دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وأخرى تتحدى قرار الجنائية الدولية

تتوالى ردود الأفعال الدولية بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وبينما أكدت عدة دول أنها ستتعاون مع المحكمة بشكل كامل، وأنها مستعدة لاعتقال نتنياهو إذا وطأت قدمه أراضيها، أعربت دول أخرى عن تحديها للقرار ودعت نتنياهو لزيارتها.
تبعات القرار
وحول تبعات القرارات على نتانياهو وغالانت، قال القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية، جيفري نايس، في مقابلة مع قناة “الحرة” إن هناك عدة حالات يمكن من خلالها تطبيق القرار، الأولى في حال قامت إسرائيل بتسليم نتانياهو وغالانت وهذا مستبعد تمامًا.
وأضاف نايس، الذي قاد محاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، أن الحالة الثانية تتمثل في احتمال نزولهما في أرض دولة من الدول الأعضاء في المحكمة، وهنا يمكن أن تحصل ضغوط سياسية للتأثير على الإجراء.
وبيّن نايس أن نتانياهو أو غالانت يمكنهما السفر للدول غير الأعضاء في المحكمة الجنائية، وفي هذه الحالة قد نرى ضغوطا شعبية وليست حكومية لتسليمه للمحكمة.
ورجح أن يؤثر القرار على تحركات نتانياهو في المستقبل على اعتبار أن أي دولة ملزمة باعتقاله ولا تفعل فستواجه تداعيات سياسية وشعبية.
ولم توقع إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، بينما هناك نحو 124 دولة منضوية من أبرزها دول الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا وبريطانيا والبرازيل واليابان وعشرات الدول الأفريقية ودول من أميركا اللاتينية.
ومن الدول التي أبرمت نظام روما الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية، نحو 33 دولة إفريقية، و19 دولة من الشرق الأوسط، و28 دولة من أميركا اللاتينية، و25 دولة أوروبية وسواها من الدول الغربية.
دول مؤيدة
كانت أيرلندا من أبرز الدول التي أعلنت استعدادها لتنفيذ قرار الجنائية الدولية واعتقال نتنياهو، حيث أكد رئيس وزرائها، سايمون هاريس، بأن دبلن مستعدة لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا جاء إلى أيرلندا.
وقال هاريس عندما سئل إن كانت أيرلندا ستعتقل نتنياهو إذا حل في أراضيها لأي سبب من الأسباب: “نعم بالتأكيد. نحن ندعم المحاكم الدولية ونمتثل لمذكرات الاعتقال التي تصدرها”.
وفي الإطار نفسه نقلت وكالة الأنباء الرسمية في سلوفينيا عن رئيس الوزراء، روبرت غولوب، قوله إن سلوفينيا ستمتثل لمذكرات الاعتقال التي أصدرتها الجنائية الدولية “بشكل كامل”.
كما أكدت إيطاليا على لسان وزير الدفاع، غويدو كروسيتو، أن بلاده ستضطر إلى اعتقال نتنياهو إذا زارها. وقال كروسيتو إن “المحكمة مخطئة، ولكن سنضطر إلى توقيف رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا زارنا”.
وفي هولندا ألغى وزير الخارجية كاسبر فيلدكامب زيارة له إلى إسرائيل بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية، وقال إن بلاده مستعدة لتنفيذ قرار المحكمة. وفي سويسرا قالت المتحدثة باسم وزارة العدل والشرطة الفدرالية إن السلطات ملزمة باعتقال نتنياهو وغالانت حال مجيئهما إلى سويسرا.
وفي كندا أكد رئيس الوزراء، جاستن ترودو، التزام بلاده بكل لوائح المحاكم الدولية وأحكامها. وفي بريطانيا قال متحدث باسم رئيس الوزراء إن لندن تحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية.
دول متحفظة
بينما كانت دول أخرى متحفظة مثل ألمانيا، حيث قال متحدث باسم الحكومة إن برلين “ستدرس خطواتها بعناية”، مبيّنا أنه “لن تتوفر تفاصيل إلا عندما تكون زيارة نتنياهو وغالانت إلى ألمانيا متوقعة”.
وأضاف أن “ألمانيا من أكبر الداعمين للمحكمة الجنائية الدولية”، لكنه شدد في الوقت نفسه أنه “نتيجة التاريخ الألماني، لدينا روابط فريدة ومسؤولية كبيرة تجاه إسرائيل”.
وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية أيضًا التزامها بضمان “العمل المستقل للمحكمة الجنائية الدولية وفقا لنظام روما”. وقالت الوزارة إن مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت “ليستا حكما، بل إضفاء طابع رسمي على الاتهام”.
وفي الصين قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ردّا على سؤال بشأن مذكرات الاعتقال: “تأمل الصين أن تحافظ المحكمة الجنائية الدولية على موقف موضوعي وعادل وتمارس صلاحياتها وفقا للقانون”.
أما في قبرص التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل فقد قال مصدر حكومي إن قبرص تعدّ مذكرات الاعتقال الصادرة عن الجنائية الدولية ملزمة من حيث المبدأ. وأوضح المصدر أن “القرار قيد الدراسة، وليس لدينا تعليق على ذلك. من حيث المبدأ، فإن قرارات المحكمة الجنائية الدولية تحظى بالاحترام وملزمة”.
دول معارضة
بينما أعلنت دول أخرى معارضتها صراحة للقرار، بل وتحدته موجهة دعوة لنتنياهو لزيارتها، ومن بين هذه الدول المجر التي أعلن رئيس وزرائها فيكتور أوربان – الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي– أنه سيدعو نتنياهو لزيارة المجر.
وقال في مقابلة مع الإذاعة الرسمية “لا خيار أمامنا سوى تحدي هذا القرار. سأدعو في وقت لاحق اليوم نتنياهو للمجيء إلى المجر حيث يمكنني أن أضمن له أن قرار المحكمة الجنائية الدولية لن يكون له أي تأثير”.
وتأتي تصريحات رئيس وزراء المجر، بالرغم من أن بلاده من بين الدول التي صادقت على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي الولايات المتحدة وصف الرئيس جو بايدن قرار الجنائية الدولية بأنه أمر شائن، وقال “مهما تكن الأدلة التي تقدمها المحكمة فإنه لا يمكن المساواة بين حماس وإسرائيل”. وجدد بايدن موقف بلاده بالوقوف إلى جانب إسرائيل في مواجهة ما سماها “التهديدات التي يتعرض لها أمنها”.
فيما أعرب السيناتور بيرني ساندرز عن تأييده لقرار الجنائية الدولية، وقال – في منشور على موقع إكس- إن الاتهامات تستند إلى أسس متينة، وأضاف “إذا لم يمتثل العالم للقانون الدولي، فسننحدر إلى مزيد من الهمجية”.
الموقف القانوني للرافضين
وتعد المجر أول بلد من بين 124 دولة صادقت على نظام روما، تتحدى مذكرات الاعتقال، ويثير موقفها تساؤلات بشأن مواقف الدول الأخرى الموقعة على نظام روما، وما قد يحدث إذا رفضت تنفيذ قرارات الجنائية الدولية.
وفي هذا الصدد، قال رئيس مؤسسة “JUSTICIA” الحقوقية في بيروت، المحامي بول مرقص، إن الدول الموقعة على نظام روما “ستكون ملزمة بتطبيق أوامر المحكمة”، مضيفًا أن دولا أخرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند “غير ملزمة بتطبيق القرار لأنها أساساً غير موقعة على نظام روما”.
وأوضح في حديثه لموقع “الحرة” أنه “على الرغم من أن أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة لا تضمن تنفيذها، فإنها قد تحد بشكل كبير من قدرة نتانياهو على السفر إلى الدول الأعضاء في المحكمة”.
وأضاف: “لكن العديد من الدول لن تمتثل لقرارات التوقيف لاعتبارات سياسية، وهو موقف لن تترتب عليه أية نتائج قانونية مباشرة، سوى أنها ستظهر كأنها لا تفي بالتزاماتها الدولية”.
وأكد أنه لا يرى أن الدول الممتنعة عن تنفيذ مذكرات التوقيف ستواجه عقوبات دولية. وهناك سوابق واجهتها المحكمة الجنائية الدولية بخصوص عدم امتثال الدول الأعضاء لمذكرات التوقيف، وبالتحديد تلك التي كانت قد صدرت ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
فقد استقبله الأردن في مارس 2017 للمشاركة في قمة عربية على أراضيه، وحينها قررت المحكمة إحالة الأردن إلى مجلس الأمن الدولي للنظر في الأمر، لكن بعد عامين، تراجعت عن قرار الإحالة.
وقالت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية، إنه كان يتعين على الأردن إلقاء القبض على البشير؛ لكن عدم القيام بذلك لا يسوغ إحالة المملكة إلى مجلس الأمن الدولي.
وحول عدم تنفيذ الدول أيضًا لأمر الاعتقال، أو السماح بعبور طائرة نتنياهو عبر أجوائها، قال القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية، جيفري نايس، إن التحليق في الأجواء “ليس من السهل التعامل معه”.
وأوضح أن “أي دولة ملزمة لأي سبب من الأسباب باعتقال هؤلاء ولا تفعل ذلك، فإنها ستواجه تداعيات ضمن نظامها السياسي، وستخضع لردود فعل شعبية”. وأشار إلى أن “المشاعر المتعاطفة مع الفلسطينيين قوية جدا، ومعظم الحكومات قد تخسر دعم الشعب إذا لم تحترم أمر التوقيف”.