في تطور مثير للجدل حول توزيع الرواتب، كشفت بيانات حديثة أن بعض السجناء العاملين يتقاضون رواتب تفوق دخل حراسهم والعديد من أصحاب المهن العليا مثل القابلات والكيميائيين والمعالجين النفسيين في بريطانيا.
ويأتي هذا في وقت شهدت فيه الأجور في بريطانيا ارتفاعًا عامًا بنسبة 5.1% خلال الفترة بين مايو ويوليو 2024، بحسب مكتب الإحصاءات الرسمية، إلا أن أزمة تكاليف المعيشة لا تزال تثقل كاهل الكثير من الأسر البريطانية، مما يضيف أبعاداً جديدة للنقاش حول العدالة الاجتماعية والتفاوت في الأجور.
السجناء في المملكة المتحدة، وخاصة في السجون المفتوحة منخفضة الحراسة، يُسمح لهم بالعمل خارج أسوار السجن خلال النهار بشرط العودة إلى زنازينهم بحلول المساء. هذه البرامج، التي تهدف إلى إعادة تأهيل السجناء وتهيئتهم للحياة في المجتمع، أصبحت مثار جدل واسع بعد أن كشفت وزارة العدل عن أرقام تبين أن أحد السجناء حقق دخلاً إجماليًا قدره 57,640 دولارًا في عام 2023، بينما بلغ صافي دخله بعد الضرائب والاقتطاعات الأخرى 46,005 دولارات.
وتوضح البيانات أن وظائف مثل قيادة الشاحنات تُعد الأكثر ربحية للسجناء، حيث حقق عدد منهم دخولاً سنوية تجاوزت 37,000 دولار حتى بعد الخصومات. في المقابل، يبلغ متوسط دخل حراس السجون 35,085 دولاراً، بينما يحصل المجندون الجدد على 30,073 دولاراً فقط.
أما أصحاب المهن المتخصصة، مثل القابلات والكيميائيين الحيويين والمعالجين النفسيين، فتتراوح دخولهم الصافية بين 43,000 و45,000 دولار، ما يجعل دخل السجناء في بعض الحالات أعلى من هؤلاء المهنيين ذوي الكفاءات العالية.
تاريخيًا، كانت برامج العمل للسجناء تُعتبر جزءًا من فلسفة إعادة التأهيل التي بدأت منذ القرن التاسع عشر، مع انتقال الدول تدريجياً من عقوبات السجن البحتة إلى نهج يركز على إصلاح الأفراد وإعدادهم للحياة المدنية.
غير أن هذه البرامج تواجه اليوم انتقادات لعدم مراعاة الفجوات الاجتماعية، حيث يُثار التساؤل عن مدى عدالة حصول سجناء على رواتب تتجاوز مهن أساسية ومهمة في المجتمع، مثل التعليم والرعاية الصحية.
في هذا السياق، قال متحدث باسم مصلحة السجون إن مكاسب السجناء العاملين تخضع لخصومات كبيرة تشمل الضرائب وغرامات المحكمة ورسوم تصل إلى 40% تذهب لدعم المؤسسات الخيرية التي تخدم ضحايا الجرائم.
وأضاف المتحدث أن السماح للسجناء بالعمل يعزز فرص تأهيلهم ويقلل من احتمالية عودتهم للجريمة. ورغم هذه التبريرات، فإن الفجوة في الرواتب أثارت نقاشات حول ما إذا كان هذا النظام يعكس صورة متوازنة عن أولويات المجتمع، خاصة في ظل تحديات اقتصادية أوسع تشمل ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الطلب على الوظائف ذات الدخل المستدام.
الجدل حول رواتب السجناء لا ينفصل عن سياق أوسع يتعلق بتوزيع الثروة والدخل في المجتمعات الحديثة. بينما تسعى الحكومات لخلق توازن بين دعم إعادة التأهيل وضمان العدالة في الفرص، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن أن يعكس هذا النظام رؤية شاملة لإعادة إدماج الأفراد دون خلق فجوات تثير استياء القطاعات المهنية الأخرى؟