الغرب بعيون عربية.. فيصل عباس يبدع في تقديم تجربة مهاجر عربي في بلاد الإنجليز
ترجمة: مروة مقبول - تحرير: علي البلهاسي
أصدر الصحفي العربي الكبير، فيصل عباس، كتابًا جديدًا قدم من خلاله رحلة استكشافية وتجربة ثرية لمهاجر عربي في بريطانيا العظمى، وجاء الكتاب تحت عنوان مميز ولافت للنظر وهو “حكايات عربي أنغلوفوني Anecdotes of an Arab Anglophile”، الصادر باللغة الإنجليزية عن دار «نوماد بابليشنيغ» البريطانية.
ويقول الصحفي راي حنانيا، في مقاله الذي كتبه بصحيفة The Arab Daily News، إنه لم يكن يعلم عن تعقيدات الحياة في إنجلترا حتى قرأ كتاب زميله الصحفي فيصل عباس، رئيس تحرير Arab News، الجريدة الرائدة باللغة الإنجليزية في الخليج العربي، حيث سرد حكاياته في بريطانيا التي امتدت على مدار 20 عامًا، والتي تُشبه تجربة “أليس في بلاد العجائب”.
وأوضح حنانيا أن الكتاب، إلى جانب أسلوبه الفكاهي الساخر، يُعتبر تعليميًا، ليس للعرب فحسب ولكن أيضًا للأمريكيين من أبناء الولايات المتحدة، التي لم تتمكن انجلترا من السيطرة عليها لتوسعة إمبراطوريتها، وانفصلت عنها بعد حروب عنيفة عام 1776.
كما أشار إلى إهداء للكتاب قدمه الكاتب إلى العديد من الأشخاص الذين ساعدوه، وإهداء أيضًا “إلى أي شخص اضطر إلى العيش في هذه البلد مع وجود خط أحمر تحت اسمه باستمرار على برنامج مايكروسوفت وورد”، لأنه لم يتعرف عليه.
ويستكشف الكتاب رحلة عباس، الذي ولد في ثمانينيات القرن العشرين من ثقافة “مفتونة بالحضارات الغربية”، على مدار عقدين من الزمان من “مجرد متحدث باللغة الانجليزية” إلى “محب لثقافتهم”.
أسماء وثقافات مختلفة
وكما يشير عباس في كتابه “لا توجد أمة ترمز بشكل أفضل إلى عمليات التغريب في العالم من بريطانيا العظمى، والتي لها العديد من الأسماء والثقافات واللغات والسلوكيات المجتمعية المختلفة.
ومن خلال حياته في لندن، “مدينة الضباب” كما يشير إليها العالم العربي غالبًا، يوضح عباس أن العيش هناك ساعده في تفسير الاختلافات بين تلك الأسماء التي تشير إلى هذه الجزيرة الصغيرة، التي تمكنت من أن تكون إمبراطورة عظمى، بما في ذلك (المملكة المتحدة، بريطانيا، بريطانيا العظمى، وإنجلترا).
فبريطانيا العظمى تتكون من إنجلترا واسكتلندا وويلز، في حين أن بريطانيا الصغرى هي الاسم القديم لأيرلندا. وبريطانيا العظمى هي أيضًا “الاسم الشائع” لاسم آخر، المملكة المتحدة، والتي تشمل أيرلندا الشمالية.
ويوضح عباس في كتابه أن البريطانيين لديهم هوس بالخصوصية، ومع ذلك لديهم كاميرات مراقبة في كل مكان، كما أن لديهم شغف خاص بما يطلق عليه الأمريكيون “المقامرة” أو “الرهان”.
الديمقراطية البريطانية
وفي كتابه يقدم عباس بعض الرؤى حول الديمقراطية البريطانية، تلك الأمة التي أنجبت الميثاق الأعظم في القرن الثالث عشر، وهو الميثاق الملكي الذي أعلن للعالم أن الملك (أو الملكة) وحكومته (حكومتها) خاضعون للقوانين. وأوضح أن البريطانيين لا يكتمون الحقائق في ديمقراطيتهم، لكنهم ببساطة اتخذوا قرارًا بعدم نشرها.
ويوجه عباس انتباه القارئ إلى أن البريطانيين يتجنبون غالبًا المناقشات السياسية أو التحدث عن العلاقات الخارجية الدولية للبلاد، لأنها قد تكون مثيرة للجدل، وأنهم يركزون بدلًا من ذلك على المناقشة الأكثر “أمانًا” حول حالة الطقس.
مدينة الضباب
أما عن سبب تسميتها بـ”مدينة الضباب”، فيقول إن هذه التسمية لها سياق تاريخي تطور من خلال التصنيع في البلاد، الذي كان يعتمد بشكل رئيسي على الفحم، وكان الدخان الناتج منه يملأ سماء لندن من خلال المداخن، ويمتزج بالضباب الطبيعي فينتج عنه “الضباب الدخاني”ـ وهو ما يعيد إلى الأذهان ذكريات الحياة البريطانية في فيلم “ماري بوبينز”.
روح المؤرخ
هذه مجرد بعض الحكايات التي يوثقها عباس في كتابه المكون من 189 صفحة، والذي كتب بروح المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن الخامس، أو ربما ابتعد قليلًا ليكون ابن خلدون المعاصر، عالم الاجتماع العربي في العصور الوسطى.
ويؤكد الصحفي راي حنانيا في نهاية مقاله على أن كتاب فيصل عباس سوف يتركك مستمتعًا بكل الحكايات التي يشاركها، ويجعلك أكثر اطلاعًا بنفس القدر على الثقافتين البريطانية والعربية.
https://twitter.com/rayhanania/status/1849613812002873735
إشادات بالكتاب
قوبل كتاب فيصل عباس بالعديد من الإشادات، حيث اعتبر النقاد أن الرحلة الطويلة التي خاضها الصحافي السعودي اللامع فيصل عباس في بلاد الإنجليز، أكسبته مهارات وخبرات، كما أكسبته بالقدر نفسه قدرة على سبر أغوار المجتمع البريطاني بجوانبه المختلفة، ورؤيته من الداخل، ما تجسد بدقة في كتاب “حكايا عربي أنجلوفوني”.
وفي تقديمه للكتاب، يلمس عثمان العمير، ذلك الجانب التوثيقي في كتاب فيصل عباس، فيرى أن الكتاب يرقص بأناقة بين فضاءات علوم الإنسان، والتاريخ، وفن الهجاء، وسيرة الشخص الذاتية، فيوفر للقراء مزيجاً من متعة القراءة والاستنارة.
وينسجم مع التقييم ذاته، تقريباً، أليستير بيرت، وزير الدولة (سابقاً) لشؤون الشرق الأوسط، معتبراً أن الكتاب سلط الضوء على جوانب مهمة، سواء فيما يتعلق بتجربة تعامل شاب عربي مسلم مع صدمات بدء مشوار الاغتراب في المجتمع اللندني، أو، وهو الأهم، معايشة حدث إرهابي ضخم كما جريمة السابع من يوليو عام 2005، إضافة إلى كيفية التعامل البريطاني مع قضايا خطيرة، مثل العِرق، والدين، والتاريخ.
كما يشيد بالكتاب أيضًا كلٌ من كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي- البريطاني، «كابو»، وريتشارد كويست، نجم محطة «CNN» المعروف، والكاتب إيد حسين، مؤلف «ذا إسلاميست»، أحد الكتب المدرجة في قوائم الأكثر مبيعًا، ويرى كلٌ منهم إن في الكتاب جوانب عدة تستحق التوقف أمامها.
عنوان مستفز
ويرى الكاتب بكر عويضة أن عنوان الكتاب متميز ولافت للنظر، وربما هو مستفز وصادم، لكنه يضع القارئ أمام إنجاز سَردي مهم، كونه ثري المضمون أيضاً.
وأضاف في مقال له بموقع “إيلاف” أن استفزاز عنوان الكتاب للقراء، يشرحه الكاتب نفسه فيصل عباس عارضاً لثنائية الحب والكره التي اتسمت بها علاقة العرب، بشكل عام، مع الإنجليز كشعب، وخصوصاً مع بلادهم كإمبراطورية، بحكم ماضيها الاستعماري في منطقة المشرق العربي عموماً.
وأما ثراء المضمون فيتجلى في تعدد الآفاق التي يحلّق المؤلف في فضاءاتها، حاملاً القراء إلى دروب مشاها، وتجارب عاشها، واختبارات مرّ بها.
وأكد عويضة أن مضامين حكايات فيصل عباس اللندنية لم تخل من نوادر وقفشات لطيفة، ورسائل ودلالات عدة، بينها المفيد كمعلومات للجيل الحالي من شابات وشبان عرب بريطانيا، وبينها ما سوف يفيد جيل لاحق، إذا شاء أحدهم، أو إحداهن، إجراء بحث، أو دراسة تتوخى الغوص في أعماق المرحلة التي يتحدث عنها الكاتب من خلال سيرة الشخص.
وأضاف أن هذه- بالمناسبة- إحدى السمات التي ينبغي أن تتسم بها السيّر الذاتية للشخصيات المؤثرة، فهي حين تجمع بين العام والخاص، وتأثير كل منهما على الآخر، تكتسب صفة المرجع الموثوق الذي ربما يعين كل باحث يرجع إليه.
ويختتم عويضة مقاله حول الكتاب قائلًا: “إنني مدينٌ بشكر شخصي للكاتب الصحفي فيصل عباس، فقد أرجعني كتابه إلى سنوات شباب مشوار تغريبتي اللندنية، بدءاً من أواخر سبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى خواتيم التسعينيات. حقاً، ثمة جوانب عدة تضمنها الكتاب، سبق لي أن عشتها، وكذلك معظم أتراب جيلي، من رفاق المشوار اللندني، رغم اختلاف وتباين الوسائل والأدوات، لذا أختم، كما بدأت، بالقول إن حكايات فيصل عباس اللندنية هي بالفعل ثرية برسائل ودلالات.
الغرب بعيون عربية
وفقًا لصحيفة “سبق” السعودية، فقد نجح فيصل عباس من خلال كتابه في أن يلقي نظرة عربية على بريطانيا، وهو الذي قضى نحو عقدين من عمره يحتك بالمجتمع البريطاني، ويتفاعل معه، يتحدث بلغته، ويتلاحم بنسيجه وفئاته المختلفة.
وتشير الصحيفة إلى أن تلك الخبرات والقدرات التي اكتسبها “عباس” عبر السنوات الطويلة في لندن وترسخت في الذاكرة من خلال تجاربه الطويلة في بلاد الإنجليز خرجت على الورق متجسدة في كتاب.
ويروي عباس من خلال الكتاب تجارب عمل، وعلم، وعشق خاضها في نحو عقد من الزمان في لندن، تأمل خلالها تفاصيل وتعقيدات وتناقضات هذه المدينة الكبرى.
وبمزيج من فضول المهاجر وحياد الصحفي يروى لنا حكاياته التي تعكس ما يخوضه المغترب في بيئته الجديدة من أسئلة محيرة، ومواقف طريفة، يسردها بخليط من الجدية المهنية تارة، وبسخرية لاذعة تارة أخرى.
تلك التجربة المميزة فتحت شهية الصحافي اللامع ليجود لنا بكتاب “حكايا عربي أنجلوفوني”، فقد تبادل “عباس” الأدوار في هذا الكتاب، فقد عرفنا كثيراً الكتب والمجلدات التي كتبها الغرب والمستشرقين عن العرب، لكن تلك التجربة المختلفة تعكس الأدوار، إذ نرى الغرب فيها بعيون عربية ناقدة ومتفحصة، تركز على مستقبل العلاقات.
من هو فيصل عباس؟
فيصل عباس، صحافي سعودي، من مواليد عام 1982، يتولى حاليًا منصب نائب رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين، ورئيس تحرير صحيفة “عرب نيوز” العريقة الناطقة باللغة الإنكليزية.
عمل عباس في الصحافة منذ العام 1999، حيث بدأ مسيرته الإعلامية مراسلًا في قسم الأخبار بتلفزيون المستقبل في لبنان، وذلك خلال دراسته في الجامعة اللبنانية الأميركية التي تخرج منها عام 2003 وحصل على البكالوريوس في التسويق.
ومن ثم عمل مع جريدة “الحياة” قبل أن ينتقل إلى لندن ليعمل محررًا مع جريدة “الشرق الأوسط” الدولية. وفي عام 2012 تولى رئاسة تحرير موقع قناة العربية باللغة الإنجليزية في دبي. وفي سبتمبر 2016 عُيّن رئيسًا لتحرير صحيفة “عرب نيوز”.
وخلال إقامته في لندن، حصل الصحافي اللامع على الماجستير في الاتصالات التسويقية من جامعة “ويستمنستير” في لندن عام 2009، وهو خريج برنامج التعليم التنفيذي في القيادة الدولية والسياسة من كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد الأمريكية.
كما ألقى محاضرات حول العالم العربي في عدد من أهم الجامعات البريطانية، وهو عضو في نقابة الصحافيين بالمملكة المتحدة، ورابطة المؤلفين البريطانيين، وعضو شرف في جمعية اتحاد طلاب جامعة “كايمبردج”.
ويكتب فيصل عباس مقالات الرأي في صحف ومطبوعات عربية ودولية، منها: فورين بوليسي، وهافينجتون بوست، وإنترناشونال ريسورس جورنال، ويتم استضافته كمحلل سياسي للقضايا السعودية والعربية في قنوات إخبارية عدة، منها: سي إن إن، وبي بي سي، وسكاي نيوز، وروسيا اليوم وغيرها.
أصدر كتابه “عربي إنجليزي” عام 2017، وهو كتاب يتحدث عن مدينة لندن من منطلق عربي. وفي مارس 2017 نال فيصل عباس “جائزة الأثر الاجتماعي” من قِبل “المجلس الثقافي البريطاني”، و”السفارة البريطانية في الرياض” ضمن تكريمها لأبرز المتخرجين السعوديين من المملكة المتحدة.
كما نال جائزة الريادة “Cutting Edge” في مايو 2009 من قِبل “مجلس الإعلام الدولي” في لندن، وذلك لجهوده في تشجيع معايير التميز ومكافحة التشويش. وتم اختياره للانضمام لعضوية مجتمع القيادات العالمية الشابة التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018.
وهو عضو في المجلس الاستشاري التحريري لقناة العربية الإخبارية منذ عام 2019، وفي 28 يناير 2024، انتخب نائبًا لرئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين.