أخبارأخبار العالم العربيالراديو

سوريا بعد الأسد.. مستقبل آمن وأفضل أم غامض ومجهول؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

في غضون عدة أيام فقط نجح الهجوم الذي نفذه الثوار السوريون في إسقاط النظام السوري، الذي ظل متمسكًا بالسلطة لمدة 24 عامًا، وفاجأ الثوار العالم بانتصارات كبيرة وسريعة متتالية بدأت بالسيطرة على عشرات البلدات في شمال البلاد ثم حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، ومن بعدها إدلب وحماة ثم حمص، وتوجت انتصاراتها بدخول العاصمة دمشق وإعلان إسقاط النظام، وفرار بشار الأسد إلى روسيا. فما الذي حدث، وما هي تداعياته، وما هو المستقبل المنتظر لسوريا في ضوء هذه التطورات؟

لتوضيح ملابسات هذا الهجوم الذي شنته المعارضة والذي يعد الأول من نوعه منذ عدة سنوات، وتداعيات ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، استضاف راديو صوت العرب من أمريكا الدكتورة ناهد غزول، لقراءة الوضع الحالي في سوريا والإجابة على العديد من التساؤلات.

هل من يقاتلون اليوم في سوريا إرهابيون أم معارضة وثوار؟، من يدعمهم؟، ولماذا؟، هل تلقوا ضوءًا أخضر من جهة ما؟، أم استغلوا الظروف الإقليمية وبدأوا تحركهم؟، وما سر هذه الانتصارات السريعة التي حققوها؟، ولماذا انسحب الجيش السوري أمامهم، وأين كانت دفاعاته؟، وهل بالفعل تغيرت موازين القوى في سوريا على الأرض؟

ثم ماذا بعد الإطاحة بالأسد؟، وكيف سيكون مصيره؟، وما هو البديل؟، هل ستشهد سوريا بديلًا آمنًا يجنبها مخاوف الانقسام والصراع المستمر؟، وهل هناك ما يبرر المخاوف من حدوث صراعات بين الفصائل المسلحة، أو الخضوع لسيطرة جماعات متطرفة؟، وما هي تداعيات ذلك على الدول المجاورة والمنطقة العربية؟، وهل ستشهد سوريا الجديدة دعمًا ومساندة من المجتمع الدولي أم سيستمر الإهمال والتجاهل؟

د. ناهد غزول، أكاديمية وباحثة سورية، وعضوة غرفة المجتمع المدني التابع للأمم المتحدة، ورئيسة مجلس دمشق الوطني، والأمين العام للقبة الوطنية السورية.

انتصار الثورة
* د. ناهد غزول؛ في البداية نبارك لكِ وللشعب السوري هذا الانتصار العظيم لثورته؟

** شكرًا لكِ، وتحياتي لكل من يتابعنا، وألف مبروك للجميع، هذا عيد للحرية التي يشعر بها السوريين لأول مرة ربما منذ أكثر من 100 عام.

* ما الذي حصل وما هي تداعياته؟، هناك من يتساءل حول كيفية فتح كل هذه المدن بهذه السرعة أمام فصائل المعارضة، نريد نظرة سريعة على واقع قد لا يفهمه الكثيرون.

** لم يكن فتحًا سهلًا لكافة المدن، بل كانت هناك معارك طاحنة في ريف حمص، وثم في محاور مدينة حمص، وقد سقط الكثير من الشهداء والمصابين، صحيح أن المعارك لم تكن كتلك التي اعتدنا عليها من قبل النظام السوري حين بدأت الثورة السورية في آذار 2011م، حين استعمل النظام البراميل المتفجرة والطائرات والصواريخ بكافة أنواعها، ولكنها في نفس الوقت كانت صعبة للغاية أيضا وليست بالسهولة التي يصورها البعض.

أذكر هنا مقولة نابليون الشهيرة: “الجيوش تزحف على بطونها”، فإذا كانت البطون خاوية، فكيف يمكن لهذا الجيش أن يزحف؟، ما يتقاضاه الجندي السوري لا يتجاوز 3 أو 4 دولارات شهريًا، وما يتقاضاه أكبر رتبة عسكرية إذا كان شريفًا ولا يسرق لا يتجاوز الـ 15 أو 20 دولارًا، فكيف تتوقعون من هذا الإنسان أن يكون قادرًا على الدفاع عن وطنه؟

كما أن من يُدفَع بهم للدفاع عن وطنهم ويُسحبون للجندية الإجبارية لا يخضعون لمعسكرات تدريبية ولا تدريب قتالي يؤهلهم لخوض معركة، وقد وُضِعَ هؤلاء على الخطوط الأمامية، بالذات على حدود مدينة إدلب والمحاور الخارجة عن سيطرة النظام.

اتفاقيات آستانة لخفض التصعيد عملت على مدار الأربع سنوات على منع المعارضة من توجيه أي رصاصة للنظام، بينما روسيا وإيران والنظام لم يلتزموا بهذه المعاهدات، وكانوا بشكل دائم يقومون بقصف السوريين، لدرجة أن الإيرانيين كانوا يستهدفون المزارعين في الأراضي والأطفال والنساء بطائراتهم الدورون الانتحارية، ناهيك عن قصف النظام وروسيا بالطيران للمدن وهدم البيوت والخيام وتشريد المدنيين وقتلهم.

وهذا ما دفع الجيش السوري الحر ومعه فصائل معارضة أخرى للتوحد والقيام بعملية “ردع العدوان”، التي كانت منظمة للغاية وليست عشوائية أو حرب شوارع، وهو ما عزّز نجاحها، بالإضافة إلى أن الجنود على الخطوط الأمامية لم يكونوا مؤمنين بعقيدة الدفاع عن الأسد أو النظام، وحين آمن هذا الجندي البسيط أنه لن يُقتَل.. قام بتسليم سلاحه، وهو ما سهّل انتصار المعارضة.

ضعف وانهيار
* كيف تفسرين الفيديوهات المتداولة حول صدور أوامر للجنود بترك أسلحتهم والهروب من مواقعهم؟

** هذا لمنع حمامات الدماء، فأولًا سقوط حلب لم يكن في الحسبان أو البال، ووفقًا لمعلوماتي فإن معركة حلب كان يُحضر لها منذ أكثر من عام، كل شيء كان مرسومًا بدقة متناهية وتم رصد المال والعتاد له، وبعد سقوط الصفوف الأولى في حلب بهذه الطريقة لم يعد بإمكان من تبقى الدفاع عن نفسه، فلم يكن هناك مفر إلا تسليم السلاح للنجاة ولمنع حمامات الدماء.

ومن الملاحظ أيضا أنه قد تمت إقالة القائد الروسي للعمليات الميدانية في سوريا، وذلك لأنه لم يأخذ أي خطوات عملية لمواجهة قوات المعارضة، ولا نعرف هل لم يتصرف ويأخذ أي خطوات لأنه وجد أن هذا الجيش قد بات ضعيفًا جدا، أم لأنه وجد هذه المعركة خاسرة ولا جدوى منها.

* هناك من يتحدث عن تخلي إيران وروسيا عن بشار الأسد، وهناك اتهامات لبشار بأن جيشه أولًا هو من تخلى عنه، وبالتالي لا تستطيع أي دولة الدفاع عن نظام تخلى جنوده عن مواقعهم وأسلحتهم، فما هي الحقيقة بين هذين الاتهامين؟

** من المعروف عن بشار الأسد أنه شخص نرجسي وعنيد جدا، ربما روسيا قد ضاقت ذرعًا وهي تحاول أن تعوّمه عبر 19 أو 20 فيتو في مجلس الأمن، ثم ذهبت روسيا إلى دول عربية وطالبتها باحتضان النظام مجددًا وتطبيع العلاقات معه، ثم ذهبت كذلك إلى تركيا وطالبت أردوغان للتطبيع مع النظام، وبالرغم من ذلك كان بشار يتعنت في التطبيع مع بعض هذه الدول، ومن المؤكد أن روسيا قد ضاقت بموقف بشار حيال كل جهودها، صحيح أن روسيا لم تتخل عن حليفها الأسد، ولكن ظروفها الصعبة أجبرتها على عدم دعمه بشكل يفوق قدراتها الحالية.

بالنسبة للثوار؛ فإن عملية طوفان الأقصى قد ساعدت بشكل كبير في الوصول إلى هذه النتيجة، فتدخل إيران في سوريا والهجمات السورية ضد إيران وتصفية القيادات الإيرانية وقيادات حزب الله، كان لهذه الأمور أثرها في زعزعة قوة إيران في سوريا، وفي ظل ضعف جيش النظام السوري في الدفاع عن نفسه وعن أماكن تواجد الإيرانيين في سوريا، وجد الإيرانيون أنفسهم في خطر كبير، لدرجة أنهم قالوا رسالة واضحة للنظام: إذا لم يستطع الجيش السوري الاستبسال للدفاع عن أرضه، فإننا لا يمكننا إرسال الزينبيين والفاطميين للدفاع عن النظام والدفاع عن سوريا نيابةً عن الجيش السوري.

حقيقة قوات المعارضة
* نستطيع إذن القول إن الظروف الإقليمية هيأت السبل لتحالف القوات المشتركة للمعارضة السورية للتحضير للعملية الكبرى التي شاهدنا في نهايتها سقوط نظام الأسد، ولكن هناك تساؤلات كبيرة حول من يقاتل في سوريا اليوم؟، هناك من يقول إنهم إرهابيون، أو أنهم معارضة وثوار، وهناك نظريات مؤامرة حول من يدعمهم.

** هذه أسئلة محقة، ونبدأ بأول سؤال حول من يقاتل على الأرض؟؛ إنهم أبناء سوريا من الثوار، هم أبناء المدن المهجرة، هؤلاء هم من ضاقوا ذرعًا من المجتمع الدولي الذي انتظروه أكثر من 13 عامًا كي ينقذهم ولم يفعل، بل كان يعمي عينيه عما يفعله النظام، وبات المجتمع الدولي يتقبل النظام مجددًا ويضمّه للحاضنة الدولية.

الفصائل المقاتلة على الأرض تقودها هيئة تحرير الشام، وقد يعود ذلك لجاهزيتها العالية وتدريبها وتوافر السلاح والعتاد لديها، ومعها الجيش الوطني التابع للائتلاف الوطني السوري وذراعه التنفيذي الآن وهي الحكومة المؤقتة، وهناك فصائل أخرى في الشمال السوري حيث يتواجد الكثير من الأكراد، وهؤلاء لم ينضموا للجيش الوطني ولا لهيئة تحرير الشام؛ مثل الجبهة الشامية والصقور وأحرار الشرقية وغيرها من الفصائل، ويُضاف إلى ذلك كثير من الشباب ممن استطاعوا حمل السلاح من الأماكن المحررة أو من المنشقين عن النظام.

هناك تطور أراه طبيعيًا قد حدث في شخصية أحمد الشرع، أو أبو محمد الجولاني، ولا أعتقد أبدًا أن هناك من أعاد تأهيله أو من يوجهه أو هناك جهة أجنبية تقف ورائه أو وراء فصائل المعارضة، وأنا أظن أنه لن يأتي كرئيس لسوريا، ولكنه سيترك بصمة في حياة السوريين وفي معادلة الشرق الأوسط، ما يمكن ملاحظته فقط هو أن وسائل الإعلام الغربية قد أجرت معه بعض اللقاءات قبل عامين أو أكثر في محاولة لإعادة تقديمه بصورة مختلفة للشارع الغربي، وهذا ربما يأتي نتيجة توافر الأمان والاستقرار في حلب في ظل سيطرة المعارضة عليها.

* نلاحظ الآن تغيّر في تسمية فصائل المعارضة من اعتبارها حركات إرهابية إلى قوات ثورية ومعارضة، وهناك الآن دراسة جارية لرفع حركة تحرير الشام من الكيانات الإرهابية.

** هناك الآن جهد لتغيير الصورة النمطية التي أطلقتها أمريكا على بعض المعارضة السورية وعلى الجولاني، ودعونا أولًا نتوقف قليلًا عند كلمة إرهابي، فمن هو الذي وضع تعريفًا لكلمة إرهابي؟، أنا كأكاديمية إذا أردت أن أعرّف الإرهابي فهو الشخص الذي يسبب الذعر والرعب الذي قد يودي إلى الموت أو أي نوع من الانتهاك لشخص آمن ومسالم لم يفعل له أي شيء، الإرهاب قد يكون على أفراد أو تجمعات أو دول، ولكننا نجد أن هذا ليس التعريف العام للإرهاب، وإنما أمريكا إذا كانت عدوة لشخص فإنها تعتبره إرهابيًا، فمثلًا في فلسطين نجد أن كل مقاوم يدافع عن وطنه، يتم اعتباره إرهابيًا من وجهة نظر إسرائيل وأمريكا، فهل هذا صحيح؟

منذ فترة كانت هناك عملية كبيرة لاستهداف أحد قيادات داعش، وطُلِبَ من الجولاني أن يقوم بحماية قوات الكوماندوز الأمريكية، لم يُطلب ذلك من الأتراك أو من أي جهة أخرى، وهذا يعني أن هناك تواصل بين أمريكا والجولاني، وبحسب معلوماتي فإن هناك لقاءات بين الإنجليز والأمريكان يلتقون مع الجولاني شهريًا، لأن هناك سجون بها دواعش وهو مفوّض بحمايتها، ويُقدم له دعم مالي من أجل تقديم الغذاء والدواء وغيرها.

ودعيني أخبرك بشيء من المفارقات التي حدثت مؤخرًا، أنه حين داهمت المعارضة مقرات للروس في دير الزور، وجدوا ملابس لداعش كانت موجودة ويرتديها الجنود الروس ويدعون أنهم من داعش حين تنفيذ عملياتهم، ونحن الآن نتحدث ونؤكد أنه لا يوجد أي دواعش أو إرهابيين بين قوات المعارضة التي أسقطت النظام، والدواعش قد كفّروا أحمد الشرع وأخرجوه من الملة، وكل عناصر هيئة تحرير الشام كانت مستهدفة.

وبالتالي يمكننا القول إن الجولاني قد تمت إعادة تأهيله، ولكن لا يمكن أن نقول إن تركيا أو غيرها كانت تدعمه أو تدعم العملية التي قامت بها المعارضة، بل على العكس كما ذكرنا فإن أردوغان كان يحاول التقرب من بشار قبل العملية بأسابيع قليلة.

* هناك من يسأل؛ من أين حصلت قوات المعارضة على كل هذه الأسلحة؟

** هيئة تحرير الشام مدربة ومؤهلة بشكل كامل، ولديها سلاح قد حصلت عليه من خلال معاركها الأولى مع النظام، وغيرها حصلوا عليها من مستودعات النظام مع دخولهم إلى كل مدينة جديدة، والمهم بخلاف السلاح هو أن المعارضة السورية قد تعلّمت من أخطاء الماضي، فلم تكرر أخطائها التي ارتكبتها في السابق.

ما بعد الأسد
* السؤال الأهم الذي يطرح نفسه اليوم؛ ماذا بعد بشار الأسد؟، ما هو البديل الذي سيقود المرحلة الجديدة في تاريخ سوريا؟

** المشهد معقد للغاية، في الحقيقة لقد كنا نخوض نضالًا مريرًا عبر 13 عامًا، سواء على الأرض او من خلال طاولات التفاوض، ودعينا نؤكد أنه لن يكون هناك انتصار سياسي ما لم يكن هناك قلمًا عسكريًا يخط انتصارات على الأرض، وأن يجبر الطرف الأخر بالجلوس على طاولة المفاوضات، الآن بدأت مرحلة العمل الجاد لمواجهة التحديات التي تركها هذا النظام الذي فرض على المجتمع التقسيم، من خلال جعله طائفة تخرج لقتال طائفة أخرى، ولم يكتفِ بذلك، بل تترك لنا مجتمعًا منهار اقتصاديًا، وفاقد للبنية التحتية، ومشتت في كل مكان.

إذن نحن أمام مرحلة كبيرة جدا فيما يخص البناء، ولكن التطمينات التي تأتي الآن من الدول العربية بانهم سيقفون مع سوريا، والبيان السعودي بأن المملكة ستقف مع الشعب السوري وستساعده على بناء دولته، هذا شيء رائع جدا، نحن نريد أن نكون دولة تتميز بحسن الجوار ونتطلع لأن نكون دولة حسنة الجوار، لا نريد أن نكون جمهورية الكبتاغون، نحن نتطلع إلى مساعدات على كافة الأصعدة من المجتمع الدولي، وأن يقف معنا.

فيما يخص مسألة التقسيم؛ سمعنا الكثير من الأقاويل حول وجود دولة في الجنوب وستكون تبعيتها لإسرائيل، ودولة في الساحل وستتبع روسيا، ودولة في الشمال وستتبع لهيئة تحرير الشام وتركيا، ودولة أخرى في الشرق، ولكن دعوني أقول إنه لن يكون هناك هذا التقسيم، فما سهّل سقوط دمشق هو التحرك من السويداء ومن درعا، وهذا التحرك هو ما سمح للفصائل أن تتحرك بسهولة ويخف ضغط القتال عليها، وحين نتحدث عن التقسيم يكون خوفنا مركزًا حول المنطقة الشرقية، ولا سيما من “قسد”، فلديهم أجندة عابرة للخارطة السورية، هم يستأسرون الآن بجزء كبير من ثروات سوريا من المياه والنفط والموارد الطبيعية، وهم تحت الحماية الأمريكية.

لكن ما يطمئننا حتى الآن هو أن الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة يؤكدون أنهم لا يريدون أن يروا سوريا مقسمة، وقد زارتنا المبعوثة الأمريكية مؤخرًا في باريس وأكدت على نفس المعنى.

الاختراقات الإسرائيلية
* لو تحدثنا الآن عن الاختراقات الإسرائيلية للأجواء والأراضي السورية في عهد النظام السابق، نظام بشار الأسد، الذي كثيرًا ما كان يردد أنه يحتفظ لنفسه بحق الرد، رغم أن الضربات كانت ممنهجة ومتكررة، لماذا الآن هناك استغراب من أن إسرائيل قامت بالتوغل في الأراضي السورية؟

** نحن نستهجن الاختراقات الإسرائيلية، ونطلق نداءً لكل من له تأثير على إسرائيل ان يوقف هذا العدوان، فتحت الآن في مرحلة العدوان والاعتداء الصريح على سوريا، نتنياهو أعلن أنه لم يعد ملتزمًا باتفاقيات وقف إطلاق النار لعام 1974م، وبغض النظر عن الاعتداءات الآن أو حتى تلك التي كانت تقوم بها إسرائيل في عهد الأسد ضد المواقع الإيرانية أو مواقع الأسلحة الكيمياوية أو غيرها، فإنها في كل الأحوال تعدّ اختراقًا للسيادة.

* هل يمكننا القول إن إسرائيل قد فقدت الأمان بانهيار نظام الأسد، لذا نجدها تخترق المعاهدات وتتوغل في الأراضي السورية؟

** نعم، بكل تأكيد، فالأسد قبيل رحيله قد سمح لإسرائيل بالتوغل في الحدود السورية المتاخمة للأردن بحوالي 15 إلى 20 كيلومتر، ولكن بشكل عام فإن العدوان الأخير غير مبرر.

ما يجب التحذير منه الآن هي حالة الفوضى التي يتسبب فيها بعض أذيال النظام والعلويين، وينسبون تلك الفوضى والقلق والاعتداءات على المدنيين إلى الثوار وفصائل المعارضة المسلحة، وأنا هنا أوجه نداءً للمجتمع المدني بمساعدة الحكومة الجديدة في حماية المؤسسات العامة والبنوك، وأن تكون هناك حالة من الوعي لدى الناس.

سوريا جديدة
* في الحقيقة أشعر بالحزن الشديد حد البكاء وأنا أرى المشاهد الصادمة والبشعة لسجون النظام، بكيت لمدة 4 أيام متواصلة وأنا أرى من يخرجون من المعتقلات وهم يتحدثون عن المعاناة التي عانوا منها في سجون النظام، والغريب أن هناك من يشكك في تلك المشاهد ويشكك في صدقها.

** أتمنى أن يراها من يقول لنا إن المعارضة لن تكون أفضل، أنا أقول لهم: فليأت من يأتي، فلن يكون هناك أسوأ من حكم الأسد، لقد كان لدينا سفاح يشبه أفلام الخيال، في برادات مشفى حرستا هناك الآن الكثير من الجثث التي خرجت من سجن صيدنايا، لقد وصل الإجرام بنظام الأسد أنهم وضعوا محرقة داخل السجن لحرق الجثث حتى يتخلصوا منها تماما.

كنا في زيارة إلى الآلية الدولية المحايدة المستقلة في جنيف، فأخبرونا بأنهم وثقوا 2.7 مليون انتهاكًا في سوريا، أغلبها للنظام السوري، عبر 175 أداة توثيق؛ من أقمار صناعية وشهود عيان وفيديوهات وصور وغيرها، وأتمنى أن يتم مواصلة الدعم لهذه الآلية حتى يستمر التوثيق والاستفادة مما وصلت إليه تلك الآلية، لأنه إذا ما توقف الدعم فإن الأوراق والمستندات ستدخل إلى أدراج الأمم المتحدة، وسيكون من الصعب إعادة استخراجها مجددًا، ومن ثمَّ صعوبة جلب المتورطين إلى المحاكم.

نحن نقول لكل من يشكك بنا؛ كفى.. لقد انتهت فترة الإملاءات، السوريون حرروا سوريتهم، ويناشدون كل حر وكل دولة تحب السلام بأن تمد يدها لهم، لأنهم جاؤوا لبناء دولة العدالة الانتقالية، وليست العدالة الانتقامية، دولة تأتي بالمجرم ليُحاكم أمام الجميع، نحن جئنا لكي نبني دولة الحرية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى