تداعيات انسحاب ترامب من منظمة الصحة العالمية

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
عبرت منظمة الصحة العالمية عن أسفها لقرار الرئيس دونالد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من المنظمة، معربةً عن أملها في أن تعيد واشنطن التفكير في هذه الخطوة.
في هذا السياق استضاف راديو صوت العرب من أمريكا، الدكتور أنس العمر، أخصائي أمراض القلب التداخلية والأوعية الدموية، لأول مرة من تكساس، في حوار خاص حول تداعيات انسحاب ترامب من منظمة الصحة العالمية وتأثيره على الصحة العالمية والأمن الصحي.
أسباب الانسحاب
* د. أنس العمر؛ بدايةً ما هي الأسباب التي دفعت أمريكا للانسحاب من منظمة الصحة العالمية؟، ما هو سر هذا العداء بين ترامب وهذه المنظمة؟
** خلال ولايته الأولى؛ حاول ترامب الانسحاب من المنظمة، ففي عام 2020 بدأ ترامب خطوات الانسحاب، ولكن انسحاب الأعضاء يستغرق مدة من 6 أشهر إلى سنة تقريبا، ومع قدوم بايدن إلى البيت الأبيض توقف الانسحاب، حيث أصدر بايدن قرارًا في يومه الأول بإيقاف الانسحاب وتواصل مع مدير المنظمة حينها للتأكيد على بقاء أمريكا في المنظمة.
الانسحاب الحالي ـ وبحسب ما أعلنته الإدارة الأمريكية ـ يأتي بسبب ما تراه الإدارة من أنه عدم تعامل بفعالية مع جائحة كورونا، وبطء في الاستجابة لهذه الأزمة، ولا سيما في مراحلها الأولى، كما أشارت الإدارة إلى أن المنظمة اعتمدت بشكل كبير على معلومات مقدمة من الصين دون التحقق من مصداقيتها، مما أدى إلى قرارات وانتقادات غير دقيقة، وكذلك عدم ممارستها أي ضغوط على الصين لمعرفة أصل الفيروس.
هناك أسباب أخرى غير معلنة، مرتبطة بالشق السياسي والخلافات بين الولايات المتحدة والصين، كما أن إدارة ترامب تطمح إلى نوع من الانعزال نوعًا ما من أجل تقليل الالتزامات الدولية وإعادة توزيع الموارد إلى الداخل، وتعزيز شعار “أمريكا أولًا”.
* ترامب دائما يدعي أن المنظمة العالمية قصّرت في أداء واجبها وأنها لم تقم بما يكفي من الأبحاث لمعرفة أصل الفيروس، هل ترى هذه الادعاءات محقّة؟
** ربما، نوعًا ما، ولا سيما في البداية عندما كانت المنظمة تعتمد بشكل كامل على المعلومات القادمة من الصين، وأيضا كانت الصين تهيمن على المنظمة بشكل كبير، ولم تكن هناك شفافية كافية، كما ان المنظمة بشكل عام بها بيروقراطية كبيرة وفساد، وكانت هناك دعوات لإعادة تنظيم العمل داخل المنظمة.
وفي ظل الدعم المالي الأكبر للمنظمة، والقادم من الولايات المتحدة، كانت هناك مطالب متعددة بإعادة هيكلتها، لكي تصبح قادرة على العمل بشكل أسرع، خصوصًا للتعامل مع جائحة مثل جائحة كورونا، وقد سمعنا عن فساد وعدم شفافية كبيرة في فروع ومكاتب المنظمة حول العالم، منها في سوريا على سبيل المثال حيث كانت مديرة مكتب المنظمة هناك متهمة بقضية فساد.
* يقول ترامب إن الولايات المتحدة تدفع 500 مليون دولار للمنظمة، فيما تدفع الصين أقل بكثير، هل ترى هذا واقعيًا وصحيحًا؟
** الكثير من مقاربات ترامب للأمور تكون اقتصادية، باعتباره رجل أعمال، ولكن كما ذكرت فإن القرار يقف وراءه شق سياسي، وبالرغم من ذلك فإن هناك ادعاءات محقة تم ذكرها بشأن المنظمة.
آثار سلبية
* ما هي الآثار المباشرة على التعاون الدولي في مواجهة الأوبئة؟، هل هناك ضرر مباشر على الانسحاب الأمريكي الذي نراه الآن؟
** بالتأكيد، فمنظمة الصحة العالمية هي أكبر منظمة صحية في العالم، وانسحاب دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة سوف يؤدي إلى تأثيرات سلبية، من أهمها ضعف التنسيق، فالولايات المتحدة كانت تلعب دورًا كبيرًا في دعم وتنسيق الاستجابات الصحية العالمية، وبمجرد انسحابها سوف تحدث فجوة كبيرة داخل المنظمة، مما قد يؤثر على فاعلية الاستجابة العالمية للأزمات الصحية.
يُضاف إلى ذلك، أن انسحاب الولايات المتحدة سوف يؤدي إلى نقص كبير في التمويل المتاح للمنظمة، لأن الولايات المتحدة من أكبر المانحين للمنظمة، كما أن انسحاب أمريكا سيؤدي إلى نشوء مخاوف لدى باقي الدول الأعضاء بشأن استدامة التعاون في مثل هذه المنظمات عند مواجهة الأزمات الصحية في المستقبل.
التأثير على أمريكا
* من وجهة نظرك؛ كيف سيؤثر هذا الانسحاب على الولايات المتحدة وعلى الشعب الأمريكي؟
** تأثير الانسحاب سيكون كبيرًا على الدول النامية، ولكن في نفس الوقت سيكون له تأثير كبير على الولايات المتحدة نفسها، فالتعاون الدولي مفيد جدا فيما يخص الأزمات الصحية والجائحات، لو تحدثنا عن لقاح الإنفلونزا مثلًا.. سنجد أنه يتجدد كل عام، ومن أجل ذلك نحتاج إلى معرفة المتحورات الموجودة والمنتشرة لكي نصنع اللقاح المناسب وحتى يكون مؤثرًا بشكل أكبر، هذه المعلومات تأتي من خلال التعاون الدولي عبر منظمات مثل منظمة الصحة العالمية. الوصول إلى اللقاح المناسب من خلال التعاون الدولي يأتي بثمار إيجابية، على رأسها حماية مواطني دولتنا من هذا الفيروس أو ذاك.
حلول بديلة
* كيف استقبلتم في الأوساط الطبية هذا الخبر؟، فهناك انقسام بين العاملين في المجال الصحي حول هذا القرار، وما هي الحلول البديلة من وجهة نظرك لقرار الرئيس ترامب بالانسحاب؟
** أتصور أنه مهما اختلفت آراءنا، فإننا في النهاية نصب في نفس البوتقة، فنحن جميعا تهمنا مصلحة البلد وتهمنا منع الأمراض، وتهمنا برامج الصحة في كل دول العالم، ولا سيما في الدول النامية، ولذلك فإننا بحاجة لمنظمة دولية للصحة، ومن هنا كنا نؤيد ضرورة وجود ضغط على المنظمة لكي تقوم بإعادة هيكلة لنفسها من أجل أن تكون فعالة أكثر ومؤثرة بشكل أكبر.
وأتصور ان انسحاب الولايات المتحدة يمكن أن يكون جرس انذار من أجل ضرورة إعادة هيكلة المنظمة في هذا الوقت، وأتمنى أنه في حالة تعديل الأوضاع بالمنظمة أن تعود الولايات المتحدة مجددًا للمنظمة، لأن فقدان القيادة الأمريكية لمثل هذه المنظمة يمثل خسارة للعالم كله وليس للولايات المتحدة وحدها، لأن هذا قد يفسح المجال لدول مثل الصين في ملء الفراغ.
بالنسبة للحلول البديلة؛ فإن حديث ترامب عن قيامه بعقد شراكات أخرى وبديلة ستأخذ وقتًا، وربما لن تكون بنفس فاعلية التواجد في منظمة دولية مثل منظمة الصحة العالمية، فالمنظمة لديها وجود في الكثير من دول العالم ومنذ سنوات بعيدة.
تجاوز الأزمة
* كيف يمكن للمجتمع الدولي تجاوز هذه الأزمة، وضمان استمرارية التنسيق الصحي العالمي؟
** أظن أن الحوار بين الطرفين سيظل هو الأساس، والبدء في مبادرات تظهر حسن النيةـ والجدية للتعامل مع الانتقادات التي تقولها الولايات المتحدة، وضرورة أن تكون شفافية وتبادل للبيانات والمعلومات، أتصور أن تكون هذه نقطة بداية للعودة الأمريكية مجددًا.
وكما ذكرت فإن الدول النامية ستكون الأكثر تضررًا من الانسحاب الأمريكي من منظمة الصحة العالمية، فجهود المنظمة في تلك الدول مهمة، والدعم الأمريكي بالنسبة للمنظمة في غاية الأهمية.