سوريا: المعارضة المسلحة تسيطر على حلب وتعيد إشعال الصراع مع بشار الأسد
في تطور مفاجئ ينذر بإعادة إشعال الصراع الخامد منذ سنوات، قالت المعارضة السورية المسلحة إن قواتها سيطرت – اليوم الجمعة- على مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، كما سيطرت على مدينة سراقب ذات الأهمية الإستراتيجية في محافظة إدلب إثر معارك ضارية مع قوات النظام السوري وحلفائها.
وأشارت قوات المعارضة إلى أنها سيطرت على الكلية العسكرية وكلية المدفعية بحي الزهراء في مدينة حلب، بعد أن سيطرت على ريفها الغربي بالكامل، كما سيطرت على مقر قيادة الشرطة في حلب، ومبنى المحافظة والقصر البلدي والساحة الرئيسية وسط المدينة، كما سيطرت على 14 حيا سكنيا غربي وجنوبي ووسط المدينة.
وأعلنت المعارضة السورية في بيان لها “فرض حظر تجوال في مدينة حلب بداية من الساعة 11.30 من مساء اليوم الجمعة حتى الثامنة من صباح الغد السبت حفاظا على سلامة المدنيين”. وأكدت أنه “خلال ساعات قليلة سيتم تأمين حلب عسكريا وأمنيا ليعلن بعدها تحرير المدينة كاملة”.
تقدم سريع
ووفقًا لشبكة CNN فقد حققت قوات المعارضة السورية تقدمًا سريعًا نحو حلب. فبعدما حققت مكاسب محدودة فقط في السنوات الأخيرة، استولت مؤخرًا على حوالي 60 بلدة وقرية كانت تحت سيطرة القوات الحكومية، بجانب قاعدة للجيش السوري ومركز أبحاث عسكري يقع على بعد مائة ياردة فقط من حلب.
واليوم الجمعة قالت المعارضة المسلحة إنها دخلت المدينة، التي كانت تخضع لسيطرة الحكومة منذ عام 2016. وبحسب منظمة الخوذ البيضاء، قُتل 15 مدنيا على الأقل، بينهم 6 أطفال وامرأتان، وأُصيب 36 آخرون، الخميس، في غارات جوية وقصف على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في ريفي حلب وإدلب.
وقال متحدث باسم المعارضة المسلحة، يُدعى حسن عبدالغني، لشبكة CNN: “هدف العملية هو تحرير أرضنا المحتلة من النظام الإجرامي والميليشيات الإيرانية، وكذلك توفير بيئة آمنة لعودة النازحين إلى مدنهم وبلداتهم”، حسب وصفه.
فيما قال الجيش السوري إنه “يتصدى لمنظمات إرهابية”، وادعى أنه ألحق بتلك الجماعات “خسائر فادحة” منذ الأربعاء الماضي.
عملية مفاجئة
ووفقًا لـ CNN تمثل العملية المفاجئة التي بدأت يوم الأربعاء، أول مواجهة كبيرة بين المعارضة السورية والنظام السوري منذ مارس 2020، عندما توسطت روسيا وتركيا في وقف إطلاق النار في شمال البلاد. وظل الصراع خامدًا إلى حد كبير منذ ذلك الحين، مع اشتباكات محدودة بين المعارضة المسلحة ونظام بشار الأسد.
وقال مصدر أمني تركي لشبكة CNN، إن المتمردين المسلحين أطلقوا ما كان من المفترض أن تكون “عملية محدودة” ضد نظام الأسد بعد أن استهدف الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه مدينة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون، وقتلوا أكثر من 30 مدنيا. وقال المصدر إن المتمردين وسعوا العملية بعد فرار قوات النظام من البلدات المحيطة بحلب.
وفي مكالمة هاتفية مع نظيره السوري لمناقشة التصعيد، اتهم وزير خارجية إيران، عباس عراقجي الولايات المتحدة وإسرائيل بـ”إعادة تنشيط” المتمردين، وأكد على “استمرار دعم” إيران للحكومة والجيش السوري.
فيما دعا المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف السلطات السورية إلى “إعادة النظام بسرعة في هذه المنطقة واستعادة النظام الدستوري”.
تحول موازين القوى
ويبدو أن المعارضة السورية المسلحة استغلت ضعف “حزب الله”، وكيل إيران في سوريا، الذي تعرض على مدار أكثر من عام لحرب إسرائيلية شرسة في لبنان.
فالجماعة المسلحة التي يُنسب لها الفضل في إنقاذ نظام الأسد من المسلحين السوريين، أصبحت ضعيفة بشكل كبير الآن، حيث اُغتيل معظم قادتها، واضطرت للانسحاب من سوريا لدعم جبهتها في لبنان ضد التوغل البري الإسرائيلي.
وقال محللون إن المتمردين استغلوا الفراغ الذي خلفه حزب الله الضعيف، للتقدم في سوريا. وأضافوا: “يرى المتمردون فرصة لاختبار الخطوط الأمامية مع ضعف حزب الله، وإيران المضغوطة، وروسيا المنشغلة بأوكرانيا…وفُوجئ المتمردون بنجاحهم ودفعوا بقوة أكبر مما توقعوا، بعد أن أدركوا أن هناك تحولًا في القوى”.
وكان لحزب الله وكيل إيران دور فعال في مساعدة الأسد على استعادة الأراضي التي خسرتها الميليشيات والجماعات المتمردة. وحارب مقاتلوه نيابة عن الأسد ضد جماعات المعارضة المسلحة السورية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. ولقد عملت سوريا كعمود فقري لوجستي أساسي للجماعة، لبناء ترسانتها الصاروخية في وطنها الأم لبنان.
وعلى مدار الشهور الماضية، حولت قوات حزب الله المقاتلة تركيزها تجاه إسرائيل، وسحبت قواتها من سوريا إلى لبنان، في محاولة لتعويض خسائرها مع تقارب الأسد من دول الخليج العربية وتراجع دوره مع “محور المقاومة” الإيراني.
جبهة إدلب
من جانب آخر، بسطت المعارضة المسلحة – اليوم الجمعة- سيطرتها على مدينة سراقب ذات الأهمية الإستراتيجية في محافظة إدلب شمال غربي البلاد. وانسحبت قوات النظام السوري من سراقب عقب تكبدها خسائر كبيرة جراء الاشتباكات مع المجموعات المسلحة المعارضة والتي استمرت يومين.
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” فإن سراقب تعتبر نقطة تقاطع لطريقي “إم 4″ الذي يربط محافظتي حلب (شمال) واللاذقية (غرب)، و”إم 5” الذي يربط حلب بالعاصمة دمشق.
وشهد محيط مدينة سراقب -أمس الخميس- اشتباكات مع قوات النظام السوري، وتمكنت خلالها قوات المعارضة من السيطرة على 12 نقطة وقرية يومي الخميس والجمعة.
واليوم الجمعة تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على 14 قرية ونقطة في ريفي حلب وإدلب. ويشهد محيط مدينتي سراقب (إدلب) والنيرب (حلب) الإستراتيجيتين اشتباكات عنيفة مع قوات النظام والتنظيمات المدعومة من إيران.
وبذلك تكون قوات المعارضة السورية المسلحة قد سيطرت على 70 نقطة وقرية في ريفي حلب وإدلب، بمساحة تجاوزت 550 كيلومترا مربعا.
وقُتل في الاشتباكات عدد كبير من جنود النظام السوري وأُسر عدد كبير منهم، واغتنمت قوات المعارضة كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والذخائر.
وتشارك في العملية فصائل عدة، بينها هيئة تحرير الشام وأخرى من الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة. ويأتي هذا التطور في اليوم الثالث لمعركة “ردع العدوان” التي أطلقتها المعارضة السورية المسلحة، ردا على ما قالت إنها اعتداءات متصاعدة وحشود للنظام لمهاجمة معاقلها.