المغتربون السوريون وإعادة الإعمار.. خبرات وكفاءات لا يمكن تجاهلها

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
دور المغتربين السوريين في عملية إعادة الإعمار كان محور حلقتنا الجديدة من “الحكي سوري” مع الإعلامية ليلى الحسيني، وضيوف البرنامج من تكساس الدكتور حسن المكداش، ومن ميشيغان الدكتور علاء الدين السبيعي، ومن العاصمة الأردنية عمان الدكتور محمد الحسيني.
تناولت الحلقة الواقع الحالي في سوريا، والتحديات التي تواجهها، مع التركيز على الأولويات اللازمة للنهوض بالاقتصاد والبنية التحتية، كما تناقش كيفية تمكين الكفاءات السورية المغتربة من المشاركة في عملية التغيير وإعادة الإعمار، والدور الذي يمكن أن يلعبه المغتربون في بلورة حلول عملية تسهم في إعادة بناء وطن يليق بطموحات أبنائه.
تقييم واقع الحال
* نبدأ مع د. معن الحسيني من عمان، الآن ونحن نتحدث عن إعادة إعمار سوريا، ولكن كيف ترى واقع الحال الآن هناك، لا سيما وأنك هناك الآن بعد زيارتك الأولى التي جرت منذ أكثر من 13 عامًا؟
** د. معن الحسيني: في الحقيقة فإن ما حدث يشبه الحلم، ولا أحد يستطيع استيعاب ما حدث، حتى من قام به، فبالتالي هذا ينقلنا إلى أن الواقع حاليًا أن البلد في حالة الخروج من صدمة إيجابية، هناك الكثير من التفاؤل ولكن بدون مقومات، الناس سعيدة للغاية والبسمة تغطي وجوههم في العموم، أبسط الأمور أنهم قد تخلصوا من الحواجز ومن الشبيحة، ولكن بعد فترة سيواجهون الواقع الذي يقول إن سوريا بلد مفلس اقتصاديًا.
في أكثر التوقعات تفاؤلًا فإن إعادة الإعمار تتطلب 700 مليار دولار، وفي بعض التقديرات المتشائمة فإن المطلوب هو 1 تريليون دولار، 27% من السكان تحت خط الفقر، معدل البطالة حوالي 70%، علمًا بأنه لا يوجد شباب في سوريا، فالشباب إما استشهدوا أو سافروا أو هاجروا هربًا من المواجهة العسكرية، الواقع اليوم هو أنه هناك فوضى وقلق من القادم، رغم وجود التفاؤل والفرح بالنصر.
* د. علاء الدين السبيعي؛ فرحة النظر طاغية على السوريين، ولكن هناك واقع ومستقبل علينا أن ننظر إليهما بشفافية، كيف تعقّب على كلام د. معن الحسيني؟
** د. علاء الدين السبيعي: ما ذكره د. معن دقيق جدا، أنا لم أذهب إلى سوريا منذ 2009م، لكن بحسب كل ما نسمعه ونعرفه من الاهل والأصدقاء والإعلام فإن الوضع في سوريا منذ الثورة التي بدأت في عام 2011م ومن قبلها فإن سوريا معزولة ولديها مشكلات كبيرة في التعليم والزراعة والصناعة وغيرها من المجالات، فالوضع السوري لا يخفى على أحد.
المشكلة المرتبطة بإعادة الإعمار تتفاقم عندما نتحدث عن إعادة النازحين في الداخل السوري إلى مناطقهم، فعددهم يتجاوز المليونين، واللاجئين في الخارج عددهم يقارب الـ 13 مليون تقريبًا، والبنية التحتية الموجودة حاليًا بالكاد تتحمل الأعداد الموجودة في الداخل، يُضاف إلى ذلك التحديات المرتبطة بالواقع السياسي والأمني.
* د. حسن المكداش؛ كيف ترى واقع الحال الآن في سوريا؟
** د. حسن المكداش: أنا متفق تماما مع ما ذكره الزملاء، فمن الصحيح تماما أن نظام الأسد قد تركنا مفلسين معلوماتيًا وماديًا ومنقسمين سياسيًا، أنا أرى أن الواقع الاقتصادي والأمني هما الأهم الآن بالنسبة لأهلنا في سوريا، الإدارة الجديدة ليست لديها القدرة للسيطرة على كل أرجاء سوريا الآن، ويُضاف إلى ذلك وجود مشكلات اجتماعية لا بد من مواجهتها ومعالجتها.
تحديات كبيرة
* د. معن؛ اليوم نحن نتحدث عن أبرز التحديات التي تواجه سوريا اليوم، وقد أشرتم جميعا إلى أن أهمها هي التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فهل ترى أننا نختصر التحديات في هذه المجالات فقط؟، وهل ترى أن سوريا بحاجة إلى إعمار أم إعادة إعمار؟
** د. معن الحسيني: بدايةً أشير إلى أنني أعتقد أن بداية الثورة في عام 2011م كانت بسبب الاقتصاد، فنحن في 2010 كنا نعيش في بدايات انهيار اقتصادي، كان هناك فقر مدقع، كانت هناك نخبة صغيرة تتركز في يدها كل الثروات في مقابل شريحة واسعة من الناس فقيرة وبلا أموال.
عمليًا؛ نحن بحاجة إلى إعمار كامل لسوريا، وليس إعادة إعمار، والإعمار يبدأ بالمجتمع وبالإنسان السوري، الناس هنا بحاجة إلى معرفة ووعي وتعليم حقيقي، ولا يمكن بناء اقتصاد أو دولة بدون ناس، فإلى جانب السعي للاستقرار السياسي والأمني، فإنه من الضروري بناء الإنسان.
عتابي الحالي على ما يدور الآن هو تركز العمل في يد مجموعة صغيرة من الأفراد، أنا أتفهم جيدًا كيفية إدارة الأمور الآن من خلال أهل الثقة، والقيام بنوع من الإدارة أسمّيه الإدارة بالتجريب، ولكن عتابي أنه يجب الاستعانة بالكفاءات الوطنية من الداخل والخارج.
* د. علاء الدين؛ قبل أن نلخص معك الأولويات العاجلة التي تحتاج إليها سوريا، نريد أن نستمع إلى تعليقك على ما ذكره د. معن في حديثه؟
** د. علاء الدين السبيعي: الموضوع معقد جدا، التحدي الأساسي أننا لدينا مشكلات بحاجة لعلاج فوري، مثل مشكلة النازحين، أيضا نحن نتحدث عن حوالي مليوني طفل سوري لم يتلقوا تعليمًا أساسيًا، فإلى أي مدى سنؤخر تعليمهم، هؤلاء لا بد من إيجاد حل عاجل من أجل تعليمهم وسد الفجوة تلك المرتبطة بالجانب التعليمي بالنسبة لهم، أيضا يمكننا أن نبدأ في مرحلة من الترميم لإعادة النازحين، لأن عملية إعادة الإعمار ستحتاج إلى عدة سنوات ومليارات الدولارات، وهو ما قد يطيل أزمة إعادة النازحين.
وعمومًا ـ وكما ذكر د. حسن ـ فإننا بحاجة إلى الإحصاء وقراءة الوضع من على أرض الواقع أولًا، كي نتمكن من البدء في العلاج طويل المدى أو العلاج الاستراتيجي، ولكن في نفس الوقت كما ذكرت فإن الحكومة الانتقالية بحاجة إلى علاج عاجل لبعض الملفات والأزمات.
* د. حسن؛ كيف يمكن أن نستفيد من رؤيتك بخصوص توجيه السياسات التنموية لإعادة بناء سوريا؟، كيف يمكن أن نوجه طاقات البحث العلمي في ظل المعطيات الحالية؟
** د. حسن المكداش: أنا أتفق مع ما ذكره د. معن في نقطة تكبير فرق العمل، وإدخال كفاءات في الحكومة الانتقالية، وأضيف أنه من الضروري أن يتم تمثيل كل الأطياف السورية في فريق العمل، وذلك من أجل بناء الثقة وقتل المخاوف الموجودة لدى البعض حتى وإن كانت هذه المخاوف غير مبررة.
لو رأينا النظام الإحصائي الفيدرالي هنا في أمريكا، نجد أن الحكومة تصرف عليه حوالي 8 مليار دولار سنويًا، وكما تعلمون فإن مهمة الإحصاء في أمريكا لا تقتصر فقط على الحكومة، بل الجامعات وقطاعات عديدة تقوم بهذا الجانب أيضا، طبعا أنا لا أقارن بين هنا وبين سوريا، ولكنني أودّ إلى ضرورة وجود إحصاءات عن التعليم أو عن الصحة أو عن قطاع العمل أو غيرها، وهذا يجب أن تشارك فيه ابتداءً الحكومة والهيئات الرسمية.
نحن الآن بحاجة إلى دراسات وأبحاث صغيرة، وعلى عينات عشوائية، كي نبدأ في بناء دولتنا الجديدة بشكل علمي، على سبيل المثال سيكون لدينا في القريب مؤتمرًا يضم كافة الأطياف السياسية السورية، فلكم أن تتصوروا كم سيكون مفيدًا لو أن لدينا دراسات أو إحصاءات أو استطلاعات رأي حول رؤية الشعب للوضع السياسي وتطلعاته للوضع المقبل.
عودة الكفاءات
* د. معن؛ كيف يمكن تمكين الكفاءات السورية المغتربة في عملية التغيير وإعادة الإعمار؟
** د. معن الحسيني: السؤال مهم، ولكن إجابته صعبة للغاية، فهذا ليس دور الكفاءات، بل دور الدولة، فلا يمكن للكفاءات أن يعودوا ويقدموا ما لديهم بدون مقابل، أنا لا أتحدث عن المقابل كأجر فقط، بل يُفترض وجود بيئة مناسبة ومؤهلة كي يستطيع كل صاحب كفاءة أن يمارس عمله بشكل جيد.
لو ضربنا مثالًا بسيطًا لتوضيح الفكرة؛ لو قلنا إنني أعمل كممرض مثلًا، في أي دولة بالخارج، إذا ما قررت العودة إلى سوريا، هل سأجد عملًا؟، كم الأجر؟، ما هي المستشفيات المتاحة للعمل؟، وفي أي مناطق؟، هذه إجابات ستكون بحاجة لإجابة، ويجب على الحكومة أن توفرها، وهذا سيتحقق ـ كما ذكر د. حسن ـ من خلال وجود إحصائيات بسيطة حول حاجة الحكومة لهذه المهنة والأعداد المطلوبة والرواتب التي ستُعطى.
بالنسبة لرجال الأعمال؛ فإن رأس المال جبان، وليس هناك أي استقرار في القوانين، وبالتالي فإن أي رجل أعمال يريد نقل استثماره من مصر او تركيا أو غيرهما إلى سوريا، لن يأتي في ظل عدم وجود استقرار وعدم وجود كهرباء وعدم وجود بنية تحتية، ومع كل الاحترام فإن كل المؤتمرات لن تجدي نفعًا بدون تواصل حكومي مع الناس الموجودة على الأرض، وبدون إحصاءات حقيقية ودقيقة، وبدون برامج طموحة لجذب الاستثمارات، فإن الأمر لن يجدي نفعًا.
مبادرة مهمة
* د. علاء؛ أنت صاحب مبادرة مهمة فيما يخص الشأن السوري والتغيير الحادث الآن، هل لك أن تحدثنا قليلًا عنها؟، وهل ستجدي نفعًا في ظل حديث د. معن عن كون المبادرات الآن قد لا تأتي ثمارها بدون دور الحكومة وبدون وجود إحصاءات حقيقية؟
** د. علاء الدين السبيعي: لا شك أن الحكومة لديها أولويات مختلفة، وقد يكون هناك بعض الصعوبة في التواصل مع الحكومة، ولكن وجود المبادرات يظل ضروريًا ومهمًا، ويجب أن تكون المبادرات من خلال مؤسسات أو مجموعات استشارية لأنه قد يكون من الصعب على الحكومة في الوقت الراهن التعامل مع أفراد، وقد لا يكون إقامة المؤتمرات في الداخل السوري مفيدًا على المدى القريب، ولكن على المدى الطويل سيكون من المهم إقامتها وبناء شبكة من العلاقات.
نؤكد مرة أخرى على أن المبادرات تبدأ من عند الحكومة السورية، ومن ثمَّ ستكون هذه المبادرات صلة وصل مع الحكومة السورية في الداخل وتوحد جهود الخبراء في الخارج ضمن هيكل تنظيمي معين، مما يسهل التواصل مع الكفاءات السورية في الخارج.
** د. معن الحسيني: لدي تعقيب هنا، أنا أتفق معك تماما، لذا من الواجب على الحكومة أن تطرح ما الذي تريده؟، أن تعلن مثلا أننا بحاجة إلى 100 جهاز كذا، أو 10 مختبرات كذا، وتطلب ممن لديه الاستعداد أن يبدأ في التواصل معها، لكننا حتى اليوم لا نعرف أي شيء عن متطلبات الحكومة باستثناء الكهرباء والمازوت وغيرها من الضروريات الأساسية.
رؤى ومقترحات
* د. حسن؛ رؤى الكفاءات السورية المغتربة حول التغيير مهمة جدا، كيف تعلق في دقيقة من فضلك؟، ومن ثمَّ سنستمع إلى كلمة ختامية أخيرة من كل الضيوف.
** د. حسن المكداش: الكفاءات هم أناس تكنوقراط، بعضهم منعزل عن الساحة السورية ومتفرغ لدراساته وأبحاثه فقط، فلا أحد متفرغ للتسويق لنفسه أو الظهور إعلاميًا، بالرغم من أنهم عباقرة، وبالتالي فإن الدولة هي التي يجب عليها أن تعرف هذه الكفاءات وأن تتواصل معها.
ولا شك لدى أحد من أننا نريد أن نخدم بلدنا، وكما ذكر د. معن أنه يجب على الضرورة أن تطلب وتعلن عما تريده، ومن ثمَّ فإننا سنبدأ في التواصل وطرح الأفكار والرؤى في مجالاتنا، والجميع لديه النية الصادقة على المساعدة، فالشباب السوري في الداخل والخارج هم قوة سوريا.
** د. علاء الدين السبيعي: الموضوع معقد للغاية، ويجب علينا أن نبدأ بخطوات فعلية، التواصل مع الداخل السوري ووجود بعض المؤتمرات والربط بين الداخل والخارج جميعها من الأمور المهمة، مع ضرورة أن يقوم الإعلام السوري بدور أفضل مما يقوم به الآن.
** د. معن الحسيني: ندعو الجميع لزيارة سوريا، فالواقع مختلف تماما، وسنظل نعمل بكل ما نستطيع لحين انتهاء الحكومة من ترتيبات البيت الداخلي والبدء في طرح احتياجاتها، ولكن بدون طرح الاحتياجات فلا يمكن لأحد أن يقوم بأداء الخدمة المطلوبة، أيضا مسألة الإعلام في غاية الأهمية، فالتركيز الآن بالكامل على الأمور السياسية والاقتصادية، لكن من الضروري أن يكون هناك تركيزًا موازيًا على الجوانب المرتبطة بالتنمية والإعمار والبناء.