قيصر سوريا يكشف هويته.. ويروي تفاصيل مروعة عن جرائم بشار الأسد

بثت قناة “الجزيرة” القطرية مقابلة حصرية مع صاحب اللقب الشهير “قيصر”، وهو منفذ أكبر عملية تسريب كشفت جرائم الرئيس المخلوع بشار الأسد بحق المعتقلين السوريين، والتي أدت إلى صدور قانون أمريكي يحمل اسمه، ويتضمن عقوبات كبيرة على النظام السوري وداعميه.
واتخذ مجلس النواب الأمريكي قرارًا في عام 2019 يقضي فيه بالإجماع بتطبيق “قانون حماية المدنيين السوريين” أو ما عُرف باسم قانون “قيصر”، وهو قانون ينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية، والدول والجهات التي تدعمها لمدة 10 سنوات.
واستهدف القانون أيضًا الأفراد والشركات الذين يقدمون التمويل أو المساعدة لرئيسِ سوريا بشار الأسد وحكومته؛ بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزي السوري.
كما استهدف عددًا من الصناعات السورية بما في ذلك تلك المُتعلِّقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة، فضلًا عن استهدافهِ للكثير من الكيانات الإيرانية والروسية التي تقدّم الدعم لحكومة الأسد.
من هو “قيصر”؟
وسُمِّي القانون الأمريكي باسمِ قانون “قيصر”، نسبةً إلى شخصٍ مجهولٍ قيل أنّه سرّب معلومات وصور لضحايا تعذيب في سوريا بين عامي 2011 و 2014.
ولأول مرة كشف “قيصر” بالصوت والصورة عن هويته وشخصيته خلال لقائه مع قناة “الجزيرة، حيث تبين أنه المساعد أول، فريد المذهان، رئيس قسم الأدلة القضائية بالشرطة العسكرية في العاصمة دمشق، وينحدر من مدينة درعا جنوبي سوريا.
وروى المذهان، الذي ظل سنوات معروفصا باسم “قيصر” تفاصيل جديدة عن رحلة جمع الأدلة والبيانات التي سربها خارج سوريا، والتي شكلت نواة “ملفات قيصر” التي فضحت انتهاكات النظام السوري المخلوع.
تفاصيل مروعة
وكشف المذهان تفاصيل مروعة عن رحلة تهريب عشرات آلاف الصور لمعتقلين سوريين قتلوا تحت التعذيب بالأقبية والسجون خلال عهد نظام بشار الأسد.
وقال إن أوامر التصوير وتوثيق جرائم نظام بشار الأسد كانا يصدران من أعلى هرم السلطة للتأكد من أن القتل ينفذ فعليًا، مشيرًا إلى أن قادة الأجهزة الأمنية كانوا يعبرون عن ولائهم المطلق لنظام الأسد عبر تصوير جثث ضحايا الاعتقال.
وكشف أن أول تصوير لجثث معتقلين كان بمشرحة مستشفى تشرين العسكري بدمشق لمتظاهرين من درعا في مارس 2011، مؤكدًا أن الموقوف بمجرد دخوله المعتقل يوضع رقم على جثته بعد قتله.
وقال إنه كانت هناك أماكن لتجميع وتصوير جثث ضحايا الاعتقال في مشرحة مستشفيي تشرين العسكري وحرستا، ومع ازدياد عدد القتلى تم تحويل مرآب السيارات في مستشفى المزة العسكري لساحة تجميع الجثث لتصويرها.
وأكد أنه في بداية الثورة السورية كانت أعداد الجثث تتراوح من 10 إلى 15 جثة يوميًا، لتصل لاحقًا إلى 50 جثة في اليوم، مشيرًا إلى أن “نظام الأسد كان يكتب أن سبب وفيات من قتلهم هو توقف القلب والتنفس”.
ونوه المذهان للممارسات الفظيعة التي كان نظام الأسد يمارسها ضد أهالي المعتقلين، مشيرًا إلى أن عمليات ابتزاز ممنهجة مورست ضد الآلاف من أهالي المعتقلين من أجل حصولهم عن أي معلومات عن ذوهيهم، لكنهم في النهاية لم يحصلوا على أي معلومات.
جمع الأدلة
وحول طريقته في جمع الأدلة وإخفاء صور المعتقلين قال المذهان: “كنت أخبئ وسائط نقل الصور في ثيابي وربطة الخبز وجسدي، خوفًا من التفتيش على الحواجز الأمنية”، وأضاف: “كنت أتعرض للتفتيش في مناطق سيطرة النظام وفي منطقة سيطرة الجيش الحر”.
وأكد أنه كان يملك هوية رسمية عسكرية وهوية مدنية مزورة للتنقل بين مقر عمله بدمشق وإقامته في مدينة التل بريف دمشق، منبهًا إلى أن عملية تهريب الصور كانت تتم بشكل شبه يومي من مقر عمله إلى مقر سكنه، وامتدت قرابة 3 سنوات.
الانشقاق والخروج
وحول قراره بالانشقاق عن نظام الأسد وخروجه من سوريا، قال المذهان إن القرار كان لديه منذ بداية الثورة السورية، لكنه قرر تأجيله لكي يتمكن من جمع أكبر عدد من الصور والأدلة.
وكشف أنه خرج من سوريا إلى قطر عبر الأردن، حيث تولى مكتب محاماة تجهيز الملف من أجل محاسبة النظام السوري على جرائمه.
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان – حتى العام 2023- مقتل 230 ألفا و224 مدنيا بينهم 15 ألفا و272 قتلوا تحت التعذيب، بالإضافة إلى اختفاء واعتقال 154 ألفا و816 شخصا، وتشريد قرابة 14 مليون سوري.
كما وثقت وجود ما لا يقل عن 874 اعتداء على منشأة طبية، و1416 اعتداء على مكان عبادة، و1611 اعتداء على مدرسة، بالإضافة إلى استباحة المنشآت الحيوية وتحويلها لمراكز اعتقال ونقاط عسكرية، وتدمير مناطق كبيرة من سوريا في محافظات متعددة.
إلغاء قانون قيصر
وأعرب المذهان عن أمله في أن تفتح الحكومة السورية الجديدة “محاكم وطنية تقوم بملاحقة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب”، كما طالب الحكومة الأمريكية بإلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات عن الشعب السوري.
وسُمِّي مشروع القانون باسمِ “قيصر” نسبةً للمذهان الذي كان وقتها شخصًا مجهولًا، وفي يناير 2014، أصدر فريق من المحققين الدوليين في جرائم الحرب والخبراء الجنائيين تقريرًا “يقيم مصداقية شخص منشق من سوريا، كان يخدم في الشرطة العسكرية للحكومة السورية، والذي قام، أثناء عمله، بتهريب عشرات الآلاف من صور جثث لضحايا التعذيب”، وقال الخبراء إن المنشق السوري، الذين أطلقوا عليه اسمًا رمزيًا هو «قيصر»، هرّب ما يقارب 55 ألف صورة هو وسوريون آخرون.
وأوضح الخبراء الذين قابلوا قيصر أنهم فحصوا مؤهلاته العسكرية، وأجروا تحاليل الطب الشرعي لعيّنة من 5500 صورة (قدروا أنها تمثل 1300 جثة). ووجدوا أن 42% من الجثث مصابة بالهزال، وبدت علامات «الإصابة بصدمات» (أو رضّ) على 20% منها. كما لاحظوا أن هناك صورا لأشخاص «بدا عليهم تغير اللون وتقرحات في منطقة القدمين وقصبة الساق بالأساس».
وقد أثارت صور قيصر حين نشرها ضجّة وجدلًا كبيرين؛ وطالبت هيومن رايتس ووتش بالتحقيق في تقرير قيصر، ثمَّ أصدرت تقريرًا إضافيًا بعنوان «إذا كان الموتى يستطيعون الكلام»؛ وفيه عُرضت أدلة فوتوغرافية من تقرير قيصر، كما عُرضت تلكَ الأدلة في متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة وفي الأمم المتحدة.