باعتباره شخصًا يعتد برأيه في القضايا الرئيسية، بما في ذلك في الشرق الأوسط.
وساعد كوشنر، بصفته مبعوثا خاصًا للشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى، في دفع اتفاقيات عدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه “ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
وقال في فعالية في هارفارد في فبراير 2024 “العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش”.
وتابع: “إنه وضع مؤسف بعض الشيء هناك، لكنني أعتقد من وجهة نظر إسرائيل أنني سأبذل قصارى جهدي لإجلاء الناس ثم تنظيف المكان”. وكان كوشنر نفسه مطورا عقاريا في نيويورك قبل ولاية ترامب الأولى.
قد يتخلى عنها
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مستشارين للرئيس ترامب توقعهم بتخلي الرئيس عن فكرة السيطرة على قطاع غزة بعد أن اتضح له أنها غير قابلة للتطبيق، مشيرين إلى أن ترامب لن يخاطر بالقوات الأمريكية في معركة أخرى مستعصية ضد الإسلاميين المتشددين في الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة – نقلا عن مصادر وصفتها بالمطلعة – إن اقتراح ترامب السيطرة على غزة صدم حتى كبار أعضاء الإدارة الأمريكية، وذكرت المصادر أن الإدارة لم تُمنح الفرصة لفحص جدوى هذا المقترح.
وأفاد السفير الأمريكي السابق بإسرائيل، دان شابيرو، بأن مقترح ترامب ليس جادًا وطرحه قد يؤدي لمزيد من التطرف، وأضاف أن اقتراح ترامب قد يُعرّض إطلاق سراح مزيد من الرهائن في قطاع غزة للخطر.
ووصف ألون بينكاس، المعلق السياسي والسفير الإسرائيلي السابق، مقترح ترامب بأنه “أمر مضحك.. ويجعل ضم كندا وشراء غرينلاند يبدو أكثر واقعية”.
انتقادات كثيرة
واستدعى مقترح ترامب انتقادات عربية ودولية كبيرة، وعلى رأسها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، إضافة إلى عدد من الدول، منها مصر والأردن والسعودية وتركيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا.
بينما أسعدة خطة ترامب اليمين الإسرائيلي، بوصفها ستحقق لهم هدف إزالة التهديد المسلح في غزة دون الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية. كما أشاد بها زعماء المستوطنين باعتبارها طريقًا قد يعيدون من خلاله توطين المدنيين اليهود في غزة في نهاية المطاف، وهي رغبة راسخة منذ فترة طويلة.
وبالنسبة للفلسطينيين، فإن الاقتراح من شأنه أن يشكل تطهيرًا عرقيًا على نطاق أكثر رعبا من أي نزوح شهدوه منذ عام 1948، عندما طُرد أو فر نحو 800 ألف عربي خلال الحروب التي أدت إلى إنشاء الدولة اليهودية.
وقال البروفيسور مخيمر أبو سعدة، وهو محلل سياسي فلسطيني من غزة نزح من منزله أثناء الحرب: “يفضل الفلسطينيون العيش في خيام بجوار منازلهم المدمرة بدلا من الانتقال إلى مكان آخر”.
وفي حين صور ترامب الفكرة على أنها لصالح الفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة مدمرة، قال خبراء قانونيون إن الترحيل القسري سيكون جريمة ضد الإنسانية.
فقد أدت عمليات نقل السكان السابقة على هذا النحو إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والسياسية بدلاً من حلها، وتسببت في صعوبات بالغة للأشخاص الذين أجبروا على ترك منازلهم.
على سبيل المثال، كان لنزوح ما يقرب من 20 مليون شخص أثناء تقسيم الهند في عام 1947 عواقب سياسية استمرت لعقود من الزمن وساهمت في العديد من الصراعات.
تكتيك تفاوضي
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن غرابة خطة ترامب هي التي جعلت البعض يرى أنها لم تكن جادة، مشيرين إلى أن ترامب كثيرًا ما يطلق تهديدات جريئة، لكنه لم ينفذها في النهاية. ورأى البعض أن اقتراحه بشأن غزة مجرد تكتيك تفاوضي يهدف إلى الحصول على تنازلات من حماس ومن القادة العرب.
ففي غزة، لم توافق حماس بعد على التنازل الكامل عن السلطة، وهو الموقف الذي يجعل الحكومة الإسرائيلية أقل ميلا لتمديد وقف إطلاق النار.
وفي أماكن أخرى من المنطقة، ترفض المملكة العربية السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو المساعدة في حكم غزة بعد الحرب، ما لم توافق إسرائيل على إنشاء دولة فلسطينية.
وقال محللون إسرائيليون وفلسطينيون إن خطط ترامب المتطرفة ربما كانت محاولة لدفع حماس والمملكة العربية السعودية إلى تغيير مواقفهما.
وفي مواجهة الاختيار بين الحفاظ على سيطرتها على غزة والحفاظ على الوجود الفلسطيني هناك، ربما تكتفي حماس بالخيار الأخير، وفقًا لمايكل ميلشتاين، المحلل الإسرائيلي للشؤون الفلسطينية.
ووفقًا للمحلل السياسي الفلسطيني، مخيمر أبو سعدة، يتم حث المملكة العربية السعودية على التخلي عن إصرارها على إقامة دولة فلسطينية، والاكتفاء بدلاً من ذلك بصفقة تحافظ على حق الفلسطينيين في البقاء في غزة، ولكن ليس حقهم في السيادة.