بين مكاسب المعارضة ومواقف تركيا وإيران وروسيا.. إلى أين تتجه الأوضاع في سوريا؟
أثارت التطورات المفاجئة التي شهدتها الساحة السورية الكثير من علامات الاستفهام بشأن مواقف الأطراف الرئيسية الفاعلة هناك، والتي يحاول كل منها تحقيق مكاسب سياسية وأمنية خاصة به على حساب الآخرين.
ففي الوقت الذي تبدي فيه إيران قلقًا واضحًا من التراجع الكبير لقوات النظام خلال الأيام الأخيرة أمام تقدم المعارضة، تبدي تركيا ارتياحا للأمر، بينما يبدو الموقف الروسي باردًا إلى حد كبير مقارنة بما كان عليه في السنوات السابقة.
تثبيت المكاسب
ويقول الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن المعارضة السورية فعلت كل ما تريد وإنها تعمل حاليا على تثبيت ما حققته من انتصار في حلب، تمهيدًا للذهاب باتجاه حماة التي قال إنها ستكون خط التماس الرئيسي مع قوات وزارة الدفاع السورية.
ويرى حنا أن قوات النظام لن تسمح للمعارضة بتجاوز حماة والوصول إلى مدينة حمص ومنها إلى الساحل، وأنها ستعتبر هذا خطا أحمر، مشيرا إلى أن المعارضة لا تملك العتاد اللازم لبلوغ حمص.
وتوقع حنا أن تعمل القوات الحكومية على دفع المعارضة باتجاه إدلب لخلق خط لا يتم تجاوزه، لافتا إلى أن السقوط السريع لهذه المدن بيد المعارضة كان سببه نقص العدد في قوات الحكومة بسبب غياب قوات حزب الله والمليشيات الأخرى.
وخلص الخبير العسكري إلى أن من يملك حماة سيحدد كثيرا من الأمور في المستقبل، وقال إن الاختبار الأكبر للمعارضة سيكون في ريف حماة الشمالي.
قلق إيراني
وفقًا لموقع “الجزيرة نت” فإن السبب في القلق الإيراني هو التراجع الكبير للأوضاع الميدانية التي كانت تريد تثبيتها في سوريا، خصوصا في ظل احتمالات انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
وقال مدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز إن طهران تتعامل مع ما يجري في سوريا على أعلى مستوى، وهو ما دفعها لبدء تحرك دبلوماسي سريع مع التأكيد العلني على مواصلة دعم الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته وجيشه.
وأشار إلى أن طهران تعرف أن تفاعلات الميدان لا تحتمل كثيرا من التفاوض، خصوصًا أن سوريا هي المربع الذهبي بالنسبة إلى إيران فيما يتعلق بدعم حزب الله اللبناني إذا تجددت الحرب بينه وبين إسرائيل.
لذلك، فإن طهران -التي تتفهم المخاوف التركية الخاصة بسوريا- تدرك أنه لا مناص من إيجاد مساحة مشتركة يمكن لأطراف منصة أستانا الوقوف عليها تفاديا لصدام محتمل -وإن كان مستبعدا- بين هذه الأطراف على الأراضي السورية.
ولأن الواقع الميداني هو أكثر ما يقلق الإيرانيين في اللحظة الراهنة، وفقًا لفايز، “فإنهم يحاولون إيجاد مخرج لقضية تبدو بلا مخرج من خلال العودة لمسار أستانا المعطل وغير الناضج ميدانيا وسياسيا، لأنه المساحة الوحيدة التي تجمع إيران وتركيا وروسيا”.
ولعل ما يدفع إيران إلى البحث عن أي وسيلة للخروج من الوضع الحالي هي تلك التغيرات الإقليمية التي أفرزتها عملية طوفان الأقصى والتي جاءت كلها في مناطق النفوذ الإيراني.
ومع الضربات الوازنة التي تلقتها إيران، وخروجها من حالة الردع غير المباشر إلى الردع المباشر مع إسرائيل، فإنها لا تملك حاليا إلا التدخل سياسيا وميدانيا للملمة الوضع بكل السبل.
ويرى خبراء أن حرب لبنان أضعفت حزب الله، وضربت منظومة إيران الأمنية، وأحدثت تغيرات جوهرية أدت لفراغ قوة في سوريا كان من الطبيعي أن تتحرك قوة ما لسده، وهو ما استفادت منه المعارضة السورية.
وقالوا إن طهران “ماضية في مسارها حتى النهاية، وستحاول إبقاء النظام على أمل استعادة عافية حزب الله مجددا، أو أنها ستحافظ عليه لمقايضته بمصالح أخرى مع ترامب”.
الفخ التركي
وكان مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، قد قال إن تركيا وقعت في الفخ الذي حفرته لها أميركا وإسرائيل، وهو ما لم تكن تتوقعه إيران، حسب قوله، مشددا على أن بلاده ستدعم سوريا حتى النهاية.
وردا على سؤال بشأن دور تركيا في المعارك الجارية بسوريا، قال علي ولايتي في حوار مع وكالة تسنيم إن “تركيا أصبحت للأسف أداة في يد أميركا والكيان الصهيوني”.
وأضاف: “لم نتوقع أن تقع تركيا، التي لديها تاريخ إسلامي طويل، في الفخ الذي أعدّته لها أميركا والصهاينة”. واعتبر أنه من المثير للدهشة أن “تُرتكب مثل هذه الأفعال باسم الشعب التركي، الذي ظل على مدار التاريخ ثابتا على موقفه من الإسلام بإيمان راسخ”.
ووجّه ولايتي رسالة إلى أطراف أخرى قائلا إنه “على أميركا والصهاينة، والدول الإقليمية، سواء كانت عربية أو غير عربية، أن يعلموا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستواصل دعمها المطلق للحكومة السورية حتى النهاية”.
وأكد المسؤول الإيراني أن عدد حلفاء سوريا اليوم أكبر من عدد حلفائها في عام 2011، “فإلى جانب إيران، هناك روسيا، وحزب الله اللبناني، الذي أصبح أقوى من أي وقت مضى، والحشد الشعبي العراقي، الذي يُعدّ قوة مدهشة، والحوثيون في اليمن، والأعزاء الفلسطينيون”.
وأكد أن هؤلاء الحلفاء “جميعهم متحدون في دعم وحدة أراضي سوريا وحكومتها الحالية”. ووجّه نصيحة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قائلا إن عليه أن يدرك أن “إدارة الديمقراطيين -التي هي في حالة تدهور- لم تقدم شيئا يُذكر لترقية السياسة الأميركية عالميا. بل كل ما تقوم به هو إشعال الفتن والحروب في مختلف أنحاء العالم”.
وأضاف أنه “إذا أراد ترامب أن يدير الفترة الجديدة من حكمه بحكمة، فعليه أن يتعلّم من تجربته في فترته الأولى، وأن يدرك أن أوضاع العالم اليوم أكثر صعوبة وتعقيدا من ذي قبل. ولا يوجد أي بلد مستقل سيرضخ لتهديداته وترهيبه”.
ارتياح تركي
أما في تركيا، فإن الحكومة تبدو مرتاحة لهذه العودة المباغتة للمعارضة وسيطرتها على الأراضي التي كانت مشمولة باتفاق أستانا الذي لم تلتزم به دمشق بدعم من طهران وموسكو.
وحتى لو لم تعلن أنقرة عن هذا الارتياح رسميا، فإنه موجود ومعروف، كما يقول مدير مكتب الجزيرة عبد العظيم محمد، الذي أشار إلي أن تركيا كانت الحلقة الأضعف في مسار أستانا خلال السنوات الماضية.
ويرى محللون أن تركيا تتصرف بحذر إزاء هجوم المعارضة المباغت، غير أنها تأمل في عودة جزء من 3 ملايين لاجئ سوري لديها إلى بلادهم، وفي الحصول على فرصة لإزالة التهديد الكردي على حدودها الجنوبية.
ورجح خبراء أن تلعب تركيا دورا رئيسيا في المستقبل القريب لسوريا، رغم رفض الرئيس السوري بشار الأسد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق.
ويقول الباحث المشارك في المجلس الأطلسي في أنقرة عمر أوزكيزيلجيك إن تركيا لديها “علاقة معقدة وصعبة” مع هيئة تحرير الشام التي قادت هجوم الفصائل المسلحة على حلب.
ويوضح أن الهجوم كان متوقعا قبل “7 أسابيع، وكانت الخطط العسكرية (لتنفيذه) جاهزة، لكن تركيا منعت المتمردين من التقدم”، بينما قامت روسيا حليفة دمشق بـ”قصف مواقعهم بقوة” لإنقاذ النظام السوري.
ويؤيد الخبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن تشارلز ليستر وجهة نظر أوزكيزيلجيك، مشيرا إلى أن الهجوم كان من المفترض أن يُنفّذ في “منتصف أكتوبر، لكن أنقرة لم تعط الضوء الأخضر إلا بعد فشل محاولات تطبيع العلاقات مع دمشق والبحث عن حل سياسي وفق عملية أستانا التي ترعاها تركيا وروسيا وإيران منذ عام 2017.
وقُطعت العلاقات بين أنقرة ودمشق في 2011، بعد بداية النزاع السوري الذي قسّم البلاد إلى مناطق نفوذ وأسفر عن مقتل حوالي نصف مليون شخص.
غير أن أردوغان مدّ يده اعتبارا من عام 2022 لبشار الأسد، بعدما كان يصفه بـ”القاتل”. وفي يوليو الماضي، قال أردوغان إنه مستعد للقاء الأسد “في أي وقت”، غير أن الأخير ربط عقد هذا اللقاء بانسحاب القوات التركية من سوريا.
وكانت أنقرة تأمل من خلال هذه المصالحة تسهيل عودة جزء من حوالي 3 ملايين لاجئ سوري موجودين على أراضيها تحول وجودهم إلى قضية سياسية ملحّة.
وفي هذا الإطار، يقول عمر أوزكيزيلجيك إنه “مع تغير الوضع في الميدان، تبدو تركيا اللاعب الرئيسي في سوريا في الوقت الحالي، وسيتعين على إيران وروسيا التفاوض معها على حل سياسي للنزاع”.
ومنذ 2016، نفذت تركيا عدة عمليات توغّل ضد ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، مما سمح لها بالسيطرة على مناطق على طول الحدود.
وكان الهدف من ذلك هو إبعاد القوات الكردية المسلحة، بما في ذلك “وحدات حماية الشعب” الحليفة للدول الغربية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وتعتبر تركيا أن “وحدات حماية الشعب” فرع من حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي بأنه منظمة إرهابية.
ويرى الخبراء أن تركيا ستستفيد مما يجري حاليًا في تلجيم الأكراد الذين يُستخدمون لإزعاجها من جهة، وفي إعادة ملايين اللاجئين السوريين من جهة أخرى، مما يعني أنها ستحاول الاستفادة من التغير الحالي بكل الطرق.
الموقف الروسي
من ناحية أخرى، وعلى عكس المتوقع، تبدي روسيا -التي ساعدت بقوة في إنقاذ الحكومة السورية طيلة السنوات الماضية- برودًا إزاء ما يحدث، لدرجة أنها لم تصدر موقفا رسميا واضحا حتى الآن.
ووفقا لمدير مكتب الجزيرة في موسكو زاور شاوج، فإن الموقف الروسي لم يتجاوز خانة الحديث البروتوكولي حتى، كما أن التعاطي الإعلامي الروسي مع التطورات الجديدة لا يكاد يذكر.
وقال شاورج إن وزارة الدفاع الروسية “تتعامل وكأن شيئا لا يحدث في إحدى أهم مناطق نفوذها، فضلا عن غياب الحديث عن مراكز المراقبة الروسية التي انسحبت قبل الهجوم”.
وأشار شاوج إلى معلومات – لم تنفها موسكو ولم تؤكدها- بشأن وجود الأسد في سان بطرسبورغ خلال هجوم المعارضة، مضيفا أن المعلومات تقول إنه لم يلتق أي مسؤول روسي هناك، وهو أمر يعكس تحفظات الروس على سلوكه السياسي وتجاهله رغبتهم في الجلوس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في الوقت نفسه، فإن هناك تحركات دبلوماسية من خلال اتصالات الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف مع الشركاء في مسار أستانا، وربما تكشف الأيام المقبلة عن موقف روسي صريح بشأن وقف تمدد المعارضة من عدمه، كما يقول شاروج.
وعن الموقف الروسي مما يحدث، قال خبراء إنها ربما تستعد لمجيء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي قد تقايضه بسوريا على أوكرانيا ومكاسب أخرى، مشيرا إلى أنها لا تملك ما تقدمه للرئيس الأميركي المنتخب سوى إيران.
من هذا المنطلق، يعتقد الخبراء أن إضعاف إيران في سوريا هو مهمة روسية رغم التفاهمات الموجودة بين البلدين، مشيرا إلى أن موسكو تريد حلا سياسيا في سوريا تكون المعارضة جزءا منه، بيد أن الإيرانيين يريدون سوريا كلها لهم.