الجنائية الدولية تأمر باعتقال نتنياهو وغالانت لارتكابهما جرائم حرب
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وقالت المحكمة إن هناك “أسبابًا منطقية” للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وأضافت في بيان لها اليوم الخميس أن “هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات على السكان المدنيين”، مشيرة إلى أن جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاح حرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية والمتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية.
وأكدت المحكمة أن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري، كما اعتبرت أن الكشف عن أوامر الاعتقال هذه يصب في مصلحة الضحايا.
وإلى جانب نتنياهو وغالانت أصدرت المحكمة أيضًا أمر اعتقال بحق قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف.
تفاصيل القرار
أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بالإجماع قرارين برفض الطعون المقدمة من قبل إسرائيل بموجب المادتين 18 و19 من نظام روما الأساسي، كما أصدرت مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
حكمت الدائرة بشأن طلبين قدمتهما إسرائيل في 26 سبتمبر 2024. في الطلب الأول، طعنت إسرائيل في اختصاص المحكمة بشأن الوضع في دولة فلسطين بشكل عام، وعلى المواطنين الإسرائيليين بشكل أكثر تحديدًا، على أساس المادة 19(2) من النظام الأساسي.
وفي الطلب الثاني، طلبت إسرائيل من الدائرة أن تأمر الادعاء بتقديم إخطار جديد بشأن بدء التحقيق إلى سلطاتها بموجب المادة 18(1) من النظام الأساسي. كما طلبت إسرائيل من الدائرة وقف أي إجراءات أمام المحكمة في الوضع ذي الصلة، بما في ذلك النظر في طلبات إصدار أوامر اعتقال لنتنياهو وغالانت، التي قدمتها النيابة العامة في 20 مايو 2024.
وفيما يتعلق بالطعن الأول، لاحظت الدائرة أن قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة ليس ضرورياً، لأن المحكمة تستطيع ممارسة اختصاصها على أساس الاختصاص الإقليمي لفلسطين، كما حددته الدائرة التمهيدية الأولى في تشكيل سابق. وعلاوة على ذلك، اعتبرت الدائرة أنه بموجب المادة 19(1) من النظام الأساسي، لا يحق للدول الطعن في اختصاص المحكمة بموجب المادة 19(2) قبل إصدار أمر بالقبض. وبالتالي فإن طعن إسرائيل سابق لأوانه، وهذا لا يمس بأي طعون مستقبلية محتملة على اختصاص المحكمة و/أو قبول أي قضية معينة.
ورفضت الدائرة أيضًا طلب إسرائيل بموجب المادة 18 (1) من النظام الأساسي. وأشارت الدائرة إلى أن الادعاء أخطر إسرائيل ببدء التحقيق في عام 2021. وفي ذلك الوقت، وعلى الرغم من طلب التوضيح الذي قدمه الادعاء، اختارت إسرائيل عدم متابعة أي طلب لتأجيل التحقيق. وعلاوة على ذلك، اعتبرت الدائرة أن معايير التحقيق في الوضع ظلت كما هي، وبالتالي لم يكن هناك حاجة إلى إخطار جديد لدولة إسرائيل. وفي ضوء ذلك، وجد القضاة أنه لا يوجد سبب لوقف النظر في طلبات أوامر الاعتقال.
أوامر الاعتقال
أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ 8 أكتوبر 2023 على الأقل حتى 20 مايو 2024 على الأقل، وهو اليوم الذي قدمت فيه النيابة العامة طلبات إصدار مذكرات اعتقال.
وفي البداية، اعتبرت الدائرة أن السلوك المزعوم لنتنياهو وغالانت يقع ضمن اختصاص المحكمة. وأشارت إلى أنها قررت بالفعل في تشكيل سابق أن اختصاص المحكمة في هذه الحالة يمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
وفيما يتعلق بالجرائم، وجدت الدائرة أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو، المولود في 21 أكتوبر 1949، وهو رئيس وزراء إسرائيل وقت ارتكاب الجرائم المعنية، والسيد غالانت، المولود في 8 نوفمبر 1958، وهو وزير دفاع إسرائيل وقت ارتكاب السلوك المزعوم، يتحمل كل منهما المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية باعتبارهما مشاركين في ارتكاب الأفعال بالاشتراك مع آخرين: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.
ووجدت المحكمة أيضًا أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما رئيسين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين.
الجرائم المزعومة
ووجدت الدائرة أسباباً معقولة للاعتقاد بأنه خلال الفترة المذكورة، كان القانون الإنساني الدولي المتعلق بالنزاع المسلح الدولي بين إسرائيل وفلسطين والقانون المتعلق بالنزاع المسلح غير الدولي ينطبقان على القتال بين إسرائيل وحماس، وأن السلوك المزعوم لنتنياهو وغالانت يتعلق بأنشطة الهيئات الحكومية الإسرائيلية والقوات المسلحة ضد السكان المدنيين في فلسطين، وبشكل أكثر تحديداً المدنيين في غزة. وبالتالي، فقد تعلق الأمر بالعلاقة بين طرفين في نزاع مسلح دولي، فضلاً عن العلاقة بين قوة الاحتلال والسكان في الأراضي المحتلة.
ولهذه الأسباب، وفيما يتعلق بجرائم الحرب، وجدت الدائرة أنه من المناسب إصدار أوامر الاعتقال وفقاً لقانون النزاع المسلح الدولي. ووجدت الدائرة أيضاً أن الجرائم المزعومة ضد الإنسانية كانت جزءاً من هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين في غزة.
ورأت الدائرة أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن كلا الشخصين حرموا عمدًا وعن علم السكان المدنيين في غزة من أشياء لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، فضلاً عن الوقود والكهرباء، من 8 أكتوبر 2023 إلى 20 مايو 2024 على الأقل.
ويستند هذا الاستنتاج إلى دور نتنياهو وغالانت في إعاقة المساعدات الإنسانية في انتهاك للقانون الإنساني الدولي وفشلهما في تسهيل الإغاثة بكل الوسائل المتاحة لها. ووجدت الدائرة أن سلوكهما أدى إلى تعطيل قدرة المنظمات الإنسانية على توفير الغذاء وغيره من السلع الأساسية للسكان المحتاجين في غزة. كما كان للقيود المذكورة أعلاه، إلى جانب قطع الكهرباء وتقليص إمدادات الوقود، تأثير شديد على توفر المياه في غزة وقدرة المستشفيات على تقديم الرعاية الطبية.
وأشارت الغرفة أيضاً إلى أن القرارات التي تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة أو زيادتها كانت مشروطة في كثير من الأحيان. ولم تتخذ هذه القرارات بهدف الوفاء بالتزامات إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي أو ضمان تزويد السكان المدنيين في غزة بالسلع التي يحتاجون إليها على النحو الكافي. بل كانت في واقع الأمر استجابة لضغوط المجتمع الدولي أو لطلبات الولايات المتحدة الأميركية. وفي كل الأحوال، لم تكن الزيادات في المساعدات الإنسانية كافية لتحسين قدرة السكان على الوصول إلى السلع الأساسية.
وعلاوة على ذلك، وجدت الدائرة أسباباً معقولة للاعتقاد بأنه لا يمكن تحديد أي حاجة عسكرية واضحة أو مبرر آخر بموجب القانون الإنساني الدولي للقيود المفروضة على وصول عمليات الإغاثة الإنسانية. وعلى الرغم من التحذيرات والمناشدات التي وجهها، من بين جهات أخرى، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة والدول والمنظمات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بشأن الوضع الإنساني في غزة، لم يتم السماح إلا بالحد الأدنى من المساعدات الإنسانية. وفي هذا الصدد، نظرت الدائرة في فترة الحرمان المطولة وبيان نتنياهو الذي يربط بين توقف السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية وأهداف الحرب.
وبناء على ذلك، وجدت الدائرة أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب.
ووجدت الدائرة أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نقص الغذاء والماء والكهرباء والوقود والإمدادات الطبية المحددة، خلق ظروفاً معيشية من شأنها أن تؤدي إلى تدمير جزء من السكان المدنيين في غزة، مما أسفر عن وفاة مدنيين، بمن فيهم أطفال بسبب سوء التغذية والجفاف.
وعلى أساس المواد التي قدمتها النيابة العامة والتي تغطي الفترة حتى 20 مايو 2024، لم تتمكن الدائرة من تحديد ما إذا كانت جميع عناصر جريمة الإبادة التي تشكل جريمة ضد الإنسانية قد استوفيت. ومع ذلك، وجدت الدائرة أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن جريمة القتل التي تشكل جريمة ضد الإنسانية قد ارتُكبت فيما يتصل بهؤلاء الضحايا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشخصين المذكورين مسؤولين أيضاً عن إلحاق معاناة شديدة بأشخاص يحتاجون إلى العلاج من خلال تقييد أو منع وصول الإمدادات الطبية والأدوية إلى غزة، وخاصة المخدر وأجهزة التخدير. فقد أُجبر الأطباء على إجراء عمليات جراحية لجرحى وبتر أطراف، بما في ذلك على الأطفال، دون تخدير، و/أو أُجبروا على استخدام وسائل غير كافية وغير آمنة لتخدير المرضى، مما تسبب في آلام ومعاناة شديدة لهؤلاء الأشخاص. وهذا يرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية من خلال أفعال لاإنسانية أخرى.
ووجدت الدائرة أيضاً أسباباً معقولة للاعتقاد بأن السلوك المذكور أعلاه حرم جزءاً كبيراً من السكان المدنيين في غزة من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والصحة، وأن السكان كانوا مستهدفين على أساس سياسي و/أو وطني. ولذلك وجدت الدائرة أن جريمة الاضطهاد قد ارتُكبت.
وأخيرا، خلصت الدائرة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية بصفتهما رئيسين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجمات عمدية ضد السكان المدنيين في غزة.
وفي هذا الصدد، وجدت الدائرة أن المواد التي قدمتها النيابة العامة لم تسمح لها بالتوصل إلى نتائج إلا بشأن حادثتين يمكن اعتبارهما هجمات عمدية ضد المدنيين. وهناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت، على الرغم من وجود تدابير متاحة لهما لمنع أو قمع ارتكاب الجرائم أو ضمان إحالة الأمر إلى السلطات المختصة، فشلا في القيام بذلك.
عزلة إسرائيلية
من جانبه، شدد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، على أن الهدف من أوامر الاعتقال هو تحقيق العدالة للضحايا وأسرهم، معربًا عن التزام المحكمة بالحياد وعدم التحيز.
ويرى خبراء القانون الدولي أن هذه الخطوة قد تزيد من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، وتحد من قدرة قادتها على التحرك بحرية، كما أنها قد تعقد أي جهود دبلوماسية محتملة لإنهاء النزاع المستمر منذ أكثر من عام.
وكشف قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، الكثير عن عزلة إسرائيل، وعدم قدرة نتنياهو على دخول 124 دولة.
وبحسب صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، فرغم أن قرار المحكمة الجنائية الدولية لن يكون قابلًا للتنفيذ بشكل كبير لعدة أسباب، منها عدم وجود آلية واضحة، فإن نتنياهو سيحرم من دخول 124 دولة تقريبًا موقّعة على معاهدة روما التي تنظم عمل المحكمة.
وتابعت أن القرار يمثل تصعيدًا كبيرًا في الساحة القانونية الدولية غير مسبوق، ويُعد القرار خطوة قانونية ودبلوماسية قد تغير معادلة الصراع في المنطقة.
ووفقًا للقانون الدولي، فإن الدول الأعضاء في المحكمة، البالغ عددها 124 دولة، بما في ذلك المملكة المتحدة وألمانيا، ملزمة باعتقال نتنياهو وغالانت إذا دخلا أراضيها، ومع ذلك، فإن غياب قوة تنفيذية للمحكمة يثير تساؤلات حول إمكانية تنفيذ هذه الأوامر.
وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 148 ألف قتيل وجريح فلسطيني – معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” تواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
إسرائيل وأميركا ترفضان
من جانبه أدان نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحقه وحق غالانت، ووصفوه بالمخزي والمعادي للسامية.
كما انتقده أيضا الرئيس الأميركي جو بايدن، وأعرب عن دعمه ما وصفه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد “حماس”.
وقال مايكل والتز مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب “توقعوا ردا قويا في يناير المقبل على تحيز الجنائية الدولية المعادي للسامية”، في إشارة إلى موعد تسلم ترامب لمنصبه رسميا.
وأضاف والتز أن المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بأي مصداقية، واعتبر أن إسرائيل “دافعت بشكل قانوني عن شعبها وحدودها ضد الإرهابيين”، وفق زعمه.
وفي سياق ردود الفعل الإسرائيلية على مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بيني غانتس قرار محكمة لاهاي بالعمى الأخلاقي والعار التاريخي الذي لن ينسى أبدا، وفق قوله. أما زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد فاعتبرها “مكافأة للإرهاب”، وفق تعبيره.
بدوره، اعتبر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أن أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت تمثل عارا لا مثيل له لكنه ليس مفاجئا على الإطلاق، وقال إن الجنائية الدولية في لاهاي “تثبت مجددا أنها معادية للسامية من بدايتها حتى نهايتها”، على حد قوله.
وأضاف بن غفير أن الرد على أوامر الاعتقال هو فرض السيادة على الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان وقطع العلاقات مع ما وصفها بـ”السلطة الإرهابية” وفرض العقوبات عليها.
بدورها، قالت وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف إن مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت سخافة قانونية، وإن إسرائيل لن تعتذر عن حماية مواطنيها، حسب قولها.
أما وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين فقال إن قرار المحكمة “معاد للسامية وحقير، وسيذكر كأكثر نقطة انحطاط في تاريخ المحكمة”.
من جانبها، قالت القناة الـ13 الإسرائيلية إن أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت صدرت منذ فترة واعتُبرت سرية وتقرر إعلانها اليوم.