أخبار العالم العربيتقارير

الشرق الأوسط في 2024.. زلزال سقوط الأسد وأحداث وصراعات غيرت موازين القوى

بنهاية اليوم يودع العالم عام 2024 بحلوه ومره.. عام صعب شهد الكثير من الأحداث والتطورات التاريخية، وشهد رحيل قادة، وبروز قادة جدد على الساحة العربية والدولية.

بينما شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال العام أحداثًا مزلزلة، لا زالت تبعاتها وتطوراتها مستمرة وتنبئ برسم مرحلة جديدة للمنطقة تتغيير فيها موازين القوى وربما المشهد بأكمله.

فقد أدى انتصار الثورة السورية وسقوط نظام بشار الأسد والتغول الإسرائيلي غير المسبوق في غزة ولبنان، وحربها متعددة الأبعاد والأساليب في المنطقة، إلى سلسلة من التغييرات العميقة التي طالت موازين القوى الإقليمية، والتي من شأنها أن ترسم معادلات الصراع خلال العام الجديد 2025، وربما تستمر تداعياتها لعقود قادمة.

سقوط الأسد

بالنسبة للسوريين فقد أسدل عام 2024 الستار على المشهد الأفضل وغير المتوقع لهم وللكثيرين غيرهم حول العالم، حيث مثّل سقوط نظام عائلة الأسد – الذي استمر لأكثر من نصف قرن- خلال 12 يومًا فقط حدثًا مدويًا بمجرياته وأبعاده الإقليمية وتبعاته المستقبلية.

ويشبه كثيرون ما حصل في سوريا بالانقلاب الجيوسياسي، واعتباره الحدث الأبرز خلال العام، فقد حوّل الأنظار إلى دمشق، التي تجاهلها العالم لمدة 13 عامًا.

وقد مثّل سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر وسيطرة المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام على دمشق هزة ارتدادية كبرى، وخطَّ فصلا جديدا في تاريخ الشرق الأوسط يشي بتحول جيوسياسي عميق، لما لهذا النظام من تقاطعات وتداخلات وتحالفات في الإقليم.

فبعدما تمكنت قوات المعارضة السورية من السيطرة على عدة مدن رئيسية خلال أيام قليلة ووصولها إلى العاصمة دمشق، فر رئيس النظام البائد، بشار الأسد، صبيحة الثامن من ديسمبر إلى العاصمة الروسية موسكو، وانتهى حكم آل الأسد الدموي لسوريا، والذي استمر لأكثر من خمسة عقود.

ولم يكن انهيار نظام بشار الأسد -الذي كان متآكلا ومهلهلا وفقد قابلية الاستمرار منذ زمن- مجرد حدث سياسي أو عسكري، بل يعتبر لحظة مفصلية عكست بشكل ما التحولات التي شهدتها وتشهدها المنطقة بما فيها الحرب الإسرائيلية في غزة وعلى حزب الله في إيران، وسط صراعات متشابكة ومصالح دولية متقاطعة.

وبعد مفاجأة سقوط وهروب الأسد فاجأ السوريون العالم مرة أخرى بالتغيير الهادئ والاستقرار الذي لم يكن متوقعًا، حيث تشكلت إدارة جديدة في سوريا برئاسة أحمد الشرع، وحكومة جديدة بقيادة محمد البشير، وسط ترحيب دولي لافت وترقب حذر لمجريات الأمور ومآلاتها.

وبدأ النظام الجديد بإعادة ترتيب البيت الداخلي، في ظل جملة من التحديات والصعوبات السياسية والاقتصادية لإعادة بناء دولة تعد أحد الدول المحورية في المنطقة، وسط ترقب لتطور الوضع ومدى استقرار النظام الجديد، ودوره ضمن خارطة التحالفات والنفوذ في المنطقة، وطبيعة انخراطه في النظام الإقليمي الجديد.

حرب غزة

رغم أن سقوط الأسد يعتبر الحدث الأبرز عربيًا خلال 2024، إلا أنه لم يغطِ على المجازر الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة بأحداثها اليومية الدامية، والمستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.

ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” لم تكن الحرب الإسرائيلية على غزة هي الأكثر دموية ووحشية ضد الفلسطينيين في تاريخ الصراع فحسب، بل كانت الأطول على خلاف العقيدة العسكرية الإسرائيلية، والأكثر وضوحا في تسويغ الإبادة ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية ورسم معادلات جديدة في غزة أو الضفة الغربية وفي الإقليم بشكل عام كما أرادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

فقد حوّل نتنياهو المأزوم داخليا بالملاحقات القضائية والمحاط بحكومة يمينية متطرفة هجوم “طوفان الأقصى” الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 إلى خطة للتدمير ومشروع لبناء ما سماه الشرق الأوسط الجديد، وذلك من خلال شن الحرب على “7 جبهات” استطاع – وفق تقديره- أن يفرض فيها قوة الردع الإسرائيلية.

وبلغ عدد ضحايا الحرب العدوانية السافرة على غزة نحو 46 ألف قتيل ونحو 108 آلاف جريح منذ أكتوبر 2023، إضافة إلى دمار غير مسبوق في غزة شمل كل مناحي الحياة، وصنفت الأعمال الإسرائيلية في غزة جرائم حرب وإبادة.

ومع كل ذلك العنف الممنهج فشلت محاولات إسرائيل في تهجير الفلسطينيين من غزة وفي تحطيم إرادة المقاومة وإخضاعها لشروطها وفي إطلاق الأسرى والمحتجزين أو إنهاء حركة حماس، لكن الأثمان كانت بالغة القسوة، وسط صمت دولي تجاه التوحش الإسرائيلي الذي فضحته التقارير الدولية.

كما فشل المجتمع الدولي بشكل ذريع في إيقاف المجازر الإسرائيلية رغم انقلاب الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت في 22 نوفمبر الماضي بتهم ارتكاب “جرائم حرب” في غزة.

وتستمر المجازر الإسرائيلية في غزة وسط تعثر المفاوضات وانهيار الصفقات، بسبب تعنت إسرائيلي مقصود وممنهج.

اغتيالات إسرائيلية

شهد عام 2024 مجموعة من الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل لقادة في حركة حماس وجماعة حزب الله اللبناني، وهي الاغتيالات التي كان لها تأثير كبير على تطورات الأحداث وتغيير مجراها وخلخلة موازين القوى في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالدور والنفوذ الإيراني.

وجاءت الاغتيالات الإسرائيلية ضمن خطة تقوم على إضعاف بنية المقاومة من خلال قطع الرؤوس ثم بتر الأطراف وعزل إيران، وفق الإستراتيجية الإسرائيلية.

وكانت البداية باغتيال القيادي البارز في حركة حماس، صالح العاروري، في غارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير 2024.

وفي 30 يوليو، اغتالت إسرائيل القيادي العسكري البارز في حزب الله، فؤاد شكر، بغارة جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي 31 يوليو اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في تفجير عبوة ناسفة بمقر إقامته في العاصمة الإيرانية طهران.

وفي 17 سبتمبر نفذت إسرائيل عملية غير مسبوقة في التاريخ، وفجرت أجهزة النداء (البيجر) التابعة لحزب الله، وفي 18 سبتمبر فجرت أجهزة اللاسلكي، وتبين أن جميع الأجهزة كانت مفخخة مسبقا، ونتج عن هذه التفجيرات مقتل وإصابة الآلاف من عناصر حزب الله والمدنيين في لبنان وسوريا.

وفي 27 سبتمبر اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أثناء تواجده بالمقر الرئيسي للحزب تحت الأرض، في غارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت استخدم فيها عشرات الأطنان من المتفجرات.

وفي الأول من أكتوبر، أعلنت إسرائيل بدء عمليات برية في جنوب لبنان بالتزامن مع قصف مكثف من البر والبحر والجو، وأدت تلك العمليات إلى تدمير عشرات القرى والبلدات الحدودية في جنوب لبنان بشكل كلي أو جزئي.

وبعد يومين، استخدمت إسرائيل عشرات الأطنان من المتفجرات وضربت موقعا آخر لحزب الله تحت الأرض في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقتلت خليفة نصر الله، هاشم صفي الدين، في 3 أكتوبر.

وفي 16 أكتوبر، قتل رئيس المكتب السياسي لحماس، يحيى السنوار، خلال اشتباك مع قوات إسرائيلية في رفح.

مشهد إقليمي جديد

خلال عام 2024 أفرزت الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان والتصعيد مع إيران وفي اليمن وسقوط النظام في سوريا مشهدًا جديد لإقليم الشرق الأوسط.

وسعى نتنياهو خلال الحرب لإنهاء ما سماها وحدة الساحات، وفرض حقائق القوة عبر حملة التدمير المتواصلة في غزة والهجوم على إيران التي يبقى ردها معلقًا، وإجبار حزب الله على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي سيجعل الحزب معزولا في إطاره اللبناني ربما على المدى المنظور.

كما مثّل سقوط نظام الأسد في سوريا – على الأقل كممر للسلاح والعتاد- ضربة إستراتيجية لإسرائيل، في حين تبقى إيران معزولة تحصي خسائرها، وفق المحللين.

ومن شأن التغيير الجوهري الذي جد في المنطقة وأفرز واقعا إقليميا معقدا أن يحد من خيارات مقاومة الفلسطينيين في غزة، وكذلك في الضفة الغربية، لكن حالة الصمود المستمرة للمقاومة كخيار تاريخي وإستراتيجي للشعب الفلسطيني والخسائر التي منيت بها إسرائيل، والضغوط الدولية على نتنياهو قد تفرز واقعا جديدا، لكن كل ذلك يبقى معلقا بعام قادم مليء بالتحديات أكثر من الفرص.

الخاسر الأكبر

ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” يرى محللون أن إيران كانت “الخاسر الأكبر” في “مواجهة العام” بعد إضعاف أذرعها وحلفائها من قبل إسرائيل أو انهيارهم كما حصل في سوريا، وهو ما سيجعلها معزولة أمام التهديدات الإسرائيلية المستمرة بشن هجوم عليها باعتبارها “رأس محور المقاومة”.

ويعتقد محللون أن طهران -التي فقدت جزءا كبيرا من نفوذها وأوراقها في المنطقة إن لم تكن قد خرجت منها- أمام خيارات صعبة عام 2025 تتراوح بين مواصلة “لعبة حافة الهاوية” مع إسرائيل مع مخاطر نشوب حرب كبرى بالمنطقة أو القبول بصفقة غير مضمونة تتنازل بموجبها عن طموحاتها النووية، خصوصا وهي في حالة ضعف، أو اللجوء إلى خيار تصنيع السلاح النووي، وهو الخط الأحمر الذي لن تقبل به إسرائيل ولا الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب.

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025 يرجح أن يأمل نتنياهو في نيل الضوء الأخضرالأميركي للمضي في الضغوط القصوى على إيران، والدعم لسياساته الاستيطانية وحربه في غزة والبقاء في الأراضي التي احتلتها مؤخرا في سوريا ومزيد التصعيد ضد الحوثيين في اليمن.

الجبهة اليمنية

وتنظر إسرائيل بقلق بالغ وحيرة إلى جبهة الإسناد التي فتحها الحوثيون ضدها في البحر الأحمر، ثم تصاعد ضرباتهم الصاروخية التي طالت مدنا ومرافق إسرائيلية، وفشلت تل أبيب في اعتراض العديد من الصواريخ والمسيّرات، كما فشلت في ردع الحوثيين بهجومين مباشرين على الحديدة وصنعاء.

وبالنسبة لنتنياهو، تبقى “الجبهة اليمنية” هي الحلقة الأخيرة الساخنة ضمن “حزام النار”، وهو ما قد يجعلها محور تركيز إسرائيلي وأميركي أيضا خلال عام 2025، في ضوء تهديدات إسرائيلية بتكثيف الهجمات وربما التدخل مباشر بإسناد أميركي.

نتنياهو وترامب

ويبحث نتنياهو عما يسميه “نصرا كاملا” خلال سنة 2025 ضمن الأهداف الرئيسية التي يتقاسمها مع اليمين الإسرائيلي بتغيير شكل الشرق الأوسط بفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة، وإعادة الاستيطان في قطاع غزة، ومهاجمة إيران وإنهاء برامجها النووي، لكنه يبقى بحاجة لتأييد من الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب الذي لم تتضح سياساته في المنطقة بعد.

ويرى محللون أن عودة ترامب وسياساته وتوجهاته ستعد “حجر الرحى” في تشكيل المشهد الجديد بمنطقة الشرق الأوسط والعالم، وفي تذكية الصراعات أو ضبطها، مع شكوك تعتري المحللين والمراقبين في إمكانية كبح جماح إسرائيل.

ويمكن قراءة عام 2024 في منطقة الشرق الأوسط باعتباره عام التحولات الكبرى والعاصفة يراها المحللون بكونها قد تفتح الباب أمام آمال ضئيلة في الاستقرار واحتمالات كبيرة للانفجار ومزيد من التغييرات الجيوسياسية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى